أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - بماذا يفكر القناص؟














المزيد.....

بماذا يفكر القناص؟


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6300 - 2019 / 7 / 24 - 14:29
المحور: الادب والفن
    


إلى كل ضحايا القنص الأبرياء
بماذا يفكر القناص في منعزله العالي وهو يقطع طريقاً؟ أو يعمل على نشر الرعب في منطقة ما، فيقتطع من حيوات أهاليها نصيباً بين حين وحين؟ وما هي معايير اختياره للضحية؟ وما هي حدود حريته في انتخاب الضحية؟ بماذا ينشغل بين قنص وآخر؟ هل يشعر بالضجر بين موت وموت؟ وهل ترسم له مخيلته ملامح أليفة لحياة ضحيته فيطال الحزن قلبه؟ هل يتخيل مثلاً أن الرجل الذي أودع رصاصة في رأسه قبل قليل كان في طريقه لتدبر أمر إطعام عائلته، فيؤلمه هذا الخيال بعد أن تكون قد سبقت الرصاصة العذل؟ هل يقطّع الوقت بتخيل وقع ما فعله منذ قليل على أهل الضحية؟ هل يداهمه عويل أم أو زوجه؟ وهل يتصور بكاء طفل يشعر بخسارة غامضة أمام بكاء أمه وصراخها؟ أم أنه يحس بسعادة في القتل أو بفخر في المهارة؟ هل يجد متعة في امتلاكه هذه القدرة على إطفاء شمعة حياة وإحداث تحول كارثي في مصير عائلة؟ هل حدث مثلاً أن ركّز دائرة موته على شخص ما ثم خطر له أن يعدل عن قنصه وأن "يهبه الحياة"؟ أم أن روتين فعله اليومي يقتل لديه مثل هذه "المتعة"؟ هل يحدث له أن يستعرض في ذاكرته طرفة ما ويضحك "في عليائه" كما يضحك أي شخص يتذوق طعم الحياة؟ ألا يشتاق لما له من أطفال أو زوجة أو أهل؟ وكيف يتجاور لديه شوقه "الطبيعي" هذا مع استعداده "الشاذ" لقتل أناس لا ذنب لهم سوى أن حظهم العاثر قادهم إلى الدخول في دائرة استهدافه؟
ربما تشكل المسافة البعيدة بين القاتل والمقتول راحة لضمير القناص. فهذه المسافة تحمي عينيه من نظرة عيني ضحيته وتجعل للتأثير اتجاهاً واحداً فقط. المسافة البعيدة تجرد الضحية من سلاحها، وتحرم براءتها من أي دور يمكنها أن تلعبه. للبراءة فرصة في أن تعدل أحياناً من مزاجية المعتدي وتعدل بالتالي من قراراته وأفعاله. وقد تنقذ البراءةُ حياةً حين تكون الحيوات عرضة للتلف كالأشياء المتراكمة والفائضة عن الحاجة. البراءة قد تنقذ حياة طفل عارية من أي حماية مثل سلحفاة بلا قوقعة. فقد تتغلب البراءة على العدوانية إذا أتيح لها أن تخترق عيني المعتدي. غير أن القناص يبقى في منأى عن هذا التأثير، وتبقى عدوانيته محصنة أو حرة من مفعول المفاعيل المضادة. تتشابه ضحايا القناص ضمن دائرة الموت التي تتوسطها إشارة صليب متساوي الأذرع. ربما كان لشبهٍ ما بين الضحية وأحد أصدقاء القناص أو أقاربه تأثير في صيانة حياة الضحية. أو لعل ابتسامة عادية على وجه الضحية الغافلة أن تمتص سواد القدر الذي يرسمه لها القناص. غير أن ضحاياه تتشابه في ملامحها العامة التي تبقى عامة، فالقناص لا يعرف وجوه ضحاياه. تتشابه ضحايا القناص في غفلتها عن موتها الوشيك. وتتشابه في الوظيفة التي يختارها لها، وهي أن تمنحه حياتها دون إرادة منها وتموت. تلك هي وظيفة الضحية في عيني القناص. وتلك دائرة لا بد أن تكتمل بين قاتل وضحيته.
كان يمكن لكلمة تقولها الضحية أن تعدل في المصير الذي ينتظرها لو كانت المسافة قريبة. وكان يمكن لقرب المسافة أن تجعل القناص يحتسب لصوت ألم الضحية واستغاثتها، فيحجم قليلاً. غير أن المسافة بعيدة والسلاح قادر على طي هذه المسافة التي لا تستطيع الأذن ولا العين أن يطوياها. هكذا يجمع القنص بين الدقة والعشوائية، فيكون دقيقاً إلى حد يتيح زرع الرصاصة في جبين الضحية أو في عينها، وعشوائياً إلى حد التشابه بين الضحايا.
من حياة القناص يتدفق الموت على الضحايا. حياة توزع الموت، هذه هي حياة القناص الذي صاغت منه أسوأ خلطة ممكنة من الأخلاق والسياسة والتكنولوجيا، إلهَ موتٍ حديث.
تموز 2013



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التشبيح الموازي
- بورتريه ريفي
- التحديق في الموت
- رثاء الأحياء
- حركة أحرار الشام، بين الجهادية والأخوانية
- مقابلة عن الحالة السورية في 2014
- أبو طالب وأم اسماعيل
- حوار لصالح مركز حرمون للدراسات المعاصرة
- العلمانية من منظور الأقليات الدينية
- العلويون السوريون بين الانفتاح والانعزال
- مديح المفاجأة
- السودان، خطوة إلى الأمام ومخاطر متربصة
- الهزيمة المؤسسة للهزائم
- نفوس مفخخة
- الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً
- اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة
- حوار، عن الذات وعن الثورة
- هموم لغوية
- سلطات منزاحة
- إلى اختي الصغيرة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - بماذا يفكر القناص؟