|
2سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد
مزهر بن مدلول
الحوار المتمدن-العدد: 1547 - 2006 / 5 / 11 - 11:42
المحور:
الادب والفن
أُمي ، اكثرُ صمتاً مني .. دموعُها تَرى .. آهاتُها ، كلماتُ وداع .. لها رحيقُ زهرة .. اخذتْ رأسي الى صدرِها .. فأمتلأت روحي بعطرها الأزلي ، ثم حملتُ متاعبي، ورحلتُ. كيف لي أن أختزل الجبال .. لكي اصلُ إليها .. اصنعُ قيثارةً من الثلج .. وأعزُفُ هلهولةَ الحزنِ والموت .. فتلك الناصريةُ ، أبديةُ الألم . تلك هي ، خارطة الحنين ، التي طوقت راسي ، حين دخلتُ معركة [ قبر زاهر] ، اشرسُ المعارك ، واشدُّها نيرانا . وزاهر ذاك ، كان مام ، او شيخ عشيرة ، وربما كان مقاتل . لاادري . لكني اجزم ، بانه لم يمت هناك ، بسبب بحثه عن اصل منابع البحر . فلماذا اختار زاهر ان يموت هناك ؟. ببساطة ، إن لاحياة في ذلك المكان . وصلتُ ، بعد رحلة قلق وخوف جبلية .. كانت انفاسي تتلاحق .. كنوز الاوهام تكاد تنضب .. السماء معفرة برائحة الحرائق .. هذا الذي يرفُّ .. فوق راسي ، لايشبه اجنحة العصافير .. انها زعانف القذائف .. كائناتي ، كلها مستعارة .. من جسد ، ينام على حجر .. ويأكل ، من زادِ بقايا قصائد . اندهشتُ ، حين رايتُ ، اولئك الانصار ، وهم ينتشرون ، في مساحات واسعة ، لمجموعةٍ ، من قممٍ متلاصقة . كانوا يجوبونها ، ذهاباً واياباً ، منهم من كان مسرعاً ، اوراكضاً ، ومنهم من كان ، قد نالَ من هيكلهِ التعب ، فبانَ بطيئاً واهنا ً. في الوادي ، يتمركزالجيش ، بكل ثقله وجبروته ، واسلحته الفتاكة ، وعتاده الكبير، انه ينوي احتلال القمة ، مهما كان الثمن . لااعرف اسما اخرا لهذا الجبل ، الا الاسم الذي اطلقناه نحن .. اي قبر زاهر ، ويقع في اقصى نقطة من المثلث العراقي ، الايراني ،التركي . القتال الطويل فيه ، انتحارا ، والانسحاب منه ، سيمر حتما عبر الاراضي التركية او الايرانية . ليس هناك من بقعةٍ ، في ارض العراق قريبة ، يمكن اللجوء اليها مباشرة . القمم ، كانت خالية من الاشجار ، وخالية كذلك من الصخور الكبيرة والمغارات ، التي تقي اجسادنا ، من الشظايا التي تناثرت في كل مكان . وتتعرضُ ، الى منخفض جوي ، يكاد يكون بشكل دائم . فالريح تهب ، من كل زاوية ، وايُّها . ومهما درْتُ ،او تكورْتُ ، اوحاولتُ ، أن أجد طريقةً أواكتشفها ، لكي اتجنب الريح ، فهي فاشلة .انها تلاحقني ، مهما فعلت . السيكارة ، تتطلب وقتا كي تشتعل ، اما اذا اردنا ان نعمل شايا ، فذلك يستغرق ساعات . عند ذاك يكون الموت لامعنى له ، فاهمية الشاي والتبغ عند الانصار ، كاهمية السلاح والعتاد . الخيمة التى بنيناها ، بجهد كبير ، لاتصد الرياح القوية ، اوتادها طارت مرات عديدة ، وكنا نعتمد طريقة الوجبات السريعة في الاكل ، طريقة علب السردين ، والجاجي [ اي الجبن الذي له رائحة كريهة ، والذي نسميه ال تي ان تي ] ، وهي الأكلة ، التي يرفضها اغلب الانصار . لم يكن لنا في ذلك الوقت ، موقدا للنار ، ندور حوله ونستمتع بتجمعنا الجميل ، الذي نصنعه في اكثر الظروف قسوة . كل ذلك ، وكان علينا ، التصدي للجيش ، ومنعه من الوصول الى القمة . ولكن لماذا ؟!.. اذا كان الجيش ، قادرا ان يعسكر في الوادي لسنين ، ونحن لانستطيع ان نبقى ، الا لفترة وجيزة من الصيف . فلايمكن لاي بشر ، ان يعيش هنا في الشتاء ، ولا يمكن ان نبني فيه ملاجئا للبقاء. وعندما تغمر الثلوج المكان، فان جميع طرق الامدادات ستنقطع . لذلك كان امامنا خياران فقط ، اما ان نهزم الجيش ونعود الى الوادي ، وطبعا هذا امر محال ، واما الانسحاب . وظننتُ ان خيار الانسحاب هو الارجح . ولكن علينا ان نجد متسعا من الوقت ، لنبحث لنا عن ممرا داخل الاراضي الايرانية ، يقودنا الى العراق مرة اخرى ، وفي مكان اخر . لم انسى ابدا ذلك المشهد الرهيب ، وتلك القسوة الهمجية ، حين سقطت قذيفة في خيمة لخمسة من البيشمركة ، الذين كانوا للتو ، يتناولون طعام الغداء ، فكانت اشلائهم تتطاير في الهواء ، منثورة مع الخبز . ذهبت الى تلك الخيمة ،وكانت قريبة من مكان مراباتنا ، لكني لم اجد شيئا اتبينه . هولاء تحدوا الموت ، واستعدوا له . لكني اعتقدت ، بانه لم يكن ضروري ، في تلك المعركة ، لاننا كنا في جبهة حرب ولم نكن في حينها نخوض معركة انصارية ، التي تختلف كليا في ممارستها . لذلك ، رغم استمرار المعركة لتسعة ايام ، ورغم شراستها ، لم يكن في صفوفنا خسائر ، نحن الانصار . خيمتنا ، هي القاعدة الخلفية ، التي نجتمع ، وننام فيها ، ومنها ننطلق الى مكان المراباة ، الذي نواجه الجيش فيه . وكنتُ هناك طوال الايام التسعة ، وكان معي صديقي النصير ملازم احسان ، الذي كنت واياه دائما نتحدث ، عن اشياء اخرى ، لاعلاقة لها بالحرب . الوادي ، الذي تُعسكرُ فيه ، قوات الجيش ، بعيدٌ ،والصعود الشاق ، للوصول الينا ، يستغرق ساعتين ، لذلك كانوا يرسلون مفارزا صغيرة ، اكثر من ثلاث مرات في اليوم ، فنشتبك معهم ، ويتراجعون، وفي كل تراجع لهم يتحول الى كارثة علينا ، حيث يمطروننا بقذائف الراجمات ، التي تعدُّ بالمئات لكل دقيقة واحدة . حتى اننا عرفنا تلك الخطة ، فاخذنا حين نتصدى لهم ويتراجعون ، نركض ونبتعد ، لمسافة عن المكان ، ثم نعود بعد ان يتوقف القصف . ثم واجهتنا مشكلة الطيران العمودي ، الذي يحلق ، على مسافات بعيدة ، ولايمكن التاثيرعليه بالرماية الكثيفة ، من اسلحتنا الخفيفة . كان يحوم في سماء المنطقة ، ونحن في مكان مكشوف ، وليس امامنا ، الا الالتصاق بالارض ، للتخلص منه . علما باننا سررنا في اول الامر، حيث كان عندنا بعض صواريخ السيترلا ، ولكن عندما حان وقت استخدامها ، اكتشفنا انها لاتعمل ، فكانت المفاجاة محزنة ، وتملكتنا الحيرة في كيفية معالجة هجوم الطيران علينا . الجيش لم يكن في خطته التراجع ، ويبدو كان مصرا على احتلال القمة ، وهذا ماادركته القيادة حينها ، فدعت الانصار الى اجتماع موسع ، لاتخاذ قرارا بهذا الشان ، ولم احضر ذلك الاجتماع بسبب وجودي في المراباة ، لكني كنت اعلم به وتمنيت ، ان يكون القرار هو الانسحاب ، قبل ان تاتي شظيةٌ تحزُّعنقي . وهذه المرة ، عبر اراضي ايران ، الى الوطن ( دولي كوكا ) واكثر من عام ونصف هناك، كلها حروب من اجل البقاء . وتلك لمرات قادمة .
#مزهر_بن_مدلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاثون يوما في سجن المطلاع
-
العودة
-
سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد
-
سيدي الحاكم .. إسأل المتهم
-
كل الحب الى الحزب الشيوعي العراقي
-
قُبَّرةٌ
-
تعالي معي ...!
-
لكنه سيأتي
-
اللوحة السومرية..... الى الشهيدة الشيوعية المنى ليزا - انسام
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|