منير المجيد
(Monir Almajid)
الحوار المتمدن-العدد: 6345 - 2019 / 9 / 8 - 12:22
المحور:
الادب والفن
أمطرت السماء مائة وعشرون يوماً، وتدحرجت مياهها من سفوح الجبال وشكّلت بركة في الوادي، كبرت وتوسّعت وصارت بحيرة بأمواج.
لا أحد يدري كيف جاءت الأسماك.
بعضهم قال، في رواية غير مُؤكّدة، أنها كانت طيوراً أسقطتها قطرات المطر الثقيلة، سرعان ما تعلمت السباحة واستخلاص الاوكسجين من الماء.
جاءت الفيلة تقودهم الزعيمة الأنثى الألفا، وعلّموا صغارهم التمرغ في طين سواحل البحيرة، تبعتها أفواج من مختلف الحيوانات، منها المفترسة التي كبرت بطونها وبطون جرائها من اللحم الوفير.
تعاظم حجم بعض الأسماك فصارت ذكورها تماسيح، وأناثها ثعابين، وهناك من أنكر الفكرة وأقسم أنه رآها تأتي متزلّجة من الجبال.
جذب المكان أصناف اخرى من العقبان والطيور المُهاجرة من أطراف العالم، مدفوعة بكثرة الجيف والبذور والديدان. وحينما انقشعت الغيوم فجأة، لوّنت خيوط أشعة الشمس المُلتهبة ريش بعضها بألوان قوس قزح.
استوطن الناس قرب البحيرة، وصار رجالها يصطادون الأسماك والتماسيح والثّعابين، وطردوا الأفيال وقتلوا الأسود بسهام وجّهوها إلى صدروها، وأسروا بعض الحيوانات في أقفاص، ولم يستطيعوا قتل الضباع لأنها كانت ترتدي صداري مُقاومة للسهام.
تقول الأساطير أن خلافاً نشب بين ذكرين على قطعة أرض مزروعة بالأحجار ومسكونة بالظلال، فاقتتلا حتى الموت، وهناك روايات اخرى تُفنّد ذلك وتقول أن فتاة حسناء، بنهدين مرفوعين ككوبرا، كانت السبب.
فلتت الأمور من عقالها ونشب الخلاف، ومن ثمّة الحرب، بين الآخرين، ولم يبق سوى بضع أطفال وإمرأة على قيد الحياة.
كانت الإمرأة قد انتهت للتوّ من دفن آخر جثّة في مقبرة كبرت وامتّدت، رغم أنها كانت تعرف أن الضباع ستنبشها، وانصرفت إلى عمل العجّة من البيض المسروق من النعامات، طعام الأطفال المُفضّل، حينما مرّ رجل، له ملامح آسيوية من هناك، يُشبه الأشباح. قالت له الأم، مُستعملة لغة لا يتحاور بها الناس من زمان «هل أنت جائع». قال وطيفه يتقطّع ككعكة «لا، أنا أحمل صرّة فيها طعامي». لكنه جلس معها يراقب الأطفال وهم يلعبون بتمزيق رواية لهيرمان هيسه تطايرت صفحاتها في الأرجاء، وابتسم من فشل تمساح حاول، بفكّ هائل الحجم، عضّ بقرة كانت تشرب الماء.
«اسمي دالاي لاما». قال الآسيوي وعيناه الضيقتان تشعّان بضوء مُبهم.
«لم يجد لي أبي إسماً»، قالت الإمرأة.
قام، وهو ينظر إلى ساعة معصمه، وقال «وداعاً». قالت الأم «إلى أين أنت ذاهب». قال «ذاهب للعمل في بناء سكة حديد تشق صحراء أريزونا»، ثمّ قبّل الإمرأة بملء فمه.
#منير_المجيد (هاشتاغ)
Monir_Almajid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟