|
حروب -الردة- كانت دينية أم اقتصادية؟!
بير رستم
كاتب
(Pir Rustem)
الحوار المتمدن-العدد: 6319 - 2019 / 8 / 13 - 16:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد موت محمد بن عبدالله في يوم الاثنين 12 من ربيع الأول العام الحادي عشر من الهجرة حدثت قلاقل كثيرة داخل جسم الدولة الفتية والتي لم تكن قد تجاوزت شبه الجزيرة العربية حيث من جهة كانت الصراعات بين الأنصار والمهاجرين حول أحقية من يرث الخلافة وقيادة الدولة؛ "اجتماع السقيفة" حيث "اجتمع عدد كبير من الأنصار في مكان يُعرف بـ«سقيفة بني ساعدة»، ليتفكروا ويتشاوروا في مسألة خلافة الرسول" و"يبدو أن قادة الأنصار قصدوا أن يتموا أمر السقيفة في معزل عن إخوانهم من المهاجرين .. فقد جاء على لسان عمر أنه لما وصل مع أبي بكر إلى السقيفة، وجد الأنصار اجتمعوا حول رجل مريض هو سعد بن عبادة.."(1) ولكن أستطاع عمر بن الخطاب أن يفشل ذاك الاجتماع من خلال زرع فتنة بين الأوس والخزرج فأنفض الاجتماع بخصومة وشقاق بين القبيلتين، مما جعل سعد أن لا يبايع أبا بكر أبداً وذلك بعد أن أجبر الآخرين على مبايعته.. ثم أن الخلاف لم يتوقف هنا، بل إنقسم الأنصار أنفسهم بين مؤيد لفكرة "بقاء الخلافة في أهل البيت" ويقصدون بذلك علي بن أبي طالب وبين من يريدها ل"أصحاب الرسول" وأول من آمن به؛ أي أبا بكر الصديق وتقول الرويات بأن عمر أخضع فريق علي بالقوة لأن يبايعوا أبا بكر وكانت حصيلة فرض القوة موت زوجة علي وبنت سيدهم محمد وذلك بعد أن حصرها وحشرها عمر خلف الباب وهي تسد عليه الطريق لتمنعه من الهجوم على علي ابن أبي طالب.
وهكذا إمتدت شرارة الخلافات والصراعات إلى خارج المدينة بحيث وجد الكثيرين في موت محمد فرصة للخلاص من هيمنة قريش ومكة وإعادة لنفوذهم القبلي في السيادة والريادة، فما كانت من بد شن عمليات حربية لإعادة النفوذ والسيطرة على تلك القبائل المتمردة على سلطة المركز، فكانت مما عرفت ب"حروب الردة" وتقول الموسوعة الحرة بهذا الصدد؛ "حُرُوْبُ الرِّدَّةِ هي سلسلةٌ من الحملات العسكريَّة التي شنَّها المُسلمون على القبائل العربيَّة التي ارتدَّت عن الإسلام بعد وفاة الرسول مُحمَّد، خِلال الفترة المُمتدَّة بين سنتيّ 11هـ و12هـ، المُوافقة لسنتيّ 632م و633م. وقد ارتدَّ العرب في كُلِّ قبيلةٍ، باستثناء أهالي مكَّة والمدينة المُنوَّرة والطائف والقبائل التي جاورتها، وقد وُصفت هذه الحركات من الناحية السياسيَّة بأنَّها حركاتٌ انفصاليَّة عن دولة المدينة المُنوَّرة التي أسَّسها الرسول مُحمَّد وعن قُريش التي تسلَّمت زعامة هذه الدولة بِمُبايعة أبي بكرٍ الصدِّيق بِخلافة المُسلمين. وهي عودةٌ حقيقيَّةٌ إلى النظام القبلي الذي كان سائدًا في الجاهليَّة، وقد اتسمت من ناحية بالاكتفاء من الإسلام بالصلاة، والتخلُّص من الزكاة التي اعتبرتها هذه القبائل إتاوة يجب إلغاؤها. في حين اتسمت من ناحيةٍ ثانية بالارتداد كُليًّا عن الإسلام كنظامٍ سياسيّ، وليس إلى الوثنيَّة التي ولَّت إلى غير رجعة، والالتفاف حول عددٍ من مُدعي النُبوَّة بدافعٍ من العصبيَّة القبليَّة ومُنافسة قُريش حول زعامة العرب"(2).
وقد أرتكبت المجازر خلال حروب الردة تلك بحق من إمتنع عن دفع الجزية أو الزكاة حيث يقول مالك بن نويرة سيد "بني تميم" عندما همّ قائد الجيوش الإسلامية "خالد بن الوليد" بقتله: («أَتَقْتُلُنِيْ وَأَنَا مُسْلِمٌ أُصَلِّي إِلَىْ القِبْلَة؟» فقال خالد: «لَوْ كُنْتَ مُسْلِمًا لَمَا مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَلَا أَمَرْتَ قَوْمَكَ بِمَنْعِهَا، وَاللهِ مَا نِلْتُ مَا فِي مَثَابَتِكَ حَتَّى أَقْتُلُكْ» .. وفي روايةٍ أُخرى أنَّ خالدًا أمر برأس مالك، فجعلهُ مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرًا، فأوهم تلك الليلة أنَّهُ يأكُلُ منها ليُرهب بذلك المُرتدين. ولكن الذي لا خِلاف عليه أنَّ خالد بن الوليد تزوَّج بعد ذلك امرأة مالك بن نُويرة، وهي أُم تميم ابنة المنهال، الأمر الذي جعل الأقاويل تكثر حوله..)(3). وهكذا نجد بأن الصراع فيما عرف ب"حروب الردة" ليس دينياً وإنما اقتصادياً حيث كانت الدولة الفتية وجيوشها بحاجة للتمويل وكانت مصادر التمويل قليلة وأهمها الزكاة "الأتاوات" وكذلك من خلال جعل الكعبة "محجاً" لكل المسلمين وذلك بعض القضاء على الكعبات الأخرى وبخصوص هذه المراكز الدينية التي كانت إحدى مرتكزات الاقتصاد القبلي، يقول الكاتب محمد شعبان في مقالة له بعنوان؛ "ليس في مكة فقط... "كعبات" كان يحج إليها العرب قبل الإسلام" مايلي:
(يذكر سعيد أن هذه "الكعبات" لم تكن تقام إلا في المناطق التي تشهد استقراراً معيشياً، أي الأماكن الحضرية مثل الطائف والمدينة، وليس في أماكن انتشار البدو الجدباء، حتى تكون أكثر جذباً للحجاج. ففي الطائف، كان الثقفيون يحجون إلى "بيت الربة"، ويرفعون منزلته إلى منزلة الكعبة، ويعظمون فناءه كتعظيم قريش لحرم الكعبة، فحُرّم على الناس قطع شجره وصيد حيوانه وأعلنوا أن مَن يدخله يكون آمناً، حسبما ذكر الدكتور محمد سهيل قطوش في كتابه " تاريخ العرب قبل الإسلام". والربة المقصودة هي "اللات" التي كانت من الآلهة القديمة المشهورة عند العرب الشماليين وعرب الحجاز، وكان تمثالها على شكل مربع أو على شكل صخرة بيضاء منقوشة، وعبدتها ثقيف في الطائف، وبنت عليها بيتاً، كان الناس يحجون إليه. وبحسب قطوش، "كانت سدانة هذا البيت لآل أبي العاص بن أبي يسار بن مالك، أو لبني عتّاب بن مالك من ثقيف، وهما أسرتان ثريتان من أسر الطائف، تقومان بخدمته وتنظيفه على نحو ما كان في مكة وبيوت الآلهة الأخرى")(4). وهكذا ومن خلال ما سبق يمكن أن ندرك لما تم هدم كل الكعبات السابقة وذلك لتكون ريع الحج محصوراً بكعبة مكة وقريش؛ "سدنتها" وبالتالي حصر مركزية القرار السياسي بها حيث من يملك القوة الاقتصادية سيكون له القرار السياسي، كما هو اليوم والصراع بين القوى الكبرى على مراكز الطاقة والبترول ولذلك فيمكننا القول وبثقة تامة؛ بأن ما عرفت ب"حروب الردة" لم تكن حروباً دينية، بل حروب اقتصادية وبامتياز!
الهوامش: (1) مقالة للكاتب محمد يسري أبو هدور بعنوان؛ "سقيفة بني ساعدة: بداية الخلاف السياسي وتشكيل المذاهب الإسلامية" منشورة في موقع "منشور". (2) الموسوع الحرة "ويكيبيديا"، مقالة بعنوان؛ "حروب الردة". (3) المصدر السابق. (4) مقالة للكاتب محمد شعبان بعنوان؛ "ليس في مكة فقط... "كعبات" كان يحج إليها العرب قبل الإسلام" منشورة في موقع رصيف22.
#بير_رستم (هاشتاغ)
Pir_Rustem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القربان .. بين الرمز والمدلول الحضاري
-
وأخيراً .. تركيا تعترف بالإدارة الذاتية!
-
هل بات سقوط أردوغان وشيكاً؟ -أردوغان يلهي الجيش بالحروب كي ل
...
-
أردوغان .. وضجيج الاجتياح لشرق الفرات
-
ولادة إقليم كردي جديد بات واقعاً.. قراءة سريعة للبيان الختام
...
-
شرق أوسط جديد .. علماني ديمقراطي!
-
روجآفا.. بات أمراً واقعاً! مكينزي والمسمار الأخير بنعش مشروع
...
-
أنحن كرد أم إيزيديين؟!
-
رسالة وتوضيح بخصوص أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية
-
رسالة وجواب توضيحاً لتحول موقفي من العمال الكردستاني.
-
سقوط أردوغان وحكومة الإخوان بات قريباً!
-
العلة بالنص دون إبطال آيات الإرهاب لا يمكن وقف الإرهاب
-
ما هو منجز العمال الكردستاني؟
-
المجلس الوطني الكردي يؤكد على -أهمية المبادرة الفرنسية ويتهم
...
-
غياب المشروع السياسي لدى الحركة الكردية في روجآڤاي كرد
...
-
-الحزام العربي- ومن هو المتضرر؛ الفلاح الكردي أم المستوطن ال
...
-
الصراعات الكردية الكردية جزء منها تعود لسيكولوجية الانسان ال
...
-
العمال الكردستاني وتهنئة بارزاني خطوة في إعادة تصحيح العلاقا
...
-
فيزا ونخب.. حكاية من حكايات الهجرة
-
هل نحتاج لأحزاب جديدة أم لذهنية جديدة؟
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|