أمير بالعربي
الحوار المتمدن-العدد: 6314 - 2019 / 8 / 8 - 02:22
المحور:
الادب والفن
-1-
لا أُتقنُ لُغةَ الإشارة
وأمّي لا تَسمَعْ .
أُتقنُ تَرميمَ الحُروفْ
وأمّي لا تَقرَأْ .
صَوتي جميلٌ كلما غَنَّيْتْ
لكنّ أمّي لا تَسمَعْ .
وكلما بَكَيْتْ
لمْ أَحتجْ اخفاءَ دُموعي
لأنّ أمي لا تُبصرْ .
... لا تُبصرْ ,
لا تَقرأْ ,
لا تَسمعْ ,
لكنها ... تَتَكَلَّمْ .
وتَقصُّ قصصًا عنْ زَمنٍ جَميلٍ فَاتْ
وتُغنِّي ... وتَتَأَلَّمْ .
قِصصُهَا جميلة
وصوتُهَا أَجمَلْ
لكنّها لا تَسمعْ .
-2-
في زمنِ أمّي الجميلْ
كانَ عاملُ النظافةِ يَستحي
مِن كنسِ الياسمينْ أمامَ منزلهَا
ومِن الاعتداءِ على بركِ الماءْ
كانت العصافير تشربْ وتزقزقْ
ثملةً مِن رائحةِ الياسمينْ
وكانت أمّي تَسمعُ غناءَهَا
ولا تَخشى مِن مارٍّ
مِن عاملٍ
يَحرمهَا مِن ماءِ حيواتِهَا
ومِن ياسمينِهَا .
-3-
لكنّ أمي
لم تستطعْ توريثي
حبَّ الياسمينْ على أرصفةِ الطرقاتْ
والطربَ لزقزقةِ عصافيرِ
زمنٍ فاتْ .
لمْ أخجلْ يوم قطعتُ الياسمينة
مِِن حديقتهَا
ولم أفتقدْ غيابَ العَصافير
عن بيتِ أمّي .
الياسمينْ لا يُذكّرني بأمّي
ولنْ يفعلْ .
أبدًا لنْ أحنّْ .
الياسمينْ يُعيد لي صورًا
أُريدُ نسيانَهَا ولم أَستطعْ ...
شوارعُ الورقِ الميّتِ والكلابِ السائبةِ
والسجائرِ الأمريكية وعُلبِ البيرة الألمانية
ورائحةِ الحوتِ المنبعثة من
الحاوياتْ
والبشرْ
والياسمينْ .
لا أشرَبْ , لا أُدخِّنْ
ولا أَحنّْ
لروائحِ شوارعِ الحاوياتْ
والياسمينْ .
-4-
لكني أَنكحُ كل ما هبّ ودبّْ
مهووسْ !
وكلما اصطدتُ أرنبًا أو حمامةً أو حجلة
لَمْ أُذَكِّ الرقابَ بالسكينْ
لكنْ الأدبارَ برفيقٍ لَعينْ
لا يَحْفَ لا يهدأْ لا يَنامْ
ولا يزالُ يَطلبُ الغِزلانْ
ولا يصطادُ الغزلانَ هنا غير العربانْ ...
ولا أزالُ أحاولُ أنْ أرضيه
بأرنبٍ ... بحمامةٍ ... بحجلةٍ
بخنزيرْ !
لكنّه لمْ يَقبلْ .
-5-
يوم محاكمتي ...
كانت التّهم العقوقَ والشذوذْ ...
العقوق مع الأم بإعدام ياسمينتهَا
وهذا بلدُ الياسمينْ !
والشذوذ مع الطرائد
بالاعتداء على حيوانيتهَا
وهذا بلدُ نصرة المظلومينْ !
رافعتُ عن العقوق واعترفتُ بفعلي
وسخطَ المُحلّفون عند رفضي النّدمْ .
ورافعَ رفيقي عن الشذوذ واعترفَ
ونادى بزيادة غزالٍ على العَلَمْ .
حكم القاضي بأن تُصادر منّي البندقيّة
فلم يعد عندي ... بندقيّة !
وبأن أَزرعَ في حديقةِ أمّي ياسمينتينْ
وأَمرَ بحمية وطنيّة ....................
لشهرينْ
أجوبُ الشوارع أشمّ الياسمينْ
ساعةً في الصباح وساعةً في العشيّة ...
وعلى رفيقي بالقَطْعْ
وبأن يُلقى للثعالبِ في محميّةٍ وطنيّة ...
حضرَتْ أمّي المحاكمة
لكني لم أَخجلْ .
فأمي كانت لا تَسمعْ ولا تُبصرْ .
وقَبْلْ أن يُقطَعْ
ضحكَ الرفيقُ وقالْ :
لو كانت أمّنا تَسمعْ وتُبصرْ
كُنْتَ خَجَلْتْ
وكنتُ بينَ أفخاذكَ ظَلَلْتْ .
#أمير_بالعربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟