سليم نزال
الحوار المتمدن-العدد: 6314 - 2019 / 8 / 8 - 03:23
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الذين يتبنون نظرية لتقدم عبر نقد الطبقة السياسية الحاكمة في بلادنا محقون لا شك. لكني أرى ذلك نصف المشكلة، وأحينا أراها أقل من نصف المشكلة. لاني اعتقد ان السياسي يستند على الثقافي وليس العكس، لان رجل السياسة في نهاية المطاف منتج لثقافة معينة، وافكاره لا تأتي من السماء كما قال تروتسكي ذات مرة، بل من الخزان الثقافي الموجود.
كيف يمكن مثلا ان تعيش مجموعات ثقافية في بلد واحد، وتكون في ذات المدارس والجامعات والادارة والجيش... الخ، ثم لا يعرفون بعضهم البعض الا عبر تصورات كل واحد عن الاخر، منها ما هو غير صحيح أو ما يظنه عن الاخر. نحن ببساطة لا نعرف بعضنا البعض. بل لدينا كم ليس بالقليل من الصور النمطية، أو الافكار التي تشجع على الصور النمطية وعلى استمرارها كأن يأتي احدهم، ويقول السنة كذا والمسيحيون كذا والشيعة كذا، الخ من الكلام التعميمي الغارق في الجهل، والتي لا ينتج الا العنصرية والكراهية وهدم أو طاننا فوق روؤسنا جميعا. وجل احاديثنا عن التعايش ذات طابع فولكلوري شكلي وساذج، كأن يضعوا صورا لرجال دين من طوائف مختلفة وهم يبتسمون وكأن هذا هو التعايش!!!
ولعمري هذا امر شكلي لا اكثر ولا اقل. لكي تعيش مع الاخرين لا بد ان تعرف ما هي هواجسهم، وكيف يفكرون. تسمع على سبيل المثال بالعلويين أو الدروز أو السريان او الامازيغ وهم من ابناء بلادنا، وليس من البرازيل أو جزر القمر، والغالبية العظمى لا تعرف شيئا عنهم. من هم هؤلاء وكيف يفكرون وما هي معتقداتهم؟ وغالبا الذين لا يعرفون يقعون في اطار ثقافة التعمميم والاحكام الفجة، وهذه الثقافة كارثة علينا خاصة عندما نقع في الازمات.
ولكي تعرف كيف يفكر الاخر، لا بد من تنمية ثقافة حب الاستطلاع المعرفي في المدارس. وهذا يبنى عبر تنمية ثقافة المعرفة استنادا على نهج احترام الاخر المختلف عنك في التفكير أو المعتقد، وبناء جسور الاخوة المستندة على المشتركات والقيم الوطنية والإنسانية. والمعرفة اساس ذلك، وانا من الذين يعتقدون ان اكثر من نصف مشاكلنا تحل لدى توفرها. حبا الله والتاريخ بلادنا بارث ثقافي وحضاري مبعثا للفخر والاعتزاز. الا وهو هذا التنوع الثقافي الموجود قبل بزمن طويل من ظهور مصطلح (المجتمعات المتعدده الثقافات!) كما في امريكا وكندا وسواهما. ولكن بدل ان يكون هذا الامر سببا من اسباب القوة والنهوض بات كارثة علينا بسبب ثقافة الجهل والالغاء واخواتهما.
#سليم_نزال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟