|
عيد العرش في المغرب : تاريخه ورمزيته
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 6305 - 2019 / 7 / 29 - 11:43
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لكل أمة من الأمم تقاليدها وأعرافها وتراثها وهويتها التي تعتز بها ،والأعياد الوطنية جزء من هذه المنظومة سواء كانت أعياداً وطنية أو دينية . إن كانت الأعياد الدينية تُحيل إلى مناسبة أو حدث ديني غير مرتبط بالنظام السياسي أو بالسياسة بشكل عام لأنه موجود ومتواصل حتى وإن تعاقبت وتغيرت الأنظمة السياسية ،فإن الأعياد الوطنية تُحيل إلى مناسبة أو حدث وطني وغالباً سياسي ، والهدف من وجود الأعياد الوطنية استحضار التاريخ الوطني من خلال أحداث معينة لها رمزية تفتخر بها كل الأمة ومن خلالها تحفز الذاكرة وتشحن الهمم وتعزز الروح الوطنية عند الأجيال المتعاقبة ، مثل عيد الاستقلال أو ذكرى معركة شهيرة أو حدثاً مثّل منعطفاً في تاريخ الأمة كالثورات الشعبية أو وحدة بعد انفصال أو ذكرى تنصيب ملك أو رئيس ترك بصماته على الأمة الخ . ولأن الأعياد الوطنية ،من حيث دلالتها ورمزيتها وطقوسها غير منفصلة عن ثقافة البلد ،فإن لكل بلد طقوسه الخاصة في احتفالاته ،وهي طقوس قد تبدو غريبة وأحيانا مستهجنة عند المراقب الخارجي ولكن لها دلالات عميقة عند أهل البلاد . في هذا السياق تأتي احتفالات المملكة المغربية بعيد العرش في الثلاثين من يوليو من كل عام وهي ذكري تنصيب الملك محمد السادس على العرش ،وفيها تشارك كل قطاعات الشعب إلى جانب المؤسسة الملكية ،وتتجسد فيها مقولة "العرش بالشعب والشعب بالعرش " . أما قصة عيد العرش فتعود لعام 1933 وأثناء الاحتلال الفرنسي للمغرب وكان صاحب الفكرة رجل من أصل جزائري مقيم بالمغرب وهو محمد الصالح ميسة ، مدير مجلة "المغرب" التي كانت تصدر من الرباط آنذاك . ويذكر محمد الحسن الوازاني مؤسس حزب الشورى والاستقلال عام 1946 ، في كتابه "حياة وجهاد " :إن فكرة الاحتفال بذكرى تولية السلطان محمد بن يوسف خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسَّة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة . لم تكن المناسبة الأولى لعيد العرش مجرد احتفال بتنصيب ملك بل أرادها المغاربة مناسبة وطنية وفرصة لإظهار التفاف الشعب حول الملك كما يقول مستشار الملك الراحل الحسن الثاني عبد الهادي بوطالب في وصفه لأول احتفال بعيد العرش عام 1933 في مدينة فاس : " كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة" . منذ عام 1934 أصبح الاحتفال يأخذ طابعاً رسمياً ومؤسساتياً وفي هذا السياق يقول عبد الهادي بوطالب : "...فعيد العرش الذي فرض الشعب المغربي على الحماية الفرنسية إعلانه عيداً قومياً أصبح عيد تحدي الوطنيين للاستعمار الفرنسي ، الذي أخفق في محاولة عزل السلطان عن شعبه ورعيته ، مثلما فشلت تدابير قمع هذا الاستعمار في محاولة إقبار الحركة الوطنية في مهدها ". أما المؤرخ المغربي عبد الحق المريني فيقول : "إن عيد العرش بالمغرب يعتبر عيد الأمل والاستمرارية والبيعة والنهضة الشاملة والإخلاص لله والوطن والملك" . وهكذا ظهر عيد العرش وتواصل سنويا كعيد رسمي تتزامن ذكراه مع تولي الملك الجديد العرش ،ففي زمن محمد بن يوسف (محمد الخامس) كان عيد العرش يوم الثامن عشر من نوفمبر ، وفي عهد الملك الحسن الثاني كان يوم الثالث من مارس ،والآن في عهد الملك محمد السادس يوم الثلاثين من يوليو ،وغدا ستبدأ احتفالات المغاربة بهذه المناسبة حيث تم تنصيب محمد السادس في مثل هذا التاريخ عام 1999 . في ذكرى العرش يبايع الشعب الملك مجدداً في ظل طقوس متعارف عليها ويُجمع عليها الشعب ،طقوس واحتفالات تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة وما بين الملوكية السياسية ومكانة الملك كأمير للمؤمنين كما ينص الدستور . كما يُعتبر خطاب عيد العرش أهم مناسبة ليصارح الملك الشعب بأوضاع الوطن ويتم تقييم ومراجعة للمرحلة السابقة ،وفي كثير من الحالات يمارس الملك النقد لسلوك الحكومة وبقية المؤسسات العامة ويضع الخطوط العريضة للإستراتيجية المطلوبة للمرحلة القادمة في كافة المجالات ويترك للحكومة السير على هداها . بعد عشرين عاما على تنصيب محمد السادس وقبل أيام من إحياء الذكرى العشرين للتنصيب خصصت مجلة "جون أفريك" الفرنسية في عددها الأسبوع الماضي ملفا عن عيد العرش في المغرب ومما جاء في افتتاحية المجلة إن : " المملكة شهدت ما بين 1999 و 2019 تحولا تدريجيا لا رجعة فيه " مضيفا أن "المغرب عرف تحديثا وعصرنة على جميع المستويات الاقتصادية والإدارية والثقافية والمجتمعية وعلى صعيد البنيات التحتية ... وان المملكة واصلت أيضا تطورها على المستوى الديمقراطي من خلال اشراك المرأة في اللعبة السياسية ، تطوبر العمل الجمعوي ،والشفافية في الانتخابات ، واحترام نتائج صناديق الاقتراع ". وأخيرا هذه خصوصية احتفالات المغاربة بعيد العرش ،وكثيرة هي الأشياء التي تميز المملكة المغربية عن غيرها من الدول العربية والإسلامية ،أحيانا تميز أفضلية وحينا تميز اختلاف . هذا يعني أن المغرب عنده أيضا مشاكل ويواجه تحديات ،ولكنه يمثل نموذجا مختلفا عن غيره من الدول من حيث :العلاقة بين الشعب والعرش ،العلاقة بين الديني والسياسي ،العلاقة بين المكونات الاجتماعية والعرقية ،في تطبيقه للديمقراطية ،وفي طبيعة النظام السياسي والاجتماعي وقدرته على الحفاظ على الاستقرار في ظل الأحداث التي تعصف بجيرانه وبالعالم العربي من حوله . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعم لإلغاء الاتفاقات مع إسرائيل ، ولكن
-
الحل الإقليمي : مشروع تصفية بمسمى مضلل
-
الشباب والنخب السياسية : بين الاقصاء وانعدام الثقة
-
ثقافة الشك تهديد لحصانة المجتمع
-
ورشة المنامة بداية المعركة وليس نهايتها
-
لماذا يتعثر العرب ويتقدم الآخرون ؟
-
أخطاء منظمة التحرير لا تبرر خطيئة الانقسام
-
نعم يمكن إفشال صفقة القرن
-
من النكبة إلى النكسة إلى التآمر
-
صفقة القرن مشروع حرب وعدوان وليس مشروع سلام
-
الفلسطينيون ومؤتمر المنامة ما بين الرفض السياسي والإغواء الم
...
-
سراب السلام الامريكي من مدريد إلى المنامة
-
هل انتهت وظيفة المقاومة ومسيرات العودة ؟
-
النكبة في عيون مفجري الثورة الأوائل
-
ماذا تنتظر منظمة التحرير الفلسطينية ؟
-
شعرة معاوية أفضل من العداوة والانفصال
-
الرفض ليس دوما موقفا وطنيا أو بطوليا
-
كل تاريخ الثورة الفلسطينية منعطفات مصيرية
-
النخب السياسية الفلسطينية :ميكانزمات الهيمنة والأخضاع
-
الانقسام وصفقة القرن ليسا قدرا على الشعب الفلسطيني
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|