جاسم الفارس
الحوار المتمدن-العدد: 6334 - 2019 / 8 / 28 - 01:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتب ترامب كتابه "أمريكا التي نستحقها" عام 2000م. هيأ فيه نظريته السياسية والاقتصادية في إدارة الولايات المتحدة التي قرر أن يكون رئيسها الـ 45, وحقق له ذلك بإدارة حديدية.
لست هنا بصدد نقد الكتاب, إنما بصدد ( معارضته) على الطريقة الشعرية.
أكتب مقالي هذا على خطى ترامب, فالعراق الذي نستحفه لا يقل أهمية عن أمريكا التي يستحقها ترامب, حين يقرر سياسيوه ومثقفوه وجماهيره امتلاك (الكرامة الوطنية) التي بدونها لا يبنى وطن, وبدونها يتحول الوطن الى كرة تتقاذفها أقدام السياسيين الكبار والصغار في العالم, ويصبح الوطن مطية لمصالح دول تتمتع بإذلالنا باسم المصلحة وأمور أخرى... على مستوى الدين والعقل, فالعراق كان ميداناً مهماً للآتين:ـ فيه نبي الله إبراهيم ومنه, وفيه أول حضارة قانونية كتبها حمورابي, وفيه علماء الإسلام من آل بيت النبوة وتلاميذهم.. ومنه أنطلق الحرف الأول يعلم العالم الكتابة والقراءة.. ومنه أشرق نور(بيت الحكمة) يضيء دروب المعرفة في العالم.. وكذلك دارت فيه الحروب الأهلية الإسلامية.. وغير الأهلية مثل غزو التتار وغيرهم.. غير أنها لم تمح آثاره .. ولم تصمد أمام عقول أبنائه الخلاّقة, وقدراتهم الإبداعية, في إعادة بنائه وهيكلته من جديد..
لذلك, فالعراق الذي نستحقه, كامنٌ بقوة عقول أبنائه المبدعين, وسيخرج بفعلهم الى الوجود حياً خلاقاً, فلا يكون السياسيون ساذجي النية وسطحيي التصور في إدارة شؤون البلاد الخارجية والداخلية, إنما يؤسسوا قاعدة إدارة البلد على وفق مفاهيم محورية, هي: الكرامة والقوة والحرية, وفي ضوئها ترسم السياسة العامة للبلد التي تحدد آلية عمل السياسات الفرعية الأخرى.
تقسم السياسة العامة للبلد على قسمين:ـ
1ـ السياسة الخارجية .
2ـ السياسة الداخلية.
وتتحدد قوة البلد ومكانته في السياسة الخارجية من خلال علاقاته الدولية التي لا ترضى بأي تنازل تقدمه للآخرين, ولا تضحي بأي من قدراتنا لصالح الغير.. إلا التعامل بالمثل, وتحقيق مصلحة وطنية عليا.
تُحمى السياسة الخارجية للبلد بقوة اقتصادية, وبقوة عسكرية.. والعمل على حماية المواطن في أي بلد يحل..
أما السياسة الداخلية, فتضم جملة من السياسات منها:ـ
1ـ السياسة الاقتصادية.
2ـ السياسة القانونية.
3ـ السياسة العلمية.
4ـ السياسة التربوية.
5ـ السياسة الصحية.
6ـ السياسة الثقافية.
7ـ السياسة الاجتماعية.
سأركز على السياسة الاقتصادية, كونها القاعدة التي توفر للبلد سبل القوة والرفاه.. وهي تشمل:ـ
أـ السياسة النقدية.
ب ـ السياسة المالية.
ج ـ السياسة التجارية.
د ـ السياسة الصناعية.
ه ـ السياسة الزراعية.
و ـ سياسة العمل والتشغيل.
البعد الخارجي في السياسة الاقتصادية هو السياسة التجارية, وإدارة الصفقات مع العالم, الأمر الذي يحتاج الى عقول واعية بمهمتها, حريصة على مصالح البلد, فلا تخدع, ولا تبيع كرامة الوطن, وكرامة المفاوض بحفنة دولارات..
أما البعد الداخلي, فيتمثل في الإرتقاء بمستوى السياسات الاقتصادية الأخرى النقدية والمالية والزراعية والصناعية وسياسات العمل والتشغيل..
تُبنى مؤسسات لتفعيل السياسات كافة.. فلا يحركها شخص ما.. إنما يحركها القانون.. لتتضافر جميعها ــ الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية - على بناء الإنسان والوطن على قاعدة القانون والعلم والمعرفة, عندها لا تنمو طحالب المغامرين عشاق الانتقام والثأر, حينها تتحدد مكانة الإنسان في المجتمع على وفق المكانة التي وضعه الله عزّ وجل فيها..
_ خليفة الله في الكون. يستثمر موارده في عمارة الأرض..
_ الإنسان معادل للبشرية, " من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض كأنما قتل الناس جميعا " المائدة/٣٢
_ إحياء الإنسان إحياء للبشرية: ويكون الإحياء بأحكام الله عزً وجل, وقوانين العقل والعلم..
وهذا يتطلب مكافحة الجريمة بأشكالها كافة, من إنتاج الكحول والمخدرات, لأنها الأدوات الأكثر فتكاً في المجتمع, والتي يهون عندها الإنسان ويهان..
_ التعليم والسياسة التعليمية:
إن الاعتناء بالتعليم والسياسة التعليمية, والسياسة العلمية, خطوة أخرى كفوءة في بناء الإنسان والمجتمع, تقوم قواعد العلم على الاعتناء بكليات التربية, ومعاهد إعداد المعلمين, والاعتناء بالمراحل الدراسية الأولية من الإبتدائية الى الجامعة, على وفق مناهج العلم الحديثة التي تكرس روح الإبداع والابتكار والحرية, التي تنمي القدرات الفكرية والرغبة في البحث والاكتشاف, والقضاء على أساليب الحفظ والتلقين في التعليم.
وبغية الحفاظ على هذا المنجز لا بد من بناء مؤسسة قانونية تكون أعلى سلطة في البلد, لها صلاحية محاكمة المواطنين بمختلف مواقعهم في الدولة, إذا ما حدث خلل ما في البنية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية في المجتمع, الأمر الذي يساعد على النزول بمستويات الجريمة الى أدنى مستوياتها.. ذلك أن سلطة القانون الكفوءة تحد من الجريمة أياً كان نوعها.. إن الصرامة القانونية نتاج سياسة قانونية فاعلة, ومن مستلزمات هذه الصرامة, منع حمل السلاح لغير رجال الشرطة والأمن والجيش, وقوتهم هي التي تصنع الأمن والأمان.
الضريبة
ومن الفعاليات الاقتصادية ذات الأهمية القصوى في البناء الاقتصادي هي(الضريبة), فعلى الحكومة أن تضع نظاماً ضريبياً عادلاً, يعزز مكانة الضمان الاجتماعي, ويسهم في تحقيق العدالة في الجباية والتوزيع, فالضريبة العادلة, هي أحد قوى حفظ كرامة الحكومة والمواطن.
الصحة
ولا بد من بناء نظام صحي يرعى الإنسان من الطفولة الى الممات.
الانتخابات
وبغية وصول العناصر الكفوءة اقتصادياً مالياً واجتماعياً الى معترك السياسة, فإن الحكومة غير مسؤولة عن تمويل الحملات الإنتخابية, إنما يتحملها المرشح, مع رقابة الدولة لمنع أي تبرعات خارجية مهما صغرت, وبأي شكل من الأشكال.. ومراقبة التبرعات الداخلية, كي لا تكون جسوراً تعبر من خلالها أموال الخارج.مع ضرورة تغيير قانون الانتخابات الحالي واعتماد نظام المناطق لانتخابية حسب النسب السكانية، وتعيين مرشح لكل عدد معين من السكان .
إن السياسي الوطني النظيف هو الذي ينمي أمواله من خلال استثماراته الداخلية, وليس من خلال خطبة رنانة, وكلما زادت رشاوي السياسي المرشح, للمواطنين أثناء الإنتخابات, زادت فرص سقوط البلد..
أنا لا أطمح أن أكون رئيساً.. إنما أطمح أن أكون مع بُناة العراق الواحد.. من المثقفين والمفكرين والسياسيين والاقتصاديين عشاق العراق الواحد. المتنوع الأعراق والثقافات.. مرشداً لمن يسعى الى العمل السياسي في قيادة الدولة العراقية.. من أجل بناء علاقة حب حقيقية بين المواطن والسياسي, بدونها يصعب بناء دولة حقيقية..
يوم كتب ترامب كتابه( أمريكا التي نستحقها), كانت أمريكا في نظره غير جديرة بالاحترام بنظره, بجملة أخطاء يعيشها حكامها وأحزابها على مستوى السياسة والاقتصاد والتجارة والعلاقات الدولية, وقد كرر ترامب هذه الرؤية في خطاب تسلم الرئاسة حين وجه انتقادات لاذعة لأوباما ومن سبقه في إدارة أمريكا..
وعلى نفس المنوال, فإن العراق الذي نعيشه الآن, يقوم على جملة من الأخطاء في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة, اقترفها سياسيون لم يتعلموا من أمريكا ولا من الدول التي عاشوا فيها أيام معارضتهم لنظام صدام حسين.. الأمر الذي يعكس حجم السطحية الثقافية التي يعيشون فيها, والجهل السياسي, والقراءة السطحية للواقع العراقي, وغياب فهم عميق لمفهوم الدولة ومكانتها العالمية, انعكس هذا في غياب مفهوم واضح للسياسة العامة للدولة, وما يتفرع عنها من سياسات اقتصادية وغير اقتصادية...
إن السيطرة على السلطة. حين تفتقد الى رؤية حضارية متقدمة وعميقة.. تتحول الى أداة تدمير وتفكيك لقوى البلد عبر الصراعات على المصالح الخاصة..
ولذلك فإن( العراق الذي نستحقه) لا يبنيه إلا سياسيون جدد, يجمعهم عشق العراق, والعشق هنا, برنامج عمل, وضرورة حضارية لبناء وطن تدين له الأوطان بالولاء والاحترام.
#جاسم_الفارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟