أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - بعض أسرار لفائف البحر الميّت















المزيد.....

بعض أسرار لفائف البحر الميّت


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6349 - 2019 / 9 / 12 - 02:05
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إنّ جميع المهتّمين في الآثار الشرقية على دراية باكتشاف مخطوطات البحر الميّت ، ولكن القليل منهم يدركون أن هذا مجرّد اكتشاف واحد في منطقة ما زالت تعجّ بمئات المواقع الأثرية المهمة والتي من خلالها يمكن أن تتضح الصورة عن الحياة العامة ومجمل الخلافات اليهودية في القرون الأولى ، وكذلك معرفة طبيعة العلاقات بين شعوب المنطقة . وكهف اللفائف الذي عثر عليه ، هو أحد المواقع الذي ضمّ العدد الأكبر من الوثائق والبرديات ذات الأهمية التاريخية .

الاكتشاف
أُكتشف هذا الكهف في أوائل ستينيات القرن الماضي في إسرائيل ، وقد تمكّن عالم الآثار الإسرائيلي المشهور (ييغال يادن ) مابين عام 1960-1961 م من العثور على اللفائف في أعماق الكهف ، وذلك عندما كرّس نفسه في البحث والتنقيب عند مغادرة الجيش للمنطقة . والجدير بالذكر ، الى ان يادن قد نال جائزة إسرائيل في الدراسات اليهودية عن أطروحته للدكتوراه في ترجمة مخطوطات البحر الميت . بالإضافة إلى قيامه بالتنقيب في العديد من المواقع المهمة في المنطقة ومنها ، تل مجيدو ، مسادا ( مسعدة ) ، كهوف قمران ، و حاصور .
اكتشف يادن الكهف عندما أجرى مسحاً سريعاً لكهوف البحر الميّت من أجل إنقاذ القطع الأثرية ذات الأهمّية التاريخية خشية عليها من النهب والسرقة أو العبث . وقد كان الكهف ، هو أحد المواقع الـ 64 التي تم العثور فيه على رقائق نحاسية منقوشة بالقرب من قرية (قمران) في البحر الميّت . إذ يُعتقد أن أوجه التشابه في ترتيب وشكل ومداخل الكهوف ، وكذلك طبيعة القطع الأثرية البرونزية والأواني الحجرية في كهف اللفائف ، يتطابق الى حد ما مع ما ورد في اللفائف المكتشفة .

التنقيبات الأثرية
تم العثور على كهف اللفائف قرب واد يدعى (نحال هيفر ـ وادي الخباط ) ، والذي يقع في منطقة البحر الميّت من صحراء يهودا ( شمال شرق النقب ) ، ومن يروم الوصول إليه ، عليه التسلّق صعوداً حوالي خمسة عشر متراً . ومن خلال التنقيبات التي جرت ما بين عامي 1960 و 1961 ، عثر يادن على عدد من الجماجم البشرية والعظام والأدوات التي تستعمل في الحياة اليومية إلى جانب ما يعتقده عن أشياء مصنوعة من البرونز تستخدم في الطقوس الدينية. وكشف فريق يادن أيضا عن لفائف بردية ضمن مجموعة واسعة من اللقى التي شكلت أكبر مخبأ للمراسلات الشخصية القديمة والوثائق التاريخية التي عثر عليها في إسرائيل . يتم نشر بعض هذه الرسائل في الوقت الحاضر بشكل تدريجي وببطء مع إحاطة أخريات بشيء من السرّية ، وهي عملية لم تكتمل لحد الان .
من بين اللفائف التي كُشف عنها ، رسائل تحرّيضية كان قد كتبها (شيمون بر كوخبا ـ شمعون بن كوكب ) ، وهو زعيم يهودي قاد ثورة ضد الإمبراطورية الرومانية سنة 132 م ، في محاولة لتأسيس دولة يهودية مستقلة في يهودا. وتمكن بر كوخبا في بداية الأمر من دحر الرومان وإعلان دولته المستقلّة والتي استمرت ثلاث سنوات ، غير أن الرومان في النهاية تمكّنوا من تدمير مملكته وقتله .
كانت مملكة يهودا جزءاً من الإمبراطورية الرومانية ، لكن الشعب اليهودي كان مستاء من الرومان طيلة فترة حكمهم . ومن بين الوثائق المحفوظة في كهف اللفائف ، أوامر عسكرية صادرة ومختومة من بر كوكب تحت اسم (شيمون بر كوخبا ) ، بيد أن تلك الرسائل والأوامر العسكرية ، كانت تحمل في طياتها عبارات قاسية للغاية ، ومنها رسائل تهديد إلى ( ياهونتان) الذي كان زعيماً لجماعة (عين الجدي ) ـ وهي منطقة واحات تقع على الشاطيء الغربي من البحر الميت ـ والتي أثارت دهشة وحفيظة بعض الباحثين وعلماء الآثار .
مابين عام 2000 و 2001 م ، قاد عالم الآثار وأستاذ التاريخ اليهودي (ريتشارد فرويند ) ـ جامعة هارتفورد ـ ولاية كونيتيكت شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية ، فريقاً في إطار بعثة استكشافية ، تضم كل من ، الدكتور (جون ميريل) ، وزوجته الدكتورة (كارول ميريل) ، لمعرفة المزيد عن أسرار هذا الكهف .
بعد فترة وجيزة من أعمال التنقيب والبحث في الكهف ، انضمّ فريق دولي آخر من علماء آثار وباحثين إلى المجموعة ، حينئذٍ كشف فرويند أدلة جديدة عن الكهف ، فقد تم العثور على عدد كبير من القطع الأثرية الجديدة . عند ذلك ، توصل الفريق ، إلى أن ذلك الكهف الضخم له منفذان في الجدار الصخري الهائل ، وأن كليهما يؤديان الى فضاء واسع ، وهذا المكان عبارة عن ثلاث غرف داخلية متداخلة مع بعضها ، وتتصل بتلك الغرف شبكة واسعة من الممرات الضيقة التي تؤدي بدورها إلى الكهوف القريبة الاخرى .
قطع فرويند وفريقه أكثر من 300 متر في عمق المنحدر الصخري داخل الكهف ، وقد سنحت له ومن معه الفرصة في اكتشاف مناطق جديدة للتنقيب فيها ، والتي لم تكن معروفة لدى البروفيسور يادن من قبل ، بسبب عدم قدرته الفنيّة في اكتشاف ما تحت قاع الكهف ، وذلك لوجود طبقة سميكة من الركام جرّاء الزلازل المتكررة التي كانت تحصل منذ قرون مضت ، وقد لاحظ الفريق المستكشف ، بأن الأنقاض السميكة وصل ارتفاعها إلى حوالي الخمسة أمتار عند بعض الأجزاء من القاع .
كان لدى فرويند إمكانية فنية وتكنولوجية عالية في الوصول إلى أعماق الأرض ، منها أجهزة سي تي سكان Ct Scan (التصوير المقطعي ) ، واجهزة الكشف بالأمواج فوق الصوتية Ultrasound Detector ، مما أتاح له ولفريقه المسح والتنقيب بطريقة أسهل من التي استخدمها يادن . وقد كشفت أعمال التنقيب التي قام بها كل من فرويند ويادن عن القطع الأثرية التي تعتبر مهمة في تاريخ العلاقة بين اليهودية والمسيحية وكذلك عن سياسات الشرق الأوسط المتشابكة .
كانت أهم مجموعة من اللفائف الموجودة في الكهف ، هي تلك الوثائق الشخصية التي تعود لامرأة يهودية عاشت في مدينة (ماوزا) الساحلية ، وهذه السيدة كانت تدعى (باباثا ) . تعطينا تلك الوثائق صورة حيّة عن حياة امرأة يهودية من الطبقة المتوسطة - العليا والتي عاشت خلال القرن الثاني الميلادي . يعود تاريخ تلك الوثائق تقريباً الى مابين عام 96 م وعام 134 م ، وهي تعكس بشكل واضح أسس البيروقراطية الرومانية والأنظمة القانونية من خلال تضمين العقود القانونية المتعلقة بالزواج ونقل الملكية والوصاية.
تبيّن الوثائق بأن باباثا ولدت حوالي عام 104 م ، وقد ورثت بستان كبير من النخيل الخاص بوالدها ، وانها قد تزوجت للمرة الأولى في عام 124م ، ومن ثم أصبحت أرملة بعد وفاة زوجها لترعى ابناً اسمه (يسي) ، وبعد عام واحد فقط ، تزوجت ثانية من رجل يدعى (جودا) ، إذ كان لديه زوجة أخرى وابنة صبية .
عُثر هناك أيضاً على وثائق أخرى تخص القروض ، وهي تبيّن وبوضوح ، بأن جودا قد اقترض المال من باباثا التي كانت لها السيطرة المطلقة على أموالها الخاصة ، والتي حصلت عليها بعد وفاة والدها وزوجها الأول ، وتؤكد الوثائق بأنها قد استولت على جميع أملاك زوجها الثاني جودا بعد أن توفي بصورة مفاجئة . وتتضمن تلك الوثائق أيضا على أرشيف باباثا المتعلق بالوصاية على ابنها ، والنزاع الذي حصل بينها وبين زوجته الأولى (مريام ) على أملاك زوجهما المشترك جودا.

استخدام الكهف
لا زال النقاش مستمراً بين علماء الآثار والمؤرخين حول الغرض من استخدام كهوف البحر الميت ، وكهف اللفائف بصورة خاصة . إن النظرية الأكثر شيوعاً بعد الكشف عن القطع الأثرية التي عثر عليها ، بأن الكهف كان يستخدم كمخبأ أو ملجأ للنازحين اليهود الذين يفرّون من سلطة الحكم الروماني القمعي ، وبما ان باباثا مقيمة في نفس المكان خلال عام 132 م ، عندما كان بر كوخبا يقود ثورته ضّد الرومان ، فمن المحتمل جداً أنها قد هربت أو قُتلت أثناء ذلك ، بسبب أن الوثائق الموجودة في الكهف لم يتم استعادتها او التلاعب فيها أبداً ، وقد عثر عليها كما هي إلى جانب 20 هيكلاً عظيماً ، حيث يعتقد أن تكون باباثا وآخرون قد لقوا حتفهم أثناء وجودهم في ذلك الكهف .
المثير للاهتمام عن بقايا الهياكل العظمية ، هو عدم وجود ما يشير إلى أن تلك المجموعة قد تعرّضت إلى إصابات مرضية وعدوى او ضربات عنيفة ، أو أنهم قد ماتوا بسبب الجوع ، ويُعتقد أيضاً أن استخدام الكهف ، كان كملاذ آمن لهؤلاء الناس من خلال عظام وفضلات الحيوانات وأواني الطبخ ، بما في ذلك قطعة من موقد دائري يستخدم لتحضير الطعام و اعداد الخبز .
وجد فرويند عدداً من الأشياء التي تدلّ على النشاط اليومي في الحياة الاجتماعية بما في ذلك مجموعة من الحبال المتعددة الأغراض ، صفائح البردي ، الملابس ، أمشاط خشبية ، أماكن غرف المعيشة ، و صنادل بمقاسات صغيرة للاطفال ، وان من المستغرب وجود الصندل من جملة الأشياء التي عثر عليها ، وهو تفسير بوجود النساء والأطفال معاً في تلك البقعة ، وهذا أمر نادر الحدوث ، كونها منطقة نزاع ومعارك مستمرة مابين الرومان والثوّار .
يعطينا كهف اللفائف أيضًا أدلّة مباشرة عن شخصية بر كوخبا القيادية في تأسيس الدولة ذات السيادة الكاملة ، والتي من المتوقع أن تمتلك عملتها النقدية الخاصة أسوة بالكثير من الدول التي كانت قائمة عند ذلك التاريخ ، وقد سكّت عملتها باسم زعيمها بر كوخبا ، وذلك عندما عثر على واحدة من ثماني عملات معدنية في المسلك AB من الكهف . ويُقرأ النقش الذي عليها ، كالآتي : "من أجل حرية أورشليم ".

أخيرا ً ، فمن الواضح أن كهف اللفائف هو مستودع كبير لمجموعة هائلة من المعلومات ذات الأهمية التاريخية والدينية عن الشعوب التي استوطنت المنطقة تباعاً . ولكنّ لم يُفصح عن أسرارها الاّ النزر اليسير حتى الآن …

______________________
كارل . اي سافاج ـ المكتشفات الجديدة في البحر الميت ـ بيتر لانغ ـ الاكاديمية الدولية للنشر ـ 2018 .
مارتن غودمان ـ روما و أورشليم ـ دار فنتج للنشر ـ 2008 .
كرستين بنيامين ـ الثائر بر كوخبا ـ موهر سيبك للنشر ـ 2003 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحروب الصليبية .. الأسباب والأهداف
- أرخميدس الذي خلَّده العلم ، وتجاهله التأريخ
- الأمازيغ .. شعب وتأريخ
- الذهب سلطان المعادن
- الفضّة ، دموع القمر في العصر القديم
- العري في فن العالم القديم
- المدينة التاريخية الغامضة في السليمانية
- قصص مصرية من برديّة وستكار ( الجزء 4/ ولادة الملوك)
- قصص مصرية من برديّة وستكار ( الجزء 3/ خوفو و الساحر)
- قصص مصرية من برديّة وستكار (الجزء الثاني / الجوهرة الخضراء)
- قصص مصرية من برديّة وستكار ( الجزء الأول )
- النحاس في العصور القديمة
- جيش الطين
- تربية الحيوان في العالم القديم
- قصة إيزابيل أميرة صيدا وملكة إسرائيل
- أسطورة جنائن بابل المعلّقة
- بيت الأربع غرف
- هذا ما حدث لمكتبة الاسكندرية الكبرى
- إنهدوانا .. أول امرأة سومرية أديبة في التاريخ
- النبيّ موسى ..حقيقة أم أسطورة ؟ ( الجزء الثالث )


المزيد.....




- المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل ...
- مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت ...
- إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس ...
- -فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
- موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق ...
- وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
- مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في ...
- كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا ...
- مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية ...
- انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - بعض أسرار لفائف البحر الميّت