أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر














المزيد.....

مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6317 - 2019 / 8 / 11 - 22:02
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


«بدأ الصراع بينى وبين أنوثتى مبكرا جدا، قبل أن تنبت أنوثتى، وأعرف شيئا عن جنسى، وأصلى، وفصلى. بل قبل أن أعرف أى تجويف كان يحتوينى، قبل أن أخرج إلى العالم الواسع، كل ما كنت أعرفه، أننى بنت كما أسمع من أمى. بنت؟. ولم يكن لكلمة بنت سوى معنى واحد، أننى لست ولدا، لست مثل أخى، أخى يقص شعره ويتركه حرا، وشعرى أنا يطول ويطول، وتمشطه أمى فى اليوم مرتين، وتقيده فى ضفائر، وتحبس أطرافه فى أشرطة. أخى يصحو من نومه، ويترك سريره كما هو، وأنا علىً أن أرتب سريرى وسريره أيضا. أخى يخرج إلى الشارع ويلعب دون إذن من أمى أو أبى. وأنا لا أخرج إلا بإذن. أخى يأخذ قطعة من اللحم أكبر من قطعتى، ويشرب الحساء بصوت مسموع. أما أنا، أنا بنت، علىّ أن أراقب حركاتى وسكناتى، أن أخفى شهيتى للأكل، وأشرب الحساء بلا صوت.


أخى يلعب، يقفز، يتشقلب. وأنا إذا جلست وانحسر الثوب عن سنتيمتر من فخذى، فإن أمى ترشقنى بنظرة مخلبية حادة، لأخفى عورتى

كل شىء فىّ عورة وأنا فى التاسعة من عمرى.

حزنت على نفسى، أغلقت باب غرفتى علىّ وجلست أبكى وحدى. لم تكن دموعى الأولى فى حياتى، لأننى فشلت فى مدرستى، أو كسرت شيئا غاليا، ولكن لأننى بنت.

بكيت على أنوثتى قبل أن أعرفها. فتحت عينىّ على الحياة، وبينى وبين طبيعتى عداء».

هذه هى السطور الأولى، فى روايتى «مذكرات طبيبة» التى نشرتها فى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، بعد تخرجى مباشرة فى كلية طب قصر العينى. تجاهلت الحركة الأدبية فى مصر، روايتى، باعتبارى طبيبة لا أنتمى لعالم الأدب، ولا يتبنانى أحد فى السلطة الحاكمة سياسيا وأدبيا، وليس لى اسم معروف بين النخبة المسيطرة ثقافيا فى مصر، التى تعتمد عليها الحكومات فى قهر الشعب والمفكرين والرواد، ولا أنتمى إلى عائلة ذات ثراء مادى من ملاك الأراضى والتجار والشركات الرأسمالية ومن حولهم من أجانب، يتمتعون بالامتيازات، وأحزاب سياسية وجمعيات خيرية ونسائية ترتبط مصالحهم بالاستعمار البريطانى، والعائلة المالكة بقيادة فاروق الأول ملك مصر.

حذفت الرقابة الحكومية، نصف روايتى تقريبا، لأن بها ما اعتبروه من المحظورات، والمحرمات، والتابوهات المسكوت عنها، منها ما يتعلق بالشرف والعذرية وختان البنات والطلاق الشفوى، والطلاق عند المأذون بإرادة الزوج المنفردة، وغياب الزوجة، وإهدار حقوق الأم والأطفال وتم نشرها مبتورة نحيفة مثل عظام دون لحم، (فى مطبوعات اقرأ) وحلقات قليلة فى مجلة روزاليوسف. ومع كل الحذف والبتر، أثارت الرواية غضب السلطات الدينية فى الأزهر، والسلطة السياسة فى الدولة، والسلطة الأدبية فى وزارة الثقافة، والسلطة الطبية فى وزارة الصحة ونقابة الأطباء، وتم التحقيق معى، واتهامى بالكفر والانحراف والجهل بحقائق الطب. وبدأت حملات تشويه سمعتى، واعُتبرت أفكارى التى وردت فى رواياتى وكتبى، شاذة، ضد الوطن، والأخلاق، والدين، ومنها كتاب «المرأة والجنس»، الذى تمت مصادرته أيضا بعد مذكرات طبيبة، وأفزع السلطات الحاكمة. فتعرضت للفصل من عملى، ومصادرة رواياتى وكتبى وأى أنشطة أقوم بها، وإن كانت مجلة الصحة، أو جمعية المرأة، أو مقالات علمية وملاحقتى بالشائعات وقضايا الحسبة، والسجن والنفى، والمطاردة المستمرة، واضطهاد أفراد أسرتى، وسماعى بأذنى السباب والتحريض على قتلى، من فوق منابر الجوامع، فى الجيزة أمام بيتى، وإعلان إهدار دمى، وتم وضعى على قائمة الاغتيال والموت، بواسطة التحالف بين الحكومات المصرية، والتنظيمات الدينية، والنخب المنافقة لها، حتى عودتى من المنفى عام 2009. ولم تأمن حياتى من بطش السلطات ونخبها، إلا بعد ثورة يناير 2011، ويونيو 2013، وسقوط حكم مبارك والإخوان المسلمين.

وحدث بعد نجاح رواية «مذكرات طبيبة» رغم مصادرة الحكومات، والتشويه ، أن انتقلت أجزاء منها إلى لغات أخرى. كما تطورت حقائق الطب مع التقدم العلمى، وتم اكتشاف المخاطر الجسيمة لختان البنات، والأولاد أيضا.

وجاءتنى دعوة إلى مؤتمر عالمى بداية الثمانينيات، سمع السفير المصرى فى ذلك البلد عن مشاركتى بالمؤتمر، فطلب من دكتورة موظفة بالسفارة، مرافقتى، ذهلت الدكتورة المصرية لسماعى أتكلم عن مخاطر الختان الطبية، والاجتماعية، فلم تكن تعرف شيئا عن وجود ختان البنات فى مصر أو العالم.

بعد ذلك بنصف قرن، وأنا أعيش المنفى تحت حكم مبارك، قرأت بالصدفة عام 2008، خبرا من مصر، عن تكريم الرائدات، ضد ختان البنات فى مصر، وكانت منهن الدكتورة، التى اعترضت على محاضرتى، ونفت وجود الختان فى مصر.

وقد بدأت الجمعيات الطبية فى أمريكا، أوروبا ومنظمات الأمم المتحدة تحارب عمليات ختان البنات باعتبارها جرائم خطيرة ضد الأطفال الإناث، أما ختان الذكور فتسكت عنه الأمم المتحدة حتى اليوم، (رغم كونه جرائم ضد الأطفال الذكور) خوفا من الاتهام بمعاداة السامية، وفى التوراة آية تعتبر ختان الذكور عهدا مقدسا يرتبط بالأرض الموعودة (فلسطين) بين قوم إسرائيل والإله يهوه.

خلال يونيو هذا العام 2019، جاءتنى دعوة من دار النشر الإيطالية، «فنداجو»، للتحدث عن «مذكرات طبيبة»، بمناسبة صدور الطبعة الإيطالية الأولى لهذه الرواية. فى مؤتمر أدبى عالمى، بُعقد فى «مانتوفا»، شمال روما، خلال سبتمبر ٢٠١٩.

وهاتفنى بالأمس، صحفى من روما، يقول معتذرا ومندهشا «كيف لم تكتشف دار النشر الإيطالية هذه الرواية، إلا بعد 63 عاما من نشرها بالعربية فى القاهرة».

وكانت هذه الكلمات بلسما، يخفف من وطأة القهر الذى عشته، بسبب هذه الرواية.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنت مختلفة.. أنت مختلف موسيقى أو نشاز؟
- ثمن العبودية أفدح من ثمن الحرية
- لجنة القصة بالمجلس الأعلى الدائم
- تجديد الفكر الدينى.. ماذا يعنى؟
- الأنانية الموروثة وروابط الدم
- القدم فوق الرأس والعقل بلا ثمن
- الحجاب والنفط والسلاح ونيوزيلندا
- منابع الإبداع فى عيد الأم المصرية
- تجربتى الذاتية والجدل حول الدستور
- أيامى بالمستشفى العسكرى بكوبرى القبة
- جائزة الاستغناء عن الجوائز
- الوزيرة وسلطة الزوج المطلقة
- الإنسان نعمة وليس نقمة
- عنب لذيذ فى احتفال العام الجديد
- الديمقراطية الرأسمالية تتهاوى فى فرنسا
- القانون والنقاب
- الأم الكبرى للعلم والفن
- وزراء الصحة وعمليات الختان
- كم من كاتبة مبدعة تحمل لقب الشيطان؟
- وزيرة الصحة وطبيبات معهد ناصر


المزيد.....




- مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 % ...
- نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
- روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت ...
- فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح ...
- السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب ...
- تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
- -دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة ...
- مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها ...
- الكويت.. مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 1145 امرأة و13 رجلا


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر