|
القانون المطلق / 24 مفهوم (الله ) في تصور هيجل
بتول قاسم ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 6303 - 2019 / 7 / 27 - 20:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مفهوم (الله ) في تصورهيجل .. يستخدم هيجل مصطلح (المطلق ) أو (الروح ) أو (الفكر الكلي ) للدلالة على مفهوم (الله) وهذا ما أكده شراح فلسفة هيجل ونقادها ، وسنجد أن تصوره لمفهوم (الله ) يختلف عن التصور الأسلامي لهذا المفهوم . وسوف نوجز وصفه له بما يأتي : 1 - إن الله عند هيجل ليس متعاليا منفصلا عن مخلوقاته (الطبيعة والإنسان ) فهيجل لايعترف بأسبقية الله ولا تعاليه على المادة فليس هنالك عالم آخر في ما وراء الوجود وليس هناك ( شيء في ذاته ) كما عند كانت . صحيح أن الله أو المطلق أصل ومصدر للموجودات وإنه في أول مراحل وجوده وجود محض أو وجود منطقي وهو كالجوهر بالنسبة الى هذه الموجودات ولكنه ليس كالجوهر عند اسبينوزا فهذا في نظر هيجل خاو بلا روح ولا حياة لأنه منفصل عن الموجودات لذا يحرص هيجل على وصف المطلق بالذات وليس الجوهر لأن الذات روح وحياة متطورة ، وليس هو كليا مجردا بل كليا متحققا في الأشياء متجسدا بها. وهو يكشف عن نفسه من خلال تجلياته في الطبيعة والإنسان ، وهذه التجليات مرهونة ومرتبطة به ولا تستغني عنه وهو كذلك محتاج إليها فهو لا يكتفي بذاته بل مفتقر الى غيره ، وهذا من علامات النقص يقول هيجل : (إن الله من دون العالم ليس الله ) . وهو لا يفتقر الى غيره ( الموجودات بعده ) ليتجلى فقط بل هو يفتقر اليها افتقارا وجوديا لأن المطلق عندما يكون وجودا خالصا محضا في المرحلة الأولى من مراحله فهو كالعدم او انه العدم تماما ، وعندما يخرج نقيضه من جوفه وينتقل الى الصيرورة فعندها فقط يصبح وجودا لأن الوجود الحقيقي عنده هو الوجود المتعين فالعلاقة بين النقيضين هي الحقيقة العينية الأولى كما يرى . 2 - الله عند هيجل ليس بسيطا بل مركبا من ثلاثة عناصر : أ - الله او المطلق او الروح أو الفكر . ب - عالم الطبيعة او العالم المادي . ج - الإنسان وهو من العالم المادي لكنه روح مفكر فهو يمثل العلاقة بين الله والمادة . إن هذا التقسيم يعكس طبيعة المنهج الجدلي عند هيجل الذي ينقسم الى : أ - الشيء . ب - نقيضه . ج - العلاقة بينهما . إن المطلق منقسم في ذاته جوهريا وهذا يلغي مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض في المنطق القديم ، منطق أرسطو ، فالهوية تضم اختلافا في ذاتها ، وبهذا فإن الطبيعة والإنسان يدخلان في تكوين الذات الإلهية ، والله له ثلاثة تكوينات وهو مركب منها ، وهو يعتمد عليها بقدر ما تعتمد عليه . إن الروح تمزق جوهري وهو يسعى الى إخراج نقيضه أو آخره منه ، لكنه يظل في هذه الآخرية محتفظا بذاته أي إنه يتحول الى علاقة فهو التوسط بينه وبين نقيضه . وبتحوله الى علاقة يصبح عينيا أو ماديا . إن الحالة الأولى من حالات الله هي الوجود المباشر وهو ذو طابع تركيبي كامن في هذه المباشرة فهو ينطوي على نقيضه العدم وهو يخرج نقيضه من جوفه لكي يكون وجودا متعينا متجليا او يكون علاقة وتوسطا وهذه العلاقة أو التوسط هي الصيرورة . إن الجدل الهيجلي يرفض الثنائية ويجعل الصراع في صميم الروح ذاتها فهو تمزق ضمني لشيء واحد وهو يتجلى فيما بعد . إن هيجل يلغي مبدأ الهوية فأحد النقيضين هو الآخر والوجود هو العدم وهذا يلغي مبدأ التناقض فإذا كان أحدهما هو الآخر فما معنى تناقضهما ؟ . وهو يرى أن مرحلة الصيرورة يتقابل فيها الضدان أحدهما ضد الآخر بعد أن يصبحا متعينين وكان من المفترض أن يحدث صراع بينهما لأن التناقض يوجب الصراع فيقوم أحدهما وهو الوجود بنفي العدم أو سلبه لتنتهي هذه المرحلة الى المرحلة الأخيرة وهي الوجود المتعين الذي يعرفه هيجل بأنه يتضمن سلب الآخر أو نفيه ، ولكن هذه المرحلة يشوبها الغموض عند هيجل فهو يقول إن الصيرورة يتحول فيها الوجود والعدم أحدهما الى الآخر ولهذا سميت صيرورة لأن أحدهما يصير الى الآخر أي إنه يتغير أو ينقلب الى ضده وإلا فلا معنى للتغير والصيرورة ولكنه يقول كلاما غريبا فعندما يتحول الوجود الى العدم فهو يتحول الى الوجود لأن العدم هو الوجود وعندما يتحول العدم الى الوحود فهو يتحول الى العدم لأن الوجود هو العدم وهنا تنهار الصيرورة ويقضى عليها . والصحيح أنه ليست هنالك صيرورة بالمعنى الذي يتصوره هو لأن الصيرورة تتضمن معنى التغير والتحول وليس هنالك تغير ولا تحول لأن أحد النقيضين هو الآخر كما يفترض . وهذا يبين أن مرحلة الصيرورة لا أساس لها أصلا لأنها لاتعني تحولا وهي لا تنهار فيما بعد إنما هي لا أساس لها أصلا حسب تفسيره . إن الذي يحدث في الصيرورة هو أن ينفي الوجود نقيضه العدم ويحوله الى وجود مثله فيصير العدم وجودا وهذا معنى الصيرورة ، وهذا هو الذي ينقل الصيرورة الى مرحلة الوجود المتعين ، فالوجود المتعين الذي يعني الإنسان عند هيجل يجمع بين الروح أو الفكر والمادة ، ولكن المادة هنا ليست بصفتها (السلب أو العدم أو اللاوعي ) لأنها أصبحت وجودا ووعيا وفكرا ، وهذا هو التحول والصيرورة . إن التفسير الذي يقدمه هيجل للانتقال من مرحلة الصيرورة الى الوجود المتعين ليس صحيحا وهو أن الصيرورة تقضي على نفسها بنفسها لأنه ليست هنالك صيرورة وهو الذي افترضها مقدما . إن الذي يحدث في التطور الجدلي أن هنالك صراعا بين الوجود والعدم لأنهما ضدان وليس أحدهما هو الآخر وأن الوجود ينفي العدم وينتهي الصراع كما تنتهي الصيرورة الى الوجود المتعين الذي يعني سلب الآخر وضمه اليه وهذا السلب يعني تحوله الى وجود ظاهر أو عيني ، وليس السلب يعني الجمع بين الوجود وضده الذي قلنا عنه إنه سلب أو عدم ، فهذا غير صحيح ، ولهذا يقال عن المرحلة الثالثة في الجدل الهيجلي بأنها تعني الجمع بين الضدين ، فهذا التصور خطأ تماما . ولهذا أخذت الماركسية على الهيجلية أن الصراع لديها تصالحي وليس تناحريا وهو ما تأخذ به الماركسية فالصراع لديها تناحري تصادمي . وهناك أمر آخر لم يبينه هيجل فهو يقول إن الوجود والعدم أصبحا نقيضين متعينين أو ظاهرين في الصيرورة وهنا نسأل ما معنى (وجود )العدم وتعينه وظهوره فهو عدم وهو يبقى يحتفظ بصفة العدمية مع وجوده وظهوره وهذا الأمر لم يبينه هيجل كذلك . 3 - المطلق أو الله ليس ساكنا بل متحركا متغيرا والحركة والتغير دليل نقص وهذا ما يقر به هيجل ويقول إنه يتحرك لأنه يتضمن سلبا . وهو يتقدم أويتحرك باتجاه الطبيعة والإنسان ، اللحظتين الوجوديتين اللتين تتجليان عنه ، فالمطلق يتحرك لكي يتجلى فهو ليس معزولا عن الطبيعة والإنسان وهما صورتان له فهو يتحرك باتجاه نفسه ، إنه يفض نفسه في العالم وهو المحرك لما يتجلى عنه . إن التجلي يعبرعن حركة الله أوالمطلق ، فالمطلق هو المتطور المتحرك . إن الطبيعة والإنسان موجودان بالقوة أو ضمنا فيه وإن تحققهما يعتمد على فاعليته وحركته . إن عوارض النقص هذه لا تتناسب مع صفة الله التي توجب وجود إله لايعتريه النقص والحركة والتغير . 4 - إن حركة المطلق أو الله عند هيجل وصيرورته لها غاية تمثل النهاية وهذه النهاية تلتحق ببدايتها . وبداية الحركة توجب وجود علة خارجية هي المحرك ( للمتحرك الذي صفه هيجل) وهي المنطلق الذي تنطلق الحركة منه وتنتهي اليه ، أي ان المطلق الذي افترضه هيجل ليس هو الله الذي تؤيده الحجج الفلسفية لأن الله هو الثابت الذي ينطلق منه الوجود المتحرك وما ينتهي اليه ، وهذا ما يؤمن به العقل الجدلي فالمتحرك يقابله الثابت . إن غاية حركة المطلق عند هيجل هي غاية وجودية وغاية معرفية فعندما يتجه المطلق لإخراج نقيضه من ذاته (الطبيعة) ثم الإنسان (الذي هو العلاقة بينه وبين نقيضه الطبيعة ) فهو بهذا يعقل نفسه ويعقل الطبيعة والإنسان . والطبيعة لاتعقل فهي لاوعي ولا فكر ، والإنسان يعقل لأنه فكر ، وهو فكر ومادة وبهذا عاد الفكر أو المطلق - بوساطة الإنسان - الى نفسه بعد اغترابه في الطبيعة وقد حقق نفسه فيها فأصبح فكرا ماديا وهذه صفة الإنسان . وعندما يصل التجلي الى الإنسان والوعي البشري فإن التجلي يبلغ غايته ، لأن وعي الإنسان بالمطلق لايتمايز عن المطلق وهو الشكل الأعلى له . ولولا ان الأنسان جزء من الله لما عرفه . لهذا ينكر هيجل فكرة الشيء في ذاته الذي لا يمكن معرفته ، فنحن نستطيع معرفة الله لأننا جزء منه ولو كان الله بسيطا ومنعزلا لما أمكن لنا معرفته . إن المطلق متحرك ومتجل في عقولنا وأعلى مراحل تجليه في عقول الفلاسفة وآخرها عقل هيجل الفلسفي الذي هو كمال تحقق المطلق معرفيا (1). إن تصور الله عند هيجل يختلف عنه في التصور الإسلامي . وقد أثرت في تكوين تصوره هذا الدراسات اللاهوتية واهتمامه بالدين طيلة حياته وقد كان يعد نفسه في شبابه ليكون قسيسا . لقد أثرت فيه عقيدة التثليث ( الأب والابن والروح القدس ) . إن الثالوث المقدس هو عملية تنقسم بوساطتها الوحدة الأصلية ثم تعود الى الاتحاد من جديد . ويمكن أن يكون المنهج الجدلي عند هيجل قد أخذ من هذه الثلاثية المبكرة . إن دراسة اللاهوت في مرحلة الشباب كانت تعبر في الأقل عن الإرهاصات الأولى للمنهج الجدلي إلا أننا لا نغفل العوامل الأخرى التي أثرت في الجدل الهيجلي . ونجد في التحليل الذي ساقه في موسوعة العلوم الفلسفية لقصة (سقوط الإنسان ) محاولة لتلمس أصل ديني لفكرة انقسام الروح على نفسها ، وهو تحليل مهم إذ إنه يبين لنا جانبا من جوانب تأثر هيجل باللاهوت . ومن الباحثين من يرى أن انتقال الفكرة الشاملة من وسطها العقلي الخالص في المنطق الى الآخر في الطبيعة هو نفسه سقوط أشبه ما يكون بسقوط الإنسان . ويبدو أن القصة التي ذكرها الكتاب المقدس عن خطيئة الإنسان الأولى كانت عالقة في ذهن هبجل فظن أن الفكر لا بد له من سقوط مماثل . يقول هيجل في تحليله لهذه القصة : ( لقد تساءلت الأمم منذ فجر التاريخ عن معنى ذلك الإنقسام الغريب : إنقسام الروح على نفسها ، ولقد احتفظت لنا ( القصة الموسوية ) عن سقوط الإنسان بأصل هذا الانقسام ونتائجه ..) إن هذا القول تعبير حي عما كان يعتمل في نفس هيجل في عهد الشباب من أفكار فضلا عن أنه كان يعطينا ارهاصات واضحة وبذورا أولى للمنهج الجدلي الذي سيكتمل بعد ذلك في المنطق على أساس عقلي خالص (2) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينظر : المطلق الهيجلي - إنقاذ مفهوم الله من التصور الديني الديني اليهودي والمسيحي له . عادل عبد الله . الحوار المتمدن 2/ 8 / 2014 . وفيه وصف للمطلق الهيجلي ولكني أختلف معه وأقرر أن المطلق الهيجلي تأكيد للتصور المسيحي للمطلق او الله . (2) ينظر المنهج الجدلي عند هيجل ، إمام عبد الفتاح إمام ، دار التنوير للطباعة والنشر ، بيروت - لبنان ، ص32 ، 35 ،37 ، 38 ،39 ،40 .
#بتول_قاسم_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القانون المطلق / 22 _ رحلة العقل البشري
-
القانون المطلق / 23 - الفلسفة والدين ..
-
القانون المطلق / 16 - الانسان : الصراع الكبير
-
القانون المطلق / 17 - لماذا فضل الله الملائكة على الإنسان ؟
...
-
القانون المطلق / 18 - لماذا أطلع الله الملائكة على عزمه خلق
...
-
القانون المطلق / 19 - الرجل .. الوجود الجوهري للإنسان
-
القانون المطلق / 20 - المرأة سر ظهور الحياة
-
القانون المطلق / 21 - نهاية العالم
-
القانون المطلق / 14 - الحركة الغائية
-
القانون المطلق / 15 - لماذا خلق الله العالم
-
القانون المطلق / 13 - حالات الوجود
-
القانون المطلق / 12 - الله مصدر القانون المطلق / الاستدلال ا
...
-
القانون المطلق / العدم في الفلسفة والعلم والدين
-
القانون المطلق في العلم -7 - مرض السرطان
-
القانون المطلق في السميولوجيا - 8 - أ - رمز المربع والدائرة
-
القانون المطلق في السميولوجيا - 9 - رمز المربع والدائرة في ا
...
-
القانون المطلق في العلم - 7 - / ب - في الإنسان
-
القانون المطلق في العلم -5 - / أ - في الذرة
-
القانون المطلق في الدين -4-
-
القانون المطلق في الفلسفة -1-
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|