|
الفواتح في مجموعة عن الحب والموت -هشام البستاني-
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6302 - 2019 / 7 / 26 - 02:14
المحور:
الادب والفن
تضمين مقتطفات أدبية في الأدب يحفز القارئ على التقدم من تلك المقتطفات وممن كتبها، وهذا ما يجعل النص الأدبي أكثر اثراء وخصبا، لكن القاص "هشام البستاني" لا يكتفي بهذا الأمر، بل يقرنه بالمضمون الشعبي، الإنساني، الوطني للمجموعة، ويضيف إليه محسن لغوي يجعل المجموعة قريبة وحميمة على القارئ، فاستخدامه للهجة المحكية، واللغة البسيطة التي استخدمها، تسهم في رفع مكانة القصص لتكون مجموعة لها خائصها التي تميزها عما يكتب من قصص، ونجد ذكاء القاص في تقديم القصص التي تتحدث عن الحب عن تلك التي تتحدث عن الموت، وكأنه أراد القارئ أن يتزود بالحب قبل أن يذهب إلى الموت. وفي المجموعة أكثر من صيغة لسرد الأحداث، فهمنا من جاء بصيغة أنا المتكلم كما هو الحال في "غيمة صيف بطعم العسل، عند اعتاب الطاغية" ومنها ما جاءت بصيغة الغائب/القاص كما هو الحال في "ذات يوم في جهنم، حافلة موقوتة، الملل يسكن في شارع الجاردنز". الجميل في مجموعة الحب وجود حوار بين الحبيب والحبيبة، مما يجعل الحب حي ومؤثر في القارئ، فنجد في قصة "غيمة صيف بطعم العسل" هذا الحوار: " "أنت قمر السماء لا نجوم فيه" قال. "أنت أهديتني عينين جديدتين" قالت. "أنت أيقظت الميت الحي في جسدي" قال. "أنت اعطيت عالمي معاني، لا حدود لجمالها" قالت" ص16، فعندما يسمعنا القاص صوت الحبيبة، يجعل منها كائن حي، وليست مجرد صورة فتوغرافية، بل إنسانية، وهذا ما أكده في نهاية القصة التي جاءت بهذه الخاتمة: "تأخرت عالبيت"، فيما يرد هو: "اقتربي أكثر.." ص17، فالحبيبة بنت المجتمع، (تخاف) التأخير عن بيتها، وإذا ما أضفنا أن الحوار تم في "القلعة" المنطقة التي تطل على وسط عمان، نتأكد أننا أمام قصة شعبية بكل معنى الكلمة. ويستوقفنا الحوار في قصة "اليوم السابع": "ألو..." "كيفك؟ مشغول؟" مشغول. عندي مرضى..." "أنا أحب شخصا آخر ...موضوع خطبة وزواج... أردت أن أخبرك هذا فقط" ص31ـ اللغة المحكية/العادية/الشعبية التي نستخدمها بشكل يومي تقرب القصة من المتلقي، فهي تتحدث بلغته هو وليست بلغة (النخب) كما أن موضوع الحوار يستخدم يوميا من القارئ، كل هذا يجعل القصة شعبية بامتياز، لكن دور القاص لا يكمن في تقديم ما هو طبق الأصل عن الواقع، بل أضافة أفكار جديدة، تسهم في تغيير المجتمع وتقدُمه إلى الأمام، وهنا يأتي تكسير (الشعبية) في القصة والتقدم مما هو فكري: "س: ماذا يعني لك الزواج؟ ج: تنظيم اجتماعي أحمق، تبرير اجتماعي للجنس، والحب أحيانا. انحدار إنساني من علاقة أخلاقية إلى علاقة قانونية منظمة بعقد وشهود، وفي مجتمعنا اضافات أكثر: بيع وشراء، قوادة بدون قرون، يحتفل الناس ويطلقون النار والالعاب النارية احتفاء بقضيب يدخل ثقبا مع بعض قطرات الدم تكتمل بها المعمودية" ص35و36، إذا ما توقفنا عند الاجابة نجدها فيها ما هو منطقي، ويتفق وطريقة تفكيرنا، ومنها ما هو متطرف، خارج عن المألوف، ونجد هناك تعرية لسلوك الاجتماعي غير سوي، اطلاق النار المزعج والمؤذي للآخرين، والمُجيب يوضع تفاهة الحدث "قضيب يدخل ثقبا" وكأنه يريد بهذا القول أن يشعر كل من يطلق النار بسخافة وتفاهة الاحدث الذي من اجله يطلق النار. والقاص لا يسمعنا صوت السارد فحسب، بل يسمعنا صوت الساردة أيضا: "س:لماذا تزوجتما إذن؟ ج: كنت أيرد حلما، وكان يريد الواقع، كنت أريد مثالية، وكان مغرما في المادية، كنت اريد رومنسية، ولكن قلبه بارد كليلة شتاء بلا غيوم. س: لماذا لم تنفصلا؟ تطلقا.. ج: طلاق؟ لا تذكر هذه الكلمة أمامي أرجوك، ما من أحد عرف الطلاق في عائلتنا، لا أستحق هذا، أنا الجميلة المتعلمة التي يتمناها الجميع، أصبح مطلقة في النهاية" ص39و40، أيضا نجد ما هو متفق وطريقة تفكيرنا وما هو متطرف، لكن في النهاية علينا التوقف عند كل ما جاء في الاجابة، فهي صادرة من امرأة تعيش بيننا، ولنا أن نفكر فيما تقوله، حتى لو وجدناه (غريبا). يعري القاص النظام الرسمي العربي في اكثر من قصة، ففي قصة "ذات يوم في جهنم "يتحدث فيها عن طريقة التعذيب/التحقيق التي يتعرض لها المواطن: "اعترف" على ماذا؟ ولأي شيء؟" ...اعترف "أرجوك، أرجوكم، أريد أن اعرف فقط لماذا أنا هنا؟ أعترف ...حسنا، أنا هو، أنا القاتل، أنا الكافر، أنا الزنديق، أنا الإرهابي، أنا المتآمر، أنا المندس، أنا الخائن، أنا الجاسوس، أنا ال.." ص ص49و50، من قابل الاجهزة الامنية العربية يعلم حقيقة وواقعية هذه (الفنتازيا) فهي تحدث ويوما، فالنظام بقى يتعامل مع الموطن كمتهم حتى تثبت ادانته. وفي قصة "عند أعتاب الطاغية" يتم تقديم كل شيء من قبل رجل النظام المتحدث مع الطاغية: "...تعتبرني آلة أو اداة من أدواتك تستعملها كما تشاء وفيما تشاء... لن اعارض، لن فتح فمي بكلمة.. سأكون قناعك الذي تختبئ وراءه عندما تفض بكاراة العذراوات عنوة...سأكون مفرخا أيضا، بحيث يكون بإمكانك أن تفرخ أعدادا لا نهائية من أمثالي.. ستعرف حتى مواعيد العادة الشهرية لنساء مراعيك، فلن يخفى عنك شيء بعد اليوم... استعملني سجادة ومماسح اقدام أمام قصرك ..هذه إمكاناتي المتواضعة أضعها في خدمتك. خزوا عنفه! إن هذا النكرة يخاطبنا بصيغة المفرد"ص80-83، " بهذه القصة يقترب "هشام البستاني" مع رواية "صورة الروائي" لفؤاد حداد ورواية "الهولاء" لمجيد طوبيا، فالفانتازيا حاضرة في القصة رغم أنها تلامس حقيقة النظام الرسمي العربي، فرغم أننا نعيش في بداية قرن جديد، وفي عالم مفتوح ومكشف ما زلنا نرى تقبيل الأيادي، وأية أيادي؟ أيادي بصفتهم أمراء!!. يؤنسن القاص الكتب، فيقدمها ككائن بشري: كما هو الحال في قصة: "الملل يسكن شارع الجاردنز": " أوستروفسكي يجلس فوق فولتير، والأثنان يجلسان فوق حيدر حيدر، سميح القاسم ينظر إلى الجهة المقابلة من الغرفة من على غلاف مجلة "الطريق" ص59، بهذا الشكل ـ غير المباشر ـ يدعونا القاص لنتقدم من هؤلاء الأدباء وما كتبوه من أدب، وفي ذات الوقت خصب أفكار قصته. وهناك تعمل (إنساني مع المكان) فهو يرى فيه كائن حي وليس مجرد جماد: "فشارع الجاردنز مثله مثل عاهرة عجوز، الكل ينظر إليها ويلوي رقبته اتجاهها، لكن لا أحد يريد مضاجعتها!... فظهر السوق قبل أن يظهر الحي الذي يحتوي هذا السوق.. في جبل الحسين، ظهر التجمع السكني أولا، ومن ثم تبعه الشاعر التجاري الذي يخدم هذا التجمع، فنشأت هذه الرابطة الحميمة بين الحي وأهله" ص60و62، من يعرف عمان والطريقة المشوهة التي توسعت فيها يجد في هذا الرؤية المنطق والتحليل العقلي، فالعلاقة الإنسانية بالمكان علاقة حية، وليست علاقة إنسان بجماد. المجموعة من منشرات دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطن في ديوان -ما يقلق الريح- سامر كحل
-
عدم الرسوخ في ديوان -باقات ورد أوركيدية لها- خليل إبراهيم حس
...
-
السلاسة في قصيدة -سيحنو عليك الله- ياسين البكالي
-
لمقاطعة ونفايات
-
السرد في -الحمامة- باتريك زوسكيند
-
مناقشة ديوان سرايا في دار الفاروق
-
رواية ثلاث عشرة ساعة سعادة أبو عراق
-
الجنس في قصة السعيد بعد الغني
-
عند باب حطة خليل إبراهيم حسونة
-
مناقشة ديوان أرملة أمير في دار الفاروق
-
الرعامسة الثلاثة الأوائل سامي سعيد الاحمد
-
مهرجان الشعر ومؤتمر البحرين وأشياء أخرى
-
ماجد درباس بعد الغسق
-
إنسانية الأديب باسم خندقجي
-
إنسانية الأديب باسم خندقجي
-
نابلس تنشد الحرية والسلام بصوت شعرائها
-
ديوان ناسوت خليل إبراهيم حسونة
-
مناقشة كتاب ذاكرة المغلوبين للناقد المفكر فيصل دراج في دار ا
...
-
في زمن الفصل محمد خروب
-
نبوخذ نصر الملك الشمس جبرا إبراهيم جبرا
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|