|
المسيحية في جزيرة العرب قبل الإسلام
محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ
(Mohamed Wagdy)
الحوار المتمدن-العدد: 6308 - 2019 / 8 / 2 - 09:25
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مقدمة : يكاد يكون الأمر عند العامة أن جزيرة العرب كانت مرتعاً لعبادة الأوثان فقط، وأنه لم يزرها دين سماوي قبل مجيء نبي الإسلام محمد، وأنه أول من زرع التوحيد فيها وأنه حض على مكارم الأخلاق والطهارة والنزاهة التي لم يك يعلمها العرب حسب زعمهم . والحق أن القارئ يذهل ويبهت؛ لأن جزيرة العرب كانت ساحة فكرية وحلبة نزال عقائدي من كافة الأديان التي اشتهرت في الأرض قاطبة . فلو بحثت عن اليهودية لوجدتها فيها منذ قرون عديدة قبل نبي الإسلام، وكانت لهم كتبهم المقدسة و" كنيساتهم " وترجموا كتبهم للعربية ولم يقطعوا صلتهم بأورشليم حيث قبلة قلوبهم ومهبط أفئدتهم . ولو رفعتَ حجراً لوجدتَ تحته مسيحياً ولو نظرتَ في أرجائها لوجدتَ كاهناً يقرأ في إنجيله أو راهباً يجول شارداً في مسوحه يبحث عن الكمال الروحي الذي يدنيه من عريسه يوم مجيئه . وفي رحلتي السريعة هذه معكم أعرض لكم إشاراتٍ وتنبيهاتٍ وقراءاتٍ لبعض ما ورد عن المسيحيين العرب، وكيف غزا دين المسيح القلوب قبل أن يستأصله أتباع الدين البدوي بالسيف ويطردوا أصحابه خارجها عملاً بقوله " لا يجتمع في جزيرة العرب دينان " . وقد يلاحظ القارئ أننا في أحيانٍ كثيرة ٍ استشهدنا بشعر الشعراء، وهذا لا يخفى على من لديه اطلاع أن الشعر " ديوان العرب " فهو به تاريخهم وسجلهم . فحتى القرن الثامن الميلادي لم يعرف العرب كتابة تاريخ بصورة منظمة؛ فكان الشعر هو مصدر معرفة كل شيء عنهم فقد ذكروا فيه حروبهم وأفراحهم وعباداتهم ولهوهم وكل ما يخصهم. ختاماً : الله أسأل المعونة في عمل ما انتويت وعرض ما عزمت عليه .
أترككم مع تلك الرحلة البسيطة القصيرة .
أول ذكر للعرب في العهد الجديد يقول كثير من الآباء : إن المجوس الذين زاروا رب المجد في مهده كانوا عرباً . كالقديس يوستينوس في القرن الثاني في مباحثِه مع تريفون. ِ وترتوليان المعلم في كتابيه ّ ضد اليهود، وكالقديس كبريانوس في القرن الثالث في ميمره عن كوكب المجوس وكالقديس ابينانيوس في القرن الرابع في شرحه لدستور الإيمان والقديس يوحنا فم الذھب معاصره في الميمر الثاني على شرح إنجيل متى، واستدلوا على ذلك بأن المجوس جاءوا من الشرق، وأنها تدل في الكتاب المقدس على أرض العرب أكثر من سواها لوقوعها شرقي فلسطين . وفي الإنجيل شاھد آخر على سبق العرب في معرفة السيد المسيح وذلك لما ذكره متى في الأصحاح الرابع : " فَذَاعَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ سُورِيَّةَ. فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَجَانِينَ وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ، فَشَفَاهُمْ. 25 فَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْعَشْرِ الْمُدُنِ وَأُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. " . ومرقس : " فَانْصَرَفَ يَسُوعُ مَعَ تَلاَمِيذِهِ إِلَى الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَمِنَ الْيَهُودِيَّةِ 8 وَمِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ أَدُومِيَّةَ وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. وَالَّذِينَ حَوْلَ صُورَ وَصَيْدَاءَ، جَمْعٌ كَثِيرٌ، إِذْ سَمِعُوا كَمْ صَنَعَ أَتَوْا إِلَيْهِ " ولوقا : " وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وَسَاحِلِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، الَّذِينَ جَاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيُشْفَوْا مِنْ أَمْرَاضِهِمْ " . فلا شك أن صيتهُ قد بلغ العرب القاطنين في تلك الجھات . بل ذكر الإنجيل في متى 8 : ٣١ ومرقس 7 : 31 أن السيد المسيح عبر الأردن وتجو ل في المدن الواقعة ما وراء ذلك النھر ومر بالمدن العشر وصنع آيات في بقعة الجرجاسيين. وكان أھل الحضر والمدر من العرب يسكنون تلك الأنحاء . يوم الخمسين كانت أورشليم تغص بالزوار من كل حدب وصوب . يهود وهيلينيون . متهودون من كل حدب وصوب أتوا لزيارة الهيكل والتعبد فيها . أورشليم . هنا أسس داود النبي مملكته وأراه الله أن بيته يُبْنَى على يد الملك القادم سليمان الذي لم تقترب يداه للدماء بعد . هنا سكنى الله وسط شعبه؛ ونطق بأنبيائه ورسله القديسين مبيناً لهم شرائعه وطرقه التي لا يحق أن يحيدوا عنها، ويخصصوا أنفسهم له لأنه إله غيور يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء والجيل الثالث والرابع من مبغضيه . إن يوم الخمسين هو يوم عيد الأسابيع وسميّ يوم الباكورة (عد 28: 26) وكان يقع في اليوم الخمسين بعد اليوم الثاني من الفصح ، وكان أحد الأعياد الثلاثة التي كان يتحتم على الذكور من الشعب أن يذهبوا فيها ليمثلوا أمام الرب ، وكان يعتبر سبتًا أي زمن راحة لا يقومون فيه بأي عمل بل يجتمعون معًا للعبادة . ويقول التقليد اليهودي إن الناموس أعطي في اليوم الخمسين بعد خروجهم من مصر، ولذا فحفظ اليهود اليوم تذكارًا لإعطاء الناموس أكثر مما يحفظونه كيوم عيد جمع الحصاد. وقد انسكب الروح القدس في يوم الخمسين حين أتى كثيرون إلى أورشليم واجتمعوا بمناسبة هذا العيد . ويذكر لوقا البشير أن من ضمن الحاضرين في العيد عرب، وكان من ضمن الألسنة التي تكلم بها الرسل اللسان العربي " 7 فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض: أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين 8 فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها 9 فرتيون وماديون وعيلاميون، والساكنون ما بين النهرين، واليهودية وكبدوكية وبنتس وأسيا 10 وفريجية وبمفيلية ومصر، ونواحي ليبية التي نحو القيروان، والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء 11 كريتيون وعرب، نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله " . وهؤلاء العرب على الأرجح كانوا عرباً من اليهود ، إذا أن حضورهم كان لحضور مراسم دينية وهو الاحتفال بيوم الخمسين اليهودي . وهكذا نرى أن أساسات المسيحية قد وضعت من خلال قوم يهود تنصروا ثم تلاهم الأمم. بولس الرسول في العربية إن سفر أعمال الرسل يذكر لنا في وقت لاحق ارتحال بولس الرسول إلى العربية بنفسه في وقت لاحق، ولا جرم أنه قد بشر هناك كعادته في كل مكان يرتاده، وربما كان المكان الذي أٌقام فيه بولس في العربية هو بادية الشام . إن بذور المسيحية كانت قد أُلْقِيت في وقت مبكر جداً مع أول يوم لولادة كنيسة المسيح بيوم الخمسين، ثم غذاها بولس الرسول خلال إقامته هناك . كرازة الرسل في جزيرة العرب جمع العلامة يوسف السمعاني في مكتبته الشرقية ج 3 قسم 2 شواهد كثيرة من كتبة اليونان والسريان والعرب التي تثبت كرازة الرسل في ديار العرب وفي أقطارھا المتباينة كبادية الشام وجھات طور سينا واليمن والحجاز والعراق ويذكرون منھم متى وبرتلماوس وتد ّاوس ومتى وتوما، وقد نقل هذه الشواهد مؤرخون مسلمون . وللمعلم ترتليان في أوائل القرن الثالث نصوص متعدّدة يؤكد فيها انتشار المسيحية بين كل شعوب زمانهِ مهما كانت بعيدة أو مجهولة فما قولك بالعرب ؟ قال في كتابهِ إلى الأمم ( Ad Nationes, c. 8 ) (( تأمَّلوا أنهُ لا يوجد اليوم أمَّةٌ إلاَّ ودخلت فيها النصرانيَّة (non ulla gens non christiana) . وفي الفصل السابع من ردّهِ على اليهود يعدّد في جملة المتنصرين ليس فقط الأمم الخاضعة للرومان (( لكن غيرها كثيرة كالسرماتيين والداقيين والجرمانيين والاسقيثيين وقبائل مجهولة وأقطار متفرقة وجزائر البحر ففيها كلها يُعرف اسم المسيح وفيها يملك )) .
أدلة وجود المسيحية مبكراً في جزيرة العرب :-
الظاهر أنَّ المسيحية دخلت أوّلاً في حاضرة حوران أعني بُصرى كما تشير إليهِ التقاليد القديمة التي تناقلها الكتبة اليونان والسريان ثمّ العرب المسلمون من بعدهم. فقد ورد في جدول دورتاوس السوري لتلامذة السيّد المسيح السبعين أنَّ تيمون أحد الشمامسة السبعة المذكورين في سفر الأعمال ( 3 : 8 ) نشر المسيحية في مدينة بُصرى فعُدَّ كرأس أساقفتها. وفي الروايات التي تداولها الكتبة المسيحيون عن الرُّسل وأثبتها السمعاني في مكتبتهِ الشرقيَّة ( ج 4 ص 1 ـ 20 ) أنّ البعض منهم تلمذوا العرب وخصُّوا بهم عرب بادية الشام وحوران كما يظهر من القرائن. وصرَّح بالأمر المقريزي فروى عن متى الرسول (( أنهُ سافر إلى فلسطين وصور وصيداء وبصرى )) . وقال ابن خلدون: (( ان برتلماوس بُعث إلى أرض العرب والحجاز )) . أمَّا تدمر وباديتها فذكر سليمان أسقف البصرة في كتابهِ السرياني المعنون بالنحلة ( Budge : Book of the Bee, p. I06 ) أنَّ يعقوب بن حلفي بشَّر فيها . وتدل كل الشواهد من مصادر العرب واليونان والرومان ومن كل الكتابات السريانية أن المسيحية قد انتشرت انتشاراً ذائعاً بين أنحاء جزيرة العرب، ودخلت فيها قبائل كاملة، وسوف نورد في إيجاز أسماء بعض تلك القبائل وأدلة تنصرها، وسوف يكون اعتمادنا على مصادر تاريخية متعددة أقدم وأوثق ككتابات اليونان والرومان . فإنه مما لا يخفى أن العرب لم يكتبوا تاريخاً صحيحاً قبل بداية القرن الثامن الميلادي . ذكر لبعض القبائل التي تنصرت في بادية الشام 1 – قبيلة غسان :- وقبيلة غسان هي قبيلة يمنية قدمت جهات الشام بعد انفجار سدّ مأرب وسيل العرم فاستوطنوها ثم تغلبت على أهلها بعد سليح كما سبق فصار إليها الأمر، وقد أجمع كل كتبة العرب على تنصر غسان، وهم يذكرون أبنية تدل على مسيحيتهم . وذكر حمزة الأصبهاني أن ثاني ملوك غسَّان عمرو بن جفنة بنى بالشام عدَّة ديورة " منها دير هند ودير حالي ودير أيّوب " ثم ذكر للأيهم بن حارث بن جبلة أخي المنذر الغسَّاني الأكبر انهُ " بنى دير ضخم ودير النبوة " . ويكاد يجمع كل كتبة العرب على تنصر غسان . ومن هؤلاء المسعودي ، وغيره لا يدعون في الأمر ريبًا. وقال اليعقوبي من كتبة القرن العاشر للمسيح ( في تاريخه 1 : 298 ) : (( وامَّا من تنصَّر من احياء العرب فقوم من قريش ومن اليمن طيّ وبهراء وسليح وتنوخ وغسَّان ولخم )) . وممن أشار إلى نصرانيَّة غسَّان النابغة في بائيَّتهِ التي مدح فيها ملوك غسَّان وذكر عيد الشعانين فقال : محلـَّتهم ذات الإلهِ ودينُهم قديمٌ فما يرجون غير العواقبِ رقاق النعال طيِّبٌ حجزاتهم يحيَّون بالرَّيحان يوم السباسبِ 2- قبيلة قضاعة :- يذكر اليعقوبي عن قضاعة أنهم ((أوَّل من قدم الشام من العرب فصارت إلى ملوك الروم فملَّكوهم فكان أوَّل الملك لتنوخ بن مالك بن فهم فدخلوا في دين النصرانيَّة فملَّكهم ملك الروم على مَن ببلاد الشام من العرب )) 3 – بنو سليح :- فقد صرَّح بنصرانيَّتهم المسعوديّ قائلاً : (( وردت سليح للشام فتغلَّبت على تنوخ وتنصَّرت فملَّكها الروم على العرب الذين بالشام )) . إن انتشار المسيحية في تلك القبائل الثلاثة يدل على شيوعها في كل بادية الشام، وليس أدل على ذلك مما خطه يوسابيوس القيصري في تاريخه الكنسي (ك 6 ف 19) أنَّ المسيحية كانت في مبادئ القرن الثالث للمسيح راسخة القدم وافرة العدد في بصرى حاضرة حوران. وقد أخبر عن اوريجانوس المعلّم الاسكندريّ الشهير أنَّهُ رحل ثلاث مرَّات إلى بُصرى، وأنه في إحدى المرات عقد مجمعاً لدحض هرطقة بيرلـُّوس مطران بصرى . وعقد مجمع وحضور أساقفة من جرش ( Gérasa ) وربَّة عمَّان ( Philadelphie ) دليل واضح على نفوذ المسيحية ورسوخ قدمها في بادية الشام . ومن الأدلة على شيوع المسيحية : جداول الأساقفة الذين حضروا المجامع المسكونيَّة الكبيرة وبالأخصّ الأربعة الأولى في نيقية والقسطنطينيَّة وأفسس وخلقيدونية فهناك أسماء عدَّة أساقفة أتوا من مدن بادية الشام وصادقوا على أعمال تلك المجامع بتوقيعهم وأسماء بعضهم عربيَّة محض كالحارث أو منقولة عن العربيَّة كتاودولس تعريب عبد الله وثاودورس تعريب وهب الله . واشتهر بعض أساقفة البلاد العربيَّة بما خلَّفوهُ من الآثار. منهم القديس طيطس رئيس أساقفة بُصرى وضع عدَّة تآليف أعظمها شأنًا ما كتبهُ في تزييف بدعة ماني والمانويين . قال سوزمان في تاريخهِ ( Sozomène, HE, VI, c. 38 ) عن عرب الشام : (( قد تنصَّر كثير من العرب ممَّن اجتذبتهم إلى الإيمان المسيحي إرشادات الكهنة والرهبان الذين كانوا يعيشون في النسك والزهد في الأنحاء المجاورة لهم عائشين بالقداسة ومجترحين المعجزات الباهرة )) . ثم ذكر سوزمان نصرانيَّة قبيلة غسَّان .
خبر ماوية الملكة :-
يذكر سوزمان خبر ماوية ملكة العرب التي حاربت الرومان وغلَبتهم واستولت على بلادهم إلى تخوم مصر ولم ترضَ بصلحهم إلا بأن يرسل الرومان لها ناسكًا شهيرًا يُدعى موسى خصَّهُ الله بصنع العجائب وبقداسة الحياة فسُقّف على العرب الذين تحت حكمها وكان عدد النصارى الذين وجدهم في دولتها قليلاً إما هو فأنار معظم رعاياها وعمَّدهم. وقد أخبر ثاودوريطس في تاريخهِ ( ك 4 ف 20 ) أن ماوية هذه توطيدًا للصلح مع الرومان قرنت ابنتها بالزواج مع القائد الروماني ﭭكتور. وكانت الفتاة شديدة التحمُّس في الإيمان . ومنذ ذاك الحين إذا ورد اسم أحد ملوك غسَّان إما في تواريخ السريان وإما في تواريخ اليونان واللاتين تجد الكتبة لسانًا واحدًا في وصفهم كنصارى يخصُّهم الكتبة بالألقاب الشرَفية الممنوحة لهم من القياصرة فيُدْعَون بطارقة وامراء وذوي العزّ والدولة : وربَّما زادوا على هذه الألقاب ما دلَّ على دينهم فيُدعون مؤمنين ومحبين للمسيح وكذلك ورد في أحد مخطوطات لندن اسم كاهن يُدعى (( كاهن ذي العزَّة والمحب للمسيح البطريق المنذر بن الحارث )) . شهداء المسيحية العرب يذكر التاريخ جملة من الشهداء قُتلوا في سبيل الإيمان في بادية الشام ومدنها كالقديسين كيرلُّس واكويلا ودومطيان المستشهدين في مدينة عمَّان على عهد ديوقلطيانوس وكزينون وزيناس الشهيدين على عهدهِ أيضًا سنة 305. وذكر اوسابيوس القيصري ( ك 8 ف 21 ) أنَّ في زمن هذا الملك (( قُتل عدد لا يُحصى من الشهداء في بلاد العرب )) . وفي السنكسار الرومانيّ عدَّة شهداء قُتلوا في بادية الشام في ذلك الاضطهاد عينهِ فيُكرمون لشهادتهم. واستشهد فيها على عهد يوليانوس الجاحد القديسان اوجان ومكاريوس المكرَّمان أساقفة العرب ويضاف إلى هذه الشواهد جداول المراكز الدينيَّة التي تدلّ على تعدُّد الاسقفيَّات في تلك الأنحاء فإن مطران البصرى وحدهُ كان يحكم على 20 أسقفًا (وكان بعض هؤلاء الأساقفة يتنقَّلون مع القبائل الراعية فيسكنون الخيم ولذلك يدعونهم أساقفة الخيام، وقد أمضوا كثيراً أعمال المجامع بهذا التوقيع (( فلان أسقف أهل الوبر )) أو (( فلان أسقف القبائل الشرقيَّة المتحالفة )) أو (( فلان أسقف العرب البادية ))، وهذا من أعظم الأدلة على دخول عرب الشام في المسيحية أفواجاً . وممَّا يدلُّ على ذلك أنَّ مسيحيي العرب الذين اجتمعوا مع الرومان لردّ غارات المسلمين في غرَّة الإسلام كانوا ألوفًا مؤلَّفة يرفع الكُتَّاب عددهم إلى مائة ألف . مملكة النبط المسيحية انتشرت المسيحية كذلك في أمَّة النبط فهؤلاء كانوا أيضًا من العرب فأنشئوا دولة عظيمة ومصَّروا لهم الأمصار واتَّخذوا لهم مدينة عظيمة يدعونها ﭙترا أو سَلَع لا تزال آثارها الفخيمة تدهش كلّ من يقصدها. وكان ظهور النبط نحو القرن الخامس قبل المسيح وصار لملوكهم شهرة واسعة واستقلُّوا بالملك في القرن الثاني قبل المسيح وكان أوَّلهم (( الحارث الأوَّل )) ودام ملكهم إلى العشر الأوَّل من القرن الثاني بعد المسيح حيث تغلَّب الرومان على بلادهم وكان آخر ملوكهم مالك أو مليكوس الثاني ( 103 ـ 107 ) وأصبحت بلاد النبط اقليمًا رومانيًّا يتولاَّه أحد حكَّام رومية . ثم انتشرت المسيحية في بقية النبط وتأَصلت فيهم وثبتوا عليها حتَّى بعد ظهور الإسلام بمدَّة حتَّى أن بعض الكتبة يدعون مسيحيي العرب نبطًا. وفي بعض مقامات بديع الزمان في المقامة القزوينيَّة حيث جعل نصَّابهُ أبا الفتح الاسكندريّ نبطيًّا فيقول متظاهرًا بالإسلام : إن أكُ آمنت فكـم ليـلةٍ جحدتُ فيهـا وعبدتُ الصليبْ
المسيحية في طور سيناء تلك البلاد كانت شمالاً في أيَّام بني إسرائيل مواطن للأدوميين وللعمالقة وللمديانيين وقد كثرت فيها بعد ذلك قبائل العرب من بني إسماعيل والنبطيين فاستولت عليها واقتسمتها وكانت تتجوَّل فيها على حسب حاجاتها دون أن تركز في محلّ مخصوص . وممَّن ذكرهم القدماء الرسول برتلماوس فقالوا عنهُ أنهُ (( تلمذ بلاد العرب والنبط )) يريدون جنوبي الجزيرة وهذه الجهات خصوصًا. وقال المقريزي : انَّ متيَّاس ( وهو الرسول الذي أُقيم بدلاً من يهوذا الاسخريوطيّ ) سار إلى بلاد الشراة فبشَّر فيها بالمسيح . وكانت شبه جزيرة سيناء محل مهبط كثير من الإسماعيليين والقطحانيين، وكذلك كانت ملجأ لأقباط مصر وقت اضطهادهم . فلا عجب أن يذيع الإيمان بالمسيح بين تلك القبائل العربية بكرازة هؤلاء المؤمنين، ولكن من ناحية أخرى فقد كان الوثنيون منهم الذين لم يصلوا للإيمان يقتلون من استطاعوا من المؤمنين . فهناك ذكر لمبشر بشَّر بالإيمان أحد الشهداء في عهد ديوقلطيانوس وهو القديس كيروس كما ورد في أعمالهِ التي نشرها الكردينال ماي ونصَّر جمًّا غفيرًا من أهلها بكلامهِ ومعجزاتهِ ثمَّ قُتل شهيدًا . وأشهر منهُ أربعون شهيدًا قتلهم العرب الوثنيون في سنة 309. وكان هؤلاء تنسَّكوا في لحف جبل موسى فيعيشون هناك في الصوم والشغل اليدويّ فوثب عليهم أهل البوادي وقتلوا منهم أربعين وقد أُقيم لذكرهم دير ترى حتى يومنا آثارهُ ويدعى بدير الأربعين . وقد أخبر المؤرخون أنَّ القديسة هيلانة شيَّدت كنيسة على طور سينا تذكارًا لما جرى فيهِ من الأعاجيب في عهد موسى وشعب إسرائيل. وزاد النسَّاك عددًا وانتشارًا في سائر أصقاع تلك الجهات . وفي القرن الرابع نُفي إلى براري سينا والنبط رجال أمن الأساقفة والكهنة نفاهم الملك قسطنسين الاريوسي كالقديسين أوجان وﭙروتوجان المنفيَّين من الرها إلى براريّ العرب، وفي ترجمة القديس هيلاريون ورد ذكر الأسقفين القديسين دراكُنْتيس وفيلون المنفيَّين إلى نواحي غزَّة. وإلى أَيلة نفى الامبراطور انستاس القديس إيليا بطريرك أورشليم وكان عربي الأصل . وأخذت الأديرة تمتدُّ في أواسط بلاد سينا وتكثر حولها القبائل المتنصِّرة وأخصُّ هذه الأديرة دير فاران الذي ورد ذكرهُ في كتاب المرج الروحي تأليف حنا موسكوس في القرن السادس للمسيح . فالأقباط لما دخلوا فاران ونشروا فيها دينهم حتى كاد يعمّ كل أهلها منذ القرن الرابع. وكان فيها كرسيّ اسقفيّ وكان أسقفها يدعى أغابيطوس أو محبوب في عهد قسطنطين الكبير. وكان أمير فاران مسيحياً يُدعى عوبديان أو عبدان. وقد بقيت فيها المسيحية معزَّزة رفيعة الشأن إلى القرن السابع وتوقفت فيها القديسة ﺴﻴﻠﭭيا (أوكارية) في أواخر القرن الرابع في رحلتها إلى الأراضي المقدَّسة والقديس انطونيوس الشهيد نحو سنة 580. وترى بين أخربتها حتى اليوم بقايا من كنيستها ومدافنها عليها النقوش المسيحيَّة كالصلبان والرموز الدينية واسم السيِّد المسيح مختصرًا . فيؤخذ من كل هذه الأدلَّة السابقة أنَّ طور سينا والبلاد اللاحقة أو المحدقة بهِ كاد يعمُّها الدين المسيحي في القرن السادس وقد أقرَّ بذلك المستشرق دوزي ( Dozy ) في مقدَّمة كتابهِ عنْ الإسلام : " إن شبه جزيرة سينا كلها تقريبًا كانت ارتدَّت إلى المسيحية وكانت حاويةً لجمـلة من الأديرة والكنائس وكان عرب الشام يدينون بها " . المسيحية في اليمن إن سقراط المؤرخ وغيره قالوا : " إن الرسول برتلماوس بشَّر بالمسيح في الهند القريبة " يريدون بها اليمن لأنَّ اسم اليمن كان مجهولاً لديهم فسمَّوها بالهند القريبة معارضةً بالهند الشرقيَّة ما وراء البحر الهندي. ثم انَّ المؤرخ فيلوسترجيوس ( ك 2 ف 6 ) وتاوفانوس في تاريخ سنة العالم (6064) وتاوفيلاكتوس ( ك 3 ) يدعون الحميريين بالهنود. وزاد بعضهم إيضاحًا فقالوا إن برتلماوس بشَّر بني سبا. أما القديس غريغوريوس النزينزيّ في ميمره عن الرسل. ومثلهُ تاودوريطس في كتابهِ عن الأناجيل ( ك 9 ) وبعض كتبة السريان فقد ذهبوا إلى أن القديس توما هو من بشر في اليمن . ومن الشواهد التي توفقنا على دخول المسيحية في اليمن منذ القرون الأولى لتاريخ الميلاد ما رواه يوسابيوس القيصري ( ك 5 ف 10 ) ومثلهُ هيرونيموس (Hieron., de vir. Illustr. c. 36) عن أحد العلماء السكندريين في النصف الثاني من القرن الثاني للمسيح : ألا وهو ﭙنتانوس الفيلسوف فانَّ هذا كان من الفلاسفة الرواقيين جحد الوثنيَّة وتنصَّر وعهد إليهِ دمتريوس أسقف الاسكندريَّة التدريس في مدرسة الاسكندريَّة ففعل وأحرز لهُ شهرةً واسعةً بالتعليم الدينيّ وعنهُ أخذ اوريجانوس المعلم الكبير ﻓﭙنتانوس المذكور نحو السنة 183 للمسيح تنزَّل عن التدريس وسافر الى الهند ليبشر فيها بالمسيحية. وقد اتفق المؤرخون على أنَّ الهند المقصودة هنا هي المجاورة لمصر عُنِي بها بلاد اليمن كما سبق وبينا . قال يوسابيوس : (( فبلغ ﭙنتانوس تلك الجهات ودعا إلى المسيحية أهلها فأوقفوه على إنجيل مخطوط بالعبرانيَّة للقديس متى كان أتى بهِ إليهم القديس برتلماوس الرسول وأودعهُ عندهم )) وفي هذا القول شهادة على ما سبق بالدعوة النصرانيَّة في جهات اليمن منذ عهد الرسل . ومما يُستدل إليهِ من تواريخ العرب كالطبريّ وسيرة الرسول لابن هشام والمسعوديّ وغيرهم أنَّ المسيحية واليهودية أخذتا في النزاع والمخاصمة منذ أواسط القرن الثالث للمسيح. وبلغ الخصام إلى أعيان الدولة وملوكها. فيخبرون أن التبَّع أسعد أبا كرب تهوَّد على يد ربَّانيَّين من يثرب وحمل أهل رعيَّتهِ على التهوُّد وتبعهُ في أمرهِ بعض أولادهِ بعدهُ لكنّ المسيحية فازت في عهد عبد كلال بن مثوب . وقال الطبريّ في تاريخهِ ( طبعة ليدن ج 1 ص 881 ) : " وملك بعد عمرو بن تبع عبدُ كُلال بن مثوّب. فأخذ المُلكَ عبد كُلال. ووليهُ بسنّ وتجربة وسياسة حسنة وكان فيما ذكروا على دين النصرانية الأولى وكان يسرّ ذلك من قومهِ وكان الذي دعاه إليهِ رجلٌ من غسَّان قدم عليهِ من الشام فوثبت حمير بالغسَّاني فقتلتهُ " . والمؤرخون يرون أنَّ الأسقف الذي أمضى أعمال مجمع نيقية سنة 325 باسم (( يوحنا أسقف الهند )) إنما كان أسقفًا على اليمن وقد سبق بيان أنَّ اسم الهند كثيرًا ما أُطلق على اليمن . وقد جاء للفيروز أباديّ ما يؤيّد مسيحية ملوك اليمن حيث قال " انَّ كثيرًا من ملوك اليمن والحيرة تنصَّروا " . وفي ترجمة القديس سمعان العموديّ التي كتبها تاودوريطس في القرن الخامس قد ذكر غير مرَّة بين الذين قصدوا القديس على عمودهِ عربَ حمير وقد رآهم تاودوريطس عيانًا قال" ولا يتزاحم حول سمعان أهلُ بلادنا فقط بل يأتيهِ جموع من الإسماعيليين والعجم والأرمن والكرج والحميريين " وكذلك كتب انطونيوس تلميذ القديس: " قد نصَّر سمعان العمودي أمما عديدة من الشرقيين ( الشراكسة ) والعجم والأرمن والاسكوتيين وذوي القبائل )) . وقد صرَّح باسم تلك القبائل قدرينوس المؤلف فقال انهم " الحميريُّون " . ومن أعظم الشواهد التي أثبتها العرب على دخول النصرانيَّة في اليمن ما رواهُ الطبريّ في تاريخهِ، وياقوت في معجم البلدان ( 4 : 752 ) وابن خلدون في كتاب العبر (2 : 59) وابن هشام في سيرة الرسول ( ص 20 ) وغيرهم أنَّ أهل نجران وهي من أمّهات مدن اليمن تنصروا جميعهم. أمَّا استشهاد أهل نجران على عهد ذي نؤَاس فقد وصفهُ المعاصرون منهم شمعون أسقف بيت ارشام الذي سمع في العراق الخبر من شهود عيانيين فدوَّنهُ في رسالة نشرها السمعانيّ في المكتبة الشرقيَّة ( BO, I, 364-79 ). وكذلك ليعقوب الرهاوي فيهم ميمر نشرهُ الاب بيجان ( Acta Martyrum I. 372-97 ) ثمَّ نشر البولنديُّون أعمالهم في اليونانيَّة عن نسخة قديمة في تاريخ 24 ت1 ( Act. SS. X, Oct. 750-780 ) . ومما يعود فضلهُ إلى الحبشة كنيسة عظيمة كانت عظيمة الحسن وأنفقوا عليها المبالغ الطائلة بنوها في حاضرة ملكهم صنعاء لا تزال حتى اليوم تُرى بقاياها في جامع هذه المدينة وكانوا زيَّنوها بكل أصناف الزينة وضروب الفسيفساء وهي الكنيسة التي عرفها العرب بالقُلَيس وذكروها في تواريخهم ووصفوها في كتبهم فما لبثت أن جذبت إليها الجماهير المجمهرة حتى نسي الوثنيون قصر غمدان القريب منها وأصنامه الصابئيَّة . وكما فعلوا في صنعاء أقاموا أيضًا في ظفار كنيسة أخرى جليلة كانت آيةً في الحسن والجمال. وكان المتولّى تدبير هذه الكنيسة أسقف شهير يدعى جرجنسيوس اتَّخذهُ ملك الحبشة كمستشارهِ ومساعدهِ لتنصير الحميريين وفي مدَّة ولاية الحبش على اليمن رحل إلى الهند قسما الرحَّالة (Cosmas Indicopleustes) نحو السنة 535 فعدَّد ما وجدهُ من الكنائس في طريقهِ وانتشار النصرانيَّة في أواسط الشرق وأقاصيهِ وقد خصَّ بينها بلاد اليمن حيث قال ما تعريبهُ : " انك حيثما سرتَ تجدْ كنائس للنصارى وأساقفة وشهداء وسيَّاحًا حتى بين أهل عربيَّة السعيدة الذين يُدْعَون بالحميريين كما في كلّ العرب أيضًا وبين النبط وبني جرم " .
المسيحية في عُمَان في التواريخ الكلدانيَّة أسماء أساقفة كانوا في عمان منذ القرن الخامس ونبَّه إليهِ ياقوت في معجم البلدان ( 4 : 521 ) فممَّن ذكروهُ يوحنان سنة 424 وداود (544) وشمويل (576) واسطفان (676) . وفي جملة الرسائل التي بعث بها رسول الإسلام إلى الملوك رسالة وجَّهها إلى ملك عُمَان المسمَّى جَيْفر بن الجلندى من ازد عمان كان مسيحياً هو وأخوهُ عبَّاد ويقال عَبْد وعُبَيْد. فمسيحية الملك تشير إلى مسيحية البلاد الخاضعة لهُ . وكان في عمان أديرة يشير إليها صاحب الأغاني. وجاء في تاريخ ابن الأثير 1 : 234 انَّ قيس بن زهير " لمَّا تنصر ساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهَّب بها " . المسيحية في البحرين كان للنساطرة في بلاد البحرين أساقفة وخصوصًا في قطَر وهم يسمُّونها بيت قطرايا وقد ذكروا في مجمعهم الذي عقدهُ سنة 585 الجاثليقُ يشوعياب أهل البحرين المتنصرين ويأمرونهم بالكفّ عن الشغل يوم الأحد ان أمكنهم الأمر وإلا أعفوهم من ذلك لأجل الضرورة. وقد ثبت هؤلاء على دينهم بعد الإسلام كما يظهر من جمع آخر نسطوري عُقد سنة 57 هـ ( 676 م ) دبَّر فيهِ الآباء عدَّة أمور دينيَّة. ومنهُ يظهر أن بلاد البحرين كانت حافلة بالكنائس والأديرة ودُعاة الدين وكان إذ ذاك على قطَر أسقف اسمهُ توما . وكان لقصبة بلاد البحرين وهي هَجَر اسقف يُدعى اسحاق ذُكر في مجمع النساطرة سنة 576 ثم ورد ذكر اسقف آخر يُدعى فوسي سنة 676 . المسيحية في اليمامة كان معظم سكَّان اليمامة قبل الإسلام بني حنيفة ممَّن يشهد الكتبة المسلمون على نصرانيَّتهم (1 وكان يملك عليهم قبل ظهور الإسلام بقليل هوذة بن عليّ الذي كان أسر قومًا من بني تميم ثمَّ أطلقهم يوم عيد الفصح كما ذكر ابن الأثير في تاريخهِ فقال الأعشى يمدحهُ لفعلهِ : بهم يقرِّبُ يومَ الفصح ضاحيةً يرجو الإلهَ بما أسدى وما صنعا وممَّا يدلُّ على تنصر اليمامة مقاومة أهلها للمسلمين تحت قيادة مسيلمة الذي سموه بالكذَّاب وكان مسيحياً هو وسجاح التغلبيَّة امرأَتهُ. وقيل انَّ أمر مسيلمة المذكور قد تفاقم حتى خاف المسلمون فتنتهُ وكان يتلو قرآنًا كرسول المسلمين ذكرهُ عبد المسيح الكندي في ردّهِ على الهاشميّ ( ص 87 من طبعة اكسفرد ) فدخل عليهِ قوم من المسلمين ليلاً واغتالوهُ .
المسيحية في الجزيرة انَّ أوَّل دليل على انتشارالمسيحية بين عرب الجزيرة ما أصاب هذا الدين من الانتشار السريع الغريب فيما بين النهرين كما تصرّح بهِ كل الآثار التاريخيَّة والكتابيَّة والبنائية كالكنائس الباقية إلى يومنا وتواريخها بين القرنين الرابع والخامس للمسيح وكأديرة الرهبان. والشواهد المروية هناك عن الرسل وتلاميذهم تصحُّ في عرب الجزيرة. ومثلها أقوال المؤرخين في بشارة الرسول برتلماوس للعرب. وكذلك ورد في السنكسارات القديمة وفي خطط المقريزي أن يهوذا الرسول المعروف بتداوس كرز في سوريَّة والجزيرة . وفي الرها كانت الترجمة الأولى للكتب المقدَّسة إلى السريانيَّة وهي الترجمة المعروفة بالبسيطة في أواخر القرن الأوَّل للمسيح أو أوائل الثاني وهناك تولى طاطيانوس تلميذ القديس يوستينوس الفيلسوف الشهيد في القسم الثاني من القرن الثاني تنسيق الأناجيل الأربعة برواية واحدة تعرف بالدياطاسارون . وهناك عُقد مَجمعان واحد ذكرهُ اوسابيوس في تاريخهِ ( ك 5 ف 22 ) نحو سنة 151 للمسيح التأم فيهِ 19 أسقفًا للنظر في أمر الفصح وتعيين يومهِ (4. والآخر عُقد بعدهُ بزمن قليل للفحص عن أقوال بعض المبتدعين كتاودوطس وابيون وارتيمون حضرهُ 14 أسقفًا . ويكفى عدد هؤلاء الأساقفة دليلاً على انتشار الدين المسيحي في زمن قريب من رسل الربّ مما يؤيد ما جاء في تقاليد كنائس الجزيرة عن أسماء عدَّة أساقفة رعوا المؤمنين قبل القرن الرابع في مدن عديدة كنصيبين وبازبدى ( جزيرة بني عمر ) وآمد والرقة وهلمَّ جرَّا . الرهبنة في الجزيرة العربية كان منشئ العيشة الرهبانيَّة في الجزيرة القديس اوﮔين من تلامذة القديس انطونيوس الكبير. وقد أجمع المؤرخون الكلدان والسريان انهُ قدم من مصر في العشر الثاني من القرن الرابع وسكن في جبل نصيبين المسمَّى جبل الإِزْل وبشَّر بالإيمان في نصيبين وعمَّد عاملها وأولاده وطاف بلاد قردى وبازبدى وجهات نصيبين حيث كانت قبائل العرب وتلمذ الناس وبنى الأديرة منها دير الزعفران مقام بطاركة اليعاقبة في يومنا وهو قرب ماردين وتتلمذ لهُ عدد من الرهبان. وكانت وفاة مار اوﮔين في نصيبين . ويؤيد شهادة السريان المؤرخ اليوناني المعاصر سوزومان فقال عنهُ أنَّ اوكين وهو دعاهُ اونس ( Aónes ) شابه القديس انطونيوس بنشرهِ المناسك الرهبانيَّة في الجزيرة وفي تخوم العجم . ثم ذكر في جبل سنجار باتَّاوس واوسابيوس وبرجس وكالس وآبا ولعازر الذي سُقّف بعد ذلك على نصيبين وعبد الله وزينون وهليودورس وذكر في حرَّان اوسابيوس الحبيس وبروتوجان الذي تولَّى الأسقفيَّة على حرَّان بعد بيتوس . فهؤلاء كلهم أو أكثرهم اختلطوا بعرب الجزيرة ونصَّروهم ودعوهم إلى الدين المسيحي. وكانت سيرتهم تؤثر في أهل البادية فكانوا يقصدونهم ويلتمسون صلواتهم لشفاء أمراضهم فينالون غالبًا ملتمسهم فيعتمدون. وذلك منذ القرن الرابع كما تشهد عليهِ نصوص المؤرخين حتى أمكن السمعاني أن يقول في مكتبتهِ الشرقيَّة ( 4 : 598 ) : إن العرب الذين كانوا يسكنون في الجزيرة ونواحي الكلدان والخليج العجمي عدلوا إلى الدين المسيحي قبل السنة 320 للمسيح بهمة أساقفة الرها والمدائن والرهبان المنتشرين بينهم قال ابن قتيبة : (( وكان النصرانيَّة في ربيعة )) . وقال ابن برهان الدين الحلبي : (( ومن قبائل العرب المتنصِّرة بكر وتغلب ولخم وبهراء وجذام )) . وبقيت بعض هذه القبائل على نصرانيّتها زمنًا طويلاً بعد الإسلام بل ربما ذكروا أساقفة لبني مَعدّ وتنوخ وعقيل . وكان مسيحيو غربيّ الجزيرة يتردَّدون إلى مشهد القديس سرجيوس أو سرجيس الشهيد في الرُّصافة ( Sergiopolis ) ويعظمونهُ وكانت صورتهُ مع الصليب على راياتهم الحربيَّة. قال الأخطل : لمَّا رأَونا والصليب طالعـا ومار سرجيسٍ وموتـًا ناقعا وابصروا راياتنـا لوامعـا خلـَّوا لنا راذان والمزارعا وقال جرير : فبالصليب ومار سرجِس تتقي شهباءُ ذات مناكبٍ جمهورا
الآثار الأدبية للمسيحيين العرب 1 – لفظ الجلالة " الله " :- يظن الكثيرون أن لفظ الجلالة " الله " هو لفظ عربي خالص وأنَّهُ مركَّب من لفظة إله مسبوقة بأل التعريف كأنَّهُ (( الإله )) اختصروه بالله. أمَّا علماء اللغات الساميَّة فيجمعون على أن هذا الاسم مشتق من أصل آراميّ ( ايل ) مفخَّم بزيادة الهاء فجاء في الكلدانيَّة والسريانيَّة على صورة آلَهَا فقالوا بالعربيَّة الله بلام أصليَّة مفخَّمة . وقد ورد اسم " الله " في الكتابات النبطيَّة والصفويَّة فالنبطيَّة ذكرتهُ منسوبًا إليهِ كزيد الله وعبد الله وتيم الله وورد في الكتابات الصفويَّة منفردًا. ولمَّا كانت المسيحية دخلت بلاد العرب خصوصًا من جهات الشام وتمكَّنت بين أحياء النبط أطلقوا اسم الله في لهجتهم على الإله الحقّ كما شاع بين طوائف السريان ونقلوهُ في أسفار العهدَيْن القديم والحديث منذ أوائل القرن الثاني للمسيح . وفي شعر زيد بن عمرو بن نفيل – وهو نصراني – ذكر لفظ الله، وكذا في شعر الأعشى فيقول : وذا النُّصُب المَنْصوبِ لا تَسْكنَّنهُ ولا تَعْبدِ الأوثان والله فاعبـدا وكذا في شعر أمية بن أبي الصلت، وأوس بن حجر، وكلهم قبل الإسلام، وكلهم قال أغلب المؤرخين بتنصرهم 2- أسماء الله الحسنى :- فعن وحدانية الله يقول ورقة بن نوفل : سبحانَ ذي العرش سبحانًا يعادلهُ ربُّ البريَّة فردٌ واحدٌ صَمَدُ مسخَّر كلُّ ما تحت السماء لـهُ لا ينبغي أن يُناوي ملكَهُ احدُ وزيد بن عمرو يصفه بالباقي : وان يكُ شيء خالـدًا ومعمّرًا تأمَّلْ تجدْ من فوقـهِ اللهَ باقيا وغيرهم الكثير من الشعراء الذين شهد المؤرخون من العرب وغيرهم بأنهم تنصروا ذكروا أسماء الله الحسنى وصفاته في شعرهم مثل " قس بن ساعدة " وعدي بن زيد وأعشى قيس وزهير بن أبي سُلْمَى فكانوا معلمين ملهمين للعرب في زمانهم ومن جاء بعدهم. 3 – وصف السماء والجنة والنار :- يقول أمية بن أبي الصلت عن الجنة : ربّي لا تحرمنَّني جنَّةَ الخُلْد م وكن ربّي بي روؤفًا حفيًّا ويقول النابغة : فسلامُ الإله يغدو عليهم وفيُوءُ الفردوس ذات الظلالِ وأما ابن أبي الصلت فيقول عن النعيم : وحلَّ المتَّقون بدارِ صدقٍ وعيشٍ ناعم تحت الظلالِ لهم ما يشتهون وما تمنَّوا من الأفراح فيها والكمالِ 4 – ذكر الملائكة برتبهم وأسمائهم :- يقول أمية بن أبي الصلت : أمين لوحي القدس جبريل فيهم وميكال ذو الروح القوي المسددُ وحراس أبواب السماواتِ دونهمُ قيامٌ عليها بالمقاليدِ رُصَدُ ويذكر ورقة بن نوفل الملاك ميخائيل ويسميه ميكال :- وجبريلُ يـأتيهِ وميكالُ معهما من الله وحيٌ يشرح الصدرَ مُنزَلُ كما ذكروا الدينونة والحساب والقيامة وحشر الناس فهذه الأوصاف كلها لا تُرى في غير الأسفار المقدسة التي كانت في أيدي المسيحيين فأخذها عنهم شعراء العرب قبل الإسلام. وهناك قصيدة لابن أبي الصلت ذكر فيها انتظار البشر ليوم الدينونة وظهور المسيح ليدين العالم فيقول والناس راث عليهم أمر ساعتهم فكلهم قائل للدين أيانا أيام يلقى نصاراهم مسيحهم والكائنين له وداً وقرباناً 5 –الكعبة والمحراب والمنارة والسجود :- وغيرها من الألفاظ التي استخدمها الإسلام، ولكنها كانت منتشرة بين عرب الجاهلية؛ لاسيما بين المسيحيين منهم وكانوا يستخدمونها للدلالة على عباداتهم . فالكعبة أصلها الغرفة المكعَّبة ككعبة مكَّة. وقد استعملها أيضًا المسيحيون للدلالة على كنائسهم في الجاهليَّة مثل كنيسة نجران، وكانت تُدْعى كعبة نجران . يقول الأعشى عنها : وكعبةُ نجران حتمٌ عليكِ حتى تُناخِي بأبوابها والمحراب . يقصد به المسلمون مطلق المسجد، وقبلهم المسيحيون سموا صدر كنائسهم بالمحراب . يقول عدي بن زيد : كدُمى العاج في المحارب اوكا م لَبْيض في الروض زهرُهُ مستنيرُ والمنارة :- وهي لفظة مسيحية لاشك، يقول امرؤ القيس في معلقته : تُضيءُ الظلامَ بالعشاءِ كأنّهـا منارَةُ مُمْسَى راهبٍ متبتـّل وقد تأخر استخدام المسلمين للمنارة حتى أدخلها معاوية بن أبي سفيان ، وسميت بعد ذلك بالمئذنة لصعود المؤذن لها وقت الصلاة للأذان . والسجود : - قال المضرّس الاسديّ :- وسخالِ ساجيةِ العيون خواذلٍ بجمادِ لينةَ كالنصارى السُّجَّدِ والوحي :- يقول أمية بن أبي الصلت النصراني : وسبطٌ صفوفٌ ينظرون قضاءَهُ يصيخون بالاسماع للوَحْي رُكَّدُ أمينٌ لوحي القدسِ جبريلُ فيهمِ وميكالُ ذو الروحِ القويّ المسدّدُ والمصحف :- يقول امرؤ القيس :- وَرَسْمٍ عَفتْ آياتُه مُنذُ أزْمَانِ قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان كخطٍّ زبور في مصاحف رهبان أتت حججٌ بعدي عليها فأصبحت
6 – التوراة والزبور والإنجيل : وهي ألفاظ عرفها الجاهليون من العرب النصارى . يقول عدي بن زيد : وأُوتيا المُلـْكَ والإِنجيلَ نقرأُهُ نشفي بحكمتهِ أَحْلاَمنا عَلَلا من غير ما حاجةٍ الاَّ ليجعَلَنا فوق البريَّة أربابًا كما فعلا 7 - كما ذكروا موسى وداود والسيّد المسيح مع ذكرهم لإنجيلهِ وهم يدعونهُ ( عيسى ) :- يقول السموءَل : وفي آخر الأيَّام جـاء مسيحُنا فأَهدى بني الدنيا سلامَ التكامُلِ
قصص الكتاب في شعر المسيحيين العرب 1 – قصة الخلق :- يقول زيد بن نوفل : وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا دحاها فلما رآها استوت على الماء أرسى عليها الجبالا قال الجاحظ في كتاب الحيوان : " سأنشدك لعديّ بن زيد وكان نصرانيًّا ديَّانًا وترجمانًا وصاحب كتاب ومن دهاة ذلك الدهر قال يذكر شأن آدم.. " : قضى لستة أيامٍ خلائقه وكان آخرها أن صور الرجلا دعاه آدم فاستجاب له بنفخة الروح في الجسم الذي جبلا أما أمية بن أبي الصلت فيقول : كيف الجحود وإنما خُلِق الفتى من طين صلصال له فخارُ 2 – سقوط آدم : يقول عدي بن زيد : فكانت الحية الرقشاء إذ خلقت ... كما ترى ناقة في الخلق أو جملا فعمدا للتي عن أكلها نهيا ... بأمر حواء لم تأخذ له الدغلا كلاهما خاط إذ بزا لبوسهما ... من ورق التين ثوبا لم يكن غزلا أما أمية بن أبي الصلت فيقول : والحيَّة الحتفةُ الرقشاءُ أخرجها ... من بيتها أمناتُ الله والكلمُ إذا دعا باسمه الإنسانُ أو سمعتْ ... ذات الإله يرى في سعيها زرمُ 3 – قصة الطوفان :- يقول أمية بن أبي الصلت : كَرَحمَةِ نُوحٍ يَومَ حَلَّ سَفينةً لِشيعَتِهِ كَانوا جَميعاً ثَمانِيا فَلَمّا اِستَنارَ اللَهُ تَنُّورَ أَرضِهِ فَفارَ وَكانَ الماءُ في الأَرضِ ساحيا تَرَّفَعُ في جَريٍ كَأَنَ أَطِيطَهُ صَرِيفَ مُحالٍ يَستَعيدُ الدَوالِيا
وأمية يذكر أمر الغراب والحمامة اللذين أرسلهما نوح ففرَّ الغراب وعادت الحمامة بغض الزيتون فقال بآية قام ينطق كل شيء ... وخان أمانة الديك الغراب وأرسلت الحمامة بعد سبع ... تدل على المهالك لا تهاب تلمس هل ترى في الأرض عينا ... وعائنة بها الماء العباب 4 – ذكر إبراهيم النبي وابنه إسحاق يسميه ورقة بن نوفل " خليل الله " : فأَصبحتَ في دارٍ كريمٍ مقامُها تُمَلـَّلُ فيهـا بالكرامـة لاهيـا تـُلاقي خليلَ الله فيها ولم تَكُنْ من الناس جبَّارًا إلى النار هاويا ويتكلم أمية بن أبي الصلت عن تقديم إبراهيم لابنه ذبيحة فيقول : فأَجـاب الغلامُ أَن قـال فيهِ كلُّ شيء لله غيـر انتحال أبتي انَّـني جزيتـُكَ باللــَّهِ تقيـًّا بـهِ على كل حالِ فاقضِ ما قد نذرتَ لله واكفُفْ عن دَمي أَن يَمَسَّهُ سِرْبالي إلى أن يصل لفداء الله لإسحاق فيقول : بينمـا يَخْلعُ السرابيلَ عنـهُ فكّـَهُ ربّـُهُ بكبشٍ جُـلال قال خُذْهُ وأَرْسِلِ ابنـك إني للذي قد فعلتُما غيـرُ قـالِ أما السموءل فهو يذكر القصة اختصاراً : فهذا خليلٌ صيّر الناسَ حولهُ رياحينَ جنَّات الغصونِ الذوابلِ وهذا ذبيحٌ قد فداهُ بكَبْشه يراهُ بديهـًا لا نِتـاجَ الثياتـلِ 5 – قصة سدوم وعمورة : قال أميَّة بن أبي الصلت يذكر فجور أهل سدوم وعمورة وهلاكهم ثمَّ لوطٌ أخو سدومٍ أتاها إذ أَتاها برُشْدها وهـُداها راودُوهُ عن ضيفهِ ثمَّ قالـوا قد نهيناك أن تـُقيم قراها حتى وصل إلى قوله : أَرْسلَ الله عند ذاك عذابـًا جعَلَ الأَرضَ سُفْلها أَعلاها ورماها بحاصبٍ ثـمَّ طينٍ ذي جروفٍ مُسَوَّمٍ إذ رماها 6 – ذكر يعقوب وابنه يوسف : يقول السموءل :- وهـذا رئيسٌ مجتبىً ثمَّ صَفْـوُهُ وسمَّاهُ اسرائيلَ بَكـْرِ الأوائـلِ ومن نسلهِ السامي أبو الفضلِ يوسف الـذي اشبع الاسباط قَمْح السنابلِ 7 – موسى الكليم : - في قصيدة طويلة لزيد بن عمرو يذكر قصة موسى : رضيتُ بكَ اللـَّهمَّ ربّـًا فلن أُرَى أَديـنُ الهـًا غيرَكَ الله ثانيـًا وانتَ الذي من فَضْل منٍّ ورحمةٍ بعثـتَ إلى موسى رسولاً مناديـا وقُلْتَ لهُ فـاذهب وهـارونَ فادعُوَا إلى الله فِرْعَـوْنَ الـذي كان طاغيـا أما الأعشى فيذكر أكل بني إسرائيل المنَّ والسلوى في البريّة فيقول : لو أُطعموا المنَّ والسلوى مكانَهُمُ ما أبصرَ الناس طُعْمًا فيهمِ نَجَعا 8 – داود النبي والملك :- يتفرد السموءَل عن شعراء الجاهليين بالإشارة إلى قَتْل داود لجُلْيات وهو يدعوهُ جالوت فيقول : ومُصاب الافْريس حين عَصَى اللهَ وإذ صابَ حَيْنَهُ الجالوتُ وفي القرآن " وقتل داود جالوت " .وقد أكثروا من ذكر داُود ونسجهِ للدروع فيقول طرفة : وهُمُ ما هُمْ إذا ما لَبِسوا نَسْجَ داؤودَ لبأْسٍ مُحْتَضِرْ 9 – سليمان الملك وملكه :- وللأعشى أيضًا في سليمان وسعة ملكهِ وتسخيرهِ للجنّ : فلو كان حيـًّا خالـدًا ومعمـّرًا لكان سليمانُ البريءُ من الدهرِ وسخَّر من جنّ الملائك شيعةً قيامًا لـديهِ يعملون بلا أَجـرِ وأميَّة بن أبي الصلت يذكر أيضاً قهر سليمان للجنّ: أيما شاطِنٍ عصاهُ عكاهُ ثمَّ يُلقَى في السجن والأَغلالِ 10 – يونان النبي : - يدعونهُ يونس ويشيرون إلى قصَّتهِ وبعثتهِ إلى أهل نينوى فيذكرون ابتلاع الحوت لهُ. قال أميَّة بن أبي الصلت: وأنت بفضلٍ منك نجَّيتَ يونسًا وقد بات في أَضعاف حوت لياليا رسولاً لهم واللهُ يُحكم أمره يُبين لهم هـل يؤْنِسُ التربُ باديـا وقد أورد الأب لويس شيخو في كتابه " النصرانية وآدابها " أنه وجد في بعض مخطوطات باريس العربيَّة كتاب تاريخ الحيوان والنبات والجماد ، وفيه بيت لأميَّة يذكر فيهِ اليقطينة التي أنبتها الله ليستظلّ تحتها وأيبستها الشمس فأَنْبَت يقطينًا عليهِ برحمةٍ من الله لولا اللهُ أَبَقِي صاحيا 11 – ذكر السيد المسيح والقديسة العذراء مريم :- يقول السموءل :- وفي آخر الأيَّام جـاءَ مسيحُنا فأَهدي بني الدُنيا سلامَ التكامُلِ وكذلك نسبوهُ إلى أمه مريم كقول عمرو بن عبد الحق : وما سبَّح الرهبانُ في كلّ هيكلٍ ابيل الابيلين المسيح ابن مريما ومثلها ما رووهُ من المعجزات عن يسوع الطفل كتكلّمهِ في المهد وكآياتهِ في هربهِ إلى مصر من وجه هيرودوس وفي حياتهِ في الناصرة كانحناء أغصان النخل أمام أمه لتجني من تَمْرها وكنبات البلسان في المطَريَّة لمَّا سقَت أرضها بماء غسلهِ وكإِفحام يسوع لأستاذهِ في الناصرة وكنفخهِ في طير يصطنعهُ من طين فيحيا ويطير وغيرها مما ورد في الأناجيل الموضوعة التي شاعت في جزيرة العرب ومنها إنجيل الطفوليَّة فتناقلها أهل الجاهليَّة ورُوي بعضها في القرآن في سورٍ كآل عمران والنساء ومريم .
12 – الأعياد المسيحية :- وقد علموا أعياداً مسيحية كعيد دخول السيد المسيح لأورشليم يوم الشعانين وكعشائهِ السرّي في خميس العهد ورسمهِ لسر العشاء الرباني وآلامهِ وصليبهِ وموتهِ وان اختلطت في أقوالهم شُبُهات نقلوها عن الكتب الأبوكريفية وقد ذكر ابن الأثير ما يبين معرفتهم بسر التناول ولكن الأمر اختلط عليهم فظنوا أن قبيلة " حنيفة " يأكلون صنماً من عجين، ومما هو مسلم به تنصر قبيلة حنيفة، فقال أحدهم يهجوهم : أكلت حنيـفة ربـَّها زمن التقحّـُم والمجاعة لم يحذروا من ربّهـم سوء العقوبة والتبـاعَهْ وعلموا بقيامة المسيح وابتهاج المسيحيين فيهِ بعد الصوم الاربعيني .فقال الأعشى ففكَّ عن مئَةٍ منهم إِسارَهـمُ واصبحوا كلـُّهم من غُلـِّهِ خُلعا بهم تقرَّب يوم الفصحِ ضاحيةً يرجو الإلهَ بما أسدى وما صنعا 13 – ذكر بطرس وبولس : - علم عرب الجاهلية بكرازة رسل المسيح في العالم . أما مفسرو القرآن فيقولون صراحة اسمي بطرس وبولس " انَّ ما ورد في سورة يس عن مُرسَلَيْن أُرسلا إلى قرية ليدعوَا أهلها إلى نفي عبادة الأصنام والإيمان بالله انَّما يشير إلى حواريَّيْن وهما شمعون الصفا هامة الرسل وبولس الرسول قدما إلى انطاكية ليردَّا أهلها فقبل دعوتهم رجلٌ يدعونهُ حبيبًا النجَّار قُتل شهيدًا عن إيمانه وعاقب الله قاتليهِ " . 14 – أهل مغارة أفسس السبعة :- وهم السبعة الذين أراد الملك دقيوس في أواسط القرن الثالث للمسيح أن يبخروا للأوثان فهربوا من وجهه واختفوا في مغارةٍ وقيل إن الله ضرب على آذانهم فناموا ولم يستيقظوا إلا بعد سنين طويلة مرَّت عليهم كليلةٍ فبعثهم الله ليكونوا آيةً لقيامة الموتى، وتوجد تلك القصة في عدة بلاد وروتها مجاميع أخبار القديسين وقد بلغت عرب الجاهليَّة فدعوهم بأصحاب الكهف إشارةً إلى الكهف الذي رقدوا فيهِ . وقد ذكرهم أميَّة بن أبي الصلت في بيت استشهد بهِ البيضاوي في تفسيره للقرآن ص 555 وليس بهـا الاَّ الرقيمُ مجاورًا وصَيْدَهُمُ والقومُ في الكهف هُجـَّدُ 15 – شهداء نجران :- وهي قصة معروفة في السنكسار الكنسي، وقد قتلهم ذو نواس الملك اليهودي على اليمن بإحراقهم ، وقد ذكر القرآن القصة في سورة البروج ، وفي تفسير ابن كثير للسورة ذكر للقصة كاملة كما في مصادرنا الكنسية .
#محمد_وجدي (هاشتاغ)
Mohamed_Wagdy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة سريعة حول المسألة السنية الشيعية
-
تخاريف - 3
-
رسول الهوى - شعر
-
اصحى لحلمك - شعر عامية
-
قطعتان من روحي لها - شعر
-
فتح العزيز المنان في سيرة سيد ولد عدنان - بادئة
-
ولا ... أتأخر - شعر
-
مهرج ( ميكس عامية وفصحى )
-
حياتي و ... أكبر
-
تخاريف - 2
-
إني الذي
-
تغيبين عني
-
الحرية ضالة المؤمن
-
أباطيل يجب أن لا تُصَدَق - الإسراء والمعراج كمثال
-
أباطيل يجب أن لا تُصَدَق - إنشقاق القمر كمثال
-
قضايا مصرية - المُسْتَضْعَفون - المتنصرون وحق تغيير العقيدة
-
لما هموت - شعر عامية
-
إيه هيفكركوا بيه ؟ - شعر عامية
-
إعادة النظر في حكم الإعدام على شباب بورسعيد ال 11
-
قراءة في طقس الحج في جزيرة العرب قبل الإسلام
المزيد.....
-
-أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س
...
-
فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر
...
-
الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
-
تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
-
مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن
...
-
-فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات
...
-
مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني
...
-
بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب
...
-
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
-
كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|