|
كتابة القصيدة الشعريّة -الأنشودة- في أدب الأطفال المحليّ
أحمد كامل ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 6320 - 2019 / 8 / 14 - 17:33
المحور:
الادب والفن
مقدّمة
لم يحظَ شعرُ الأطفال المحليّ بالاهتمام الذي يستحقّه، كالذي حظيت به القصّة التي توافر على كتابتها عددٌ لا بأس به من كتّابها أمثال: محمود عبّاسي، جمال قعوار، حنّا أبو حنّا، سليم خوري، جهاد غوشة عراقي، مصطفى مرّار، عبد اللطيف ناصر، محمّد علي سعيد، آمال دلّة، سميرة نيروخ، نظير شمالي، عبيدة بلحة سطل، انتصار عابد بكري، نبيهة راشد جبارين، رافع يحيى، تحسين زحالقة، مفيد صيداوي، سهيل كيوان، إبراهيم جوهر، أديم مصاروة، عايدة خطيب، سهيل عيساوي، إلهام دويري تابري، يعقوب حجازي، ليلى مصطفى ذياب، بشارة مرجية، سلمان فراج، نعمان عبد القادر، محمد علي طه، فاطمة ذياب، روزلاند دعيم، نادر أبو تامر، آمال كرينّي، نادية صالح، ميسون أسدي، هديل ناشف وغيرهم ممّن تركوا عددًا لا بأس به من الابداعات القصصيّة الطفليّة المميّزة. وقد يعود السبب في ذلك إلى أنّنا في شعر الأطفال، مازلنا في طور الاجتهاد الشخصيّ، نظرًا لحداثته أولًا، ولعدم وجود النقّاد والباحثين المتخصّصين، والمتفرّغين للاشتغال به ثانيًا. ولن يغيب عن بالنا أيضًا، توجّه النقد الأدبيّ للكتابات الصحفيّة السريعة، التي تهتمّ بالتعريف والتنويه والعرض أكثر من اهتمامها بمسائل الفنّ الأدبيّ والابداع الشّعريّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ معظم الدراسات التي توجّهت نحو أدب الأطفال، كانت تصبّ اهتمامها على القصّة أكثر بكثير مما تصبّه على الشّعر. كتابة القصيدة "الأنشودة" الطفلية إنّ كتابـة الشّعر الموجّه للأطفـال ليست بالعمل الهيّن، نظرًا لما تتطلّبه من رؤيةٍ، وذوقٍ، وخبرةٍ، ومراعاةٍ للأصول والمعايير التربويّة، والنفسيّة والفنيّة، إضافة إلى الممارسات الفعليّة في التعامل مع الأطفال: أسلوبًا، وسلوكًا، وفكرًا. لشعر الأطفال أسلوب مميّز ولغة خاصّة لا يقتصر على إيقاع أو مجرّد نظم أو تلحين أو موسيقا، وليست ترتيبًا متناظرًا للكلمات، وإنّما هي إيقاع جميل متناغم يستثير الحلم والخيال لدى الأطفال، ويسمو بمداركهم ومشاعرهم، ويغني حياتهم بكلّ ألوان النشاط التي تبعث شتّى أنواع السعادة والمعرفة في آن واحد. وعلى هذا الصعيد، لم نشهد نجاحًا كبيرًا حتّى الآن، في صياغة قصائد وأناشيد طفليّةٍ متميّزةٍ، تتقمّص شخصيّة الطفل الحقيقيّة، وتتحدّث بلسانه، وتعبـّر عن مشاعره ورغباته وتطلّعاته. كما أنّنا لم نتمكّن أن نوجِد مكتبةً شعريّة للأطفال تتّصف بالشمول والتنّوع والتألّق الفنيّ على الرغم من ظهور شعراء ومؤلّفين أكاديميّين حاولوا إيجاد مثل هذه القصيدة الغنائيّة التي تنقل الطفل إلى أجواء الحبّ والأمل والمعرفة، وتتضمّن قيم الحقّ والخير والجمال، نذكر منهم: جمال فاضل عليّ (خدّي كالورد، لي الدنيا، على طبيعتي أنا، إنسان)، فاروق مواسي (أغاريد وأناشيد) حنّا أبو حنّا (أغاني غصن الزيتون، دنيا الأنغام)، جمال قعوار(ألحان الصغار) شكيب جهشان ( طيّارة حراميّة)، سليمان جبران (صغار لكن...)، محمود مرعي (الصداقة)،عايدة خطيب (أشعار للأطفال) ، أمال كرينّي (أناشيد الأطفال)، أحمد العطاونة (إيناس تشدو)... وأخرين.
بات في حكم المؤكّد أنّ قصائد وأناشيد الأطفال في بلادنا، لم تعد تجد إقبالًا أو تقبّلًا لدى الأطفال أنفسهم، وقد نعزو السبب في ذلك إلى كثرة وسائل اللهو التكنولوجيّة الحديثة -المرئيّة والمتحرّكة-التي طغت على مجتمعنا العربيّ؛ فصرفتهم عن قراءة الكتاب الورقيّ عامّة، وأبعدتهم عن القصيدة والأنشودة الطفليّة بخاصّة. كما أنّ غياب المؤسّسات والجهات الراعية لمثل هذا النوع الفنّيّ من الأدب جعلها عرضة للضياع أو النسيان، ممّا أفقدها الحيويّة والحضور الدائم. وما هذا الضجيج الذي يحدثه، أحيانًا، بعض النقّاد حول تطوّر وازدهار القصيدة الطفليّة، إلّا ضجيجًا يطلقه الكبار ليسمعه كبارٌ آخرون يريدون تأسيس شعر للأطفال، ويغفلون أنّ الطفل لا يقرأ ما يكتبون ولا تهمّه نواياهم الحسنة. وقد لا يتبادر إلى أذهانهم أنّ تصحيح مسار شعر الطفولة يعني أن نجعل الطفل يقرأ القصائد التي نكتبها له، ينشدها ويستفيد منها. أمّا أن نكتب له وهو لاهٍ عنّا، فتلك هي مشكلة أدب الأطفال .
والعودة للحديث عن بدايات القصيدة الطفليّة الحديثة في بلادنا تشير إلى أنّها نشأت بين جدران مدارسنا العربيّة منذ خمسينيّات القرن الماضي، وأنّ معظم الذين حاولوا أن ينظموا القصيدة الشعريّة للأطفال كانوا إمّا من المعلّمات والمعلّمين العاملين في المدارس والمؤسّسات الحكوميّة، أو من المحاضرين الذين يدرّسون أدب الأطفال في المعاهد العليا وكلّيّات أعداد المعلّمين العرب في البلاد. لذلك جاءت كتابتهم التربويّة والتعليميّة لتدعم منهاج التعليم المدرسيّ الذي أعدّه المسؤولون في قسم المناهج العربيّة في وزارة التربية والتعليم أولًا، ومن ثمّ تعمّق فيهم القيم والفضائل والمثل العليا، وتعزّز في نفوسهم الشعور بالانتماء للأسرة والمجتمع والوطن.... وما إلى ذلك من الأهداف التربويّة العامّة السائدة في مجتمعنا العربيّ. وأيًا كان الأمر، لا نستطيع أن ننكر وجود بعض النماذج الشعريّة الجديدة، والجديرة بالاحترام والتقدير، التي حاولت "على استحياء" أن تجد لها مكانًا على رفوف المكتبة الطفليّة في مدارسنا العربيّة المحليّة. نذكر منها نموذجين اثنين على سبيل المثال لا الحصر: محاولة الكاتبة والشاعرة آمال دلّة في كتابها "أناشيد للأطفال" ومحاولة الدكتور أحمد علي العطاونة في كتابه "إيناس تشدو" (2008). ويجدر التنويه، أنّنا لن نحاول في هذا المقال أن نتناول الرحلة الفكريّة والأدبيّة لهذين الكاتبين كما أنّنا لن نحاول الولوج في مغامرة نقديّة واسعة لقصائدهم المختارة، ولكن ما سنحاوله هو الوقوف على موضوع الأنشودة الطفليّة المحليّة كواحد من مجالات إبداعاتهما. ولعلّ الكاتبة والأديبة الشَّاعرة آمال كرَينِّي ابنة كفر ياسيف الجليليّة، كانت من أوائل هؤلاء الذين تركوا أثرًا واضحًا وتميّزت بشكل خاصّ في كتابة الأدب الذي يتعلَّقُ بالطفل، سواء في مجال الشِّعر أو القصَّة للأطفال. ويبدو أنّ أهمّ ما نظمته آمال كرينّي من أناشيد وأشعار خاصّة للأطفال أصدرته في كتاب تحت عنوان "أناشيد الأطفال" (مرفق بقرص صوتيّ مدمج)، تضمّن مجموعة قصائد وأناشيد للأطفال تناولت مواضيع إنسانيّة، اجتماعيّة وثقافيّة عامّة، كُتِبت جميعها باللهجة العاميَّة المحكيّة معتمدة في بنياتها الشكليّة على قوالب الجملة العاميّة المحكيّة: لغة وشكلًا مثل: كعكة عيد نوكل شهر، يا عالم يَلَّا هَدِّي، أولاد صغار يا جدِّي، بوموتو وهُنِّي قدِّي... يقول الناقد حاتم جوعيّة في معرض حديثه عن شعر الاطفال لدى أمال كريني: "إنّ معظم شعرها الذي كتبته للأطفال باللهجة العاميَّة المحكيَّة القريبة للفصحى، وشعرُها يتحلَّى بالموسيقى الجميلة الرَّنَّانة وبالكلمات الجميلة العذبة السَّهلة التي تنسابُ بهدوء وشفافيَّة، وهي جميلة الوقع على الأذن ونفسيَّة الإنسان. وتتناول في شعرها جميع المواضيع الإنسانيَّة والاجتماعيّة وحتّى الوطنيَّة والسِّياسيَّة، فهي تعمل على تعليم وتثقيف الطفل، بالإضافة إلى تسليتِه وترفيهه" . ما يذكره الناقد أعلاه، قد يتلاءم مع الرؤية التي نحاول أن نشير إليها في هذا المقال النقديّ وهي: أنّ شعر الأطفال جزء من الأدب بصورته العامّة، ولا يتوقّف عند تحديد البنية الشكليّة واللغويّة للأعمال الفنّيّة، إنّما يحاول أن يتجاوز من خلال هذه البنية، ليصل إلى تحديد المعاني والقيم الإنسانيّة في النصّ الأدبيّ المعتمَد، شعرًا كان أم نثرًا. بيد أنّنا لا نستطيع أن نتعامل مع شعر الأطفال على أنّه أداة تساعدنا في إصدار أحكام صوريّة على الشاعر أو المؤلّف، جيّدًا كان أم رديئًا، بل يجب أن نأخذ بالحسبان أنّ شعر الأطفال له أصوله واتجاهاته المختلفة في اكتشاف القيم الجماليّة والنفسيّة والاجتماعيّة في العمل الفنّيّ الخاصّ بالطفل. لاحظ ما جاء في قصيدة بعنوان: "رايحين عَ الرَّوضة" تقول: يا عَمِّي يا بُو أمينْ عَبِّ السَّيَّارَهْ بانزينْ عَ للرَّوضَهْ إحنا رايحِنْ فيهَا آمال معلِّمتنا فيها نرسم ورده ونهرْ فيها نرسم سمكه وبحرْ كعكة عيد نوكل شهر ونغنِّي ....... أغانينا روضتنا فيها ألعابْ ونقرا القصَّه من الكتابْ
وفي قصيدة أخرى تقول أيضًا: كروم الزيتون الحلوه عم تستنَّى ولادها لِصعارْ ومنحمِل هالشقشاقهْ ومنفرط زيّ الكبارْ ومنلقط حبّ الزيتونْ إحنا الحلوين الشُّطَّارْ حبِّهْ خضره // وحبِّه سمرَا بيصيرُوا قنطارْ
جاء كتاب "إيناس تشدو" للدكتور أحمد العطاونة مرفقًا بقرص صوتيّ مدمج، ليحتوي على 42 أنشودة شعريّة متنوّعة المضامين، لامست مفرداتها واقع الطفل المعيش في الإطار الثقافيّ-الاجتماعيّ العامّ، ونظمت جميعها بلغة تنحاز إلى أصول اللغة العربيّة الفصحى: شكلًا ومعنًى. ولعلّ ما ذكره الأستاذ طارق أبو رجب، (المحاضر في موضوع أدب الأطفال في كليّة "كي" لإعداد المعلّمين العرب في بئر السبع)، في معرض تقديمه لكتاب "إيناس تشدو" يؤكّد ذلك، إذ يشير إلى أنّ اللغة التي اختارها المؤلّف في كتابة الأناشيد هي لغة عربيّة فصحى: سهلة، طيّعة ومعاصرة... مع ذلك قد يحسب القارئ بعض عبارات هذه القصائد عاميّة. ويعزو طارق أبو رجب هذا الاستخدام اللغويّ بما يسمّيه بالألفاظ العاميّة تجوّزًا . والتمعّن المتروّي في قصائد مختلفة من كتاب "إيناس تشدو"، يكشف لنا أنّ الدكتور أحمد العطاونة ينطلق في كتابته أولًا، من تصوّر المحاضر الجامعيّ وصاحب الممارسات الأكاديميّة البارزة في مجال تعزيز اللغة العربيّة في منطقة النقب على وجه الخصوص، وثانيًا من رؤية الكاتب المتمكّن من أدوات وأصول كتابة القصيدة الطفليّة الناجحة. فقد سعى في هذه المجموعة الشعريّة إلى أن ينقل للقارئ ما يشعر به تبعًا لتأثره الآني والمباشر تجاه النصّ الشعريّ محتكمًا في نقل انطباعاته وأفكاره الخاصّة على الذوق أساسًا، ومن ثمّ رغبة منه في تنمية الذوق الفرديّ لدى الأطفال وإثارة إدراكهم الحسّيّ والحدسيّ، ليتحدّث بلسانهم ويحلّق بأجنحتهم. ونعتقد أن معرفة الكاتب جمهور الهدف الذي يتوجّه إليه، بغية اختيار موضوع قصيدته وألفاظها، وانتقاء تراكيبها وإيقاعها، وقافيتها وصورها، التي تختلف اختلافاً كليًّا عن معطيات قصيدة الكبار، جعله يستعين بمفردات وقوالب لغويّة مفعمة بالصور وبالمعاني المجرّدة التي تناسب مخزون الأطفال المعرفيّ في مرحلة التعليم الابتدائيّ، من مثل: غيوم حملت أمطارا، رياح عَرَّت أشجارا، طيور رحلت أسرابا . عندما تصدح الأطيار – يكسو الأرض اخضرار . متنقّلًا من اللفظ المعجميّ الفصيح مثل: (وطَأْتُم سهلًا، أميط الأذى، اهتفوا عاليّا، مستبشرة...) إلى القالب اللفظيّ العامّي الشائع كأن يقول: (يا هلا بالزائرين يا هلا بالقادمين، دومًا قلبي يهواك...) وغير ذلك ممّا يجعل الطفل يتقبّل الأفكار والقيم والمفاهيم التعليميّة والتربويّة، ويسهم في اندماجه الواضح في الأنشودة. لاحظ ما جاء في قصيدة بعنوان: "حروفُ الهجاء"
غنّي غنّي يا أسماء غنّي لحروفِ الهجاء -(2) لازمة مكررة) ألفٌ باءٌ تاءٌ ثاء جيمٌ حاءٌ ثُمّ خاء - (2) لازمة مكررة) دالٌ ذالٌ ثمّ راء دالٌ ذالٌ ثُمّ راء زايٌ سينٌ ثُمّ شين صادٌ ضادٌ طاءٌ ظاء -(2) لازمة مكررة) عيْنٌ غيْنٌ ثُمّ فاء عيْنٌ غيْنٌ ثُمّ فاء قافٌ كافٌ لامٌ ميم نونٌ هاءٌ واوٌ ياء - (2) لازمة مكررة)
لا شكّ أنّ تجربة الدكتور أحمد العطاونة في كتابة الأناشيد الخاصّة بالأطفال، جاءت لتعبّر عن المخزون الثقافيّ والفكريّ الذي تماهى في نفسه وذهنه من خلال اطّلاعه على مناهج التعليم العربيّة في المدارس الحكوميّة من ناحية، ومن خلال عمله في كلّيّات اعداد المعلّمين والمعلّمات العرب من ناحية أخرى. الأمر الذي يعزّز رؤيته التعليميّة والتربويّة للعمل المُلّح من أجل تطوير الكتابة الشعريّة المحليّة للأطفال بأسلوبها وشكلها ومضمونها. إنّ الاهتمام الزائد بكتابة أجناس مختلفة من الأدب العربيّ للكبار، في هذه المرحلة الزمنيّة، لم يمنع ظهور أدب جديد خاصّ بالأطفال في القصّة والشعر لدى مجموعة أدباء ومؤلّفين لم ينتسبوا إلى مدرسة أو مذهب أدبيّ واضح. وإنما جاء أدبهم متأثّرًا في ثقافتهم التي تلقّوها من المؤسّسات الأكاديميّة أثناء دراستهم الجامعيّة في مجال الأدب عامّة، أو من خلال تجاربهم العمليّة والمهنيّة أثناء عملهم في مراحل التعليم المختلفة في مدارسنا العربيّة. ممّا تقدم، يتّضح أن العناصر الأدبيّة التي قامت عليها الأناشيد لدى آمال دلّة كرينّي وأحمد العطاونة كانت في معظمها تحاول مراعاة الشروط النفسيّة والأدبيّة والفنيّة واللغويّة لأناشيد الأطفال والتمسّك بقدر واضح من الفنّيّة والتقنيّة في الصياغة والبناء. ولعلّ استخدام اللهجة العاميّة في أناشيدهما المختارة كان جزءًا من التركيبة الفنّيّة للأنشودة بصورتها العامّة. وأن كان هذا الاستخدام لدى آمال كرينّي في كتاب "أناشيد للأطفال" أكثر وضوحًا وأشد تطرّفًا. ويجدر التنويه، أنّ أناشيد الأطفال الجيّدة هي التي تسعى لبلورة تربية سلوكيّة قويمة، ممزوجة بالخبرات والتجارب التي تثير صورًا شعوريّة وانطباعات فنّيّة واستجابات عاطفيّة. ولعلّ تنوّع الأناشيد في مختلف المواضيع والأفكار يساعد في تشكيل ثقافة الطفل المعرفيّة وتهذيب إدراكه الحسّيّ والحدسيّ في كلّ الأحوال.
اتّجاهات القصيدة " الأنشودة" المحليّة إنّ قراءة متأنيّة للكتابين المشار إليهما سابقًا، تؤكّد أنّ هناك حاجة ملحّة إلى أن تتنوّع مواضيع القصيدة "الأنشودة" الطفليّة المحليّة لتشمل الاتّجاهات التالية: 1- الاتّجاه الدينيّ: ويهتم ّبتأصيل القيم الروحيّة في نفوس الأطفال وتوصيلها لعقولهم بصورة سهلة ومبسّطة. 2- الاتّجاه الاجتماعيّ: يسعى إلى الارتقاء بالصفات الاجتماعيّة الحميدة وتزويد الأطفال بالقيم التي تصقل شخصيّاتهم، وتنظم علاقاتهم مع الآخرين. 3- الاتّجاه التعليميّ: يساعد الطفل وينمّي عنده مهارات اللغة: القراءة، والكتابة والاستماع. ويزوّده بعناصر المعرفة الضروريّة من علميّة ونظريّة في مختلف الميادين، والإسهام في بناء شخصيّته بشكل يجعله يشارك في دفع المجتمع نحو التقدّم والازدهار . 4- الاتّجاه الوصفيّ: يلفت انتباه الأطفال إلى الطبيعة، للإحساس بجمالها والتمتع بمحاسنها، والتعرّف إلى مظاهرها من صيف وشتاء وربيع وخريف وليل ونهار. 5- الاتّجاه الإرشاديّ: يوجّه تصرّفات الأفراد وممارساتهم، ويقودهم إلى الطريق السليم، بالحكمة والموعظة الحسنة، وينمّي فيهم مواطن الإحساس بالمسؤوليّة، إلى جانب تهذيب نفوسهم وتجنيبهم مواقف الضعف والعجز والخطر، ويسعى إلى تنمية قدراتهم في التفريق بين الخطأ والصواب وإثراء الأطفال بالمزايا الإنسانيّة التي تجعل منهم النواة الصالحة لإقامة المجتمع القائم على العلم والمعرفة والخصال الحسنة . 6- الاتّجاه المعرفيّ: يسهم في تزويد الطفل بالمفاهيم الثقافيّة، والاطلاع على العلوم والثقافات الأخرى، فضلًا عن المخترعات والصناعات الحديثة التي تتعلّق بواقع بيئته وحياته اليوميّة، فتزوّده بالمعلومات الضروريّة عن الوسائل التقنيّة العصريّة، وما لها من أثر على مستقبل الإنسان، فإدراك الطفل للأشياء يوسّع من قدرته على التخيّل والتفكير، ويساعده كذلك في التعامل مع حاجاته الضروريّة بوعي ناجح وتفكير سليم. 7- النشيد الترفيهيّ: وهو النشيد الذي يسعى إلى إدخال البهجة والفرح والسرور إلى نفوس الأطفال، بالترفيه والتسلية والإمتاع .
معايير يجب توافرها في القصيدة المحليّة الموجّهة للأطفال 1-المضمون: لعلّ واحدًا من أهمّ الشروط التي يجب تحقيقها في شعر الأطفال، هو أن تكون مضامينه في حدود إدراك الطفل، وأن تكون واضحة المعالم، بعيدًا عن التعقيد والغموض، وأن يكون موضوع الأنشودة مرتبطًا بواقع الطفل وبيئته، وما يحيط بها من مظاهر طبيعيّة واجتماعيّة وإنسانيّة، إلى جانب الموضوعات التي تتّصل بحياته الشخصيّة مثل: احترام الوالدين والوفاء لهما، وتعميق القيم الروحيّة والمثل الإنسانيّة العليا . لعلّ أهمّ مضامين القصيدة الطفليّة هي التي تحمل أفكارًا تزوّد الأطفال بالتجارب والخبرات، وتقرّبهم من واقعهم المعيش. وتمنح الطفل الشعور بالمتعة والتشويق في موضوع النشيد، وأن يكون مناسبًا لعمر الطفل الموجّه إليه. إضافة إلى بثّ روح الفرح والمرح والتفاؤل، لتنمية إحساس الطفل النفسيّ والتعامل مع أمور الحياة دون تردّد أو قلق. 2- اللغة: ينبغي أن تكون لغة القصيدة "الأنشودة" سهلة بسيطة، خالية من المفردات الصعبة مثل: الكنايات، المجازات وغرابة الصور...)، بمعنى أن تكون الكلمات المستعملة من قاموس الطفل مناسبة لأفكار الصغار وعقلياتهم بحيث تكون ذات انسجام وترابط مع أعمارهم وميولهم، إلى جانب البساطة والسهولة والوضوح، لتكون قريبة من لغة الحديث اليوميّ، وفي حدود المخزون اللغويّ للطفل. بالإضافة إلى تنوّعها الذي يحوي معاني تربويّة هادفة، إذ لا بدّ من تلاؤم الألفاظ الواردة في القصيدة "الأنشودة" مع فهم الأطفال . 3- الصياغة الشعريّة: يجب أن تكون عبارات الأناشيد واضحة في تراكيبها اللغوية، ومترابطة في أسلوبها، واضحة الأفكار، إلى جانب جمال أسلوبها وقوّة صياغتها التي تنبّه مشاعر الطفل وتحرّك وعيه وتنمّي خيالاته، فإنّ "الصياغة الشعريّة يُرتجى فيها أن تخاطب الطفل باعتباره كائنًا إنسانيًّا متكاملًا وله ذوقه الحيّ "كما وينبغي أن يشيع فيها الإيقاع والموسيقا، اعتمادًا على الأوزان والبحور الشعريّة القصيرة والصافية في أغلب الأحوال، " فامتزاج الإيقاع بالصيغة الشعريّة الجيّدة المناسبة لمستوى الطفل لغويًّا وفكريًّا، يعطي الشعر إمكانيّة الاستحواذ على وجدان الطفل وتنمية التذوّق الفنّيّ والقدرة على التخيّل" .
أسباب العزوف عن القصيدة "الانشودة" المحليّة إنّ ما نراه من عزوف شبه تامّ عن الأنشودة للأطفال والانحياز الواضح نحو القصّة أو الحكاية كان نتيجة حتميّة لمسبّبات أساسيّة نذكر أهمّها: 1- انعدام دور الأهالي في البيوت وعدم الالتفات إلى ما يحفظه الطفل من الأناشيد والقصائد الشعريّة التي كانت تتباهى بها العائلة العربيّة. حتّى الأهازيج العفويّة القديمة لم تعد موجودةً إلّا في عقول الكبار المتقدّمين في السّنّ، بعد أن انزوت جانبًا أمام بُعد الزمن ومعطيات الحياة المعاصرة وحلّت مكانها أناشيد رخيصة وألفاظًا منخفضة وتعابير مسجوعة يأباها الذوق العربيّ الأصيل. 2- تقوقُع المدرسة حول نصوصٍ ضعيفة وباهتة في مناهج التعليم الأساسيّ، ومحاولة فرض قصائـد محدّدة يُكرَه الطفل على حفظها، من شأنه أن يبعد الأطفال عن عالم الحلم والخيال، والعبارة المأنوسة العذبة. علمًا أنّ المناهج التربويّة الحديثة تعتبر القصيدة "الأنشودة" أحد الأساليب المهمّة في بناء شخصيّة الطفل، وتنمية قدراته ومعارفه ومواهبه، وفي ترغيب الأطفال في التعلّم، والإقبال على الدراسة والمدرسة، وإدخال المتعة والمعرفة إلى نفوسهم . 3- هيمنة التّكنولوجيا على الكتابة الطفليّة: "تواجه الكتابة الطفليّة في بلادنا عددًا من التحدّيات المعيقة للإبداع الأدبيّ الخاصّ بالأطفال، ولعلّ من أهمّها: هيمنة التّكنولوجيا على الكتابة الطفليّة. ونعني بذلك انصراف الأطفال عن الكتاب الورقيّ المعروف إلى وسائل الاتّصال التّكنولوجيّة الحديثة. الأمر الذي جعل الكاتب القاصّ أو الشّاعر يشعر بالغربة عن عالم الاطفال ويخشى أن يكون أدب الأطفال غريبًا ومنعزلًا عن واقع الحياة الاجتماعيّة والمعرفيّة. كلّ ذلك في زمن تفجُّر التّكنولوجيا الإلكترونيّة الحديثة وطغيان أذرع الشّبكة العنكبوتيّة التي تصل بسهولة إلى أيدي الأطفال سواء كانوا في البيت مع آبائهم وأمّهاتهم، أو في الشّارع مع أصحابهم، أو في المدرسة مع معلّميهم ومعلّماتهم. هذه التّطوّرات التّكنولوجيّة التي ما فتئت تخطف أبصار الأطفال وتشغل عقولهم، تجاوزت بتقنيّاتها العالية الكتابَ الورقيّ التقليديّ وانتجت أعمالًا أدبيّة وتثقيفيّة جديدة في الكتابة الطفليّة الإبداعيّة التي لم تعد محصورة بالأناشيد، والأغنية، والقصّة المصوَّرة المطبوعة في كتاب أو مجلّة. وبالمقابل، ظهرت برامج وألعاب محوسبة جديدة للأطفال لن نفهمها إلّا من خلال مشاهدتنا لهم وهم يلعبون ويضربون على مفاتيح شاشة الحاسوب بسهولة وبراعة" .
الخلاصة إنّ أدب الأطفال ينبغي أن يتبنّى قضايا الأطفال، بحيث يجد الطفل ذاته متناغمة مع النّصّ الأدبيّ الموجّه له؛ فليس من المعقول أن ينحصر أدب الأطفال في معالجة قضايا الكبار التي لا يجد الطفل فيها ما يخصّه أو يخصّ عالم الطفولة الذي ينتمي اليه. فثمّة كثير من كتّابنا المحلّيّين يفشلون في الوصول إلى عالم الطفل، وما زالوا يقومون بإسقاط مشكلاتهم الخاصّة على نصوصهم الأدبيّة: قصّة و/ أو أنشودة، ممّا يتسبّب بالنفور واللامبالاة التي تنمو وتتعاظم في نفس الطفل إزاء مثل هذه النصوص. والكاتب الجيّد هو الذي ينجو من مثل هذا المزلق الخطير وينجح في التحليق إلى عالم الطفولة المختلف كلّ الاختلاف عن عالم الكبار. وبرغم كلّ ما يتّصف به الشعر من أهداف وغايات سامية جمّة، يبقى وما يزال الشعر في مدارسنا العربية لا يفي بالغرض المنشود ولا يحقّق ما يصبو إليه أدب الأطفال، كونه بعيدًا عن تحقيق الرغبات النفسيّة لدى الأطفال، ونظرًا لصعوبة استيعاب المضامين المندرجة في كتبهم التي تفوق قدراتهم العقليّة ومستواهم المعرفيّ ممّا يجعلهم لا يبالون للأسف بهذا الفنّ الجميل. هذه الأسباب مجتمعة انعكست على ثقافة الطفل العربيّ وسلوكه التربويّ، في أغلب، مدارسنا، وجعلت الواقع يبدو في تصوّرنا قاتمًا بعض الشيء.
ثبت بالمراجع أبو فنّه، محمود (2016). "دلالة المكان في أدب الأطفال المحلّيّ". المرايا، عدد 2، الكلّيّة الأكاديميّة بيت بيرل، ص9-16. أنيس، إبراهيم (د.ت). موسيقى الشعر. بيروت: دار القلم والطباعة. بدوي، مرزوق(2004). أناشيد الأطفال في الشعر الفلسطينيّ من سنة 1920- 1948. نابلس، كلّيّة الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنيّة. جوعيه، حاتم (2016). "استعراضٌ وَدِراسة ٌ لمجموعةِ كتب أدبِ الأطفال للكاتبةِ الشَّاعرة، موقع المدار، 16/1/2016. https://www.almadar.co.il تاريخ الدخول: .28/2/2018 الحسينيّ، خليل محمد سالم (2001). دراسات في أدب الأطفال، ط، رام الله، وزارة الثقافة الفلسطينيّة. الديك، نادي ساري (2001). في أدب الأطفال. ط، عكّا: مؤسّسة الأسوار. رجب، مصطفى (1999). " بين الفنّ والتربية". مجلّة التربية، قطر، العدد 128، آذار، اللجنة الوطنيّة القطريّة للتربية والثقافة والعلوم. الطهطاوي، رفاعة (1973). الأعمال الكاملة. ج2، ط1، بيروت: المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر. العطاونة، أحمد علي (2008). إيناس تشدو. الخليل: مطبعة الاعتصام. عيسى، فوزي (1998). أدب الأطفال. الإسكندرية: منشأة المعارف بالإسكندريّة. عيسى، محمد رفقي (1987). سيكولوجيّة اللغة والتنمية اللغويّة لطفل الرياض. ط 1، الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع. الفيصل، سمر روحي (1981). مشكلات قصص الأطفال. دمشق: اتّحاد الكتّاب العرب. ناصر، أحمد (2016). " الكتابة الطفليّة المحليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا"، المرايا، مجلّة حول أدب الأطفال والفتيان، العدد 2، الكلّيّة الأكاديميّة بيت بيرل، المعهد الأكاديمي العربي للتربية، ص 58-65. النجّار، مصلح (د.ت). "المضمون التربويّ في الشعر الموجّه للأطفال في الأردن". مؤتمر الطفولة، الجامعة الهاشمية. نجيب، أحمد (1986). أدب الأطفال علم وفنّ. ط 3، القاهرة. دار الفكر العربيّ.
#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكاليّة الترجمة في الكتابة المحليّة الموجّهة للأطفال
-
تعليق على ترجمة قصيدة -عابرون في كلام عابر -لمحمود درويش إلى
...
-
قراءة في ديوان - وأقرأ صمت التراب الجميل- للشاعرة الفلسطينية
...
-
الكتابة الطفليّة المحليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا
-
قراءة في ديوان -القصائد الدافئة- للشاعر الفلسطيني حسين جبارة
-
منابع ثقافة الشاعر العربي -أدونيس-
-
قراءة في قصة (للأطفال) بعنوان -المطر الأول - للكاتب نعمان عب
...
-
انحسار اللغة العربية مقارنة بلغات وليدة -الطفرة- التكنولوجية
-
دعوة لتعريب مناهج النقد الأدبي
-
أيديولوجية النقد الأدبي
-
المثقف الفلسطيني وأزمة الهوية القومية من خلال قصة -الغريب- ل
...
-
النقد الأدبي الفلسطيني في إسرائيل ما زال عالقًا بين الدراسة
...
المزيد.....
-
سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي
...
-
لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
-
مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م
...
-
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|