أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناديه كاظم شبيل - غربة أم















المزيد.....

غربة أم


ناديه كاظم شبيل

الحوار المتمدن-العدد: 1550 - 2006 / 5 / 14 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


أستيقظت على صوت صراخ طفلتها،حاولت النهوض من سريرها ولكنها لم تستطع، احسّت كما لو أن ظهرها وكتفيها يرزحان تحت ثقل لا حمل لها على احتماله ،يصاحبه شعور قوي بالأختناق ،حاولت أن تتنفّس ولكنها تشعر بأن جو الغرفة قد أصبح خال من الهواء تماما، أزدادت حدّة الآمها ، كلاّ انّها ليست الآم بالمعنى الصحيح ،انّه شعور بالأحتضار ،فثمّة يد خفيّة تعتصر قلبها ومعدتها وأمعائها لتعيق تنفّسها تماما ، أخذت تلهث بشدّة باحثة عن نسمة هواء تعيد لها الحياة ،ولكن هيهات ، بدأت تنازع الموت ،ثم سرت في بدنها رعشة قويّة ،وبدأت تسمع صوت اصطكاك أسنانها ، يصاحبه ألم قوي في الفكين من شدّة الأصطكاك ، ثم بلل دافئ يسري من ثدييها ليصل الى بطنها ويستقر في أعمق نقطة من رحمها، قالت في سرّها : لا بدّ وأن تكون صغيرتي جائعه. أزداد صراخ الطفلة ،حاولت الآم النهوض مرّات عديدة من فراشها ،ولكن احساسها بثقل جسدها منعها من النهوض ، وبصعوبة مدّت يدها الى سرير طفلتها لتتلمسها كي تهدأ الطفلة قليلا ، ولكنها اكتشفت بأن السرير كان فارغا ،ألقت نظرة حزينة على مخدة صغيرتها ، كان موضع رأسها لا يزال منخفضا ،وشعرات قليلة من رأس صغيرتها لا تزال عالقة بالمخدّه،.أنهمرت دموعها على وجنتيها واسترسلت لتنزل الى صدرها وكأنها تشارك الثدي الحزين البكاء .فلقد فاض بهما الحنين معا الى ذلك الفم البرئ الصغير. قالت في سرّها :ليسوا بشرا هؤلاء الذين حرموني من رضيعتي الحديثة الولاده ،تعسا لهم ، وجوههم بيضاء وقلوبهم سوداء، يدّعون أنهم يعملون لمصلحة الطفل فأيّة مصلحة هذه التي تحرم طفلة من دفئ وحنان حليب أمّها، أنني لا زلت أتذكّر كلام الممرضه بأنّ عليّ ارضاع طفلتي من ثديي والاّتعّرضت لاّمراض هي في غنى عنها ،رغم هذا ناقضوا انفسهم وخطفوا ابنتي من أحضاني لسبب تافه جدّا ،اللّعنة على كل طغاة العالم من قابيل الى أن تقوم السّاعه.
لقد سفّرت من وطنها العراق الى ايران دون سبب ، قالوا لهم بعد أن جرّدوهم من كل ما يملكون وهم يلقون بهم من سيارة الحمل الكبيرة كما يلقون الحصى أو التراب، ارجعوا الى وطنكم أيّها المجوس .رد عليهم والدها بصوت بدا لها أنه ليس صوت والدها من شدذة الضعف ، نحن عرب ونسكن العراق منذ مئات السنين ، وليس لنا أقارب في ايران ،ولا نعرف حرفا واحدا من اللّغة الفارسيّه ،ردّعليه الآخر :اخرس والاّ فجّرت بك الألغام كما فعلتها مع قريبتك المجوسيّة وأطفالها بالاّمس ، لاذ والدها للصّمت بعد أن أوكل امره الى الله .
لم ترق لهم الحياة في ايران ،لاّنهم عزلوا في مخيّمات خاصّة وكأنّهم مصابون بأمراض معديه ، ولقد حرموا من العمل وحرم أطفالهم من التعليم ،وعاشوا على المقايضة فيما بينهم ،وعلى معونات الصليب الأحمر،ولكن ما كان يؤلمهم أكثر هو نظرة الشّك والأحتقار التي يرمقهم بها الأيرانيين ،ثمّ تلك الجملة الغريبة التي لا يفهمون معناها ( صدّام كافر) لأنهم كانوا يرددونها على مسامعهم كما لو ان عليهم تبليغه هذه الجمله وكأنهم مراسلون صحفيّون لصدّم وليس مغضوبا عليهم من قبله،لقد عانوا كثيرا من ضيق ذات اليد ، وحرموا من كل ضروريّات الحياة ،وأخذت ثقتهم تختفي بمصداقيّة اسلام هذه الدوله،للتمييز العنصري الذي كانوا يعاملون به الناس ،رغم كونهم من مذهب واحد، فمن كانت له سجلاّت في ايران فأنه يحظى بالعمل ويحظى أولاده بالدراسه والعكس هو الصّحيح لمن لم يجدوا اسم عائلته مسجّلا في سجلاّتهم.
زوّجها والدها من أحد اشقياء بغداد ،و كان ككلّ الأشقياء يملك نخوة وشهامة ورجولة ،ولكنه عنيف وقت اللزوم. رزقا بالعديد من الأطفال ، فازدادت معاناتهم ،وبدا الأطفال يتسكّعون في الشوارع ،يستجدون الناس العطف والرغيف ،فقرر الوالد أن يستدين مبلغا من المال من أحد الخيّرين على أن يرده حالما يستقّر هو وعائلته في السويد.قرر أن تبقى العائله في تركيا ريثما يحين الوقت للّحاق به. كان المال الذي يستلمه من السويد لا يغطّي نفقاته وتفقات العائله،ولذا أضطر أطفاله الى امتهان مهنة التسوّل ليسدّوا رمقهم.وعندما وصلوا السويد، بدأ الأب يسدد ديونه ،وبدأ الاولاد بسرقة الحلوى من المحلاّت السويديّه ممّا تسبب في ملاحقة الشرطة لهم ، وحذّروا الأب من اهماله أطفاله ،خاف الوالد من تكرار تلك المشاكل ، فأمسك بالسكّين ولوّح بها لأطفاله مهدّدا بأنه سيذبح كل من يسرق منهم ، في اليوم التالي نشرت الجريدة صور بعض الأشخاص وتحتها تهنئة بعيد ميلادهم ، وكانت صورة والدهم من بين هؤلاء، اذ صادف يوم مولده في ذلك اليوم ، وجد بعض المعارف في ذلك فرصة للتندّر ،فاتّصلوا به تلفونيّا ليهنئوه بتلك المناسبة السعيده ، ولكنهم فوجأوا وهو يردّ عليهم بصوت حزين بأنه كان الأحرى بهم ان يعزّوه لأن الدولة استولت على اطفاله الأربعه الّذين هم دون سن البلوغ ،كون احدهم قد أبلغ المعلّمة بتهديد الأب لهم فأخبرت بدورها مسؤولة السوسيال ، وتم كل شئ بسرعة تفوق التّصّور،لقد سبق لولده هذا أن هدّده بعد كل سرقة يقوم بها بأن المعلّمة قد اعطته وباقي الطلاّب رقما خاصا وطلبت منهم حفظه عن ظهر قلب كي يتّصلوا به عند تعرّضهم للضرب من قبل ذويهم ،ولكنه لم يشأ أن ينهزم أمام أطفاله ليتصرّفوا كما يحلو لهم ،فأقسم لهم بأنه لا يهتم لتهديدهم وسنينفّذ وعده بالعقاب، أصيبت الأم بانهيار نفسي واكتآب حاد ،وأصيب جميع الأصدقاء بحالة من الذعر من أنه سيأتي عليهم ألدور في المرّة القادمه ، ولذا بدأوا يتخبّطون ويتساألون عن الطريقة المثلى في تربية أطفالهم .
أبتدأ الأطفال يقودون ذويهم وأصبحت الصورة مقلوبة تماما. لقد اتّقن الأطفال اللغة قبل والديهم فأعطاهم ذلك مكانة كان الأحرى بالوالدين أن يحثلوا عليها .
مرّت الأيّام على تلك المرأة طويلة كئيبة استطاعت بعد فترة ليست بالقصيرة الألتقاء بأطفالها ، لم تتذكّرها الرضيعة بطبيعة الحال ولكن ما أن وضعتها على ثديها حتّى التقفته بشوق ولهفة وعتاب ، اذ كانت تقطع الرضاعة لتصرخ محتجّة على طول الغياب ثم تعود ثانية لآلتقاف الثدي الحنون وسط ذهول ودموع الأم . استمرّ الحال على هذا المنوال ، ونسي أطفالها لغة الأم لتحلّ محلّها اللّغة السويديّة التي لا تجيدها الأم . أعيدوا للأم بعد أربع سنوات ، وبعد أن تم طلاقها من زوجها .



#ناديه_كاظم_شبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرق بين مسلسل القلعه ومسلسل قهوة الحشّاشين كالفرق بين سياس ...
- لتكن مشيئتنا معا
- الغفران
- على مهلك ياوطن على جيبي انا جيبي ترى واللهي فضي
- عواشه
- هو وحده من يعرف مكنون جمالي
- الحلقه الاخيره من مذكرات جنين عراقي عاش في فترة احتلال الطاغ ...
- الحلقه الرابعه والعشرون من مذكرات جنين عراقي تكون في فترة اح ...
- الحلقه الثالثه والعشرون من مذكرات طفل عراقي تكون في فترة احت ...
- الحلقه الثانيه والعشرون من مذكرات جنين عراقي تكون في فترة اح ...
- الحلقه الحاديه والعشرون من مذكرات جنين تكون في فترة احتلال ا ...
- الحلقه العشرون من مذكرات جنين تكون في فترة احتلال الطاغيه لل ...
- الحلقه التاسعة عشر من مذكرات جنين عراقي تكون في فترة احتلال ...
- الحلقه الثامنة عشر من مذكرات جنين عراقي تكون في فترة احتلال ...
- الحلقه السابعه عشر من مذكرات جنين عراقي تكون في فترة احتلال ...
- الحلقه السادسة عشر من مذكرات جنين عراقي تكون في فترة احتلال ...
- الحلقه الخامسةعشر من مذكرات جنين عراقي تكون في فترةاحتلال ال ...
- الحلقه الثالثة عشر من مذكرات جنين عراقي في فترة احتلال الطاغ ...
- الحلقه الثالثه عشر من مذكرات جنين عراقي تكون في فترة احتلال ...
- الحلقه الثانيه عشر من مذكرات حنين عراقي تكون وقت احتلال الطا ...


المزيد.....




- بعد حكم الإعدام.. حكم جديد ببراءة مغني الراب الإيراني توماج ...
- Admhec “القبول بالجامعات” معدلات القبول الموحد في الجامعات ا ...
- انطلاق الدورة الـ77 لمهرجان -لوكارنو- السينمائي الدولي في سو ...
- البحر الأحمر السينمائي يعلن عن فتح الانتساب لدورته الرابعة 2 ...
- -أوروبا-: رؤية سينمائية تنتقد وحدة أوروبية مفترضة
- نجم شهير يتعرض لموجة غضب كبيرة بسبب انسحابه فجأة من فيلم عن ...
- تونس: الحكم بالسجن أربع سنوات على مغني الراب -كادوريم- وحرما ...
- 60 فنانا يقودون حملة ضد مهرجان موسيقي اوروبي لتعاونه مع الاح ...
- احتلال فلسطين بمنظور -الزمن الطويل-.. عدنان منصر: صمود المقا ...
- ما سبب إدمان البعض مشاهدة أفلام الرعب والإثارة؟.. ومن هم الم ...


المزيد.....

- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس
- زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي / ياسر يونس
- رسالةإ لى امرأة / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناديه كاظم شبيل - غربة أم