سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6338 - 2019 / 9 / 1 - 17:55
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بمناسبة الفاتح من سبتمبر
الإنتاج الوحيد الذي يمكن أن تنتجه الجيوش النظامية والمؤسسات العسكرية عموما هو أكوام الجثت والحرائق والخرائب والأشلاء، الجيوش لا يمكنها أن تنتج أي شيئ آخر عدا الدمار .. هذه هي وظيفتها الأساسية مصنع للجثت، "العسكري المفيد" للمجتمع هو مثل الماء الجاف أو الحديد الخشبي، إستحالة منطقية. أما الجيش الليبي فإنه قد تمكن من خلق شيئ جديد - أليس من ليبيا دائما يأتي الجديد - وهو ما سمي بتنظيم الضباط الأحرار والفاتح من سبتمبر والنظرية العالمية الثالثة ومعمر القذافي - والذي لم يكن في حقيقة الأمر سوى نسخة باهتة الألوان لمن سبقه من الإنقلابيين والحكام العسكر. ترقى الكولونيل إلى عقيد ثم قائد ثم منظر إلى أن أصبح ملك الملوك، عاث في البلاد فسادا، روع ليبيا وأدخل الرعب والخوف في قلوب الليبيين لمدة تتجاوز الأربعين عاما. وأعتقدنا بأنه مات ودفن في مكان مجهول وأن الشعب الليبي قد تخلص من الكابوس ومن الحكم العسكري إلى الأبد ويمكنه أن يرفع رأسه ويتنفس الهواء النقي. ولكن اليقظة لم تكن إلا كابوسا آخر أشد قسوة وأشد مرارة، ها هو الجيش الليبي المغوار يعود ثانية لابسا جلبابا سعوديا هذه المرة باسم "الجيش العربي الليبي"، والكولونيل المغتال يعود ممسوخا في جبة جنرال متقاعد متعطش للسلطة والمجد والدماء والإنتقام .. تخلص الشعب الليبي من "القائد"، وها هو شبحه يعود بعد الترقية في صورة "القائد الأعلى". هذا الكابوس يمثل نصف الصورة فقط، فبالإضافة إلى الجيش العربي الحفتري الشجاع، هناك جيش آخر ينافسه ويمكن تسميته بالجيش العربي الإخواني الإسلامي يتكون من كل من هب ودب من الصعاليك واللصوص وأبناء الشعب الأمي الفقير، عشرات ومئات الكتائب ذات المرجعية السلفية تعيث في البلاد فسادا وتبث الرعب والخوف والفوضى في حياة المواطنين .. للأسف الثورة ليست تغيير الوجوه والأسماء والرتب، الثورة ليست إستبدال الأشخاص أو الأنظمة والحكومات والأحزاب .. الثورة لابد أن تحدث في العقول أولا .. ولكن العقول غابت، أختفت وتبخرت .. لم يبق سوى المعدة والمصارين .. الطريق للحرية ما تزال طويلة، والطريق إلى العدالة أكثر طولا، أطول من الطريق إلى جالو كما يقول الشيخ المرحوم .. والنفق المظلم أمامنا وليس ورائنا .. ويبدو المستقبل معتما ومغلقا بالشمع الأحمر، وليس معونة الله ولا يهوة ولا المسيح ولا حتى زيوس وآلهة الإغريق مجتمعة تكفي لزحزحة هذه الصخرة فوق صدر ليبيا المنكوبة.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟