|
قبل تحوّل أوروبا لعشوائيات إرهابية
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 6323 - 2019 / 8 / 17 - 07:26
المحور:
كتابات ساخرة
اقترب الاضطهاد الديني للمسيحيين من حد "الإبادة الجماعية" في أجزاء من العالم، وفقا لتقرير طلب إعداده جيرمي هانت، وزير الخارجية البريطاني، الذي قال إنه يشعر أن "اللياقة السياسية" لعبت دورا في عدم مواجهة هذه المشكلة. وأفاد التقرير الأولي الذي ظهر في الربع الأول من هذا العام، وسيصدر النهائي في الخريف (وقد لا يصدر إذا حدثت ضغوط من جمعيات حقوق الانسان لإخفاء الحقائق كما جرت العادة) بأن "ممارسات الإبادة الجماعية بلغت مداها، وأن المسيحية تواجه خطر الاختفاء من أجزاء في الشرق الأوسط". وحذّر أيضا من أن الديانة المسيحية "تواجه خطر الاختفاء في بعض أجزاء من العالم"، مستشهدا بإحصائيات تشير إلى أن مسيحيي فلسطين يمثلون 1.5 في المئة فقط من عدد السكان، بينما تراجع عددهم في العراق إلى 120 ألف مسيحي مقابل 1.5 مليون مسيحي قبل 2003. قال هانت إنه يعتقد أن الحكومات كانت في "سبات عميق"، إذ لم تتعامل مع مشكلة الاضطهاد الذي يتعرض المسيحيون لها، لكن هذا التقرير وقبله الهجمات التي شهدتها سريلانكا ينبغي أن يكونا قد "أيقظا الجميع من سباتهم على صدمة كبيرة" وأضاف: "أعتقد أن هناك قلقا في غير موضعه حيال أن يكون الخطاب في هذه القضية صادراً من استعماريين، عن دين يرتبط بقوى استعمارية أكثر من ارتباطه بالدول التي دخلناها كمستعمرين". وقال وزير الخارجية البريطاني "ربما يكون ذلك هو ما سبب حرجاً حال دون الحديث عن هذه المشكلة - دور الإرساليات كان دائما ما يثير الجدل وقد كان كذلك بالفعل - وأعتقد أنني أيضا أوصيت البعض بتحاشي الحديث في هذا الموضوع". مربط الفرس الوزير هانت مُصرٌ على موضوع جلد الذات غير المُبرر، فمسألة "دين ارتبط بقوى استعمارية" غير دقيقة لأن المسيحية لم تغز العالم بالسلاح ولم تمح ثقافاته ولغاته، بل لم تناصر أي دولة مسيحية مُستعمِرة الأقليات المسيحية في الدول التي غزتها، لأن الدول المسيحية التي غزت العالم غزته لأسباب اقتصادية بحتة وليس للتبشير، والغزو لم يكن حكراً على الدول المسيحية بل مارسته كل الحضارات. ثم أن مسلمي الشرق الأوسط، وليس الوزير هانت، الذين يعيشون في سبعينات عمرهم أو أكثر يعرفون تماماً الخدمات العلمية والتربوية التي قدمتها الارساليات، وكان المسلمون في لبنان ومصر، وهو ما أنا على يقين منه، يرسلون أولادهم للتعلم في مدارس الرهبان لأنهم يعلمون تماماً مستوى التحصيل العلمي الذي كان في هذه المدارس. لم يشك أي طالب مسلم من أن رهبان مدرسته حثوه على التحول للمسيحية. لم يشك أي فنان أو سياسي سبعيني، وهم كثيرون، تعلم في مدارس الرهبان من هذا الامر على الهواء حتى بعد تسونامي التطرف. مربط الفرس هو أن الإيمان بالعلمانية دفع الدول الغربية إلى التسامح مع انتشار كل الاديان على أرضها بدون أي تمييز، لأن نشر أي نظرية أو التبشير بدين أو مذهب من حقوق الانسان فهو ببساطة حق المعرفة والاختيار. بل أن حق الالحاد تكفله دساتير الدول العلمانية ولا يستطيع أحد النيل من مُلحد أو رفع دعاوى عليه في المحاكم، لكن الغرب في الفترة الاخيرة بدأ يدرك أن التسامح الديني الذي مارسه كان سبباً في انتشار عشوائيات الارهاب على أراضيه، ودعوات الانفصال الثقافي والسياسي (والعرقي بالزواج من العرق نفسه) عن دوله في هذه العشوائيات، من خلال استغلال الخطاب الديني المُتطرف الذي يدّعي إمتلاك المعرفة الشمولية، ولم يعد يناسب عصر المعرفة لتناقضاته، وترفضه بعض الدول الاسلامية نفسها. ألم تعتبر السعودية والامارات ومصر "الاخوان المسلمون" جماعة إرهابية؟ ألم تُسقط مصر وتونس حكمهم؟ ألا تحاربهم سورية؟ ألاّ تدعو الدول الاسلامية إلى تغيير الخطاب الديني؟ نقرأ العربية الدول الغربية أيضا تعلم ذلك، لكن "اللياقة السياسية" أو بالأحرى "المصالح السياسية" تمنع حتى اليوم المواجهة والاعتراف بالخطر كما هو، كما فعلت الدول الاسلامية المذكورة، فحين اقتحمت مجموعة من الإسلاميين بقيادة الإخوان السفارة الأميركية في مصر غضباً من أحد الأفلام المسيئة لرسول، دعا هؤلاء باللغة العربية إلى تنظيم مسيرة مليونيه ضدّ السفارة، بينما نشرت تغريده في "إخوان ويب" الناطق باللغة الإنكليزية، بياناً لنائب مرشد الإخوان آنذاك خيرت الشاطر يبدي فيها ارتياحه لعدم إصابة أي من موظفي السفارة بأذى، فردّت السفارة الأميركية في مصر بتغريده جاء فيها: شكراً. بالمناسبة، هل تفحّصتم أخباركم العربية؟ نأمل أن تعلموا بأنّنا نقرأها أيضاً. سنة 2014 أمر رئيس الوزراء البريطاني حينها ديفيد كاميرون بإجراء تحقيقات في نشاط الإخوان داخل مصر وبريطانيا، فأصدر منير إبراهيم تهديداً غير مباشر بأنّ الإرهاب سينتشر أكثر إذا تمّ تنفيذ حظر الجماعة، على قاعدة أنّ العديد من الاخوان سيظنّون أنّ "القيم السلمية للإخوان لم تنجح وأنهم مصنّفون الآن كمجموعة إرهابية، الأمر الذي سيترك الأبواب مشرّعة أمام كل الاحتمالات". وحين سئل منير إبراهيم عمّا إذا كان ذلك قد يشمل العنف، ردّ قائلاً: "أي احتمال"، وهو الامر الذي ساعد في تجنيب الإخوان التصنيف على لائحة المنظمات الإرهابية. أفكار مخيفة اللياقة والخوف من الترهيب وتفضيل المصالح على وشك أن يزولوا بواسطة الشعبويين الذين سيحلون بالتدريج دولة بعد دولة، لأن المواطن الغربي صار مُدركاً أن كيانه وثقافته ومكاسب علمانيته صارت مهددة، وأن النخبة الحاكمة اليوم لم تعد قادرة على حماية الكيان والثقافة واللغة والعلمانية. الامور واضحة تماماً ولا مجال لاستعمال كلمة الاسلاموفوبيا في غير محلها، لأن الفوبيا هي الخوف من شيء مُتخيل لكن المجتمعات الغربية تواجه خطراً وجودياً حقيقياً وليس مرضاً نفسياً كما يُشاع. من المثير للانتباه أن البابا فرنسيس في مقابلة له الأسبوع الماضي مع صحيفة "لا ستامبا" في خضم ما يحدث حيال هذه الأزمة الوجودية للثقافات الأوروبية، وأزمة سياسية فجرها الزعيم الإيطالي اليميني (المتطرف) ماتيو سالفيني، قال بدون ذكر أسماء سياسيين أو بلدان بعينها، إن "الاتجاهات السيادية تنم عن تصرف انغلاقي. أشعر بالقلق لأننا نسمع خطباً تشبه خطب هتلر في 1934. نحن أولا... نحن... نحن... هذه أفكار مخيفة". يعتبر البابا سالفيني القريب من الزعيم المجري فيكتور أوربان، وزعيمة اليمين (المتطرف) الفرنسية مارين لوبان، يشكلون "جبهة سيادية" تعمل على "طرد الطبقات الحاكمة الأوروبية" علاوة على سياساتهم المتشددة ضد المهاجرين غير الشرعيين، ودائما يشير البابا فرنسيس إلى خطر تنامي نفوذ الأحزاب الشعبوية المناهضة للهجرة غير الشرعية، بدون أن يسمي البلدان أو المسؤولين المعنيين. أنا صراحة أصبت بما يمكنني تسميته مرض "البابا فوبيا"، فكل تصريحاته ومقابلاته أخافها مُسبقاً كعلماني، لأنها تاريخياً لا تُعبّر عن تعاليم المسيح، فالمسيح كان نبياً وليس سياسياً، فلماذا لا يترك البابا السياسيين يحلون محل بعضهم بعضاً مازال صندوق الاقتراع يقرر ذلك؟ ولمذا يدافع البابا عن الهجرة غير الشرعية ويقف ضد حماية حدود الدول؟ ولماذا لم يتحمس البابا فرنسيس حتى للتعقيب الصريح أو المُبطن على الدراسة البريطانية الأولية؟ الشعبويون يرون أن الهجرة غير الشرعية تأتي بالجريمة والعاطلين عن العمل الذين لا جدوى منهم إلى اراضي بلادهم. الشعبويون يرون أن استخدام دور العبادة لحشد الناس سياسياً أصبح غير مقبول في الدول الاسلامية فماذا يُقبل به في الدول الغربية؟ الشعبويون يرون أن الدولة والثقافة والعلمانية يجب الدفاع عنها. الشعبويون يرون أن الانتماء للوطن عام والايمان بدين ما أو حتى الالحاد أمر خاص يجب ألا يُفرض على الناس. الشعبويون يرون أن الدولة المدنية يستحيل أن يحل محلها دولة دينية حتى لو كانت مسيحية. المسيح قال "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر" في إطار أخلاقي بحت هو الحث على أقصى درجات الغفران، ولم يقله في إطار سياسي، أو بالمعنى الحرفي للكلمة لأنها ضد منطق الكرامة الإنسانية. الدولة التي تفقد هويتها وأمنها وهيبتها تحني ظهرها لتركبه الفوضى، فلماذا لا يجد البابا وسيلة أخرى للتقرب من مسيحيي أوروبا الذين ضربتهم الطبقة المخملية الحاكمة على خدهم الأيمن، ويرفضون ضربهم على الايسر، كما رفض أجدادهم التدخل السياسي للكنيسة وحق الملوك الإلهي في الحكم. على البابا فرنسيس البعد نهائياً عن السياسة وأساليبها، وهو ما لم يورط المسيح نفسه فيهما بتاتاً لأنه كان رجل أخلاق وإيمان. المسيح نبي غايته الانسان والسياسي غايته السلطة، والشعبوية تنتقل من بلد إلى بلد لأنه "لا يفل الحديد سوى الحديد"، ومن ثمة يجب أن يترك البابا ما لقيصر لقيصر ويهتم بما لله، حتى لا تتحول أوروبا إلى عشوائيات إرهابية مثلما حدث في أجزاء من العراق وسورية وليبيا وكاد أن يحدث في مصر.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيهما كان الأسبق: عبد الناصر أم الخوميني؟
-
بوتين أصدق أنباءً من الليبراليين
-
سبعون سنة أخرى من التعاسة
-
كوميديا سياسية سوداء
-
عقيدة مكة وإيديولوجية يثرب
-
الرئيس ماكرون اكتشف النفتالين
-
لبنانيون في المنسى
-
-التنوير- هو المُبشر وليس الوافدين
-
فرمان الخليفة أردوغان الأول
-
رسالة سفاح نيوزيلند إلى العلمانيين والمتزمتين (2)
-
رسالة سفاح نيوزيلند إلى العلمانيين والمتزمتين (1)
-
لماذا لا يطلق السيسي وبوتفليقة لحيتيهما؟
-
مطلوب سحب صفة الانسانية مع الجنسية
-
رواية -عواصم السماء-
-
كل سنة وأبطال العلمانية بخير
-
القتيل الأغلى سنة 2018
-
قتلنا الفرعون.. اهرب بارك الله فيك!
-
التستر على القاتل نفاقاً
-
حرب نصف الألفية الاولى
-
رسالة إلى حامد عبد الصمد
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|