|
تأملات حول المنفى ( إحياء لذكرى أنثى ضائعة)
احمد يعقوب ابكر
كاتب وباحث
(Ahmed Yagoub)
الحوار المتمدن-العدد: 6349 - 2019 / 9 / 12 - 15:42
المحور:
الادب والفن
تأملات حول المنفى (إحياء لذكرى أنثى ضائعة )
" عندما يتدفق في الابدي الشئ نفسه مكرراً ذاته أبداً، وتتماسك آلاف القناطر جبارة بعضها ببعض؛ تفيض الرغبة في الحياة من كل الاشياء من أضخم النجوم وأتفه المدر وكل اجهاد وجهاد هو هدوء سرمدي في الله" غوته. (1) وإذْ أستيقظ في تلك الأصباح بمزاجُ إلهٍ؛ أستعيد بمحض ارادتي اللاواعية لحظة من لحظات شيزوفرنيا الانا العليا، في ذات الصباح البهي والطازج كرغيف خبزِ خرج لتوه من فرن أمي آن بعثرتني حقبٌ من سنون في أزمنة سحيقة؛ زمن الروائح العطرة والمراهقة المفتعلة ، أزمنةٌ النيل يمخُر فيها منذ آلاف السنين عباب المناخات الاستوائية الغنية والمشرئبة عنقها نحو فضاءات خلاسية ؛كنت مُتّكئاً على نافذة الحلم الفسيح مستعداً للطيران في جوف الذاكرة الخربة والمنتعشة آنها بالبيرة القادمة من شرق أفريقيا، وانا أدوزن ازمنتي الخاصة بلحن قادم من الصقيع حيث جيمس بالونت يدغدغ قلبي (you are beautiful) هكذا متأبطاً كتاباً لفرانز فانون ( معذبو الارض) يرمقني أحد البيض شذراً وهو ممسكٌ بسيجار ضخم محشو بالماريجوانا .واذْ يقول بعد أن لعب القديس جيمسون بذاكرته الامبريالية ؛هنا ساضاجع سافناكم وصحاريكم ،مشيرا الي : أنت مدعواً لشواء من لحم الخنزير البري ايها الاسود النحيل ، وبكل تاريخ العبودية التي فاخذها أجدادي في دهور مزارع القطن وقصب السكر أرفع اصبعي الاوسط عالياً ، وآن قذفني بسيجاره الفخم والضخم أمسكت بالسيجار ودخنت عصورهم المظلمة والاقطاعية ورأيت الدخان يتلوى في فراغات الراسمالية المتوحشة وسيدنا ماركس يتلو صحفه في جنته الشيوعية التي لن تتحقق أبداً. وتحت شجرة المانجو المعمرة والعملاقة في أمسيات مضت كان أرخبيل الغروب فيها يرسل أشعة صفراء شاحبة مختلطة باللون الاحمر كحناء عروس ؛ شفقاً لو رأيته لخلت نفسك في منتهى الجمال ، حينها فقط كنت راكعاً على شاطئ النيل العظيم ناظراً الى الافق الممتد امامي والمرأة التي وجدتها ككنز في شطٍّ مخضر تغطي زهرة اللوتس، وهي تستحم شاهقة في عريها ، ونهديها يتكوران كثمار اللارنج أو كلوحة العشاء الاخير .أو سيدة الصخور. (2) ومُذْ قرأتُ في دفاترها السحيقة ضياعها في أرخبيل المسامات المغلقة والازمنة الكلبية ، رأيت مابين السطور استدارتها كاشحةٌ جسدها ملتصقة بالجدار في شبه الظلمة بالقرب من حزمة ضوء القمر الذي انسكب على شعرها ،وأذ ألملم بقايا جسدها الذي يضوع بروائح نباتات النيل تقول :أليس مريحا أن يحيا الانسان حلزوناً أو سلحفاة داخل قوقعة لايخرج منها سوى في مواسم الغذاء والشمس؟ بدت وهي في منتصف عرائها اللذيذ كنبية سقطت لتوها من كواكب تسكنها الملائكة والغزلان ، وفي تلك الاغساق الشفافة كنسيج الشمس على حافة المغيب ؛ كانت ترتدي المناخات عابرة جحيم الفساتين الموشاة بورود البنفسج قائلة : سخية أنا كوردة ندية تحت فجر - هذا الجسد لك والبحر.وكما ينشق فجر بنفسجي ثم أرجواني ثم أبيض ، هكذا انشق فستانها باصابع حيوان مرجاني قابع في أعماق شهوته المستطيرة ،يسطع الصدر ليتدفق شلال النهدين من محبسهما وهما يبتهلان ، آنها أنينٌ متضرع يقول أني لك خذني ، وفي غمرة شهيقها المتواصل وانهمار شلالات شهوتها نطير في برزخ من طيور خضر وماكان وكائن ويكون ؛ يتحول الى مدن مأهولة بالخراب والقتل بالاسيد وجنجويد الله يوزعون الموت في الطرقات ويتهشم الزمان الوغد ليزهر الزمان البرتقالي في فسحة بهية من فضاء الهيكل الخراء ودخان الحرائق ، حينها تساءلت في شبق ممزوج بالذعر، هل حدث شئ خارق ازعج الالهة في فراديسها المضجرة ؟هل هتكنا اسرار الوصايا العشر والدين في هذا الغروب الخائن؟. (3) بدوت وأنا انسحب من زمني القديم؛ كرجل أعشى يتعثر في ضباب المدن والمنفى، وفي ذلك الغروب الكابي والكلبي،تبعثرت حقائب الذاكرة آن بلوغي طور النساء الضائعات في مراهقة أحلامهن وفي لحظة ما في وقت ما والعصر الماكر الوحشي يغدر بنا من حفنة تتلمس مؤخرات أنبيائها ستقول المرأة المطعونة في كبدها الازرق لماذا تديرر ظهرك للالم ؟. وتحت ظلال حطام المنافي وضياع نساء الالهة في ارخبيلات مسمومة يقول الويسكي الداعر في كأسه :أدخر قوتك لليوم الاعظم !وفي تلك الحقبة التي سيُغْفل تاريخها ويمسح من ارشيف العصور حسب تواريخ الدهر الكلبي ومؤرخيه الذين يسجلون فتوحاته وانتصاراته الباطلة ويطمسون عاره الاسود ؛ ستحيض المرأة في النهر وسيفيض النيل باسماك المنافي ، وسينظر الطفل الذي لم يبلغ الحلم بعد الى ساقي انثى وهو يغطي عينيه شبقاً وقد تتبول الكلام على اعلام الدول . وفي غمرة حمى الكتابة وهذياناتها داخل ايقاع حكاية لامعنى لها ، في الخيال الفسيح الممتد كوشاح وردي تبرق ذكرى بعيدة في غلالة المدن المنسية ونساؤها الضائعات، وسأنبثق كمبنى قوطي او كنيسة بناها الرواقيون وساصيح في هزيعي الاخير الذي يقاوم فجر نديّ : هانذا لقد عدت ايها الملاعين.
#احمد_يعقوب_ابكر (هاشتاغ)
Ahmed_Yagoub#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فصل في جحيم الكتابة (اللاتماسك)
-
سيرة النهايات والخيبات (قراءة في تخدير العقول ومسارح العبث)
-
منفستو الموت (خيبات الالهة والمرأة والوطن)
-
في سيرة المدن الكئيبة (انثربولوجيا التلصص)
-
مراثي لشهيد السودان الجديد (د. جون قرنق)
المزيد.....
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|