|
إعتماد [ الجزء الثاني ]
عبدالرحمن حسن الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 6307 - 2019 / 8 / 1 - 10:08
المحور:
الادب والفن
ما أحلى تلك الفتاة وما أحلى هذا الفتى في سنين عمريهما هذه.بعد أيام قليلة قضيتها في زيارة بقية معالم المدينة وريفها الجميل عدت لباريس ومعي آلتي الموسيقية الجديدة. مرت الشهور والسنين تباعاً حتى جاء يوم لفت انتباهي فيه أعلان ملون وصغير في جريدة باريسية عن معرض للصناعات الحرفية الأيغورية فذهبت إليه في أول يوم الأفتتاح وكان عدد الزوار لا يتجاوز أصابع اليد مع العلم أنه كان مكتضا بالمعروضات الغريبة والجميلة.تجولت في ردهات المعرض ما بين سجاد وأنسجة حريرية ومصنوعات جلدية ونحاسية حتى وصلت أمام معرض الآلات الموسيقية التقليدية وفيه بائعة عرفتها من أول نظرة إنها إعتماد القشغرية وقفت أمامها مذهولا فلقد إزدادت جمالاً على جمال وهي اليوم أكثر سحراً واغراءا منها بالأمس.نظرتني بالبدء بإستغراب ثم ما لبثت أن عرفتني هي الأخرى فازدان وجهها بابتسامة عريضة فخرجت بسرعة من خلف الطاولة وألقت بنفسها علي دون وازع تقبلني على الوجنتين ورائحة عطرها الدافئ تتغلغل في تلافيف غددي الصماء فتنطقها. ياللفرحة إعتماد هنا في باريس. حدثتني قائلة ان أبيها هو من شجعها للمجيئ بمصنوعاته للعرض هنا وهي فرحة جداً بسفرتها وكم كان والدها يتمنى ان تلتقيني في باريس ليطمأن علي ولكننا لم نكن نعرف عنوانك وها هي الصدفة الغريبة جمعتنا مرةً أخرى.سألتها عن أحوال والدها فأخبرتني أنه مريض وعيونه بالكاد يرى بهما ولديه عامل يقوم بالواجب وانا أيضاً أساعده في طلاء وزخرفة الآلات وتسويقها. قلت وكيف حال الرسائل النغمية؟ فضحكت وقالت نحن سنتزوج قريباً فلقد جائت أم علي جان وأبوه وخطبوني من والدي لأبنهم ووافق أبي وسنتزوج قريباً ان شاء ألله ثم ضحكت وتورد وجهها ثم أسترسلت فرحة، تتحدث عن علي جان كيف أنه مستعجل على عقد القران وأنه كان يريد أن يتم العرس قبل مجيئي لباريس ولكني أخبرته أن عليه أن يتريث لأن التحضير لهذا المعرض وللسفر يتطلب جهداً فوافق شرط أن يتم الأمر مباشرة بعد عودتي من هنا أي بعد ثلاثة أيام فقط من اليوم.لقد أسترعى أنتباهي أثناء حديثها معي وجود زميل لها في المعرض مبالغ في تأنقه وتصنعه، ثقيل دم، يبدو أنه مسؤول الستاند المجاور لها والذي يحوي أنواعا من الصناعة الحرفية الجلدية،كان يأتي بين فينة وأخرى من خلفها ويبشبش في أذنها بكلمات تبتسم لها مجاملة أحيانا وأخرى تضايقها ، وما أن يرى واحداً من الزبائن يقترب من معروضاته حتى يقفز مسرعاً للتهليل والترحيب به بتصنع واضح ,أعتذرت إعتماد عن تصرفاته وحركاته .بعد ذلك تكلمنا عن الموسيقى وتطوير قدراتها قالت نعم، فلقد دخلت معهد الموسيقى التراثية في قاشغر وتخرجت منه وحصلت على دبلوم يمكنني من تدريس الموسيقى والعزف في المدارس الأبتدائية وأريد في المستقبل إكمال دراستي الموسيقية في الكونسرفاتوارالوطني لأحصل على دبلوم أعلى ثم ضحكت بأنشراح وهي تتطلع للمستقبل الذي رسمت خطوطه الوردية بكل صبر وجدية.سلمت عليها وباركت لها جهودها وأستحلفتها أن تنقل تحياتي لوالدها خيري بك ثم رجوتها ان أستضيفها فأعتذرت لأن برنامج الزيارة يحتم تواجدهم في الفندق، اذ أنهم يأخذوننا بباص خصوصي مباشرة بعد انتهاء العرض .أخيرا ودعتها وعدت لحال سبيلي.بعد سنتين من هذا اللقاء مع أعتماد وفي يوم شتوي كنت أمشى فيه في الحي الصيني بباريس في الدائرة الثالثة عشرذاهباً لشراء بعض المواد الغذائية الصينية المنشأ لفت إنتباهي قطعة على واجهة مطعم صيني صغير مكتوبة بالعربية والفرنسية فأقتربت لأرى مامكتوب ففهمت أنه مطعم صيني يقدم وجبات أيغورية، فهم يكتبون لغتهم بأبجدية عربية، فقلت في نفسي وألله صدفة جميلة أن يكون هنا مطعم أيغوري،ثم أن ساعة الظهيرة تعدت والبرد قارص وعصافير بطني تزقزق فلندخل إذن ونأكل وجبة أيغورية دسمة ثم أقوم بشراء حاجياتي فيما بعد. دخلت وكان المطعم غاصاً بالزبائن من محليين وصينيين وتملؤه الروائح الشهية فقادني النادل الى طاولة صغيرة بكرسي واحد في نهاية الصالة قرب المطبخ وقال معتذرا, ضاحكا بلكنة صينية آسف للمكان ولكن أنت محظوظ فلم يبقى الا هذه الطاولة فالزبائن بالزوج وأنت فرد أحد تفضل ثم ناولني قائمة المأكولات فقلت له لاداعي للقائمة ولكني سأطلب منك عدة أشياء أرجو أن تكون متوفرة عندكم فأن تعذر ذلك عدنا للقائمة قال تفضل قلت أريد منك كاسة حساء الخوبلمة... قال موجود قلت وصحفة من اللغمن... قال موجود أيضا قلت وسلاطة أيغورية وشيئ من حلوياتهم وخبزاً أيغورياً... قال كل ما طلبته موجود ولكن أخبرني بألله عليك من أين عرفت كل هذا فضحكت وقلت هذا ليس وقت كلام أنها حكاية قديمة والوقت الآن وقت طعام وكل ما أرجوه منك هو أن تأتيني بكل طلباتي مرةً واحدةً فإنى أهوى رؤية المائدة العامرة وأكره الأكل بالتقسيط فضحك وقال حباً وكرامة ثم أتجه للكوة القريبة مني والتي تطل على المطبخ وصرخ بالصينية أسماء الطلبات ثم عاد وقال لي طلبك ملوكي وسيتم اعداده وعليك أن تتحلى بالصبر.بعد حوالي النصف ساعة من الأنتظار القاسي جاء النادل يحمل صينية كبيرة فيها كل طلباتي، للوهلة الأولى لم أصدق عيناي أنه نفس طبق اللغمن من حيث الترتيب وتنسيق الصحفة ونفس طريقة تقطيع وتنسيق سلاطة الخيار والطماطم والزيتون... ونفس شكل الحساء ولم يبق سوى تذوق كل طبق وهنا كانت المفاجئة أكبر، فمذاق كل طبق هو نفسه الذي علق بذاكرة لساني فوقفت وناديت النادل بعالي صوتي، فجاء ممتقع اللون فقلت له من قام بإعداد هذين الطبقين؟ ففغر فاهه وقال هل وجدت فيهما شيئا مكروها ياسيدي؟ قلت، قل لي من طبخ الصحفتين فذهب مسرعاً ليخبر مدير المطعم وعاد مع الأخير يحاول تهدئتي فقلت له، أنا لست غاضباً وكل الذي أريد أن أعرفه هو من هو الطباخ الذي جهز طعامي لأهنئه ففرح المدير وقال تفضل لتراه أنها طباختنا المفضلة ثم أخذ يدي ووضعني أمام الكوة التي منها يأخذ النادل طلبات الزبائن.وكم كانت دهشتي كبيرة أنها إعتماد هي بعينها تدور ما بين قدور الطبخ وأبخرتها وقد لفت شعرها بمنديل لا لون له في ذلك المطبخ الضيق.تسمرت في مكاني وكادت الدموع تنهمرمن عيني لما رأيتها بتلك الحالة المزرية فناديت وكأني لم أصدق عيوني ودون شعور مني... إعتماد...أهذه أنتي؟ فوجئت الفتاة لما سمعت ُأسمها وأقتربت من الكوة فتأكدت أنها هي على الرغم من هزالها وشحوب وجهها والحزن المخيم عليه،ولا أعرف إن كانت عرفتني هي أيضا أم لا، فواصلت بصوت خافت...إعتماد عزيزتي...هل عرفتيني؟..أنا عبدالرحمن ضيفكم البغدادي.. أسمعيني جيدا يجب أن أكلمك سانتظرك على الباب في الساعة الثالثة بعد الظهر عسى أن تجدي فرصة فأومئت برأسها بالأيجاب ما بين بسمة شفاه مرتعشة ودمعة عين راحت تجري على خدها.في الساعة الثالثة بعد الظهر كنت أقف أمام باب المطعم فخرجت إعتماد بفستان أسود ومن دون كلام قفزت تقبلني على وجنتي ونامت على كتفي تحضنني وتغص بكاءا ودموعها تجري غزيرة لاتستطيع كفافها، أخذت يدها المرتعشة وذهبنا الى المقهى القريب وهناك روت لي قصتها وكيف غرر بها ذلك الشاب الذي رأيته معها في المعرض وكيف أقنعها بعدم جدوى العودة لبلدهم وكيف جمل لها الحياة في باريس معه وكيف أنهم سيعيشوا سعداء طلقاء يودعون حياة التقاليد والضنك ليفتحوا الباب واسعاً لحياة الرفاهية والمتعة وكيف أنها ستستطيع أن تدرس الموسيقى في أرقى المعاهد وتتعرف على أقدر وأشهر الموسيقيين في العالم ومن ثم تصبح هي نفسها مشهورة وووو....فكتبت لوالدها تخبره بأنها لن تعود وأنها ستبقى في فرنسا وتتزوج من زميلها في المعرض.ولكن زميلها هذا لم يفي بوعوده فبعد أشهر من عيشهما سويةً ونفاذ نقودهما تعرف على أمرأة أمريكية غنية طار معها وتركها لوحدها في دار الغربة لا تعرف فيها أحداً ولا تتكلم لغة أهل البلد، ولولا رعاية ألله الذي هداها الى هذا المطعم الذي قبل أن يوضفها كطباخة فيه بعد أن أختبرها وعرف مهاراتها في هذا الفن، فلولا ذلك لماتت جوعاً وتشرداً.قلت الحمد لله الذي جعلني ألقاك مرة أخرى والآن ماذا ستفعلين هل ستبقين هكذا وفي عملك هذا الذي سيفني شبابك ويقضي على مستقبلك؟ قالت وما العمل؟فأنا لاأستطيع العودة، فأبي مات حسرةً وألماً وأنا فقدت خطيبي علي جان ولعله تزوج الآن وأنا أخجل أن أعود مرة ثانية بعد الذي جرى.قلت أعطيني وقتا لأفكر وأبقي في عملك الآن وسأعود لأتصل بك بعد أسبوع من الآن وهذا عنواني ورقم تلفوني اذا أحتجت لشيئ ما ولكن قبل أن أقول لك الى اللقاء أرجو منك أن تعطيني عنوان داركم في قاشغر بالكامل فأعطتني أياه, ثم أخرجت من محفظتي مبلغا من المال حلفت عليها أن تأخذه بأنتظار الموعد فرفضت أخذه وشكرتني وقالت الحمد لله فلقد رزقني من فضله ولدي ما يكفيني لنهاية الشهر. ودعتها وأنصرفت بعد أن حددنا موعداً بعد أسبوع للقائنا.وفي اليوم التالي أتصلت تلفونيا بصاحب الفندق الذي نزلت فيه في قاشغر من قبل والذي ما أن سمع أسمي تذكرني بسرعة ورحب بي فأخبرته برغبتي في أن أحجزعندهم في التاريخ الفلاني جناحين جناح لي وآخر لأصدقاء لي ولكن قبل ذلك يتوجب عليّ أن أتحقق من موافقة هؤلاء الأصدقاء على موعد الحجز لذا أرجو منكم أن تتصلوا بالشخص المدعو علي جان بكري الذي يسكن زقاق رقم كذا مقابل محل بيع الآلات الموسيقية رقم كذا في المحلة القديمة التي تدعى كذا وأن تخبروه بأن الآنسة إعتماد تريد أن تحدثه في اليوم الفلاني على الساعة الفلانية في استعلامات فندقكم ليكون في أستقبالها عند عودتها في الموعد المحدد لتاريخ الحجز فهل هذا ممكن؟ قال سنبذل جهدنا لتحقيق طلبك وسنبعث موضفاً في الحال للأتصال بالشخص المعني ونعطيكم الجواب تلفونياً هذا المساء.في المساء رن تلفوني وكان المتكلم هو صاحب الفندق الذي أخبرني بفرح ظاهر بأن الشخص المطلوب موجود في عنوانه وهو جاهز بل ومتشوق لموعد المكالمة التلفونية في الفندق في موعدها المحدد.في ألأيام التالية هيأت نفسي من جديد للسفر وبعد أنتهاء فترة الأسبوع ذهبت حسب الموعد الى المطعم الصيني وكانت إعتماد بأنتظاري على أحر من الجمر فقلت لها إبشري وتفائلي خيراً وأستعدي غداً مساءاً في الساعة كذا سآتي لآخذك ونذهب لأقرب تلفون عمومي.وفي مساء اليوم التالي توجهنا الى تلفون عمومي على الرصيف والدهشة والأستغراب لايفارقانها فأدرت قرص التلفون فأجابني صاحب الفندق مرحبا وقال لي بسرعة أن السيد علي جان بجانبه ينتظر المكالمة على صفيح ساخن قلت له أنظر لأصابعه هل يوجد أي خاتم لخطوبة أو زواج؟ أستغرب سؤالي وتلكأ في البداية ثم عاد وقال ليس هناك خواتم اطلاقا قلت له أعطيه إذن سماعة التلفون, فلما جائني صوت الشاب يقول آلو آلو مررت سماعة التلفون الى أعتماد وقلت لها باسماً كلمي خطيبك،فكادت الفتاة تنهار من وقع المفاجئة وأخذت السماعة بيد مرتعشة فجائها صوت علي جان، وبعد تردد بدأت تتكلم بصوت غير مسموع, تارة تمسح دموعها وأخرى تبتسم ثم تكلمت وتكلمت وتكلمت... وأنا واقف بجنبها ألقم جهاز التلفون بالنقد اللازم لحين عادت المياه لمجاريها ولاحظت أنها أصبحت تهاتفه بأريحية تامة والأبتسام لايفارق وجهها الجميل الذي أنكشفت عنه مسحة الحزن،فقلت لها بعد أنتهاء المكالمة هل أنت مقتنعة الآن بالعودة ؟قالت نعم تماما ولكن كيف سأعيش هناك وكيف سأستطيع إسعاده بعد أن جرى لي ما جرى؟ قلت المحب مسامح، وهو قد سامحك والدليل أنه أستجاب لطلبك وجاء ليكلمك وهو من قبل ذلك بقي على عهده لك ولم يتزوج فماذا تطلبين من برهان أو دليل أكبر؟ قالت ولنفرض أننا تزوجنا فكيف سنتدبر أمور رزقنا؟ قلت لاتتعجلي الأمور ولاتحملي هماً وأعتمدي علي فسوف أخبرك بترتيب ذلك في حينه، والآن كل ما عليك فعله هو أن تنهي عقد عملك مع المطعم وتتهيئي للسفر وأمامك ثلاثة أيام لترتبي أمورك فموعد سفرنا بعد أربعة أيام والحجز تم وكل شيئ تحدد. قالت بالنسبة للمطعم ليس لي معهم عقد عمل رسمي وسأخبرهم غدا بالقرار وآخذ ما تبقى لي من مرتب عندهم فأشتري بعض الحاجيات والهدايا، قلت بالنسبة للهدايا فلقد أشتريت لك ولخطيبك هدية زواجكما فتعلقت بعنقي وقبلتني بحرارة وتوادعنا على أن نلتقي أمام مسكنها ونذهب سوية للمطار.وفي اليوم المحدد أخذنا الطائرة سويةً وكانت رحلة ممتعة مع أعتماد وهي تدندن في أذني بعض أغانيهم الجميلة حتى أني نمت وما صحوت الا حينما سمعت أعلان المضيفة باللغة الأنكليزية عن وصول الطائرة لمطار قاشغار. وصلنا مساءا والمدينة مزدانة بأضوائها الملونة فأخذنا تاكسي وتوجهنا مباشرة للفندق فكان في أستقبالنا على مدخل البوابة مدير الفندق وموضفيه وبجانبهم علي جان وأمه وأبوه فهرع المدير وفتح الباب وأستقبلنا أحسن أستقبال وجاء علي جان وأنكب على خطيبته وتعانقا طويلا وبكى كل منهما على كتف الآخر, وكانت لحظات لاتنسى ثم دخلنا الى بهو الفندق وبعد مواصلة العناق وتبادل أحاديث الذكرى والأشواق جلست مع الفتى علي جان وسالته... قل لي ياعلي كيف حالك الآن؟ أجاب والفرحة تغمره كل ذلك بفضلك يا سيدي فلقد عادت لي إعتماد مرة أخرى وكنت قد يأست تماما لقد,عادت لي روحي ولن أنسى جميلك ماحييت. قلت له أشكرك على رقيق مشاعرك وأنا أكثر فرحاً بلقائكما من جديد والآن أخبرني ماهو عملك في الوقت الحاظر؟ قال للأسف أنا عاطل وأقضي يومي باحثاً عن العمل دون جدوى ولا أجني سوى الوعود الفارغة قلت له وماذا لوعملت في بيع الآلات الموسيقية وصناعتها؟ قال لي أنه حلم ولكن كيف لي أن أحقق ذلك وليس لدي لا دكان ولا مال قلت له أنتظرني لحظة ثم أني ذهبت الى إعتماد وقلت لها يا إعتماد ما قولك أن تعيدي فتح دارأبوك ودكانته لبيع وتصنيع الآلات الموسيقية ؟ قالت هذه أمنية ولكني لا أستطيع أدارته وحدي بعد وفاة أبي قلت لها واذا قلت لك بأن علي جان هو من سيعمل فيه ويديره بعد زواجكما وتساعديه أنت كما كنت تساعدين أبوك؟ وتعيشان سوية في دار أبوك عيشة هنية رضية؟ قالت وهي تكاد تطير من الفرح وعلي جان هل هو موافق على ذلك؟ قلت طبعا وإلا ما كنت بلغتك بذلك ثم ناديت علي جان وأخبرته بكل شيئ, وتم الأتفاق بينهما على تحقيق مشروعهما لاسيما أن كل شيئ جاهز المحل والآلات والأدوات والدار ولم يبقى سوى عقد الزواج وتحديد ليلة الدخلة.قلت, واقفا, أنا من رأيي... واذا كنتما موافقين طبعاً،وبمناسبة وجودي معكم ووجود الأهل والمكان المناسب ,أقول لمذا لا نغتنم صفو هذه الليلة العطرة وأجتماع الأسباب لتكتمل الفرحة، فنكتب عقد الزواج في هذه الليلة فماذا تقولان؟ فأجابا سويةً بعفوية طفلين فرحين موافقون تماما فناديت صاحب الفندق وطلبت منه أن يتصل ويأتي بالمأذون الشرعي بكل وسيلة وعلى عجل وأن يهيئ الموائد لحفلة العشاء وكل ذلك يضعه على حسابي وأن يهيئ جناح العرسان وجناحي بجنبهما لمدة أسبوع. أحمرت وجنات إعتماد خجلاً وقفز علي جان يقبلني وهللت أم علي جان ولكنها عادت فأردفت وهي تلتفت، لعلي ولأعتماد بدهشة ولكن كيف؟ كيف نعقد القران ولم نجهز ملابس العرس, فترجمت لي إعتماد ذلك فقلت أفتحوا الحقائب فلما فتحوها أخرجوا منها هدايا العروس والعريس وأم العريس وأبوه وأيضا هدية لصاحب الفندق والأهم من ذلك كله ثوب عرس إعتماد فلم يصدقوا أعينهم وخصوصا إعتماد، قلت مستدركا ولكني أأسف لأني لم أجلب بدلة للعريس فأنا لا أعرف مقاسه ولكن غداً سأشتري له ما يعجبه فقامت إعتماد وقالت باسمة لحظة من فضلكم، وفتحت حقيبتها، ومن بين الهدايا التي أشترتها أخرجت بدلة رجالية بيضاء، وقالت ولكني أنا أعرف مقاس خطيبي وأشتريت له بدلة كاملة أرجو أن تنال رضاه،فكم كان ذلك مفرحا لعلي جان وأهله.أثناء هذا الوقت وبينما كان العرسان قد توجها كل لغرفة,أم علي مع أعتماد وأبو علي مع أبنه لتهيئة أنفسهما وأرتداء ملابس العرس جاء الأمام وكان ممتعضا قليلا لأننا أحظرناه ليلا وبسرعة ولكن ما أن سقط نظره على العروسين والسفرة الشهية حتى تفتحت أساريره عن أبتسامة عريضة فقال هيا أبنائي على بركة ألله نبدأ. تم عقد قران علي جان على حبيبته إعتماد وسط فرحة غامرة من الجميع وحتى من قبل السواح نزلاء الفندق ثم توجهنا للمائدة التي بالغ المدير,سامحه ألله, بتزويقها ورصف أشهى وأغلى أنواع الأطعمة عليها. بعد أنتهاء السهرة وملاحظتي لرسائل العيون بين إعتماد وعلي جان قمت وقلت... تم بحمدألله عقد قران أحبتنا والآن وبعد هذه السهرة الرائعة على شرفهما وبعد أن أصبحا زوجين أمام ألله وشهادة الشهود فأنا أعتقد أنكم توافقوني بأن من حقهم ومن هذه اللحظة أن يستمتعوا بنعم زواجهم فنظرني جمهور الحظور بدهشة أولا حتى أتم المترجمون الترجمة ثم نظر الواحد بوجه الآخر ثم تبسموا ثم قالوا مرددين نعم نعم بكل تأكيد.قلت اذن ولما كان الأمر كذلك وبعد أحتفالنا بزواجهم لابد لنا أن نترك لهما المجال والوقت الكافيين لأن ينصرفوا لشؤنهم،وننصرف نحن لنكمل أكلنا وشربنا وأحاديثنا فضحك الجميع وصفقوا فأشرت بعيني باسماً للعروسين أن بأمكانهما الآن الصعود لجناحهم، فقاما بأستحياء ظاهر وودعا الجميع وصعدا السلم اليد باليد بخطوات سريعة، ثم بعدها أنصرف الجميع وصعدت لجناحي لأرتاح ولكن هل أستطعت النوم؟ وجناحي ملاصق لجناحهم ؟.في الأيام التي تلت وكانت كلها أياما لاتنسى قضيناها ما بين زيارات وتجوال في المدينة وتنظيم أمور الدار والمحل وسهرات وليال ملاح في الفندق بعد ذلك ودعتهم وودعوني بالعناق والبكاء وعدت لباريس.بعد ذلك بسنة أخبروني بمجيئ مولولدهم الأول الذي أطلقوا عليه أسمي ثم بعد مدة أرسلوا لي يستقدمونني الى حظور أفتتاح مطعم ومعرض الأحلام السعيدة للآلات الموسيقية التقليدية في وسط المدينة باشراف أعتماد وزوجها علي جان وحددت موعد الذهاب وكانوا بأستقبالي في المطار وتعانقنا ثم حلفا علي بأن أنزل في دارهم. وفي اليوم التالي حضرت حفلة الأفتتاح وكان مطعما فخماً تقدم فيه أعتماد فنون مطبخها أما علي جان فيدير شؤون المعرض ويقدم مقطوعات موسيقية للزبائن وكان الرواد أنواعاً مختلفة من الناس ما بين سواح وأبناء البلد من كل فئة والكل منبسط ومنشرح مما يتذوق من طعام ومما يسمع من نغمات. ثم أني مكثت معهم أسبوعين كواحد من أهل الدار نقضي أوقاتنا في المحل وسهراتنا في المطعم كل ليلة. بعدها قررت العودة رغم ألحاحهم ببقائي في ضيافتهم ,فلما عجزوا عن ذلك طلبوا مني أن أعاهدهم أن آتي لزيارتهم متى شئت وأن يكون أكلي وشربي ومنامي على حسابهم مدى العمر.
#عبدالرحمن_حسن_الصباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعتماد [ الجزء الأول ]
-
غانية البلاط [ الجزء الرابع ]
-
غانية البلاط [ الجزء الثالث ]
-
غانية البلاط [ الجزء الثاني ]
-
غانية البلاط
-
لقاء مع سيدة النهر
-
رسالة في أصل وفصل الكلمات
-
الخرافة أقوى من العلم
-
الأكتشاف الخطير
-
كنز الخليفة المستعصم بالله
-
هامبرغر وساكسفون
-
جاري مجرم
-
المترف والنشّال
-
الفخ الياباني
-
فصخ
-
سياحة لأيران على عهد الشاه محمد رضا بهلوي
-
في السعادة والسعدان
-
خصومة قديمة
-
في الأفق يلوح طوفان جارف؟
-
أخطاء شائعة وملاحظات على هامش الحضارة السومرية
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|