يطلق الكثيرون ممن يتناولون الشان العراقي، عراقيين وغيرهم،موقفهم باسترخاء عقلي يحسدون عليه حقا. فيدبجون كلاما ملغوما بانصاف الحقائق لينتجوا مواقف هجينة فاقدة للملامح و غير ملمة بالتضاريس.
في احد تلك الخطابات تتم المماهات، ببساطة، بين الشعب والوطن وبين النظام الفاشي، ليستخلص موقفا نقيا وسلسا لاتقلقه الاسئلة والشكوك حول موضوعية وعقلانية الاستخلاصات الناتجة عنه، ان بصورة مباشرة وعلنية وان بطريقة ضمنية ومواربة، في طرح شعار او فكرة الدفاع عن الوطن. دون النظر او التمحيص، ولو على سبيل الجدل العقلي على الاقل، لسؤال ملح يطرحه العراقيون هو :ماذا لو ادى هذا الجهد في محصلته النهائية الى بقاء النظام، الذي سيجير كل جهد مقاوم لصالحه؟.
ينطلق هذا الخطاب ، وهنا نبعد تلقائيا خطاب النظام الفاشي الرسمي لعدم صلاحيته لهذه المناقشة،من التركيز والاكتفاء في توجيه النظر الى جانب واحد من الصورة وهو المقاومة، مع كل اشكال تضخيمه والتلفيقات التي يروجها النظام حولها، دون محاولة فهمه وتشريحه. وان كان الوقت مبكر لهكذا تشريح فان بعض التساؤلات تصلح للنقاش حول الموقف الان.
مبدأيا يتكأ اصحاب هذا الخطاب على صورة نمطية للشخصية العراقية تجوهرها وتجردها من مسارها وسياقها التاريخي ومن ظرفها السياسي الاني، متناسين او مهملين، في سعي محموم لخلق وتكريس صورة معينة، امكان ان تظهر الوقائع اللاحقة مايخالف هذه الصورة النقية والمصنوعة. فربما سنكتشف لاحقا ان هذه المقاومة لم تكن شعبية كما يروج لها، ليس لقصور في هذا الشعب على انجاز الفعل المقاوم بل لانعدام القناعة بهكذا مقاومة، وخوفا من ان تصب ثمارها في صالح نظام هو في حالة حرب مع الشعب. ثم ان المقاومة الشعبية الحقيقية تتطلب الاتفاق على حد ادنى من التقارب الموضوعي، على اقل تقدير، بين النظام وابناء الشعب،ليساعد على بلورة قيادة سياسية للمقاومة، وليس اجبار الناس وضغطهم من اجل تحقيق هذا الهدف كما هو الواقع الان حسب بعض الاخبار. بالاضافة الى الشك المطلق من قبل النظام في امكان ان يقاوم الشعب حين سيسلح وان لايوجه سلاحه ضده. من هنا يمكن القول ان المقاومة الدائرة هي من صنع النظام ومن رجالاته المرتبطين مصيريا معه لتورطهم في جرائم كثيرة ضد ابناء الشعب لاسيما بعد تجربة انتفاضة اذار 1991 حيث ادرك هؤلاء انهم كجزء مفصلي من النظام سينتهون بانتهاءه. وهذا النظام نجح الى حد كبير في تجييش اعداد ليست بالقليلة من هؤلاء من اجل تثبيت حكمه ومواجهة الاخطار التي تواجهه. وهنا يجدر التذكير بالسؤال المهم:
هل يشك احد في عزلة النظام جماهيريا ؟ وفي ظل هكذا وضع من عزلة واحتراب كيف يمكن تصور ان الشعب سينضوي تحت لواء النظام ليقاوم؟.
ان جبهة المقاومة بحاجة الى مضامين سياسية وفكرية توحد وتعزز الترابط بين المقاومين. وهذا امر لايمكن ان يوجده نظام بهذه التركيبة وهذا الارث. واجزم لو ان هناك مقاومة شعبية كما يدعى او مزاج شعبي عام في المساهمة فيها لما كان وضع الامريكان بهذه الكيفية التي هم عليها الان. بل اجزم من انهم لكانوا قد واجهوا الكثير والكثير من المصاعب ان لم يكن الفشل التام. من هنا يمكن الجزم، وانصافا لمنطق الوقائع،ان تلك المقاومة لاتمت، في الوقت الحالي للشعب العراقي بصلة، رغم القناعة التامة بان اي شكل للمقاومة الان، وان جاء من ازلام النظام الفاشي، سيصب في رصيد روح المقاومة للشعب في مواجهته المستقبلية لتداعيات الغزو والاحتلال. لكن الان وفي ظل هذا التركيب لجبهة المواجهة مع الغزو الامريكي يصعب القبول بفكرة ان المقاومة الدائرة ذات طابع شعبي عام، وبعض الوقائع المتعلقة بطبيعة الظروف في العراق توحي ببعض المؤشرات على هكذا تصور، من طبيعة النظام وتركيبته الى ارثه العنصري والدموي في تاريخ علاقته بالشعب العراقي .. الخ. نضيف الى ذلك ماتتركه الدعاية الامريكية من اثر معرقل لانخراط الشعب في المقاومة، باعلاناتها البهرجية عن نواياها في انقاذ الشعب العراقي من حكم طالما دعمته والعمل لصالح شعب طالما خذلته. وايضا للتلاقي الموضوعي بين اهداف الادارة الامريكية في اسقاط النظام ورغبة الشعب العراقي الحارقة والملحة في هذا الخلاص.
هذه العوامل هي التي تثير الشك حول مايسمى المقاومة الشعبية من منطلق ان ليس هناك جواهر ثابتة في الحياة تتركب كالمعادلات الرياضية،التبسيطية كمثل ماان يكون غزو حتى يظهر الاتحاد وتظهر المقاومة، فهناك لحظة تاريخية ملموسة هي التي تقرر مسار الواقع اكثر من الرغبات والاسقاطات. وربما سيكشف لنا قادم الايام، حين ستظهر للعلن معطيات وتفاصيل مايجري الان في العراق، حقيقة الامر وسيخضع حينها تجوهر صفة المقاوم والرافض لامتحان عسير مع عناد الوقائع.
يتيح لنا النظر بهذا الخطاب وبعض تلاوينه الى التساؤل حول السذاجة ، ان لم يكن بقصد، في تبني< عبدالرحمن الربيعي> لمايطلقه اعلام النظام عن مواقف لمواطنين عراقيين، نعرف ويعرف كل مطلع ومكتوي بالاوضاع هناك، بطابع الارغام بها، ليماثل بين امراة عراقية واخرى فلسطينية تقفان على انقاض بيوتهن وتعلنان الصمود. واذا كان الوضع الفلسطيني لايثير الشكوك في هكذا مناسبات وتعابير فالوضع العراقي يثير الكثير منها. ونواصل تساؤلنا اليس من السذاجة والدعاية في ان واحد حين راح< الربيعي> وبلغة اعلامية فجة يصيغ <في مقاله المنشور في كتابات> موقفه متحدثا عن رمال عواصف الصحراء التي تقاتلهم< قبله توقع< علماني> ان العواصف الرملية وقعت نتيجة للدعاء> ذاكرا انصاف الحقائق مغلفا الواقع بصيغ عمومية تنطبق على كل شئ الا على اوضاعنا العراقية، فيتحول في مقال
< الربيعي> الصراع بين الشعب العراقي والنظام البعثي الفاشي< وهو صراع تدلل عليه وقائع اكبر من ان تغيب> الى خلافات .. ببساطة ياخذ الصراع القاسي والدموي هذا اسم خلافات بحيث يمكن حين يتعرض الوطن للخطر ان نتجاوزها او نؤجلها مؤقتا لنعاود العمل< السلمي والديمقراطي والمنفتح> بعد زوال الخطر الى معالجة الخلافات تلك..الخلافات تلك التي يشير اليها <الربيعي> بكلمات مبتسرة، هي قمع شامل ومصادرة كاملة لكل الحقوق السياسية والمدنية والامنية للمواطن وهي التدمير الكلي والعنيف لكل اشكال الحياة السياسية. و هي آلالاف ممن يبادون في اسلحة كيمياوية< حلبجة> وتغييب مئات اخرى من الالاف في مجاهل غامضة، ربما تكون مقابر ابادة جماعية،< الانفال>.. الخلافات تلك هي حول نصف مليون عراقي قتلوا واعدموا خلال شهر واحد فقط في حرب قذرة وقمع انتفاضة لشعب كامل رفض النظام. الخلافات تلك هي من اجل ثلاث حروب< عادلة جميعها طبعا> واعتداء على بلد جار واخر شقيق، ناهيك عن حرب ابادة ضد مكونات الشعب العراقي المختلفة، هذا من غير تحكم عائلة ومجموعة من الهمج المتخلفين في حياة ومقدرات بلد باكمله حولوه الى اقطاعة خاصة بهم. انها خلافات لاغير!! ويمكن تسويتها < بالحوار> مع اجهزة المخابرات وفدائيي صدام والامن الخاص !!.
اذن هكذا خطاب وهكذا لغة ذات ميل تعبوي< والمثال السابق كان اكثرها فضائحية> ومدغدغة لمشاعر، بريئة اغلب الاحيان، في التعلق بالوطن والشعب وبمثلهما، وبكراهية الاحتلال والتعدي على الكرامة، الا يصب في النهاية، لاسيما وانه لايذكر الا انصاف الحقائق، في صالح نظام مازوم ومختنق باعباء جرائمه وبحاجة الى كل قطرة ماء ترطب جفاف تيهه وحصاره؟
الايفكر هؤلاء، دعاة الدفاع عن الوطن،< لاحياد وبغداد تحترق> بمشروعية التساؤل الذي يمكن ان يطرحه المواطن العراقي البسيط المكتوي بنار الدكتاتورية وحروبها وقمعها في وطن مسيج بالموت والكواسر، في ماذا سوف يحدث لو ان هذا الشعار وجهوده العملية ومعانيه السياسية انتهى بانقاذ النظام؟ وكيف ستكون الامور بعد ذلك؟.. انه مجرد سؤال يدور في اذهان بسطاء الناس الذين يدهم في النار وليس في الماء كاصحاب الشعارات المتاجرة بهم في المنافي الهادئة والمريحة.
من جانب اخرتلتقي مع تلك الطمئنينة، المتكئة على اوهام نمطية لواقع يتحرك، ومن موقع نقيض، اطروحات تغيض في سذاجتها وتفاؤلها رغم العدمية والياس المنتجان لها، فتقفز على كل المعطيات التي تحرك السياسية الامريكية والتي لم تستطع اخفائها كل الدعاوى الزائفة حول الحرص على حقوق الشعب العراقي وحريته وتامين سلامة مدنييه اثناء الحرب، للقبول، غير المشروط، لنتائج ومضامين هذه السياسة، ويتحول في نظرتهم وترويجهم، وهم تيار لايستهان به، الامريكي الغازي والمحتل الى محرر ومنقذ، فقط لان السؤال <المفارقة> المحرج والذي يفرضه الواقع على الجميع، ويتشبثون هم بحرفية مقصودة به:ماالبديل؟ وكيف سيكون الخلاص؟ سؤال اللحظة الصعبة المليئة بالشكوك والظنون التي نحياها. هذا السؤال الصعب والمحرج والذي يقفز من عدمية وغرائبية واقعنا لينتهي بنا الى مهاوي عدم لانهائي اخر، يضعنا امام محدودية الخيارات ليقرر ان ليس هناك خيار اخر. اما النظام الفاشي، والجميع يعرف ماذا يعني ذلك، واما الاحتلال، والكثيرون يعرفون مامعنى ذلك ايضا!! وقديما قيل <خيرتني بين العمى والجهل ولاحظ فيهما لمختار.> فاي من الخيارين يعيد للعراقي المحاصر الحياة والكرامة؟
واذا كان اصحاب هذين الخطابين ، خطاب يخفي النظام وراء الشعب والوطن ليحميه، وخطاب يخفي الاحتلال والقسوة وراء شعار بالتحرير يثير الريبة، مطمئنين، بدون عذابات الخيارات الصعبة، فان هناك من لايحسد ابدا على موقفه اللائب،حيث تنحت الحيرة عجزه عن اجتراح معجزة لصياغة خيار اخر يتخطى هذين الخيارين ويرقى بالموقف الى المستوى العملي المقنع. لانجاز موقف يستطيع التعبئة ولو بالحدود الدنيا لتشكيل بديل حقيقي وليس لفظي يكتفي ويبني موقفه على شتم الاخرين وكانه يبرأ نفسه من الكارثة التي هي مسؤولية الجميع.
في تلك اللحظة العصية على التحديد وتيه المسارات لنتسائل: اين سيضع المرء قدمه: ضد الامريكان ولدعم الفاشية بغير ماقصد في المحصلة؟.. ضد النظام ليدعم ويبرر الاحتلال؟.. ليس مع اي من الطرفين وضدهما معا بغير جدوى عملية ليؤدي به موقفه هذا الى اقصى حالات العبث والسلبية؟.
انها اللحظة الصعبة في زمن انسداد الافق القاسي هذا.
وقد يلجا البعض الى اختيارات مجانية نمطية: انا مع الشعب. رائع! لكن ماذا يترتب على هذا الموقف من الناحية العملية؟ لاشئ غير الانتظار اليس كذلك؟
ان هذا التطلع الى خيار ثالث، مع كل شرعيته، يعجز عن لعب اي دور غيرالترقب القسري لمآلات الوضع في ظل هذه الازمة التي يبدو انها لاتاخذ شكل الحل الممكن الا بزوال هذا النظام< العقدة> كعامل عرقلة لانتظام المواقف واعادة ترتيبها واعادة الاصطفافات الوطنية.
بعد هذا وفي دوامة الحيرة تلك كيف يمكن فهم الاوضاع والمواقف المترتبة عليها؟ قد يجدي ان نختم ببعض الاسئلة التي تثقل على خواطر الكثيرين بعد التطورات الدراماتيكية للازمة العراقية والتي تطرح نفسها بالحاح :
الايريد الشعب العراقي الانتفاض ويبعد الشرين ، شر النظام وشر الاحتلال، وياخذ الوطن وزمام امره بيده ام انه لايستطيع ذلك؟
هل يصطف الشعب العراقي مع الامريكان ضد النظام الذي يرهبه ام انه سيقف ولو عن بعد مع النظام ضد العدو القادم لاحتلاله؟
ام انه سيترك الطرفين يتقاتلان، كما يحكى هنا وهناك،ويبقى هو يتفرج ويشمت بكليهما؟.
كل هذه الاسئلة والاحتمالات وغيرها ممكنة ولايمكن الجزم، الان على الاقل، باي منها الذي سيترجح. لكن السؤال الاخطر هو :
في اذار 1991 انقذ الامريكان النظام الفاشي من السقوط بيد الجماهير المنتفضة واعانوه في القضاء على الانتفاضة، فهل سيرد الشعب العراقي الاذى للامريكان وينقذ النظام منهم ويعينه عليهم؟!
السويد
20030403
يطلق الكثيرون ممن يتناولون الشان العراقي، عراقيين وغيرهم،موقفهم باسترخاء عقلي يحسدون عليه حقا. فيدبجون كلاما ملغوما بانصاف الحقائق لينتجوا مواقف هجينة فاقدة للملامح و غير ملمة بالتضاريس.
في احد تلك الخطابات تتم المماهات، ببساطة، بين الشعب والوطن وبين النظام الفاشي، ليستخلص موقفا نقيا وسلسا لاتقلقه الاسئلة والشكوك حول موضوعية وعقلانية الاستخلاصات الناتجة عنه، ان بصورة مباشرة وعلنية وان بطريقة ضمنية ومواربة، في طرح شعار او فكرة الدفاع عن الوطن. دون النظر او التمحيص، ولو على سبيل الجدل العقلي على الاقل، لسؤال ملح يطرحه العراقيون هو :ماذا لو ادى هذا الجهد في محصلته النهائية الى بقاء النظام، الذي سيجير كل جهد مقاوم لصالحه؟.
ينطلق هذا الخطاب ، وهنا نبعد تلقائيا خطاب النظام الفاشي الرسمي لعدم صلاحيته لهذه المناقشة،من التركيز والاكتفاء في توجيه النظر الى جانب واحد من الصورة وهو المقاومة، مع كل اشكال تضخيمه والتلفيقات التي يروجها النظام حولها، دون محاولة فهمه وتشريحه. وان كان الوقت مبكر لهكذا تشريح فان بعض التساؤلات تصلح للنقاش حول الموقف الان.
مبدأيا يتكأ اصحاب هذا الخطاب على صورة نمطية للشخصية العراقية تجوهرها وتجردها من مسارها وسياقها التاريخي ومن ظرفها السياسي الاني، متناسين او مهملين، في سعي محموم لخلق وتكريس صورة معينة، امكان ان تظهر الوقائع اللاحقة مايخالف هذه الصورة النقية والمصنوعة. فربما سنكتشف لاحقا ان هذه المقاومة لم تكن شعبية كما يروج لها، ليس لقصور في هذا الشعب على انجاز الفعل المقاوم بل لانعدام القناعة بهكذا مقاومة، وخوفا من ان تصب ثمارها في صالح نظام هو في حالة حرب مع الشعب. ثم ان المقاومة الشعبية الحقيقية تتطلب الاتفاق على حد ادنى من التقارب الموضوعي، على اقل تقدير، بين النظام وابناء الشعب،ليساعد على بلورة قيادة سياسية للمقاومة، وليس اجبار الناس وضغطهم من اجل تحقيق هذا الهدف كما هو الواقع الان حسب بعض الاخبار. بالاضافة الى الشك المطلق من قبل النظام في امكان ان يقاوم الشعب حين سيسلح وان لايوجه سلاحه ضده. من هنا يمكن القول ان المقاومة الدائرة هي من صنع النظام ومن رجالاته المرتبطين مصيريا معه لتورطهم في جرائم كثيرة ضد ابناء الشعب لاسيما بعد تجربة انتفاضة اذار 1991 حيث ادرك هؤلاء انهم كجزء مفصلي من النظام سينتهون بانتهاءه. وهذا النظام نجح الى حد كبير في تجييش اعداد ليست بالقليلة من هؤلاء من اجل تثبيت حكمه ومواجهة الاخطار التي تواجهه. وهنا يجدر التذكير بالسؤال المهم: هل يشك احد في عزلة النظام جماهيريا ؟ وفي ظل هكذا وضع من عزلة واحتراب كيف يمكن تصور ان الشعب سينضوي تحت لواء النظام ليقاوم؟. ان جبهة المقاومة بحاجة الى مضامين سياسية وفكرية توحد وتعزز الترابط بين المقاومين. وهذا امر لايمكن ان يوجده نظام بهذه التركيبة وهذا الارث. واجزم لو ان هناك مقاومة شعبية كما يدعى او مزاج شعبي عام في المساهمة فيها لما كان وضع الامريكان بهذه الكيفية التي هم عليها الان. بل اجزم من انهم لكانوا قد واجهوا الكثير والكثير من المصاعب ان لم يكن الفشل التام. من هنا يمكن الجزم، وانصافا لمنطق الوقائع،ان تلك المقاومة لاتمت، في الوقت الحالي للشعب العراقي بصلة، رغم القناعة التامة بان اي شكل للمقاومة الان، وان جاء من ازلام النظام الفاشي، سيصب في رصيد روح المقاومة للشعب في مواجهته المستقبلية لتداعيات الغزو والاحتلال. لكن الان وفي ظل هذا التركيب لجبهة المواجهة مع الغزو الامريكي يصعب القبول بفكرة ان المقاومة الدائرة ذات طابع شعبي عام، وبعض الوقائع المتعلقة بطبيعة الظروف في العراق توحي ببعض المؤشرات على هكذا تصور، من طبيعة النظام وتركيبته الى ارثه العنصري والدموي في تاريخ علاقته بالشعب العراقي .. الخ. بالاضافة لما تتركه من اثر معرقل لانخراط الشعب في المقاومة، الدعاية الامريكية في اعلاناتها البهرجية عن نواياها في انقاذ الشعب العراقي من حكم طالما دعمته والعمل لصالح شعب طالما خذلته. وايضا للتلاقي الموضوعي بين اهداف الادارة الامريكية في اسقاط النظام ورغبة الشعب العراقي الحارقة والملحة في هذا الخلاص.
هذه العوامل هي التي تثير الشك حول مايسمى المقاومة الشعبية من منطلق ان ليس هناك جواهر ثابتة في الحياة تتركب كالمعادلات الرياضية،التبسيطية كمثل ماان يكون غزو حتى يظهر الاتحاد وتظهر المقاومة، فهناك لحظة تاريخية ملموسة هي التي تقرر مسار الواقع اكثر من الرغبات والاسقاطات. وربما سيكشف لنا قادم الايام، حين ستظهر للعلن معطيات وتفاصيل مايجري الان في العراق، حقيقة الامر وسيخضع حينها تجوهر صفة المقاوم والرافض لامتحان عسير مع عناد الوقائع.
يتيح لنا النظر بهذا الخطاب وبعض تلاوينه الى التساؤل حول السذاجة ، ان لم يكن بقصد، في تبني< عبدالرحمن الربيعي> لمايطلقه اعلام النظام عن مواقف لمواطنين عراقيين، نعرف ويعرف كل مطلع ومكتوي بالاوضاع هناك، بطابع الارغام بها، ليماثل بين امراة عراقية واخرى فلسطينية تقفان على انقاض بيوتهن وتعلنان الصمود. واذا كان الوضع الفلسطيني لايثير الشكوك في هكذا مناسبات وتعابير فالوضع العراقي يثير الكثير منها. ونواصل تساؤلنا اليس من السذاجة والدعاية في ان واحد حين راح< الربيعي> وبلغة اعلامية فجة يصيغ <في مقاله المنشور في كتابات> موقفه متحدثا عن رمال عواصف الصحراء التي تقاتلهم< قبله توقع< علماني> ان العواصف الرملية نتيجة للدعاء> ذاكرا انصاف الحقائق مغلفا الواقع بصيغ عمومية تنطبق على كل شئ الا على اوضاعنا العراقية، فيتحول في مقال
< الربيعي> الصراع بين الشعب العراقي والنظام البعثي الفاشي< وهو صراع تدلل عليه وقائع اكبر من ان تغيب> الى خلافات .. ببساطة ياخذ الصراع القاسي والدموي هذا اسم خلافات بحيث يمكن حين يتعرض الوطن للخطر ان نتجاوزها او نؤجلها مؤقتا لنعاود العمل< السلمي والديمقراطي والمنفتح> بعد زوال الخطر الى معالجة الخلافات تلك..الخلافات تلك التي يشير اليها <الربيعي> بكلمات مبتسرة، هي قمع شامل ومصادرة كاملة لكل الحقوق السياسية والمدنية والامنية للمواطن وهي التدمير الكلي والعنيف لكل اشكال الحياة السياسية. وآلالاف ممن يبادون في اسلحة كيمياوية< حلبجة> وتغييب مئات اخرى من الالاف في مجاهل غامضة، ربما تكون مقابر ابادة جماعية،< الانفال>.. الخلافات تلك هي حول نصف مليون عراقي قتلوا واعدموا خلال شهر واحد فقط في حرب قذرة وقمع انتفاضة لشعب كامل رفض النظام. الخلاف هذا هو من اجل ثلاث حروب< عادلة جميعها طبعا> واعتداء على بلد جار واخر شقيق، ناهيك عن حرب ابادة ضد مكونات الشعب العراقي المختلفة، هذا من غير تحكم عائلة ومجموعة من الهمج المتخلفين في حياة ومقدرات بلد باكمله حولوه الى اقطاعة خاصة بهم. انها خلافات لاغير!! ويمكن تسويتها < بالحوار> مع اجهزة المخابرات وفدائيي صدام والامن الخاص !!.
اذن هكذا خطاب وهكذا لغة ذات ميل تعبوي< والمثال السابق كان اكثرها فضائحية> ومدغدغة لمشاعر، بريئة اغلب الاحيان، في التعلق بالوطن والشعب وبمثلهما، وبكراهية الاحتلال والتعدي على الكرامة، الا يصب في النهاية، لاسيما وانه لايذكر الا انصاف الحقائق، لصالح نظام مازوم ومختنق باعباء جرائمه وبحاجة الى كل قطرة ماء ترطب جفاف تيهه وحصاره؟
الايفكر هؤلاء، دعاة الدفاع عن الوطن،< لاحياد وبغداد تحترق> بمشروعية التساؤل الذي يمكن ان يطرحه المواطن العراقي البسيط المكتوي بنار الدكتاتورية وحروبها وقمعها في وطن مسيج بالموت والكواسر، في ماذا سوف يحدث لو ان هذا الشعار وجهوده العملية ومعانيه السياسية انتهى بانقاذ النظام؟ وكيف ستكون الامور بعد ذلك؟.. انه مجرد سؤال يدور في اذهان بسطاء الناس الذين يدهم في النار وليس في الماء كاصحاب الشعارات المتاجرة بهم في المنافي الهادئة والمريحة.
من جانب اخرتلتقي مع تلك الطمئنينة، المتكئة على اوهام نمطية لواقع يتحرك، ومن موقع نقيض، اطروحات تغيض في سذاجتها وتفاؤلها رغم العدمية والياس المنتجان لها، فتقفز على كل المعطيات التي تحرك السياسية الامريكية والتي لم تستطع اخفائها كل الدعاوى الزائفة حول الحرص على حقوق الشعب العراقي وحريته وتامين سلامة مدنييه اثناء الحرب، للقبول، غير المشروط، لنتائج ومضامين هذه السياسة، ويتحول في نظرتهم وترويجهم، وهم تيار لايستهان به، الامريكي الغازي والمحتل الى محرر ومنقذ، فقط لان السؤال <المفارقة> المحرج والذي يفرضه الواقع على الجميع، ويتشبثون هم بحرفية مقصودة به:ماالبديل؟ وكيف سيكون الخلاص؟ سؤال اللحظة الصعبة المليئة بالشكوك والظنون التي نحياها. هذا السؤال الصعب والمحرج والذي يقفز من عدمية وغرائبية واقعنا لينتهي بنا الى مهاوي عدم لانهائي اخر، يضعنا امام محدودية الخيارات ليقرر ان ليس هناك خيار اخر. اما النظام الفاشي، والجميع يعرف ماذا يعني ذلك، واما الاحتلال، والكثيرون يعرفون مامعنى ذلك ايضا!! وقديما قيل <خيرتني بين العمى والجهل ولاحظ فيهما لمختار.> فاي من الخيارين يعيد للعراقي المحاصر الحياة والكرامة؟
واذا كان اصحاب هذين الخطابين ، خطاب يخفي النظام وراء الشعب والوطن ليحميه، وخطاب يخفي الاحتلال والقسوة وراء شعار بالتحرير يثير الريبة، مطمئنين، بدون عذابات الخيارات الصعبة، فان هناك من لايحسد ابدا على موقفه اللائب،حيث تنحت الحيرة عجزه عن اجتراح معجزة لصياغة خيار اخر يتخطى هذين الخيارين ويرقى بالموقف الى المستوى العملي المقنع. لانجاز موقف يستطيع التعبئة ولو بالحدود الدنيا لتشكيل بديل حقيقي وليس لفظي يكتفي ويبني موقفه على شتم الاخرين وكانه يبرأ نفسه من الكارثة التي هي مسؤولية الجميع.
في تلك اللحظة العصية على التحديد وتيه المسارات لنتسائل: اين سيضع المرء قدمه: ضد الامريكان ولدعم الفاشية بغير ماقصد في المحصلة؟.. ضد النظام ليدعم ويبرر الاحتلال؟.. ليس مع اي من الطرفين وضدهما معا بغير جدوى عملية ليؤدي به موقفه هذا الى اقصى حالات العبث والسلبية؟.
انها اللحظة الصعبة في زمن انسداد الافق القاسي هذا.
وقد يلجا البعض الى اختيارات مجانية نمطية: انا مع الشعب. رائع! لكن ماذا يترتب على هذا الموقف من الناحية العملية؟ لاشئ غير الانتظار اليس كذلك؟
ان هذا التطلع الى خيار ثالث، مع كل شرعيته، يعجز عن لعب اي دور غيرالترقب القسري لمآلات الوضع في ظل هذه الازمة التي يبدو انها لاتاخذ شكل الحل الممكن الا بزوال هذا النظام< العقدة> كعامل عرقلة لانتظام المواقف واعادة ترتيبها واعادة الاصطفافات الوطنية.
بعد هذا وفي دوامة الحيرة تلك كيف يمكن فهم الاوضاع والمواقف المترتبة عليها؟ قد يجدي ان نختم ببعض الاسئلة التي تثقل على خواطر الكثيرين بعد التطورات الدراماتيكية للازمة العراقية والتي تطرح نفسها بالحاح :الايريد الشعب العراقي الانتفاض ويبعد الشرين ، شر النظام وشر الاحتلال، وياخذ الوطن وزمام امره بيده ام انه لايستطيع ذلك؟ هل يصطف الشعب العراقي مع الامريكان ضد النظام الذي يرهبه ام انه سيقف ولوعن بعد مع النظام ضد العدو القادم لاحتلاله؟ ام انه سيترك الطرفان يتقاتلان، كما يحكى هنا وهناك،ويبقى هو يتفرج ويشمت بكليهما. كل هذه الاسئلة والاحتمالات وغيرها ممكنة ولايمكن الجزم، الان على الاقل، باي منها الذي سيترجح. لكن السؤال الاخطر هو : في اذار 1991 انقذ الامريكان النظام الفاشي من السقوط بيد الجماهير المنتفضة واعانوه على القضاء على الانتفاضة، فهل سيرد الشعب العراقي الاذى للامريكان وينقذ النظام منهم ويعينه عليهم؟!
السويد
20030403