|
في التصوف نقيا و ثريا و وافدا غريبا
حمزة بلحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6354 - 2019 / 9 / 18 - 09:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان لا يجب أن نقرأ تراثنا الصوفي بشرطيات وعي خارجية و لا بمفاضلات و تبجيلات في عمقها أيديولوجية توظف و تستخدم العرفان إستخداما تبريريا مثل توظيفه لنشرالخرافة و لتخدير الشعوب ..
أو لاستبعاد مختلف القراءات الإسلامية مثل " الإسلام السياسي " أو توظيفه لتبرير " العلمنة " و تكريس التدين الفردي الذي لا يقلق أنظمة الحكم عندنا و لا القوى الهيمنية الدولية و الرأس المال العالمي الفاسد و الملوث و الملطخ بالدماء ..
نحن نقرأ تراثنا الصوفي في كثير من الأحيان مبعضا و مفضلا و بروافده الهرمسية تارة و الغنوصية ..الخ في قوالب جاهزة و محضرة و منمطة ...
أو نقرأه غالبا بعنعنة إستشراقية أو بوعي خارجي مشروط من خلال مثلا لا حصرا " بولس نويا " ...
أو تأويل " الصوفي" "سريالي" كما فعل أدونيس مثلا و يفعل بعض الكتاب الحداثويين العرب..
بل نقرأ تراثنا " الصوفي " و نفككه و نحلله و نحن ننتج أدواتنا و مفاهيمنا أو نحرر الأدوات المستخدمة من كل ما لا يتلائم مع النسق المعرفي العربي الإسلامي و أعني النقي الثري..
نوظف هذه الأدوات و نستخدمها و نقوم بأقلمة المفهوم - نعم - أؤكد " أقلمة المفهوم " أداة و محتوى ( على حد ما وسم به كتابه احد الكتاب اظنه كوش ) ..
أنا أدرك أن الإستشراق هو قراءة الاخر و اكتشافه لنا .. و نحن نقرأ الإستشراق القديم و الحديث معا نصا لا بد من استحضار هذا المعنى...
فكثير من النصوص الإستشراقية بعضها أو كلها بما لها و ما عليها إضافة جديدة إلى وعينا و من بينها ما لا يخلو من حضور للنزعة " الكولونيالية " " المتمركزة "حول ذاتها و مصالحها ...
إننا نستحضر " بولس نويا " و نذكره هنا بعقل متيقظ و متبصر و لا نتنكر اكتشافه لبعض النصوص الصوفية النادرة ...
لكن لا بد من كلمة حول الهوس الذي يسكن البعض في نقل النموذج اللاتيني بكل تمثلاته و أسسه الفلسفية و ثقافته و قيمه ...
الحداثة حداثات ...لا واحدة فقط..
كل أمة تصنع حداثتها...
لسنا ملزمين بالنموذج لكن باختصار المسافة و تحصيل كثير من منجزاته مفصولة عن بطانته الفلسفية و أسسه و إطاره اللاتيني مع إدراك سياقاته و الذي انبثق عن تمركزاته كل من الإستشراق القديم و الحديث مثلا ..
و نعتقد بأن التقنية و العلم و أعني العلماء و هم يمارسون مهمة الإختراع في مخابرهم قد بنيت عقولهم على فكر الأنوار و الحداثة و ما بعدها و لذلك ابتكروا و اخترعوا (هنا تتضح أهمية تاريخ العلوم و نشأتها و تكوينها و سوسيولوجيا الحداثة و ما بعدها )...
إن الفلسفة تلاحق العلم ( و هي متأخرة اليوم بسبب سرعة تطور العلوم على حد تعبير ستيفن هوكينز ) و تنظر لصالح العلوم و تتابع المنجزات و الأدوات و تؤرخ ثم تصوغ أو تبني المفاهيم ...
و لا نريد عبر هذه الإشارة ان ندخل أسئلة كثيرة كيف صنع الأمريكي حداثته و هل تفلسف و استحضر الحداثة و الأنوار ثم بنى بها العقول الباحثة و المخترعة في " النازا " و "سيليكون فالي" ليبني إمبراطورية عاتية و كذلك الروسي و الاسيوي..
أم سبق العلم الفلسفة و المنهج و بناء العقل أم ساير كل منهما الاخر ...
إذا أجبتني بان الامر لا يتعلق بالفلسفة و حضورها التاريخي في سيرورة و صيرورة التطور - باعتبار التاريخ وعاء الفعل الحضاري و الحداثة نظرية و مفهوما هي قراءة الفيلسوف لتلك السيرورة و الصيرورة في المنجزات و الادوات بإنشاء المفاهيم و الأدوات
و المناهج ...
ثم إن أردت أن تقارب مسألة الدين و كيف غرقنا في وحل ثنائية الوصل/ الفصل العلمانية و الدين وهي إشكالات جاء بها التراثيون و الحداثيون معا لأنها أفكار و إشكالات مستقيلة عن الواقع -
و سأعود في دراسة خاصة لبحث الموضوع و لن أطرحه من زاوية الائتمانية مقابل العلمانية كما فعل الفيلسوف طه عبد الرحمن بل من مقترب اخر ...
ثم إن قال قائل منهم و هل لنا من غير النموذجين سبيل و خيار اخر سوى العلمانية أو الثيوقراطية أجبناه أليست الحداثة تجاوز للجاهز و رفض للوصاية ..
دع العقل يقوم بحفرياته و تقبل الإبداع باعتبار النصوص مفتوحة لا مغلقة لكن مفتوحة على المعنى الذي يترسب قارا لبناء الحضارات و لا يتحول باستمرارحتى لا نكاد نقبض عليه ..
إن المعنى يرتبط بالقيمة و منها الجمال و الذي نتلمس اثاره و قسماته و نتذوقه و ليس الجميل هو الذي لا يلبث و يمكث و يقبض عليه ...
و الجميل ليس هو الذي ينتقل من دائرة الصمت إلى الكلام المدون المنطوق المسموع المقال المتلقي - غامضا و مبهما - فلا يكاد يستقر حتى يحل محله كلمح البرق " جميل " اخر يحرم المتلقي من إدراك لذة الإستمتاع بالأول و الإستقرار النسبي و مكوثه مراسا
و ذوقا حتى يمله و يكل منه و يتحرر من ربقته..
فلا ينتج "جميل" - بالمفهوم العبثي - إلا و حل محله جميل اخر عبثي أيضا شارد..
إنها حالة من القلق الموجع و الذي يعكس الصورة و الوضع النفسي للمجتمعات الحديثة في حالة سيكولوجية " فصامية جماعية " خطيرة على الأمن النفسي الفردي و الجماعي و الكوني...
كيف يمكن للمفردة الصوفية أن تكون بشحنتها اللاهوتية و النسكية " من النسك " أن تسعف كتابا يعتبرون الجميل متحولا لا يمكن القبض عليه فيتعسفون في تأويل النص الصوفي و مفرداته لإقحامه في نصوصهم و تزيينها بتلك المفردات المجردة من النسكية و
التعبد و التجربة العبادية و الروحية معا ..
إنهم عرفانيون يمنحون للخمرة شحنة عرفانية و للغياب و للحضور و لمعانقة المطلق و الرمز الصوفي ما يبررون به نزواتهم و نشواتهم و شبقية نصوصهم ..
عندما يختزل الصوفي إلى سريالي فوق الواقع متعال كتعالي المطلق و الرمز و علامة تحقق فيها السيمياء و علم الدلالة العربي في أصله و نظريات غريماس ..
عندما يتحول اللاهوت إلى غريزة أرضية حيوانية تحت المحايثة ..
عندما يختصر المطلق في بهيمية رعناء و تؤنث الذات الإلهية باسم العرفان ..
عندما يهرمس العرفان و يشرقن و يغربن و يتحول إلى غنوص " دريدي " و " ميشيلي " نسبة الى ميشال دو سارتو ..
عندما يفرغ التصوف من الفقه و من القران و الأخلاق و الزهد الإسلامي الذي يحقق معنى الإستخلاف و منه زهد في شهوات حيوانية غالبا ما ينطبع بها النص الشعري و النثري فقط للفرار من إسلام الفقه و التزاماته ..
كيف يمكنك أن تحدثني عن التصوف و أنت تراه في خصر امرأة و بين نهديها و تقول لي إنها إصطلاحات المتصوفة ...
كيف يمكنك أن تحدثني عن التصوف و أنت لم تفكك منظومته لتعلم ما هو أساسي و أصيل و نقي و ما هو وافد مستوعب و جميل وحسن و ما هو وافد غريب و نشاز ..
كيف يكون التصوف عونا يدعم الحكام السفهاء و المستبدين و المفسدين و يحرم الخروج السلمي عليهم و كل هذا بمبرر قطع الطريق على الإسلام الارثدوكسي و السياسي فقط..
كيف يكون التصوف مبررا للظلم و الحقرة و الفساد و الإستبداد ..
كيف يكون التصوف شاهد زور و نص يبرر السفه و الخمر و الزنا و الربا و العبث ..
ليس هذا من العرفان في شيء يا مولانا ..
#حمزة_بلحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الثورة التحريرية الجزائرية ..و مفهوم القراءة .. عند محمد
...
-
ملاحظات حول الحراك الجزائري راهنه و مستقبله (2)
-
في زواج المتعة - الشيعي- و المسيار - السني-
-
في نقد كتب الإصلاح التربوي في الجزائر
-
التربية من منظور العقل التبعيضي فضائح بالجمع لا مشروعا يخضع
...
-
ملخص مختصر لمسار محمد أركون في اشتغاله على النص القراني (1)
-
في علاقة القومي العروبي بالإسلامي..
-
أخرج و لا تدخل مغاراتهم المظلمة..
-
الشاعر و الفيلسوف -صراع الأضداد- أم وئام الأحباب
-
الجزائر : الحالة التي تستعصى على الدراسة - الجزء الأول - - ا
...
-
أمة إقرأ المحمدية تخلفها أمة لا تقرأ و تجعل من رعي الغنم قيم
...
-
في العلمانية و الإسلامية ..
-
ملاحظات حول الحراك الجزائري راهنه و مستقبله (1)
-
ضجة البخاري و مسلم ..
-
كلمة مبسطة حول جدوى العلمانية ..
-
في الأزمة و سبل الخروج منها ..بين ابن رشد و الغزالي ..
-
في المدرسة الجزائرية و جلد الذات
-
جيل دولوز و الغموض ...
-
ما لا يعلمه أدعياء العلمانية الصغار من العرب حول أردوغان..
-
الفيلسوف و المفكر لا ينتهيان ..
المزيد.....
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|