|
فلسفة مبسطة: رؤية واقعية...؟
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 6348 - 2019 / 9 / 11 - 21:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فلسفة مبسطة: رؤية واقعية...؟
نبيل عودة
احتد النقاش بين طلاب قسم الفلسفة حول مفهوم الواقعية. أحمد القى شبه محاضرة ادعى فيها ان النقاش عن الواقعية يفتقد لتحديد دقيق لنوع الواقعية التي يقصدها زملائه الطلاب. وتابع شارحا وملفتا النظر لمعلوماته الواسعة، ان هناك أشكال متنوعة من المفاهيم الفلسفية للواقعية، التي تطورت في اطارها مدارس فلسفية مختلفة. وان النظريات المختلفة في الفلسفة عن الواقعية، بدأت بما يعرف ب "الواقعة" (fact) كمفهوم فلسفي ومنطقي يتعامل مع الأحداث الموضوعية، وروابط الموضوعات، وتفاعلها والتغيرات الحاصلة نتيجة التراكم او التفاعل، الى جانب حقائق مجربة ومؤكدة علميا.
مرشد قاطع أحمد، "ليبرز نفسه" كما علقت بسخرية فاتنة، إذا انه قطع اندماجها مع حديث أحمد الشيق. وقال:" ان الواقعية تعرف نظريات متنوعة منذ الفلسفة الاغريقية وصولا الى العصر الوسيط، والى عصرنا الراهن. ولكنه لم يورد أي نموذج يمكن اعتماده في شرح موقفه، بشكل "فلسفي ومنطقي"، حسب تعبير محاضرهم عندما كان ينتقد أجوبة الطلاب العامة والتي لا تعتمد على مراجع تؤكد ما ذهب اليه. أحمد حافظ على صمته، مشغلا فكره كما يبدو، وبعد ان وجد فرصة هدوء مناسبة، أضاف، فارضا الصمت لسماعه: مفهوم الواقعية حظي باهتمام الفلاسفة الإغريق مثل أفلاطون وأرسطو. وكان هناك فلاسفة في العصر الوسيط طوروا مختلف النظريات عن الواقعية، حتى وصلنا الى القرن العشرين، لنجد ان فلسفة الواقعية، أضحت أحد المواضيع البارزة في الفلسفات الحديثة، مثلا، تطورت الواقعية الجديدة التي تدمج بين الموضوعي والذاتي، والواقعي والذهني، وذلك في إطار نظرية المعرفة. وكان الادعاء الأساسي في هذه النظرية الفلسفية التي عرفت باسم الواقعية الجديدة، تعتمد على التجربة. ثم تطورت نظرية الواقعية النقدية، التي أعتقد انها الأرقى والأكثر تركيبا. وهذا التيار يؤكد على الخصوصية النوعية للوعي والمعرفة الإنسانية. وحسب طروحاتهم تتشكل هذه المعرفة النوعية من ثلاثة عناصر: الذات، الموضوع والمعطيات. وعلى أساسها تبنى المعرفة، حسب نظريتهم. وبالطبع لا أنصحكم بقبول أي نظرية قبل الإلمام بكل نظريات المعرفة ودراستها. وساد الصمت بعد هذا الشرح المفاجئ والذي نقل الطلاب من أفكار أولية بدائية حول الواقعية، إلى جو يبدو لهم صعبا ومليء بالقفز فوق الحواجز غير السهلة، ولكنهم اعتادوا مصاعب الفلسفة، وإنها مجرد حالة تسبق الفهم الصحيح للموضوع، بعدها يصبحون "منظرين ونقاد فلسفيين"، كما يصفهم بشعور من السعادة أستاذ الفلسفة. وفجأة ارتفع صوت فاتنة: صفقوا لأحمد. قدم لنا درسا لنفهم ان الفلسفة ليست الأوهام التي نشأنا عليها، وان تفسيرات جدتي وجداتكم، يجب ان نتركها خارج قاعة الفلسفة. ابتسم أحمد بسعادة، وعينية تتعلقان بفاتنة، التي فتنته منذ بداية الفصل الدراسي الأول، ولكنها تتصرف مثل جنرال في ساحة حرب، جميلة وقاطعة في قراراتها. هذا يجعلها أكثر سحرا وفتنة أنثوية، ويجعل أحمد أكثر ترددا ووجلا قبل ان يتجرأ على طرح إعجابه. ولكنه، لسبب لا يدريه، قرر ان يضيف، مقلدا أستاذ الفلسفة في سرد قصة فلسفية تلائم الموضوع، لتسهيل فهمه ـ او لخلق جو مرح يخفف من ضغط الدراسة، عبر قصة تظهر المفارقة بين موضوع الدرس، والحكاية. وكان يهم أحمد ان يرى ابتسامة فاتنة تشرق، لابتسامتها فعل السحر في قلبه، وربما ليثبت لها، انه ليس مجرد "ولد شاطر" في دروسه، بل خفيف دم أيضا. قال موجها حديثة لها: لدي يا فاتنة قصة عن الواقعية، ارجو ان تسمحوا لي بقصها. ساد الصمت. قالت فاتنة: كلنا نصغي لك. قال: القصة عن النظرة الواقعية وتتحدث عن ثلاثة محققين شباب جدد وصلوا لقسم التحقيقات في الشرطة. مدير القسم قرر، قبل ان يوزعهم على مكاتب قسمه، ان يفحص ما تعلموه في مدرسة الشرطة، ومدى جاهزيتهم للعمل في قسمه. وفحص قدراتهم على التحقق من مميزات هوية الجناة. أخرج من جارور مكتبه صورة، وقال للمحقق الشاب الأول: - هذه صورة المتهم الذي تطارده. كيف ستتأكد من شخصيته؟ وأظهر له الصورة لخمسة ثوان فقط. أجاب المحقق الشاب: - هذا سهل.. توجد له عين واحدة فقط. قال مدير القسم: - ايها المحقق. انا أريتك صورة جانبية لوجه المتهم. وبهذه الحالة لن ترى الا عيناً واحدة. نفس الأمر جرى مع المحقق الشاب الثاني. أظهر له الصورة لخمسة ثوان فقط، وقال له: - هذه صورة المتهم الذي تطارده. كيف ستتأكد من شخصيته ابتسم المحقق الشاب الثاني وقال بثقة: - أوه.. من السهل القبض عليه.. لأن له أذناً واحدة. غضب مدير قسم التحقيقات من الإجابة الثانية أيضاً، وقال بنرفزة: - ماذا يحدث لكما؟ من الواضح انه في الصورة الجانبية لا نرى الا عيناً واحدة وأذناً واحدة. هل هذا هو أفضل ما لديكما؟ وبغضب بارز طلب من المحقق الشاب الثالث ان يتأمل الصورة. وسأله بنفاذ صبر: - هذه صورة المتهم الذي تطارده. كيف ستتأكد من شخصيته؟ المحقق الشاب الثالث تركز في تفكيره، ابتسم وأجاب بثقة: - المتهم يضع عدسات لاصقة.. المدير لم يكن مستعداً لمثل هذا الجواب الجديد، لأنه حقاً لا يعرف إذا كان المتهم يضع عدسات لاصقة. ولكنه سعيد بهذا الجواب الجديد من المحقق الشاب الثالث الذي يشير الى محاولة استعمال الفراسة الشخصية. قال: - جواب مثير حقاً.. انتظروا قليلاً، سأفحص ملف المتهم صاحب الصورة. دخل للحاسوب، وبحث عن ملف المتهم. وقرأ مقاطع من الملف. وبانت ابتسامة على شفتيه: - أمر لا يصدق.. هذا صحيح. المتهم حقاً يضع عدسات لاصقة. تشخيص ممتاز. قل لنا، كيف استطعت ان تستنتج مسألة بهذه الدقة؟ أجاب المحقق الثالث: - مسألة بسيطة سيدي القائد.. الشخص في الصورة لا يستطع ان يضع نظارات عادية لأن له عين واحدة وأذن واحدة!!
[email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لن يبقى إلا أربعة عروش لأربعة ملوك
-
حين خطف الموج حبيبتي
-
علي سلام فتح الطريق لبناء تعاون شامل بين بلدية الناصرة والقا
...
-
انطباعات اولية عن رواية جورج اوريل الرائعة: 1948
-
حوار اوكسترالي بالكلمات
-
نهضة ثقافية ام أزمة ثقافية؟
-
يوميات نصراوي: حكايتي مع الابداع الثقافي
-
محاولة لرؤية جديدة: جذور العنف في الوسط العربي
-
مخيم الناصرة يستقبل رئيس البلدية علي سلام بالأغاني والرقص ب
...
-
أنقذونا من هذا الشعر
-
القائمة المشتركة: مشكلتها لجنة الوفاق!!
-
انطباعات أولية من زيارة مخيم الناصرة البلدي
-
كلمات للتفكير بعد عاصفة تي بي جوشوا في الناصرة
-
سياسة نتنياهو: تفاهة الأعمال وعظمة الأوهام
-
اللغة العربية بين الإتقان والتهريج
-
بركة يشق صفوف الجماهير العربية بإدارته للجنة المتابعة
-
استمرار واقع التمييز سيعمق ظواهر العنف المدني في المجتمع الع
...
-
العنف في الوسط العربي بات ارهابا مدنيا
-
حين يصعد رؤساء أمريكا الى السماء
-
فلسفة مبسطة: دوافع نقد الدين عند نيتشه وماركس
المزيد.....
-
بمن فيهم مجرمون.. السلفادور تستقبل مهجرين وسجناء أمريكيين في
...
-
المدعية العامة في نيويورك تتحدى ترامب
-
أ ب: الصين تعلن فرض رسوم إضافية على العديد من المنتجات الأمر
...
-
نتنياهو يمدد زيارته إلى واشنطن
-
لابيد: وقف إطلاق النار لن يسقط حكومة نتنياهو
-
هزة أرضية بقوة 6.2 درجة في إندونيسيا
-
القناة -12- الإسرائيلية: 6 إصابات بعملية إطلاق للنار قرب حاج
...
-
فضيحة تهز فرنسا.. اتهام طبيب بالاعتداء الجنسي على 299 طفلا ت
...
-
ترامب عن دور ماسك في الإدارة: موظف خاص بصلاحيات محدودة
-
السودان.. القوة المشتركة تتصدى لهجوم عنيف من -الدعم السريع-
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|