|
المجتمع والثورة
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 1549 - 2006 / 5 / 13 - 11:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- أهمية الأسرة : الأسرة هي أبسط شكل للجماعة في المجتمع، فهي الخلية الأولى التي تتعارض أهواؤها وتتضارب غاياتها، وان دراسة حالة الأسرة في مجتمع ما، يعطي أفكارا كثيرة عن بنية ذلك المجتمع، ونستطيع أن نقول أن الأسرة هي النافذة الاجتماعية للمجتمع. وتعد مسألة العادات والتقاليد القيمة الروحية التي تحافظ عليها الأسرة وتصونها، حيث تعتبرها مرتبطة بوجودها، فزوال القيم يعني زوال هذه الأسرة وأن رصد تلك الخلية الاجتماعية يعني رصد المجتمع من النواحي الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية لأن الأسرة ليست مستقلة عن المجتمع. ومسألة القيم التي تتخذ الأسرة فيها محورها وتنشئ جيلا على أساسها، حيث تظنها الأصلح والأنسب شكلا ومضمونا. وكي نفهم تلك القيم يتوجب علينا توضيح أفراد الأسرة لوظائف اجتماعية حيث نرى شخصية الأب التي تمثل الأمر والنهي، فهي شخصية محافظة متعلقة بتلك العادات والتقاليد وعاملة على إصانتها. وآن هدم وفساد هذه العادات، لابد في حال من الأحوال أن يتنبه له الجميع، لكن يتنكر له أكثر المحافظين باسم " الأخلاق" وعندما يكون المجتمع في حالة تحول، لابد له أن يستعد لمرحلة التغير والانتقال. ولذلك يتوجب حصول صراع مابين أفراد الأسرة حتى يتمكن المجتمع من استبدال القيم القديمة بأخرى مناسبة وجديدة. إن التبشير بالاندثار يكون كمقدمة اجتماعية يرفعها الجماعة المتمردة ومن ثم تطلق أصواتها عالية حيث تجد الصدى الضعيف ووصول المجتمع إلى القبول أو اللاقبول من التفسخ ، يجعل تلك الأخلاق هامشية وغير قابلة للاستمرار، وهي مرحلة يدفعها بدمائه . ولا يغرب عن بالنا الكثير من المحافظين يتمسكون بالقيم القديمة رغم معرفتهم أنها خاطئة أو بالية، لكن يظل ذلك الصراع ما بينهم وبين المتحررين حتى تأتي الساعة المناسبة للطليعة. - مراحل الثورة : تمر الثورة بثلاث مراحل ؛ المرحلة الأولى : وهي الاستعداد لنبذ القيم، حيث يتم ذلك بادراك الواقع من نواحي اجتماعية وسياسية. المرحلة الثانية : وهي المرحلة الصعبة التي يجرد المجتمع من القيم القديمة وفي طريقه لتقبل القيم الجديدة. وانفجار الصراع يدوم مادام كلا الطرفين قويين (2). المرحلة الثالثة: وهي مرحلة وضع الأسس والقواعد الصالحة لما هو جديد مع بقاء ما يسمى خواص المجتمع، حيث أذا تخلى المجتمع عن هذه الخواص يفقد وجوده، ويصبح غير صالح للاستمرار كتجمع بشري. إذا هناك شروط وأسس يبني عليها المجتمع قيمه الجديدة، وأن مطالعة المرحلة الأولى هي حالة تصادم الآراء ووجهات النظر، ونحن هنا لابد أن نقسم حالة الثورة الاجتماعية عن حالها السياسي رغم ترابطهما ، فتشكل الاقتصادي والداخلي والخارجي. إن نداء جماعة الفكر في فساد المجتمع هو قول يستقبله الناس على أنه غير جدي في أول الأمر حيث تتعدد وجهات النظر والتبديل والتحسين وهو الذي يضعف قوة هؤلاء المفكرين (3). إذا أن الجماعة الاجتماعية غالبا ما تتنكر لما هو ضعيف وغير كفؤ للثبات، ولا يغرب عن البال بأن المجتمع قد يكون في حالة غيبوبة وغير مستعد للتسوية مع أولئك الإصلاحيين. وهذا يعتبر تمهيدا لما هو رفض سابقا، ولا تستطيع الثورة أن تأتي إلا بعد ترسيخ الأفكار الثورية في صفوف المجتمع. وقد ترتكب الثورة أخطاء تتعلق بالقادة والطريقة الاستبدادية التي يتخذونها (4). وتلك الشروح تعطي الحالة الكلية لمجتمع ما. - دور أفراد الأسرة في الثورة : إن تفنيد الأسرة على أساس وظائف تخدم الثورة أو تعارضها حيث نرى أن دور رب الأسرة بتلك الشخصية الاستبدادية المحافظة ودور الأم التابع يعطي خطا بيانيا للعلاقات الاجتماعية، وان صراع الزوج مع الزوجة حول قيمة اجتماعية معينة، يعطي دفعا لتحرر المرأة من ناحية أو ربما ينهي هذا الصراع بالطلاق. أما الجيل الناشئ، فهو جيل الثورة، فهو معاكس لشخصية أب الأسرة ودراسة المجتمع هنا تتعلق بالطريقة التي لا يستطيع مسيرته إلى الأمام إلا بالتغير. وتتحدد شخصية الأب هذه بفرعين: 1. المقاومة وهي ترتبط بوجوده، ووجود سطوته الاجتماعية. 2. التصارع مع الذات من جراء الكشف عن حقيقة اعتقاداته. وأن تلك المرحلة أشبه بمظاهرة فوضوية لا يعرف هدفها ولا رجالها، ولذلك نرى الصدام من كل ناحية، ونلمس هذه الظواهر الواضحة بين الأبناء والآباء وتكثر حالات الجريمة في المجتمع وحتى مظاهر القتل من أباء لأبناء أو العكس، وهذا يحصل بين صفوف المجتمع الذي ساد عليها الكبت والفوضى. وهجوم الجيل على عقلية الآباء لا يضعف من مقاومتهم في بيان الطريق، بل يجعل سلوكهم ينعكس على جميع المؤسسات الاجتماعية. وتبرز الأنانيات في كل مجال لتعبر عن نزعتها الفردية، وتنعدم الروابط الاجتماعية والعاطفية، ويعيش المجتمع في ضياع فكري وروحي، حيث يشعر الجميع بأن هناك شيء ضائع يبحثون عنه. وقد تتشكل هذه المظاهر من خلال سهر الأبناء خارج البيت والتمرد هو ظاهرة لرفض السلطة الأبوية والهروب من الواقع بشكل كلي ، وهنا قد تفشل صرخة المتحررين لأنها تكون غير منتظمة في أول الأمر، وتنشأ الجمعيات الإصلاحية (5). ونرى أن المجتمع دائما يعجب بقوة وثبات العقائد وشخصياتها، ومن هذا المنطلق تتشكل التنظيمات السياسية وتعرض أهدافها. ويتوقف نجاحها على تقبل الجماهير لها وفهما لتلك الأهداف. وان جميع الثورات الاجتماعية التي لا تهدف الإطاحة بما كونه مجمل الواقع السياسي والاجتماعي قد تكون فاشلة في المستقبل. وغالبا ما يكون هناك حزب طليعي يتسلم زمام التغير ويسيطر على الناس. ويتسرب التأيد إلى الأسرة حيث ترى الصراع حاد مابين الآباء والأبناء. وينظر لهذه السلوكيات على أنها فسادا كليا للجيل والحالة. وتكون مقاومة السلطة في أشدها ، وتتجاوز مسألة التشكك حدها، ويكون الآباء في هذه الحالة قد استسلموا للجيل وأصبح ما يحافظون عليه مهدد. ومن ثم يسعى الكثير منهم بتأيد تلك الثورة وأفكارها. وهنا تكبر قوة التوجه السياسي والاجتماعي وينتهي إلى القوة التي تسيطر وتقود الناس. وتتأزم الأمور ويكون الصراع في ذروته بين المؤيدين والمعارضين. حيث تبرز تنظيمات الحزب في المجتمع وتنتشر، وإن إيمان الجماهير بذلك الحزب يجعل من التنظيم أكثر سهولة(6). وفي هذه المرحلة لابد من تجاوز العراقيل الموضوعية حيث يدفع الجميع ثمن لهذه التغيرات الجارية. وتحاول تلك السلطة حل المشكلات الاجتماعية السابقة . ومثال ذلك يكون نضال المرأة مرتبط بوضعها الاجتماعي الصعب والتي عجز عنها السابقون. وقد تحصل على بعض حقوقها. ويتوقف اجتياز هذه المرحلة على رجال وقواد موهوبون يستطيعون أن يتغلبوا على العراقيل الموجودة. ولا يشترط بالمبادئ أن تكون عملية أو أخلاقية بل يجب أن تكون لنفسها فلسفة مقنعة تمثل الواقع المعاش في المجتمع(7). ويتطلب لضرب القيم القديمة واستبدالها وقت طويل، وتلك المرحلة تشبه تصارع رجلين حتى الموت، حيث يغلب الأقوى وتحسم الأمور لصالحه حيث يسيطر على قلوب الناس . ولابد من نظرة فاحصة نرسلها على هذه الثورة صاحبة التغير المجمل في المجتمع. - نجاح الثورة: هناك شروط يجب توفرها في الزعيم ،حيث يفشل في حال إظهار نقطة ضعف في شخصيته أو فكره ويتوقف نجاحه على مقدرة إحساسه على ما يراه في الواقع و طريقته في سير أغوار الجماهير . إن الاستبداد الوطني الذي يستعمله الزعيم لنجاح ثورته يكون أحيانا طريقا ناجحا للثورة ويبدأ كثير من الانتهازيين أحيانا لتشويه الثورة ( 8) وهؤلاء الانتهازيين من أنصار الحكم السالف . و في مرحلة كهذه تنضم كثير امن طليعة الشباب الى رجال الثورة ، و ترى كثيرِِا من أفراد الأسرة . إن الحزب الحاكم قد فسر الواقع السابق بطريقته الخاصة حيث اكتشف سر الفساد الاجتماعي والسياسي ووضع لها الحلول وقرارات تشريعية ومن هنا يعمل الحزب على تطبيع العلاقات الاجتماعية بينه وبين الجماهير على أساس قاعدته الثورية . وهنا تبدأ المرحلة الثالثة ألا وهي تثبت التنظيم وإشاعة النظام والقضاء على الفوضى . ويمكن لهؤلاء المشرعين أن يجدوا صعوبة في أول الطريق في تطبيق هذه القوانين الجديدة ، وربما يلجا الزعيم لطريقة دكتاتورية يحتاج لها واقع البلد داخلا أو خارجا (9). وربما تكون تلك الطريقة الدكتاتورية حلا جذريا لكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية. ويكون المجتمع في حالة تبعية لهذا الزعيم ،ينظر كل فرد لنفسه ويبحث عن دوره الاجتماعي ،فهل السلطة الجديدة تخدم المواطن أم لا. وتأخذ المرأة بالبروز على ساحة الواقع الاجتماعي . وتستبدل معظم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية رأسا على عقب.(10). وتأخذ تهذيب سلوك أفراد المجتمع ولو قسرا. لأن ظروف معينة ممكن أن تمسخ الثورة ورجالها(11). ولذلك يتوجب على المجتمع أن يكون مستعدا ليواجه تلك المصاعب، وربما يكون بالحسبان أن المصاعب ستستمر حتى بعد الثورة والتغير. وإن الخروج إلى المعترك السياسي هو من جوهر البحث هذا. فلا بد للثورة الاجتماعية من ثورة سياسية شاملة تتبعها وتسهل أمورها وتضع حدا في جميع تلك المناحي وتقلب المفاهيم.
ملاحظات :
1) كما حصل في حركة اليساريين في ألمانيا ما قبل الحرب العالمية الثانية. القص. 2) القصد باستبدال القيم القديمة لا يعني العلاقات الإنسانية المناسبة، بل ربما تكون مجرد قيم يعطيها رابحين الجولة كما يحصل في تغير المجتمع من علاقات إقطاعية إلى رأسماليه. 3). المفكرين اللبراليين في أوروبا في القرن التاسع عشر. 4). موارد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. 5). نشأت هذه الجمعيات التعاونية في مطلع القرن التاسع عشر في بريطانيا ومن ثم خرجت إلى أوروبا. 6). ذلك ما حصل في ألمانيا عندما تسلم الحزب النازي(القومي الاشتراكي الألماني). 7). مثل الفكر الفاشي الذي لا يستند على قاعدة إنسانية أو عملية. 8). كما حصل في ثورة موس تونغ في الصين . 9). حكم ستالين وتفسير دكتاتوريته بالحرب مع ألمانيا النازية. 10). كما يحصل في الثورات الاشتراكية. 11). ظروف الثورة الروسية في الحرب العالمية الثانية وظروف ثورة نيكاراغوا مع الولايات المتحدة.
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانسان والتاريخ
-
السيطرة الاقتصادية في المجتمع الامريكي
-
العنصرية ضد الزنوج في الولايات المتحدة
-
الفكر الثوري
-
معانات الطابة العرب في امريكا
-
أنور رجا والصافرات
-
سقوط المثقف في هوة التطبيع
-
سياسة العصا الغليظة
-
من طرزان إلى رامبو
-
كبف تصرفت هيئة الأمم مع أزمةالخليخ الأولى
-
الفارق بين الانتخابات العربية والامريكية
-
سكير ومجرم
-
إنتزاع البراءة
-
الثقافة العربية
-
الثقافة العربية والتحديات
-
عبدالرحمن منيف روائي ملحمي
-
لماذا سقطت بغداد
-
العرقية وحقوق الانسان
-
الأم والزوجة
-
السرقة المشروعة
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|