|
هنيئاً لمناضلات المملكة السعودية والسودان!
جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)
الحوار المتمدن-العدد: 6313 - 2019 / 8 / 7 - 09:36
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
على مشرفة العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين في تقويم الحقبة العامة (تُختصر «ح.ع»، CE بالإنكليزية)، الذي لا يزال يُسمّى «الميلادي» (م) في منطقتنا، حيث يبقى التمييز الديني طاغياً وتتعمّد شتّى الأجهزة المحافظة على تسخير الدين سلاحاً بيد الاستبداد السياسي، على مشرفة هذا العقد الثالث إذاً، وهو العقد الخامس من القرن الخامس عشر في التقويم الهجري، ويأتي بالتالي بعد الهجرة النبوية بحوالي أربعة عشر قرناً من الزمن في التقويمين على حد سواء، ها إن النساء في المملكة السعودية (وليست «النساء السعوديات» إذ إن آل سعود أصحاب المملكة، وليسوا أصحاب الجزيرة العربية وأهلها) يَنعُمنَ بفتح جزئي للقفص الحديدي الذي انغلق في وجههنّ منذ أن سيطرت قوات قبلية موالية لآل سعود على معظم أراضي شبه الجزيرة. ولا بدّ لأي مراقب لمجريات الأمور في المملكة أن يلاحظ أن الفضل في المكسب الأخير هو لتصعيد نساء المملكة في السنوات الأخيرة لنضالهنّ من أجل حقوقهنّ البديهية، وذلك بتعاقب المبادرات الشجاعة والاحتجاجات الجسورة. وقد أحرج ذلك آل سعود بصورة متزايدة مع تزايد الضغط في هذا المجال من قِبَل الدولة الوصيّة عليهم، قصدنا الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع. والحال أن واشنطن، منذ رئاسة جورج دبليو بوش، حادت عن سياستها التقليدية في تدعيم الظلامية في المملكة ضماناً لسيطرة آل سعود، وكلاء مصالحها المحلّيين، وانتقلت إلى الضغط عليهم من أجل تحديث مجتمعهم. تمّ ذلك بعد أن استخلص الوصيّ الأمريكي من صدمة اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 التي نفذّها خمسة عشر مواطناً للمملكة من أصل تسعة عشر رجلاً، يأمرهم مواطنٌ سعودي، استخلص أن مجتمع المملكة بات مصدراً أساسياً لتوليد الإرهاب، ولا بدّ بالتالي من إصلاحه قبل أن ينفجر بالكامل بما يؤدّي إلى نتائج وخيمة. هذا هو العامل الرئيسي الذي حدا بآل سعود إلى تليين قبضتهم السياسية والقبضة الأيديولوجية لآل الشيخ، شركائهم، بما خلق مناخاً شجّع بعض نساء المملكة على تصعيد ضغطهنّ من أجل رفع الغطاء الثقيل فوق رؤوسهنّ بما يتيح لهنّ التنفّس بعض الشيء. وقد شكّل هذا النضال الباسل، الذي شرعت فيه بضع نساء، إحراجاً متزايداً لآل سعود، لا سيما أن صداه في واشنطن بات مدويّاً من خلال التضامن الواسع الذي حازه والذي لم يعد بإمكان الحكم الأمريكي أن يتغافل عنه في عصر يشهد تصاعداً عالمياً للنضال النسوي التحرّري.
وقد فطن الشاب محمد بن سلمان، الذي طمح في الإمساك بمقاليد السلطة في المملكة مستغلاً شيخوخة والده، إلى أن إجراءات مدروسة في رفع بعض الأثقال عن كواهل نساء المملكة من شأنها أن تبيّض صفحته ليس في الغرب وسائر العالم وحسب، بل داخل المملكة عينها، حيث تجد إجراءات التحرير الجزئي للنساء صدىً إيجابياً كبيراً. والمعلوم أن وليّ العهد السعودي بات بأمسّ الحاجة إلى تبييض صفحته بعد أن تلوّنت بأحمر دماء جمال خاشقجي. هذا ما يفسّر أيضاً ترافق الإجراءات المذكورة بقمع شديد لكل من ناضل من أجلها، بدءاً بالمناضلات الباسلات اللواتي يقبعنَ في زنزانات المملكة. فإن حرص محمد بن سلمان على الظهور بمظهر الحاكم الحداثي يحثّه على محاولة كمّ الأفواه كافة التي تستطيع أن تنسب إجراءات التحديث الجزئي إلى نضال الحداثيين الحقيقيين في مجتمع المملكة. وهو يسخّر لأجل ذلك جيشاً متخصّصاً في حرب الدعاية على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، يردّ على كل من أشار إلى فضل النساء والرجال الذين يقبعون في سجون المملكة بفيض من شتائم وتعليقات تردّ بالتغنّي بأمجاد وليّ العهد. وقد أشارت تقارير إعلامية في الأسابيع والأيام الأخيرة إلى بعض الأجهزة التي خصّصها لتلك المهمّة وموّلها بسخاء الحكمُ السعودي تحت إشراف ابن سلمان. يترافق ذلك بالطبع بخوف وليّ العهد من أن تبدو الإجراءات المذكورة على حقيقتها كانتصارات لحراك بازغ في المملكة، بما ينذر بأن تتحوّل الساقية يوماً إلى نهر جرّاف على غرار ما باتت تشهده منطقتنا منذ «الربيع العربي». ويزيد من خطورة ذلك أن الحراك السوداني حقّق انتصاراً تضمّن شقّاً نسائياً بارزاً، إذ تبدأ الوثيقة الدستورية التي جرى التوقيع عليها في الخرطوم صباح يوم الأحد الماضي بالإقرار في ديباجتها «بدور المرأة ومشاركتها الفاعلة في إنجاز الثورة» وتتضمّن في أحد بنودها جملة تعهّدات، منها التزامٌ بأن «تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتّع بكل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بما فيها الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي والمزايا الوظيفية الأخرى» و«تضمن الدولة حقوق المرأة في جميع المجالات وتعزّزها من خلال التمييز الإيجابي» و«تعمل الدولة على محاربة العادات والتقاليد الضارّة التي تقلّل من كرامة المرأة ووضعيّتها». وبذلك يصبح لدى السودان بفضل حركته النسوية المتميّزة نصٌّ دستوري متقدّم في الشأن النسائي ليس عن كافة الدساتير العربية وحسب، بل عن معظم دساتير العالم. وهكذا تضمّ منطقتنا جنباً إلى جنب أكثر بلدان العالم اضطهاداً للنساء، أي المملكة السعودية، وبلد هو السودان، تعمل حركته النسوية الطليعية على تحديثه بصورة جذرية متوخّية بلوغ أرقى المستويات العالمية في المساواة القانونية والفعلية.
#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)
Gilbert_Achcar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة السودانية ومعضلتها الراهنة
-
نظام الأبارتهايد اللبناني
-
لا تنصر أخاك مظلوماً إن كان ظالمه شريكك
-
ماركس والشرق الأوسط ٢/٢
-
الثورة السودانية تدخل جولتها الثالثة
-
ترامب وسلمان ونجله يحثّون إيران على التسلّح النووي
-
العِبرة الكبرى من إعادة الانتخابات في اسطنبول
-
خواطر غاضبة على هامش مؤتمر البحرين
-
ارفعوا أيديكم عن شعبنا في السودان!
-
الثورة السودانية تواجه مناورات الرجعية
-
بين نقد «اليسار العربي» والتجنّي عليه
-
ترامب… كثور في متجر خزف
-
تركيا والانحدار السلطوي
-
إيران بين «الممانعة» والتواطؤ والتوسّع
-
لتضامن مع الثورة السودانية ملحّ!
-
تفوّق قيادة الثورة السودانية برجالها ونسائها
-
الانتقال والمعضلة في السيرورة الثورية العربية
-
روسيا تدفع بأحجارها على رقعة الشطرنج
-
ضمّ الجولان توطئة لضمّ الضفة الغربية
-
تحية إجلال لرئيسة وزراء نيوزيلندا
المزيد.....
-
بين القابلة والطبيبة النسائية.. قيود اجتماعية تعيق وصول النس
...
-
مقتل سيدة على يد شريكها.. إسبانيا تسجل أول ضحية للعنف ضد الن
...
-
من تعدد الزوجات الى التطاول الجنسي على الأطفال
-
“رابط متاح” التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 بال
...
-
بالصور| وقفة احتجاجية في ساحة الفردوس ضد تعديل قانون الاحوال
...
-
رابط مُفعل للتسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 بالج
...
-
ضجة فيديو ممرضة ترقص فوق رأس مريض.. شاهد ماذا كان مصيرها
-
استمتع بأجمل اغاني الاطفال على قناة كراميش بترددها الجديد 20
...
-
قافلة الاطفال الجرحى والمرضى وعائلاتهم تتجه الى معبر رفح للع
...
-
فادي الخطيب يرد بـ”تصريحات كاذبة”.. ضبط رسائل تهديد في هاتفه
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|