|
طاح الحك وصاب غطاه...
العياشي الدغمي
الحوار المتمدن-العدد: 6332 - 2019 / 8 / 26 - 21:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الزواج ؟ ما معنى أن يتزوج المرأ وينشئ أسرة/مؤسسة..؟ قبل أن نتحدث عن الزواج كمؤسسة عرفها البشر منذ القدم .. وعن ما سايرها من أعراف وتقاليد وممارسات وتمثلات خاضت فيها الأنثروبولوجيا خوضا .. أو عن البنود والشروط والأوامر الأخلاقية والدينية والقوانين المؤطرة لها .. باختلافاتها وتنوعها زمكانيا .. فإن الزواج .. قبل كل هذا يبقى عبارة عن اتحاد ونفي وتضاد وتكامل في نفس الوقت لروحين أو أكثر (polygamie ou polyandrie) .. جمعت بينهما/هم مشاعر أو عواطف نبيلة تتجسد في أرقى صورها على شكل حب واحترام .. ولعل أهم تصور للزواج ذاك الذي يقوم على اتحاد طرفين من جنسين مختلفين (امرأة-رجل) ولا ننفي الأشكال الأخرى التي تتخذ أزواجا من نفس الجنس (امرأة-امرأة أو رجل-رجل) -رغم غرابة الفكرة للبعض- يكون الهدف من هذا الاتحاد : التعاون وتبادل المصالح .. وتكون غايته الأسمى تبادل مشاعر الحب والاحترام ونفي الكراهية والحقد في محاولة سيزيفية للتكامل وملء الفراغات النفسية والبيولوجية (غريزة الحياة والبقاء والاستمرارية) .. وقد عرفت الطبيعة ذاتها أشكالا مختلفة وعديدة للزواج والتزاوج بين الأنواع الحيوانية المتنوعة .. غير أن الزواج بلمسته الإنسانية .. يعتبر بحق ظاهرة توشي بالتعقيد والتركيب .. إذ نلاحظ الأشكال المتنوعة للطقوس التي ترافق "حفلات الزواج" وما يطبعها من ممارسات وتقديس .. يجعل من "الحفل غاية في ذاته" وليس وسيلة لإعلان والتشهير باقتران طرفين .. تعبيرا عن "فرحتهما" وعن عبورهما وهجرتهما نحو عالم الأزواج وترك عالم العزوبية .. لقد أضحى كل ما يرتبط بالزواج شكلانيا/مظاهريا لا غير .. طغى عليه البهرجة والظهور والتمسرح .. حتى صار الزواج يعني "العرس" .. ولكن السؤال الملح هنا هو : ماذا بعد هذه البهرجة ؟ إن الجواب عن هذا السؤال يقتضي منا التساؤل عن ما قبله؟ أي عن كيف يتمثل "العريسان" الزواج ذاته .. وما يرتبط به من بنيات وعلاقات ومسؤوليات ومشاعر .. وما الذي يمثله كل طرف بالنسبة للآخر؟ إن نظرة بسيطة في ذهنيتي العريس أو العروس معا .. توحي بأن هناك تناقض صريح في تصورهما للزواج ولوظيفته ووظيفة كل منهما .. إنهما منتوج ونسخة مصغرة عن تمثلات المجتمع ذاته للزواج (أقصد بتمثل الجتمع - تصورات الأفراد - المنشئين) والتي تتصف بنوع من المثالية السوريالية الغارقة في التجريد .. إن العريس يتصور الزواج كمحاولة لإثبات الذات "غادي يولي راجل - وما يبقاش زوفري أو عازب" ولتحقيق تلك الغاية فإنه لا يهمه من هو الطرف الآخر ولا كيف يفكر ولا فيما يرغب ولا فيما لا يرغب .. المهم أن يكون من الجنس الآخر "يعني باغي مرا وصافي" .. الأمر الذي يدفعه إلى قبول اي ممن "تقبل عليه" ... والتي في غالب الأحيان تكون "عبارة عن عبوة من المشاعر والعواطف الزائدة عن الحد" التي كانت نتيجة لشحنات كثيفة من الأحلام والمتمنيات .. زكتها خطابات المجتمع اللامعة عن كون "الزواج سترة وكمالة دين" "لمرا هي براجلها" و " عز لمرا راجل" .. هكذا بنت تلك الفتاة "الطائشة" صورة مشوهة عن الزوج والزواج في نفس الآن .. من حيث ان الأول هو ذاك الفارس المغوار الذي سينتشلها من قيود ونعوت المجتمع ويبني لها قصر الإمبراطورة المدللة .. فيما الثاني أي الزواج فهو "البيت والاستقلالية والأطفال" .. وهكذا بين تنشئة العريس والعروس وتمثلاتهما وبين الواقع تتشكل الهوة ويزداد الانشقاق .. فلنعد لسؤالنا الملح مسبقا ؛ فماذا يحدث بعد أن "وجد الحك غطاه" .. ؟ بعد الخطبة والعقد والعرس وما جاورهما من طقوس وممارسات وتبريكات .. وبعد مرور "سبع يام مشماش" تبدأ الصورة في الانجلاء .. وتبدأ حقيقة الواقع في فرض ذاتها .. تجد الفتاة/الزوجة حاليا ذاتها أمام مسؤوليات أكبر مما تصورت .. دون ان تكافأ بأي من تمثلاتها وأحلامها السابقة .. تجد ذاتها وكأنها في ثكنة عسكرية .. تتلقى الأوامر من هنا وهناك .. والتوبيخات من هنا وهناك .. من طرف الحماة .. والأخت .. وحتى من الزوج ذاته فارس الأحلام .. الذي لم يكن ليتصر انه في يوم من الأيام سيحارب على جبهتين بنفس السلاح .. والذي بدأ يصحو على نغمات "تا كون راجل حكم مرتك شوية" أو "لا لا أخويا .. يا أنا يا مك" ... انتظرو إنها فقط بوادر الحرب الأهلية .. ولم يحم وطيسها بعد ... بعد انقضاء فترة النقاهة "فترة مولاي السلطان" والتي غالبا ما لا تدوم إلا لأيام ... تجد العريس جالسا قرب "شي نادر ديال تبن" ويكمي في شقوفة ويخمم ويدوي عا مع راسو قائلا : وا ناري ميمتي شنو درت انا .. غرقت " ... وفجأة يأتيه خبر "الأبوة" (لأنو داك شي عند لمزااليط بزبة - ما كاينش) حينها يدرك ان آخر منفذ للنجاة قد تم تعتيمه ... "وكي ندير دابا ولولاد ووو"هنا يصحو من غيبوبته .. ويكون أمام أمرين أهونهما مر : إما أن ينتصر للزوجة بأن يستقل او "يفرق- يبدل باب البيت" وحينها يوصم بالسخط والعقوق ويصبح "حريمي من فعلو" أو يرضخ لضغوط الأم وحليفاتي في الحرب مهددا بذلك ما بناه يوما وتورط فيها حالا فيشتت العش و"يفركت الرمانة" ويطلق الإمبراطورة ويشرد الأمير ... كلا الأمرين أحلاهما مر .. أليس كذلك؟ بالطبع .. أضف لهما قلة اليد والحالة فقيرة .. وستدرك حجم الورطة .. فما الحل حينها ...؟ في الواقع لم يعد هناك من حل .. إلا بمشكل آخر أكثر تعقيدا .. لقد كان هناك مجال للحل فيما سبق وليس فيما هو الآن أو فيما سيكون .. لقد كان على المجتمع ان يقول الحقيقة .. وأن يكون واضحا في تنشئته "للعزري" من جهة و "للعزبة" من جهة ثانية .. كما كان لابد من "التصور والتخيل" على قدر الإمكان .. والاستفادة من تجارب من سبق .. ومن الوقائع الماثلة .. وكان من الأجدر إدراك أن الزواج هو بالأول : حب وتقدير واحترام وتعاون ونفي واتحاد وتكامل وصبر وتنازل وواقع ومسؤوليات ومشاركة .. وليس عرسا او احلاما أو تخيلات سرعان ما تنكسر مع صخرة الشاطى لأول موجة مد ... وأخيرا أقول : الزواج هو ان تكون قادرا على أن تعيش روحك في جسد آخر يبادلك نفس الإمكانية .. غير أن هذا الأمر يتطلب معرفة دقيقة بذاك الآخر .. وتقبل اختلافاته وقناعاته .. وان يكون هو ايضا متقبلا لك ولواقعك ومعتقداتك وتصوراتك .. وبعدها فلتبحر السفينة حيث شاءت شريطة ان تكون سفينة مستقلة من المرسى والمنطلق .. وحينها يمكن القول فعلا : "طاح الحك وصاب غطاه" العياشي الدغمي - 26-08-2019 المغرب
#العياشي_الدغمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو الجنازة العظمى للبشرية والحياة ككل
-
حزب الحب العالمي .. وذهنية المغربي
-
-محدها تقاقي وهي تزيد في لبيض-
-
المرأة .. ؟ من هي المرأة ؟
-
هذه علاقتي بالكتاب والكتابة
-
عبثية الحياة - محاولة في ترجمة مقال لعالمة الاجتماع والباحثة
...
-
محاولة في فهم الفعل الجرمي بين الفرد والنسق
-
أطلال ذاكرة -7-
-
أطلال ذاكرة -6-
-
محاولة في إدراك -إدراك الفرد لمعنى السلطة والمؤسسة-
-
الميدان هو أساس كل بحث سوسيولوجي
-
المتدين -المتشدد- والفلاح البولوني .. أية علاقة؟
-
أطلال ذاكرة -5- الهروب
-
إسلام التعدد أم تعدد -الإسلامات-؟ ... -الإسلام بين إرادة الل
...
-
أطلال ذاكرة -4-
-
من أنا إذن؟ كذب ديكارت إذ قال أنا شيء يفكر..
-
هل ولى زمن النقابات .. وجاء دور التنسيقيات الفايسبوكية؟
-
أطلال ذاكرة...(2)
-
أطلال ذاكرة ... (3)
-
أطلال ذاكرة (1)
المزيد.....
-
بوغدانوف يبحث مع وفد من حماس المستجدات في غزة ويؤكد أهمية ال
...
-
الجدل حول شراء غرينلاند لم ينته بعد.. ورئيسة وزراء الدنمارك
...
-
بيل غيتس وصورة -الملياردير المثالي-
-
ترامب يعلق رسومه الجمركية على المكسيك -شهرا-
-
الرياض.. برنامج أمل التطوعي لدعم سوريا
-
قطاع غزة.. منطقة منكوبة إنسانيا
-
الشرع لـ-تلفزيون سوريا-: النظام كانت لديه معلومات عن التحضير
...
-
مصراتة.. سفينة مساعدات ثانية إلى غزة
-
جنوب إفريقيا تعلن عن إجراءات محتملة ردا على قرار ترامب وقف ت
...
-
مصر تصدر خرائط جديدة لقناة السويس.. ما أهميتها وتفاصيلها؟
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|