|
-الانسان الإله- و عقلانية الحرب...1
اكرم هواس
الحوار المتمدن-العدد: 6300 - 2019 / 7 / 24 - 23:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الانسان الإله" و عقلانية الحرب...1
ربما من العبث الكلام عن شرعية الحرب... فالحروب كانت دوماً توأم الوجود الإنساني منذ ان اكتشف الانسان الاول قدرة عقله على ادارة علاقته ليس فقط بالآخر ... بل ايضا ببناء ذاته و بلورة هويته و قناعاته و هويته ...
رغم الصورة الذهنية في البنية الاخلاقية الرافضة للظلم و القتل و العنف في الديانات الكبرى ... فان القرآن واضح في إعطائنا الدرس الاول في تاكيد اهم معادلة في بناء آلية ديمومة المجتمعات " و لكم في القصاص حياة يا أولى الألباب"... و لا ادري ان كان داروين قد اطلع على هذه الآية القرانية عند وضع ما اصبح فيما قانوناً تأويلياً لمنظري السياسة و علم الاجتماع و مفكري تفوق الرجل الأبيض و ثقافات العنصرية و القومية و الاثنية و غيرها مما شرعنت تحول الانسان الى اله يمارس دور الله في تحديد مَنْ يحق له العيش و مَنْ لابد ان يموت لكي يبقى الآخرون على قيد الحياة ....نحن نتحدث عن مبدأ "الصراع من اجل البقاء ... و البقاء للأقوى"...!!..
الآية القرآنية تربط بين القصاص اي القتل و الحياة اي ديمومتها او البقاء على قيدها... و تضع كل ذلك تحت شرط توظيف العقل "اولي الألباب"... فالآية لم تقل مثلا "و لكم في القصاص حياة رحمة من الله"... لان القتل ليس عملا رحيما .. و لذلك فالقتل الرحيم الذي تستخدمه بعض المجتمعات لإراحة المرضى الذين يعانون دون اي امل في الشفاء مرفوض بشكل قطعي في الاسلام و كذا الانتحار ..
بكلام اخر... القرآن ميز بين القيمة الاخلاقية التي تتمحور حول الرحمة و الرأفة و التعايش و السلام... و بين القوة الضرورية لبناء المجتمع... فالآية لم تتحدث عن حق الذين يتم القصاص منهم ... و لا حتى عن ذنوبهم وفق القيم الاخلاقية ... بل المعيار انحصر في ضمان البقاء على قيد للفرد و الجماعة ... و كذلك ايضا للمجتمع و مؤسساته و هياكل بنائه حيث ان مصطلح "الحياة" يحمل كل هذه المعاني..
فكرة الانسان الإله ظهرت في بعض الميثولوجيا الهندية لكن تطورت و اصبحت رؤية حياتية مع فكرة التجسيد في الارث المسيحي حيث يعتبر النبي عيسى ليس فقط ابنا لله و إنما ايضا مجسداً للرب في الارض و بين البشر ...
العقلانية الأوروبية ( الغربية) استوعبت هذه التوليفة و اسست وفق ذلك رؤاها السياسية و الفكرية اطارا يشرعن تبني سلوكيات جذرية ليس انتقاماً من المنافس لان الله ليس له منافس و إنما بهدف بناء مشاريع بنيوية ترسخ ديمومة الحياة في تشبيه لمسألة الخلق التي يمكن رؤيتها من خلال نافذة آلام المخاض الرهيبة التي تكررت في مشهد صلب السيد المسيح... حيث يرسخ طريق الآلام ديمومة الحياة...
على هذا الأساس اصبح الانسان الاوروبي إلهاً يقرر استعباد الإفريقيين و محو سكان امريكا اللاتينية و قطع الأشجار النبات و قتل الحيوانات و من ثمة تطوير ذلك الى اعمال الجينوسايد للشعوب و هكذا... ليس انتقاما من احد بل لترسيخ الارضيّة الضرورية لتراكم الموارد و الأموال و بالتالي تحقيق التقدم و التطور في مجال الطب و الهندسة و تكنولوجيا الاتصالات و النقل و ووو التي تخدم ديمومة حياة للنخب البشرية السياسية و الاقتصادية و ينعم بها الكثيرون...
في العالم الاسلامي حيث يتم رفض فكرة التجسيد بين الانسان و الإله بناء على تأويلات قرآنية اخرى فان المتحكم في العقلية السياسة يرتكز على نقطتين .. أولاهما .. هي فكرة السلطة و الانتقام المستوحاة من قتل قابيل لهابيل .... و ثانيهما ...الالتزام بمنطق "هذه مشيئة الله".... و اعتقد ان كلا التأويلين يعكسان الارث الصحراوي الفاقد للبديل و الذي شرعن ثقافة الغنيمة و فكرة "ان لم تتغدى به تعشى بك"... و التي تعكس بشكل مباشر حالة الرعب المصاحبة للاختيار بين "اما ان تكون كبشاً او ان تكون ذئباً"....
لا بئس ان ترى في الثقافة الغربية تم خلق إمكانيه العيش مع الذئب طالما يضمن لك الحياة ... و هذه تفسر قدرة العقلانية السياسية في الغرب التعايش مع الدكتاتوريات و الطغاة... بناء على مفاهيم فكرية و سياسية براجماتية و طوباوية في آن واحد مثل مصطلح "المصلحة العليا" التي يتم على أساسها منح الحياة او قطعها عن هذا او ذاك...
الان... لو ظهر الرئيس ترامب او احد اعوانه او المتكلمين بأسم منهجه فجأة و قرأ علينا هذه الآية الكريمة مبرراً حروبه الممتدة من فنزويلا الى حدوده بلده مع المكسيك و الى أفغانستان و اليمن و العراق و سوريا وووووو و من ثم قد يعلنها ايضا على ايران... ربما سيعلن البعض الأفراح و الليال الملاح كون رئيس اكبر دولة في العالم قد اهتدى اخيرا الى القرآن... !!.. وقد لا نستغرب ايضا اذا انبرى بعض المفكرين و ادعى ان ان النيو داروينية Neo-Darwinism و النيو المالتيينيزم Neo-Malthusian الذين يدعوان الى القضاء على "الشعوب المتخلفة" من اجل ضمان رفاهية "الشعوب المتحضرة" هي من تراث الاسلام المقدس...!!..
في المقالة القادمة سنبحث ان كان يمكن لآلهة الارض ان تعيش مع نظام يتسلق جدار "الكون"... امريكا و ايران و بينهما العرب:..ماذا هناك ..؟؟.. حبي للجميع
#اكرم_هواس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوراق بغداد...2
-
تضخم الأحادية... سريالية الأنا الممتدة..
-
أوراق بغداد...1
-
الجزائر ... تفكيك الاحجية..؟؟...2
-
الجزائر ... تفكيك الاحجية..؟؟...1
-
العراق و عولمة الفساد ... هل من حل..؟؟..
-
مصر ..أفريقيا .. و التنمية المستدامة: معادلة تتبلور ...2
-
مصر ..أفريقيا .. و التنمية المستدامة: معادلة تتبلور ...1
-
يمشي و يحمل جرحه معه...
-
عودة الفكر الإمبراطوري ..2
-
الطبقة الوسطى: الثورة و الحكم و شرعة الفساد ..1
-
العراق... ثورة جياع ..ام استراتيجيات كبرى..؟؟؟..
-
انتخابات فوضوية ... او حرب مياه..؟؟؟..
-
مارتن لوثر كنج... و حلم المساواة
-
عفرين... و موسم الجينوسايد الكوردي ..
-
الإلحاد و الدينية و العلمانية... صراع الحدود..؟؟!..2
-
ملتقى الثقافات الافريقية ....2
-
القدس.... دوار اليقظة...؟؟!!..
-
ملتقى الثقافات الافريقية...1
-
مام جلال ... وداع الحلم...؟؟؟!!..
المزيد.....
-
مصر.. رئيس غرفة الدواء لـ CNN: الشركات حصلت على جزء من مستحق
...
-
ناشطة أوكرانية: الوضع في الجبهة أسوأ من أي وقت مضى
-
حادثة هزت الشارع الموريتاني في سابقة غير مألوفة أغتصاب جماعي
...
-
سكان الضاحية الجنوبية في بيروت يعيدون بناء منازلهم بعد الهجم
...
-
سكان كيبوتس -عين هاشولشا- يعيدون بناء المنازل التي تم تدمير
...
-
شولتس يرفض التكهنات بشأن وجود قوات ألمانية في أوكرانيا
-
من حرّض ترمب للتهديد بـ-جحيم- في الشرق الأوسط؟.. إعلام عبري
...
-
بيتر نافارو يعود للبيت الأبيض
-
المرشح الرئاسي الأوفر حظا في رومانيا يتعهد بوقف المساعدات ال
...
-
فوائد مدهشة لشرب القهوة يوميا!
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|