|
إنضمام المغرب للإتحاد الأوروبي مستحيل؟؟
كمال آيت بن يوبا
كاتب
(Kamal Ait Ben Yuba)
الحوار المتمدن-العدد: 6337 - 2019 / 8 / 31 - 18:16
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
حرية – مساواة – أخوة
مجرد رأي
في مقدمة مقال سابق لي حول أضاحي الحج و رد التذكير بموقفين شجاعين غير مسبوقين أثارا ضجة و إستغرابا لدى المغاربة والعالم الإسلامي و أوروبا نفسها عند الإعلان عنهما في زمنه للملك الراحل الحسن الثاني (رحمه الله كما يقول أغلب المغاربة) و هما :
- الإعلان عن تقديم طلب الإنضمام للإتحاد الأوروبي ..
- والإعلان عن تجميد شعيرة تقديم قرابين الأضاحي بمناسبة عيد الأضحى ..
في ذلك المقال لم نتحدث عن طلب الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي قدمه الراحل الحسن الثاني لرئاسة الاتحاد الاوروبي كما قلنا و تحدثنا عن اضاحي عيد الاضحى التي طرحنا سؤالا على شيخ الازهر حول إمكانية إلغائها نظرا و نظرا ....الخ
أما بالنسبة لتقديم طلب المغرب للإنضمام للإتحاد الأوروبي فقد جاء بعد تمزيق "دفتر الإثنى عشر ورقة" التي تمت كتابة ما سمي آنذاك إتفاقية الإتحاد الإفريقي بين ليبيا والمغرب عليها بقليل ..و تم فض الإتحاد بسرعة بعد تأسيسه بين نظامين مختلفين بل متناقضين تماما لا من حيث النشأة أو التركيب أو المدة الزمنية التي قضاها كل منهما في الحكم .و هما نظام القذافي الجماهيري ذي اللجان الشعبية المزعومة بين قوسين الحديث العهد بالحكم ونظام الحسن الثاني الملكي الذي له قرون في الحكم .و الأسباب ربما متعلقة بمساندة نظام القذافي للبوليزاريو أو بدعم معارضي الحسن الثاني في الخارج ..
و لأن المعارضة للنظامين السابقي الذكر آنذاك كانت شديدة خاصة في الخارج بشخصيات كانت معروفة وكانت في فترة ما قريبة من سدة الحكم أغلبها من التيارات الفكرية الحداثية و اليسارية الثورية ومنها شخصيات إشتراكية مثل الفقيه البصري الذي كان يبث إذاعة من ليبيا مضادة للحسن الثاني في السبعينات و غيره و شخصيات من جبهة البوليزاريو التي كانت ترى ، وفق رؤية للعالم القديم ذي القطبين الاتحاد السوفياتي من جهة والعالم الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية من جهة اخرى ، بأن هذه الأنظمة السياسية هي أنظمة عميلة للغرب و متآكلة لا تعبر عن العصر الذي تعيش فيه و زائدة عن الحاجة ومكلفة بالنسبة للشعب و بالتالي لا مناص من إزالتها كحتمية و ضرورة تاريخية لإنهاء الوصاية عن الشعوب و ممارسة حق تقرير المصير لإنشاء الديموقراطية والعلمانية حسب تصورها الخاص كآليات لتجسيد المجتمع الحر القوي الذي يتحكم في ثرواته الطبيعية و ينعم بالسيادة الحقيقية للمواطنين وبالسلم الإجتماعي ، فقد فسر كثيرون اتفاقية الاتحاد بين المغرب وليبيا كمحاولة من محاولا ت كل نظام ديكتاتوري يبحث في كل ما هو ممكن حتى التحالف مع الشيطان من أجل تصريف تنفيسي لمشاكله الداخلية بطريقته الخاصة لإثبات نجاعته و مشروعيته السياسية أمام الخصوم السياسيين ..
الآن و بعد بروز هذه الحركات الإجتماعية التي بدأت في شمال افريقيا منذ 2011 بتونس و التي لا تزال مستمرة لحدود كتابة هذه السطور بالجزائر و ليبيا و السودان عنوانها التعبير عن الذات و البحث عن الإعتراف بالهوية و الإستقلال عن شبه الجزيرة العربية و تحقيق الحرية و الديموقراطية ، يبدو طلب الإنضمام للإتحاد الأوروبي المقدم من طرف المغرب لأوروبا في عهد الحسن الثاني له أهمية تاريخية و كأن الراحل قد تنبأ بما يحدث الآن و منذ 2011 قبل وفاته بأكثر من 12 سنة تقريبا. و يبدو الطلب و كأنه محاولة ثورية للنأي بالنفس عن مشاكل الشرق الأوسط و ما سببته من مشاكل لشمال افريقيا بسبب اللغة و محاربة الارهاب الديني الذي بدأ فيما بعد بهجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك .
لقد صرح الحسن الثاني ذات مرة للصحافة آنذاك بما يمكن قوله بطريقة أخرى لكن بنفس المعنى و هو أن الاستغراب من تقديم مثل هكذا طلب للاتحاد الاوروبي من طرف المغرب يُعَد نظرة قاصرة لحدود أوروبا التي لا تنتهي في حدود البحر الابيض المتوسط الشمالية ..لأن شمال افريقيا هي العمق الاستراتيجي لأوروبا .. هذا الكلام كان موجها للاوروبيين على الخصوص ..لأنهم ربما يستغربون كون المغرب ليس له إمتداد جغرافي مع أوروبا مثل تركيا.
و معلوم من الناحية الجيولوجية أن سلسلة جبال الريف الموجودة في شمال المغرب هي عبارة عن سدائم كبيرة (أي طيات مصابة بفوالق /كسور في الطبقات الصخرية) نتجت كرد فعل تكتوني عن تكوين سلسلة جبال الألب الأوروبية في الحقب الجيولوجي الثالث .و لذلك يمكن تسمية تلك السدائم أيضا السدائم الناتجة عن الدورة الألبية في نفس الحقب الجيولوجي .و معناه أن الضفتين الشمالية و الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مرتبطتان من حيث التاريخ - الجيولوجي la chronogéologie.
لقد كان جواب الإتحاد الأوروبي على الطلب آنذاك هو الرفض مثلما تم رفض طلب إنضمام تركيا إليه...
و قد جاء في مبررات رفض الطلب حسب الصحافة الأوروبية الموجهة للجمهور أمران هما :
- غياب الديموقراطية .
- و ملف حقوق الإنسان .
كثيرون قالوا آنذاك أن هذا الطلب هو فقط دعاية للإستهلاك الداخلي و محاولة لإمتصاص غضب الشارع المغربي و خاصة الشباب الذي كان يراد جعله يحلم بالهجرة لأوروبا دون مشاكل بعد بدء تطبيق الإتحاد الأوروبي لنظام الفيزا بالنسبة لمواطني شمال افريقيا في نهاية الثمانينات .
في هذا السياق يحكي عبد اللطيف الفيلالي الذي كان وزيرا أولا و وزيرا للخارجية قبل ذلك أيام الحسن الثاني في كتاب نشره قبل وفاته بقليل بعد وفاة الحسن الثاني سنة 1999 بسنوات عنوانه " المغرب والعالم العربي" ، أنه حين قدم الطلب لرئيس الإتحاد آنذاك وكان من الدانمارك سأله قائلا :
Est ce que vous croyez à cette demande ?
أي ما ترجمته: هل أنتم جِدِّيُّون في هذا الطلب؟
فأجاب الفيلالي : هو جِدِّي . (يقصد الراحل الحسن الثاني)
يقول عبد اللطيف الفيلالي أيضا في كتابه أن طلب الإنضمام للإتحاد الّأوروبي الذي قدمه الحسن الثاني للاتحاد الاوروبي كان يعطي الانطباع وكأن الراحل الحسن الثاني قد أدار ظهره للعرب .
وكان من المأثورات عن الحسن الثاني قوله أن المغرب شجرة جذورها في أفريقيا و أغصانها في أوروبا ... و قد أثبتت الباليانطولوجيا و البيولوجيا فعلا أن الأصل البعيد تاريخيا بملايين السنين للبشرية كلها هو إفريقيا . لا خلاف في هذا اليوم من الناحية البيولوجية .
لكن الأصل القريب لذوي البشرة البيضاء المتواجدين الآن في إفريقيا من الناحية التصنيفية الأنثروبولوجية هو ما يسمى الأصل القوقازي أو الأوروبي أو السلالة البيضاء .و هم بالتالي قد هاجروا هجرة أولى من افريقيا نحو باقي القارات قبل عودة بعض أحفادهم إليها ..و اذن يمكن القول أن سكان المغرب لهم جذور إفريقية قديمة و أوروبية حديثة تماما مثل أي بلد أوروبي .
والراحل الحسن الثاني لم يكن الشخصية الوحيدة التي كانت لها هذه الأفكار أو لنقل النظرة الهوياتية ذات الإرتباط بأوروبا بل هناك شخصيات عديدة في شمال افريقيا على رأسها الراحل الدكتور طه حسين أحد وزراء الثقافة السابقين في مصر و الذي كان يقول بضرورة إرتباط مصر بأوروبا و ليس بالشرق ..
وإذا كانت أوروبا قد رفضت طلب إنضمام المغرب إلى الإتحاد الأوروبي في نهاية القرن الماضي للأسباب التي وردت في الصحافة آنذاك ، فاليوم هناك مغرب جديد مختلف عن المغرب الموروث الذي كان حتى سنة 1999 .و قد أعطى إنطباعا منذ البداية أنه يريد أن يكون مغربا مختلفا تماما بالكثير من المظاهر الثورية (بمعنى الثورة على التقاليد الموروثة).و قد كان كذلك بالفعل ...
ولا يزال ، رغم بعض الفوارق و العوائق في بعض الجهات الناتجة عن الكوارث الطبيعية و أخرى موروثة ، يعرف إنجازات ظاهرة و مبهرة تَمنع إنكارها . و يعرف تغيرات مفاجئة بين الفينة والأخرى في شتى المظاهر و المجالات.
و لأن هناك إتفاقية شراكة متقدمة بين المغرب و الإتحاد الأوروبي ، و في إستطلاعات الرأي توجد نسبة لا بأس بها من المواطنين الأوروبيين خاصة الإسبان الذين لا يعارضون إنضمام المغرب للإتحاد الأوروبي، و هناك اتفاقيات بين المغرب و أوروبا لمحاربة الإرهاب و الهجرة السرية و المخدرات و تنسيق أمني و اتفاقيات في التعليم و اصلاح الادارة و في المجال الزراعي و القضائي و غير ذلك ، و هناك قطار فائق السرعة و أقمار صناعية و محطات هائلة لإنتاج الطاقة و مصانع للسيارات والطائرات و تجديد للموانئ والبنى التحتية ، و صار الميترو عادي في بعض المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء و غيرها ، فهل تجديد طلب المغرب الإنضمام للإتحاد الأوروبي مع ازالة أي عراقيل أمامه هو شيء مستحيل ؟؟
أرى أن هذا شيء ممكن و ضروري بالنسبة لمغرب اليوم المختلف تماما عن مغرب الأمس ...
ويمكن وضع نفس التساؤل عن إنضمام باقي دول شمال افريقيا للإتحاد الأوروبي..
و في هذه الحالة يجب على دول الاتحاد مساعدة هذه الدول للإلتحاق بها .و سيصير آنذاك مفهوم آخر أشمل و أوسع للإتحاد طالما الجميع مطل على البحر المتوسط ربما يكون حلا ناجعا في نفس الوقت للمشاكل التي تعاني منها أوروبا و التي مصدرها حدودها الجنوبية خصوصا بعد خطاب الرئيس الفرنسي الحالي مؤخرا أمام سفراء بلده و الذي قال فيه من جملة ما قال ما معناه أن "إختفاء حضارات قديمة هي حقيقة تاريخية .و مع إحتدام الصراع بين القطبين أمريكا من جهة و روسيا والصين من جهة و مع النمو الديموغرافي سيؤدي هذا لإختفاء أوروبا إذا لم تُعِد تقييم سيطرتها على الوضع في المستقبل.."
و يسعدني هنا بين قوسين أن أطمئن الرئيس الفرنسي طالما أن الحضارة الأوروبية قد ُبنيت على الحرية والعقل و المنطق و حقوق الإنسان و الديموقراطية والعلمانية و بالتالي فالتاريخ لم يعرف مثلها و لا كانت مثلها تلك الحضارات التي قصدها في خطابه ، فإنها لن تختفي أبدا ما عدا إذا حدث تطور بيولوجي رجعي للبشر في إتجاه الهبل .و هذا أمر مستحيل .لأن تاريخ التطور البيولوجي الذي حدث و أعطى الإنسان الحالي يثبت أنه كان دائما ، مع بعض الإستثناءات القليلة في عالم الحيوانات المتدنية تصنيفيا بالنسبة للإنسان ، في إتجاه تحسين الوظائف الحيوية للكائنات الحية في أغلب الحالات لتمكينها من التكيف مع متغيرات الوسط الطبيعي .و الأوروبيون سيعرفون دائما كيف يتكيفون مع متغيرات الوسط .
و إذن فإحتمال إختفاء الحضارة الأوروبية P في نظري يساوي صفر .
مع تحياتي الخالصة ..
#كمال_آيت_بن_يوبا (هاشتاغ)
Kamal_Ait_Ben_Yuba#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل شمال إفريقيا لغويا و حضاريا مع أوروبا
-
المغرب:وانتصرالمنطق في تدريس العلوم بالفرنسية
-
إذا تم إكتشاف الحياة خارج الأرض هل ستبقى الأديان ؟
-
إكتشاف نوع ديناصوري جديد في المغرب متوقع
-
اللغة العربية ليست لغة علوم و تكنولوجيا
-
هل يترك الأمازيغ هذه اللغة المصرية سبب تخلفهم ؟
-
براعم أثداء الذكور دليل أن الأنثى أصل
-
ما يشبه عملية ارهابية بشكل مصغر جدا
-
التلميذ أسامة و عيد المولد النبوي
-
إنسوا بعض ما تتعلمون في المدرسة
-
هل يمكن تصور شاطئ المهدية المغربي بدون حمامات ؟
-
إعتبار الأضاحي غير مفروضة على غير الحجاج في الإسلام أليس ممك
...
-
الديموقراطيا أو الجمهورية هي نفس الشيء
-
تامْزْغا هي تامْصْرا و تامْزْغيت هي تامْصْريت أي اللغة المصر
...
-
أدعو لجعل الفرنسية لغة رسمية في المغرب
-
الأصل اليوناني ليس باللغة
-
هل للصوم المتقطع أيَّة فوائد ؟
-
دراسة علمية أكدت خطر اللحوم الحمراء على الصحة
-
ذبابة الفواكه سيراتيتا و خطرها على المحاصيل
-
أبطال الأطلس عوض أسود لمنتخب المغرب لكرة القدم؟
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|