أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - النظام العقائدي النصيري: {ألوهية علي بن أبي طالب ج2}















المزيد.....


النظام العقائدي النصيري: {ألوهية علي بن أبي طالب ج2}


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 6321 - 2019 / 8 / 15 - 12:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


النظام العقائدي النصيري
{ألوهية علي بن أبي طالب ج2}

خلال الفترات السبعة لظهوره في صورة البشر، حمل علي عدّة أسماء، بالرغم من كونه كيان واحد. يقول العالم النصيري البارز الخصيبي [توفي سنة 957م] في مقدّمة كتابه "الهداية الكبرى" أنّ هذا الكتاب يحتوي على أسماء رسول الله محمد وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة والأئمّة من علي وحتى محمد المهدي. ويستأنف الخصيبي قوله بأنّ هناك ثلاثمائة اسم لعلي في القرآن، الأمر الذي يتنافى مع معتقد بقية المسلمين بأنّ لله تسعةٌ وتسعون إسماً هي الأسماء الحُسنى. ويقدّم أمثلة مستنداً إلى القرآن وبالأخص الآيتان 17 من سورة هود: {أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً}، وسورة النبأ، 1 و2: { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} ليبيّن أنّ علياً هو النبأ العظيم[1 ]. ويذكر أيضاً أنّ اسن علي جاء في كتب شيت، وإدريس (أخنوخ)، ونوح، وإبراهيم، وهي كتُب منحولة من دون شك. وبالسريانية، يسمّى "مُبين" (واضح)، وفي العبرية يسمّى "هيولى" (المادة البدائية)، و"الأمين"، و"ثَبات"، و"بَيان"، و"يَقين"، و"إيمان".
كما يؤكّد الخصيبي أنّ علي يسمّى "إلياس" في التوراه، و"أريا" في المزامير، وأنّ الزَّنج يسمّونه "كيبيا" أو "حَبينا"، تحريف لكلمة "أبونا"، وهو لقب المتروبوليت الإثيوبي، وأنّ الحبشيين يسمّونه "تبريك" (لَعَب بكلمة "بطريق"، أو البطريارك). وفي اللغة العربية يسمّى "حيدرة" (أو الأسد)، لأنه كان بيطش بإخوته الأكبر سناً منه. ويلقّب بأبو الحَسَن والحسين. أبو شِبِر وأبو شَبير (ابني هارون في التراث الإسلامي)، أبو تُراب (لقب أعطاه إيّاه النبي)، أبو النور، وأبو الأئمّة[2 ].
حتى الآن، هذه القائمة من الأسماء تختلف قليلاً عن الأسماء الواردة في "كتاب المشيخة"[ 3]. ولكن، بالإضافة إلى ذلك، يورد الخصيبي أسماء أخرى لعلي، بعضها شائع بين النصيريين وبين تيّار الشيعة الرسمي. يسمّى علي، على سبيل المثال، قسيم الجَنّة والنار، وقاضي الدين، ومُنجز الوعد، ومُهلك الجان الأعظم، وكاشف الكرب، وسفينة النجاة، والقرم الحديد الذي هو في الله أبداً جديداً[ 4].
كما يمنح الخصيبي علي بن أبي طالب لقب أمير النحل (أي المؤمنون الشيعة)، وهي تسمية مميّزة لدى النصيريين وشائعة جداً في كتاباتهم ونصوصهم. ويقيم النصيريون هذه التسمية على أساس حديث قديم منقول عن الإمام جعفر الصادق عن النبي محمد، الذي قال: ((إنّ مَثَلَ المؤمن لكَمَثَل النحلة، أكلت طيباً، ووضعت طيباً))[5 ]. وهذا الحديث عبارة عن ترديد لصدى ماجاء في القرآن {وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [سورة النحل: 68]. في هذه الحال، يؤمن النصيريون أنّ المقصود "بالنحل" في هذه الآية هم المؤمنون النصيريون.
ونجد في كتيّب التعليم المزيد من الأسماء التي أعطِيَت لعَلِيّ إلى جانب الأسماء التي ذكرها الخصيبي. فقد أعطيت هذه الأسماء لعلي من قبل العديد من الشعوب بما فيهم العرب، العبرانيين، الهندوس، الأفارقة، الأرمن، الدَّيلَم (سكان المنطقة الجبلية جنوب بحر قزوين)، وحتى الكائنات التي يعتقد النصيريون أنّها كانت موجودة قبل آدم[6 ]. من الواضح أنّ ما أراده الخصيبي وصاحب كتاب التعليم هو التأسيس لاعتراف وإقرار عالمي بعلي كإله لجيمع الأمم والشعوب بما يتّفق مع تأليههم لعلي وإيمانهم بألوهيته.
ومن خلال تلاعب لغوي باسم "علي"، الذي يعني حرفياً "العَلِيَ، العالي"، يقول مؤلف كتاب "الأسوس" أنّ مصطلع علي يعني "أعلى"/"الأعلى"، فوق كل اسم، ويغلب كل اسم[7 ]. من الواضح أن نيّة المؤلّف هنا هي أن يعزو الصفات الإلهية لاسم علي، الذي كان ومايزال مستخدماً عند المسلمين وغير المسلمين على حدٍ سواء، وبدون أيّة دلالات روحية.
وفقاً لما قاله دوسو، ينادي النصيريون ((علي علي الله))، ذاكراً اسم فرقة أخرى من الغلاة، العَلي-إلهية أو الإلهية، واسم "علي الأعلى"[ 8]. ولا يذكر دوسو أي مصادر نصيرية ورد فيها اسم "علي الأعلى"، وبدلاً من ذلك، يشير إلى دي ساس، الذي يصرّح بأنّ هذا الاسم ورد ضمن نص درزي يعالج مسألة ظهور اللاهوت في صورة بشرية[9 ]. بعد ذلك يتابع دوسو مقترحاً تفسيراً اشتقاقياً لهذا الاسم. فهو لا يعتقد أنّه من أصل عربي، لأنّه إذا كان كذلك، فستتم كتابته بصيغة "علي تعالى"، وهو اسم لله يعني "الله الأعلى" باللغة العربية. ويخمّن دوسو أنّ صيغة الاسم "علي الأعلى" مستمدّ من لقب "إيل-إيليون" الإلهي القديم، الذي يعادل اسم "زيوس أوفِستوس" اليوناني، والإله الفينيقي المعروف من قبل اليونانيين باسم "أدونيس"[ 10]. لكنني أرى أنّ منطق دوسو غير مقنع إطلاقاً. فالإمام جعفر الصادق يستخدم اسم "علي الأعلى" في كتاب "الهفت الشريف"، صـ147، إشارة إلى الله ((منتسبين إلى العَليّ الأعلى الذي يظهر)). "الأعلى" هو بالـتأكيد كلمة عربية أصيلة، وهي عنوان السورة رقم 87 من القرآن.
وتكشف دراسة معمّة للنظام العقائدي النصيري عن وجود عناصر فارسية عميقة الجذور تمنح الفرس مكاناً بارزاً ضمن المنظومة العقائدية النصيرية لطائفة علي. وهذه النقطة محورية جداً حساسة لأنّ علي كان عربياً، هاشمياً نقياً مثل ابن عمّه النبي محمد، والأرجح أنّه لم تكن أي علاقة بالفرس أو ملوكهم. ومع ذلك فقد أطلق عليه النصيريون لقب "تاج الأكاسرة"، من خسرو (أحشويرش) كما كان العرب يسمّون الملوك الساسانيين في بلاد فارس[11 ]. ومن بين الأسماء المَثَلية التي أُطلِقَت على علي من آدم إلى محمد المهدي، نجد أسماء ملكين فارسيين هما: أردشير وسابور[ 12].
ويقال أنّ الظهورات السبعة للإله من هابيل إلى علي وقعت في سبع قباب أو قِبَب، بما في ذلك القبّة الإبراهيمية، والقبّة العربية، والقبّة المحمدية، والقبّة الفارسية، التي أظهر فيها علي [المعنى] نفسه[ 13]. يُطلَق على علي في الكتب الفارسية اسم "نُمَير"، وتعني النار[14 ]. وهذه إشارة بأنّ علي مرتبط بالعبادة الفارسية للنار، كما سنرى لاحقاً.
إنّ ارتباط علي بالملوك الفارسيين أكثر من مجرّد مصادفة. إنّها نتيحة محاولة مُتَعَمّدة ومقصودة من قبل الكتاب النصيريين، عكس تفوّق الفرس على العرب من خلال علي، بالقول أنّ ملوك الفرس كانوا الوسيط الذي ظهر من خلالهم علي [المعنى] واسمه وبابه في عالم النور. وهذا ما أشار إليه الطبراني في كتابه "مجموع الأعياد" عند حديثه عن مهرجان النوروز (اليوم الجديد)، الذي تبدأ فيه السنة الفارسية الجديدة، يقول الطبراني: ((وقد كان المولى [علي] عَزّ عِزّه ظهر في ملوك الفرس، وأظهر أسماءه وأبوابه ومراتب قُدسِهِ العالَمَ الكبير النوراني منهم السلام)).
ثمّ يتابع الطبراني قائلاً: ((وقد أوضح ذلك سيّدنا الخصيبي قدّس الله روحه في رسالته وبيّنه في مقالته في السياقة))[15 ].
يناقش الخصيبي في رسالته ظهورات المعنى علي منذ عهد آدم عبر فترات مختلفة، وخصوصاً الفترة الفارسية. ويذكر أنّه في هذه الفترة أو القبّة، أظهر علي (الذي كان آدم نفسه) نفسه بشخص أردشير بن بابك الفارسي أول ملك من ملوم الأسرة الساسانية من نسل خسرو، الملوك الساسانيين، ثمّ أظهر نفسه في شخص سابور، ابن أردشير. بعد ذلك، ظهر علي بين العرب في شخص لؤي ابن كِلاب (سَلَف النبي محمد وابن عمه علي). يشرح الخصيبي أنّ اسم لؤي يعني "الذي يلوي"، مشيراً إلى أنه ألوى الأنوار من أرض فارس إلى أرض الحجاز لظهور المعنى والاسم والباب فيها[ 16].
يشرح الخصيبي كذلك أنه عندما ترك اللاهوت علي [المعنى] الفرس ليُظهِر نفسه بين العرب، خلّف حكمته فيهم ليتمّ تناقلها على التوالي بين ملوكهم، فهم يقومون بالحكمة بمقام المعنى والاسم والباب. ومع ذلك، حدث تغيير في زمن كِسرى [خسرو، أو أحشويرش] أنوشروان، فبسبب كبريائه، عصى الرب محمد، وبسبب معصيته، خسر الفرس ملكيّتهم[17 ].
ما يقصده الخصيبي هو أنّ الملوك الفارسيين كانوا تجسيداً للدين الإلهي، الذي ظهر منذ عهد آدم إلى علي. لكن عندما أظهر علي نفسه في عهد محمد، الذي نزل فيه دين الإسلام، الذي مصدره علي ذاته، نقل علي نور الدين من الفرس إلى العرب. لقد عصى الملك الفارسي أنوشروان الوحي الجديد، وبالتالي فقد حكمه لصالح العرب. ومع ذلك، يحاول الخصيبي تخفيف خسارة الفارسيين للحكم لصالح العرب بقوله أنهم استمرّوا في احتفالهم بعيد النوروز والمهرجان، اللذين أقامهما ملوكهم، تماماً كما يحتفل العرب بالأعياد الثلاث: الفطر وعيد الأضحى وعيد الغدير التي أقامها السيد محمد [الاسم]. كل هذه المهرجانات والاحتفالات سيتم الاحتفال بها حتى ظهور القائم بالأمر، آخر الأئمّة: الإمام المهدي[18 ]. وهذا يعني أنّ الفُرس كانوا قبل كل شيء في الظهور الإلهي لعلي، واسمه، وبابه، ولم يخسروا مكانتهم الروحية، حتى بعد أن أظهر نفسه بين العرب في القبّة المحمدية، وأنّ الفُرس استمرّوا في المحافظة على تراث الإله علي من خلال الاحتفال بأعيادهم الوثنية، التي أصبحت نظير المهرجانات الإسلامية التي أقامها النبي. إلا أنّ هذه النقطة التي أوردها الخصيبي تصبح بلا جدوى عندما ندرك أنّ محمد لم يحدّد عيد الغدير أو يسنّه، وأنّ الاحتفال فيه يؤكّد ادّعاء الشيعة بأنّ النبي عيّن علياً خليفةً له في يوم غدير خُمْ.
وفي فصلٍ خاص من كتابه "رسالة في السياقة"، يبيّن الخصيبي الحكمة الروحية العليا وموقف الملوك الفارسيين، الذين يعتبرهم ظهورات للثالوث النصيري: المعنى والاسم والباب. كما أنّه ينسب شرفاً عظيماً للفرس لأنّ الباب (سَلمان) كان فارسياً، والحكمة التي يمتلكها مستمدّة من الفُرس. علاوةً على ذلك، ظهر الباب/ سَلمان الفارسي، بصحبة الشخصين الآخرين من الثالوث، المعنى والاسم، في مقامين من أول مَلِكَين ساسانيين فارسيين: أردشير ابن بابك، وأبن أردشير سابور. ويؤكّد الخصيبي أنّه من خلال هذه الظهورات، تلقّى الملوك الفرس الحكمة الإلهية، التي ظلّت تنتقل في خط غير متقطّع إلى آخر ثلاثة ملوك منهم، الذين يسمّيهم الخصيبي: شروين، وخِروين، وخسرو. ومضى يقول أنّه من خلال هذه الظهورات، هؤلاء الملوك جاؤوا أيضاً لاحتلال مكان المعنى والاسم والباب، لأنّهم كانوا خُدَّاماً للمعنى علي، وكانوا يمتلكون المعرفة الكاملة به. هذا التصريخ في الحقيقة بالغ الأهمية. ويقصد الخصيبي هنا أنّ الثالوث النصيري، الذي هو جوهر العقيدة النصيرية، أصبح رمزاً للفارسية لأنّ الباب (سلمان) فارسي. كما يشير الخصيبي إلى أنّ الحكمة الإلهية والوحي الإلهي ليسا حكراً على العرب، بل والفرس أيضاً. وخَلُصَ الخصيبي إلى أنّ الربّ عندما ترك الفُرس، أودع حكمته لديهم، ووعدهم بالعودة[ 19].
وبينما يخطئ الخصيبي في اعتباره لهؤلاء الملوك الفارسيين الثلاثة "الثالوث الأخير"، يتّضح أنّه نيّته أساساً كانت إظهار أنّ هؤلاء الملوك الفارسيين يجسّدون الأشخاص الثلاثة للثالوث النصيري. بعبارة أخرى، المعنى علي، والاسم محمد، والباب سلمان الفارسي، ممّا يعني أنّ الفرس جزء من النظام اللاهوتي العَلَوي كما العرب تماماً. وفي الوقت نفسه، يؤسّس الخصيبي للتفوّق الروحي للفرس على العرب بتأكيده على أنّ العرب (والأغلب أنّه يقصد هنا المسلمون السُّنّة)، خسروا السر الإلهي، بينما حافظ الفرس عليه وصانوه: ((وإنّ المولى جلّت قدرته خلّف حكمته في الفرس وانتقل عنهم وهو راضٍ عليهم، وأوعدهم أنّه يعود فيهم وهو الذي قال أنّ الله تعالى أودعكم سِرّاً وأظهر فيكم أمراً ووفّقكم لقبوله وأنّكم ضيّعتموه وأنّ الفُرس حفظته، وهو لمّا اظهر فيهم الغيبة بالنار والظهور بها والنور والظهور به))[*][20 ].
وهكذا، أصبح النظام الديني للفرس، القائم على عبادتهم للنار والنور، بشير الوحي الجديد لمحمد. ويضحى هذا البيان أكثر أهمية عندما نعرف أنّ الخصيبي قال في رسالته "الفقه" التي ذكرها الطبراني: ((فعظّمت الفرس النار وارتقبت الظهور منها، فلذلك الظهور فيهم. فَهي دائماً تقيمها وتبديها وتوقدها وتترقب ظهوره ووعده)). وبما أنّ اللاهوت يتجلّى في صورة المعنى علي، أصبح المعنى علي يجسّد النار وهو إله الفرس، وليس العرب. لقد خسر العرب امتيازاتهم الروحية حسب مذهب الخصيبي عندما رفضوا الإيمان بسر معنوية المعنى علي، بينما حافظ الفرس عليه. ويتمثّل هذا السر في ظهور المعنى علي بالنار والنور، الذي يشبّهه الخصيبي بنار الأجَمَة المشتعلة التي رآها موسى عندما خاطبه الله[21].
ثمّ يورد الطبراني حديثاً منقولاً عن المفضّل بن عمر الجُعفي ينقله عن الإمام جعفر الصادق، الذي قال فيه ((كان المعنى عَزَّ عِزَّه في زمن الفرس يظهر في كل عامٍ مرّتين في انقضاء البرد من الحَرّ وانقضاء الحَرّ من البرد، فسُمّي انقضاء البرد من الحر النوروز، وسُمّي انقضاء الحر من البرد المهرجان. واتّخذوهما عيدين لهم وكان المعنى الأكبر إذا ظهر في الأكوار ظهر بالإكليل))[22 ].
كما يبدو التفوّق الروحي للفرس على العرب واضحاً في كتاب تعليم الديانة النصيرية، فيما يتعلّق بالاحتفال بعيد النوروز. ففي السؤال التسعين من الكتيب يسأل عن خبر النوروز، وتكون الإجابة على شكل قصيدة للخصيبي يقول فيها:
نوروزُ حقٌ مُستفيدٌ غانم متحقّقٌ بولاء أكرم هاشم
يوم أبان الله فيه ظهوره قبل الأعارب في قِباب الأعاجم
وسما بها نحو السما، فأبصروه فيها مراجيحاً برأيٍ حازم
ولسلسلٍ فيه ظهورٌ مهيمنٌ متابعاً لقديمنا المتقادم
فاشرب من الخمر الزلال فإنه يوم تجلّى نوره بغمائم
يوم الغدير وقد أشار محمد بالقصد نحو إله رب العالم
ومعنى القصيدة أنّ النوروز هو الحقيقة التي أسّس لها أكثر الهاشميين نبلاً. إنه اليوم الذي أظهر فيه الله [المعنى علي] نفسه في القبة الفارسية قبل أن يظهر في القبة العربية، حيث رفع هذه القباب الفارسية إلى السماء العليا[ 23].
إنّ الأبيات التي أوردناها سابقاً تظهر العديد من المكوّنات الفارسية الكامنة داخل النظام العقائدي النصيري. وكما أشار القس صموئيل لايد محقاً، فإنّها تحتوي على ((أفكار وخيالات جامحة مردّها على الأغلب بعض الفُرس)). ويشير لايد بأنّ هذه الأبيات موجودة ضمن قسم من كتاب المشيخة بعنوان ((ما قاله [الفارسي] أبو علي البصري، خلال إقامته في شيراز في العام 327 للهجرة [938 للميلاد]))[ 24].
إنّ حقيقة أنّ هذه الأبيات تمجّد الفرس وترفعهم فوق العرب تؤكّد لنا على الأصل الفارسي للمفاهيم النصيرية ونظامهم العقائدي اللاهوتي. وكما يشير عبد الحسين مهدي العسكري فإنّ هذه الأبيات تُفشي "التحزّب النصيري تجاه الفرس، وتشير إلى الكراهية (الشعوبية) التي يكنّها غير العرب، وبالأخص الفُرس، تجاه العرب))[ 25].
وقد لاحظ هذا النمط من الكراهية النصيري المرتد سليمان الأذني، حيث يقول في كتابه "الباكورة": ((وقبلاً لم يقبلوا أحداً من الطوائف الغريبة إلا أن كان من العُجم، لأنّ أهل العُجم يعتقدون بألوهية علي بن أبي طالب نظيرهم وبلا شك سلفاؤهم من العُجم والعراق))[26 ]. ويبدو أنّ الأذني محقّ، لأنّ مؤسس الطائفة النصيرية، محمد بن نصير كان من أصل فارسي.
يظهر العنصر الفارسي الأكثر وضوحاً في الرابطة بين النور والنار وبين ظهور الإله. ويشكّل كلاً من النور والنار جزءاً أساسياً من النظام العقائدي-الديني الفارسي. وقد رأينا سابقاً في وصف مزايا النوروز أنّ المعنى عندما غادر الفُرس ليُظهِر نفسه بين العرب، أودَعَ حكمته عند الفرس ووعدهم بالعودرةإليهم.
وطبقاً للخصيبي، أودع المعنى علي سرّه [ظهوره كإله] مع العرب وأمرهم بالحفاظ عليه وصونه، لكنهم فشلوا في مهمتهم. ومع ذلك، وبعد أن ترك الإله الفُرس حافظوا على ظهوره واستمروا في ذلك من خلال تقديسهم للنور والنار، حيث انتظروا ظهور المعنى من خلالهما[27 ]. وسيكون هذا الظهور، وفقاً لما جاء في كتاب "فقه الرسالة"، بين الفرس لأنّهم لم يُخمدوا النار التي يتطلّعون إلى ظهور الإله منها وتنفيذ وعده الذي وعدهم به أثناء ظهوره بينهم[ 28].
لقد لخّصنا حتى الآن هذه الأبيات لنبيّن المدى الذي بلغه الكتّاب النصيريين وعلماؤهم في تبجيلهم للمعنى علي كظهور من ظهورات الإله، وجعل ظهوره امتيازاً فارسياً حصرياً مرتبطاً بعبادة النور والنار، وهي جزء أساسي من العقيدة الدينية الفارسية. الكُتّاب النصيريون الأوائل، وأغلبهم من أصل فارسي، قاموا بإضفاء الصبغة الفارسية على المعنى علي كإله للسماح للفرس بالتفاخر أمام العرب بأنّ المعنى علي الهاشمي قد أضحى إلهاً "فارسياً"، حيث فقده العرب لعدم استحقاقهم به. إنّ جعل المعنى علي إلهاً فارسياً قد أتاح للفرس فرصة التفاخر به، بالرغم من أنّ العرب، ولديهم نبيّهم محمد العربي، فإنّ الفرس لديهم المعنى علي، الذي خلق محمد من نور ذاته. ومن هنا، يمكن للفرس والنصيريين التفاخر بتفوّقهم الروحي على العرب.
وفي الفصل القادم سنبحث في الثالوث النصيري، وبالتحديد سندرس طبيعة الأقنومين الآخرين من الثالوث، الاسم والباب، وعلاقتهما بالمعنى وببعضمها الآخر.

الفصل السابع والعشرون من كتاب:
Extremist Shiites: The Ghulat Sects, Matti Moosa, Syracuse University Press, 1988, NY, PP. 324-336
للتواصل على البريد الإلكتروني: [email protected]
===================================================
1 ) الشيخ أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، كتاب الهداية الكبرى، موجود في كتاب هاشم عثمان، العلويون صـ229-297، وخصوصاً 229 و230.
2) السابقق، صـ230-231. وانظر أيضاً، ابن بابويه، معاني الأخبار، صـ59-60.
3) كتاب المشيخة، ضمن كتاب لايد، اللغز الآسيوي، صـ115.
4) الخصيبي، كتاب الهداية الكبرى، في كتاب هاشم عثمان، العلويون، 231-232.
5) السابق، صـ230. كتاب الهَفت الشريف، صـ93. وكتاب المشيخة، ضمن كتاب لايد، اللغز الآسيوي، صـ87-88. الأسئلة 45 و50 من كتاب تعليم الديانة النصيرية، مخطوط المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182]، ومعظم السُوَر في كتاب المجموع.
6) كتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, questions 43 and 50]، كتاب المشيخة، في كتاب اللغز الآسيوي، صـ115، والسورة الأولى من كتاب المجموع "الترابية" أو "الفتح الأول"
7) كتاب الأسوس، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 1449, fol. 42b]. وأبو موسى الحريري، العلويون النصيريون، صـ59.
8) Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 51
9) Ibid., 5 1 -5 2 and D e Sacy, Expose, 1:31—32
10) Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 52. ليس هناك أي دليل يؤكّد لنا أنّ فاطمة ابنة النبي زعمت أنها قدسية وأطلقت على نفسها لقب "العلي الأعلى". انظر: Corbin, Cyclical Time and Ismaili Gnosis, 145-46, n. 214.
ويقول ابن بابويه في كتابه "معاني الأخبار" أنّ الله استمدّ اسمه "العَلي الأعلى" من اسم علي بن أبي طالب.
11) Lyde, The A sian Mystery, 115.
12) كتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس، [Arab MS. 6182, question 14, fol, 5]
13) كتاب المشيخة ضمن كتاب لايد، اللغز الآسيوي، صـ118. وكتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182] السؤال الخامس.
14) كتاب تعليم الديانة النصيرية، السؤال 43.
15) Al-Tabarani in Catafago, “N o tic e s Sur Les Anser iens,” 161—62.
16) Ibid, 161-62.
17) Ibid., 163.
18) Ibid.
19) Ibid., 164—65. انظر أيضاً العسكري، العلويون والنصيرية، صـ104-105
20) الطبراني، كتاب مجموع الأعياد، عنى بتصحيحه رودولف شتروتمان، المجلّد 27 من مجلة "الإسلام"، هامبورغ 1943-1944، صـ190.
[*] للاطلاع أكثر عن هذه النزعة الشعوبية عند الفرس راجع مقال ((المكوّن الفارسي في العقيدة النصيرية-العلوية: كتاب "مجموع الأعياد" أنموذجاً)) لمَئير بار-آشِر وآرييه كوفسكي، ترجمة إبراهيم قيس جركس، منشور على الموقع:
http://hekmah.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D9%88%D9%91%D9%86-D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A9/#_edn3

21) الطبراني، كتاب مجموع الأعياد، صـ203
22) الطبراني، كتاب مجموع الأعياد، صـ202.
23) كتاب تعليم الديانة النصيرية، السؤال 90
24) Lyde, The A sian Mystery, 137—38.
25) العسكري، العلويون والنصيرية، صـ105
26) الأذني، الباكورة السليمانية، 81-82
27) الطبراني، كتاب مجموع الأعياد، Catafago, “Notices Sur Les Aseriens,” 165
28) السابق، صـ167. وكتاب مجموع الأعياد نسخة شتروتمان، صـ190. ولايد، اللغز الآسيوي، صـ292.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام العقائدي النصيري: {ألوهية علي بن أبي طالب ج1}
- عَزاء أبيقور [2]: عن الموت ومواجهة فنائنا الخاص
- عَزاء أبيقور[1]: الكائن الخالد وما يشوب الإنسان من مشاعر وعي ...
- النظام العقائدي النصيري: {مفهوم الإله ج2}
- النظام العقائدي النصيري: {مفهوم الإله ج1}
- الفلسفة النصيرية-العلوية [4]: المكوّن الفارسي في العقيدة الن ...
- الفلسفة النصيرية-العلوية [3]: المكوّن الفارسي في العقيدة الن ...
- الفلسفة النصيرية-العلوية [2]: العلاقة بين المعنى والاسم
- الفلسفة النصيرية-العلوية [1] طبيعة اللاهوت النصيري-العلوي
- الوجودية [10]: نظرة تاريخية
- الوجودية [9]: نظرة تاريخية
- الوجودية [8]: نظرة تاريخية
- الوجودية [7]: نظرة تاريخية
- الوجودية [6]: نظرة تاريخية
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [5]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [4]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [3]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [2]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن بأمس الحاجة إليها [1]
- الأرض (ليونيد أنرييف)


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - النظام العقائدي النصيري: {ألوهية علي بن أبي طالب ج2}