سليم نزال
الحوار المتمدن-العدد: 6332 - 2019 / 8 / 26 - 03:11
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
شكلت الحداثة التتويج الفعلى لعصر التنوير من حيث القطيعة مع الفكر الغيبى و تمجيد العقل و اعتباره المعيار فى كل شىء.لقد لعب العلم الحديث دورا كبيرا فى تدعيم فكرة الحداثة .تم القضاء على الكثير من الامراض و نجح الانسان فى اختراع وسائل حديثة تسهل من حياته على مختلف الصعد ,كل ذلك نشر مناخا من التفاؤل ان المستقبل يحمل فى طياته املا لكى يعيش البشر فى عالم سعيد .
الحداثة مفهوم له دينامية خاصة لان الزمن فى فكر الحداثة لا يعيد اجترار الماضى بل هو عملية تتطلع الى المستقبل و تبنى فكر التقدم على ضوء هذا .و لذا فهى مفهوم نشط لا يتوقف عن الحركة .و اعتقد ا ن غياب العقل الحداثى فى الثقافة العربية هو الذى يجرنا دوما الى ماضوية ابدية و يطرح اشكاليات صراعات ماضوية لا معنى على الاطلاق لها فى حياتنا و مستقبلنا .و هى من اشكالية العقل الدينى الذى يظن ان بوسعه اعادة انتاج مجتمع مثالى يكون صورة خيالية و متخيلة عن مجتمع المؤمنين الاول .و هو دولة المدينة و دولة الخلفاء فى الاسلام على سبيل المثال (و نرى ذات الظاهرة فى كل الاديان ) بدون اى نقد تاريخى حقيقى لتلك المراحل و فهمها كما كانت فى الواقع بعيدا عن الخيالات الدينية .
لكن هذه الحداثة و ان كانت قد انتجت افكارا مهمة على صعيد تحرير عقل الانسان من الخرافات الدينية و سواها , لكنها فى الوقت ذاته انتجت اسلحة رهيبة احدثت دمارا مرعبا فى حربين عالميتين.لذا يمكن اعتبار الحداثة الجديدة او ما بعد الحداثة ردا على حداثة منهارة او حداثة فقدت شرعيتها .و هى ان كانت تشكل نوعا من القطيعة من مجموعة الافكار التى سادت باسم الحداثة الا انها تظل فيها نوع من الاستمرارية لطبيعة المشكلات التى يعيشها الانسان خاصة لناحية مسالة العقل و العقلانية التى كانت من الاشكاليات التى كانت تثير الكثير من النقاشات .
جاءت الحربين العالميتين الاولى و الثانية التى قضى فيها نحو من ستين مليون و دمار مدن باكملها و استخدام الاسلحة النووية لاول مرة ليطرح اسئلة جدية حول شرعية الحداثة بعدما غاب التفاؤل القديم و بدات اوروبا تشهد حركات فكرية مناهضة لفكر الحداثة لان العقل الذى اعتبر مخلصا لللانسانية بات منتجا للدمار و للكوارث التى حلت .
#سليم_نزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟