|
دور الفكر التأملي والنقدي الحر في تقويم الثورات العلمية؛ في ظل قسوة وشرور الكائن البشري، ونمو القدرة التدميرية للأسلحة الذرية.
رضى حليم
باحث وصحفي مغربي
(Rida Halim)
الحوار المتمدن-العدد: 6349 - 2019 / 9 / 12 - 09:45
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
انشق عن مسار الفكر العلمي، والفكر النظري التأملي، ابتداء من العصر الحديث، ووصولا إلى الألفية الثالثة -مجموعة من التيارات الفكرية التي تدعو إلى التفكير التأملي النقدي والتنويري والاستقلال الذاتي؛ لتأطير وتقويم اعوجاج مجالات الفعل الاجتماعي؛ باعتبار الفرد ينحو داخل المجتمع كمواطن، وصاحب مبادرات ومشاريع، وصاحب مواقف نظرية حاسمة؛ وذو مقدرة على اعتماد نماذج معينة للسلوك الإنساني في ظل العقلانية العلمية ونتائجها على الإنسان والطبيعة. وقد زكى ذلك الدور الذي تلعبه العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية في "النقد" و"التنظير" و"التأسيس" و"التأمل" في الصورة التي ينبغي أن يكون عليها المجتمع؛ وكذا الأبحاث والدراسات والمشاريع التنظيرية التي يقوم بها المفكرون والفلاسفة في سبيل الرقي بالفرد والمجتمع، وتساعدهم في ذلك قدرة هذه المجالات الفكرية والتأملية...العابرة للحدود، وكذا اعلائها من قيمة السؤال المفتوح، على حساب الجواب الحتمي، مما يمكن اختزال وظائفها في نهاية المطاف في: (الأعمال النقدية، والتخطيطية التكوينية، والوظائف التعويضية). إنها إذا حقول ومجالات متحررة ومتنورة تساعد الانسان، على احتمال نتائج أضرار التقدم العلمي والتقني المبهر في الألفية الثالثة، الذي يمثل سلاحا ذو حدين إيجابي وسلبي، بحيث كلما أصبح العالم المعاصر متطورا على المستويات العلمية التقنية والتكنولوجية، استحال معه التفريط والاستغناء عن هذه المجالات والحقول التأملية ذات البعد التاملي والنقدي والتنويري الحر في الصورة التي ينبغي أن يكون عليها الانسان. فلما كان الانسان منذ وجوده "ذئب لأخيه الانسان" (1588-1679 Thomas Hobbes)، "يعرف الأفضل لكنه يأتي بالأرذل (1632-1677 Baruch Spinoza)، وماكر بطبعه (1469-1527 Niccolò Machiavelli)، وعدواني بطبعه -1856-1939 Sigmund Freud)، و"الحيوان بغريزته هو سلفا كل ما يمكن أن يكون؛ إذ سبق لعقل خارجي أن رتب له كل شيء. أما الانسان فلابد له من استعمال عقله" (1804-1727 Emmanuel Kant) -أضحى الانسان المعاصر اليوم يشعر بالوحدة والقلق، بالرغم من أنه حر، لكنه في الوقت نفسه خائف من الحرية؛ "إنه موسوم بالانقسام والخسة اللذين يجعلان منه ذرة لا فردا، ذرة يتم تقاذفها إلى الأمام وإلى الوراء حسب الظروف والاحوال" (1858-1917 Émile Durkheim)، "وعليه فسؤال الحرية يجب أن يكون سؤال عن حاضر الإنسان وعن مصيره، "بل وعن ماضيه وكيفية وعييه لذاته"،( برقاوي أحمد، مقدمة في التنوير: العلمانية، الدولة، الحرية، 1998، ص. 146). وليس هناك اختلاف بين دول الغرب (المصنعة) أو دول المحيط والهامش (المتلقية لنتائج التصنيع) فالغرب المتقدم والمتطور يصدّر كل شيء إلى البلدان الغير المصنعة؛ وقد كانت كانت بداية ملامح هذا التطور العلمي والتقني والتكنولوجي بداية من في القرن التاسع عشر، واستمر في ذلك بشكل سريع ومخيف إلى أيامنا هذه من الألفية الثالثة، بداية بنمو النظام الصناعي الحديث، الذي أفضى إلى السرعة في الإنتاج، وإلى زيادة سرعة توجّه الفرد المستهلك؛ الذي أفضى إلى صناعة إنسان جديد، إنسان يتميز بنوع من التشييء في ظل سرعة الإنتاج، وأصبح يرمز للتقنية باعتبارها تشكل "روح العصر الحديث والمعاصر" (1976-1889 Martin Heidegger). وأصبحت أولوية النظام الصناعي اللبرالي الحديث والمعاصر هو كثرة الإنتاج (الكم)، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، مما يجعل الفرد عبارة عن رقم معين من الأرقام، مسلوب الحرية والروح والمشاعر، ينظر إليه كوسيلة وليس غاية في ذاته. وكما لا يمكن لأحد أن ينكر آثار هذا التطور الصناعي التقني والتكنولوجي...الذي عرفه العالم في القرن العشرين، وخصوصا ما أحدثه من خسائر فادحة انعكست على الانسان والطبيعة؛ إنهما حربان عالمتان، عبرتا عن وحشية الإنسان وقسوته وشروره، وإحساس البعض منه أنه الإنسان الأسمى، وخليفة الله الوحيد في الأرض، ومنه ف" لا نستطيع أن نكذب على أنفسنا فيما يخص هذه المعرفة: فعندما يصبح المرء شيئا، يموت حتى إذا كان – مرئيا – لا يزال حيا. وإن كان المرء ميتا روحيا، رغم أنه حي فيزيولوجيا، عندئذ لا يغدو خاضعا فقط للتآكل، بل يصبح خطيرا – خطيراً عل نفسه والآخرين". (إيريش فروم، كينونة الانسان، تعرب: محمد حبيب، 2013، ص. 24-25) فلا فرق اليوم بين المجتمع المدني و ما قبل المجتمع الدني (قانون الغاب)، وكما لا يمكن لأحد اليوم أن ينكر اليوم تهديد البلدان الأقوى على جميع المستويات والأصعدة، لشبيهاتها في القوة، أو الأضعف منها- بالفناء الكلي وتهدد نفسها بالانتحار الكلي؟!! "فالفترة التي عشناها والتي نعيشها الآن تمدنا بدليل كاف حول لا عقلانية الإنسان وجنونه، حيث لا نحتاج حقيقة لما يذكّرنا كم يمكن أن يكون الانسان شريرا". إيريش فروم، كينونة الانسان، تعريب: محمد حبيب، 2013، ص. 84). إلا أن الدور الذي تلعبه الحقول والمجالات التأملية والنقدية والتنظيرية تحول دون ذلك؛ علاوة على كونها حاجز ضد بعض ميولات الألفية الثالثة، الخرافية والأسطورية، وهي تضيف دورا مهما يكمن في تكوين الأفراد على التأمل الذاتي، ومساعدته على احتمال أضرار نتائج التقدم العلمي والتكنولوجي، بالإضافة إلى التعويض عن أضراره. وكما أن هذه الحقول الفكرية التأملية والتنظيرية النقدية، توجه الفرد للتعامل مع نتائج التقدم وثماره – كوسيلة يستعملها الأفراد لتسهيل حياتهم، وحاجياتهم الضرورية أو التحسينية؛ "وهكذا يصبح كل شيء مفحوصا ومفهوما بل ومحكوما بالعقل، وعبره يحقق الانسان سيادته النظرية على العالم؛ والذي يغذو شفافا وخاليا من الأسوار" محمد سبيلا، الحداثة وما بعد الحداثة، 2000، ص. 19) وكل هذا يدخل في إطار التنشئة الخلقية والاجتماعية؛ وفي هذا السياق ينبغي أن نشير إلى الدور المهم الذي قام به الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، فهذا الأخير لم يتوقف عند حدود ماذا يمكن للإنسان أن يعرف؟ بل إنه تجاوز التفكير في ماذا يجب على الإنسان أن يفعل؟ وما الذي يجوز له أن يأمل؟ إذ لابد من التنشئة الخلقية، و" لا ينبغي ألا يكون الإنسان مؤهلا لشتى أنواع الغايات فحسب؛ بل بنبغي أيضا أن يكتسب إحساسا يجعله لا يختار إلا الغايات الحسنة، وهي التي يتبناها بالضرورة كل شخص ويمكن أن تكون في الوقت ذاته غاية كل انسان". (1804-1727 Emmanuel Kant) وختاما، فما يجعل من الحقول المجالات التنظيرية والتأملية والنقدية، ضرورة ملحة في عصر العلم والتقنية والثورة المعلوماتية في القرن والواحد والعشين، كعصر اشتد فيه قلق الروح؛ هو ظهور نوع جديد من الذكاء على الأرض؛ إنه ذكاء (Robot)؛ ذكاء قادر على أن ينافس الذكاء البشري ويسبقه في النهاية بشوط كبير، ويعتبر هذا الإنجاز المتقدم أعظم حدث تاريخي عرفه الإنسان منذ وجوده على كوكب الأرض؛ مما سينتج عنه أثار كبيرة على شتى المجالات والأنشطة الإنسانية، بما فيها طبيعة العمل، والتعلم، ونظرة إلى الإنسان إلى ذاته ومصيره.
#رضى_حليم (هاشتاغ)
Rida_Halim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الصحافة ووسائل الإعلام المغربية: نحو تنامي ظاهرة التشهي
...
-
االدلالة التاريخية والإبيستيمولوجية للتوحيد بين القوى الطبيع
...
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|