|
المثقف العربي في عصر العولمة
فاطمة واياو
الحوار المتمدن-العدد: 1546 - 2006 / 5 / 10 - 11:16
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
هل ولى زمن المثقف الرائد وضمير الأمة وقائد الجماهير؟ لقد أصبح المثقف العربي تابعا، لا حول ولا قوة له أمام آلة التمييع والتسطيح والتنميط التي تشهدها الساحة الثقافية العربية من المحيط إلى الخليج. إن العولمة الثقافية، وهي جزء من العولمة الشاملة، قد تضيع هويتنا إن لم تكن قد ضاعت بالفعل، وهو ما يفرض على المثقف العربي أن يطرح السؤال الإشكالي ربما المعهود: هل نحن فعلا كشعوب عربية ما زلنا نملك هويتنا الثقافية حتى نتحدث عن تهديدات لها من قبل هويات ثقافية أخرى؟ لقد أصبحنا نعيش مرحلة الركود والجمود وانتفى زمن الإبداع، إلا من محاولات قد تكون معزولة ولكنها شجاعة في صمودها في زمن أصيح التيار الجارف القادم مع الرياح الأمريكية قويا ، جنونيا وشرسا. إنه عصر الاستلاب الأمريكي باسم العولمة، وهو ما يتطلب مواجهة، ربما يجب أن تكون عنيفة عنف الابداع لحظة انبثاقه، فكر يتوق للتحرير والانعتاق.
هل تراجع دور المثقف العربي عن دوره الريادي والطلائعي في المجتمع ؟
في زمن أصبح التردي الشامل يهيمن على رقعة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وعلى جميع المستويات، نجد أن المثقف العربي أصبح مهمشا ويعيش في الظل إن لم نقل انه انزوى في بقعة مظلمة. لم يعد يقوم بدور الطلائعي ودور المحرض على التغيير وعلى نشر الوعي والتحسيس بقضايا الأمة. لأنه لم يعد المثقف العربي رمز المندد ولا رمز التغيير المنشود. لقد أصبحت مظاهر المجتمع الثقافية والفكرية منمطة. فرغم ما يبدو من التعدد فإنها تنصب في قالب واحد هو المظهر الرأسمالي الجديد العولمي لكل ما يمت بصلة للفكر والثقافة وبالتالي للحياة الاجتماعية. من هنا أصبح المشهد العام للمجتمعات العربية يتسم بتراجع دور المثقف وسيطرة الفكر العربي الاستهلاكي على مظاهر الحياة من بينها الفكر والثقافة. لمادا أصبح المثقف العربي يجهد فكره ويملأ خطاباته بالدعوة إلى حوار حضاري مع الآخر والتصالح مع من يعتبرهم قوى السلام في كيان العدو ( إسرائيل) ولا يبدل أدنى مجهود من أجل حوار عربي وتحقيق مصالحة مع الذات أولا؟ لماذا أصبح السؤال الإشكالي داخل الثقافة العربية هو إشكالية صراع الحضارات؟ هل حضاراتنا اليوم العربية والإسلامية تعيش على طرفي نقيض أو صراع مع حضارة الآخر ( الغربية الرأسمالية) خاصة مايتعلق بالجانب الفكري المعرفي والثقافي؟ لماذا يصر أغلب المثقفين على الخوض في مثل هذه السجالات الوهمية التي يمكن اعتبارها عقيمة بالنظر إلى ما تخفي وراءها من مصالح ذاتية؟ فالمثقف السلفي يدافع عن مصالح نخبة فئوية تنتمي لتيار يغرف من تمويلات البتر ودولار ويغلف دفاعه هذا بدفاعه عن الهوية الخاصة، أما المثقف الليبرالي فيدافع عن ضرورة فسح المجال لجعل المجتمعات العربية والفكر العربي نسخة طبق الأصل للمجتمعات والفكر الغربيين وسوقا استهلاكيا لكل البضائع والمنتوجات الغربية بما فيها الفكرية والثقافية.
خلفية تاريخية
مع بداية التسعينات من القرن الماضي، تصاعدت موجة الكتابات خصوصا في العالم الغربي والتي انتهت في تحاليلها إلى أن العالم يعيش عصر الصراعات الحضارية، وهي التسمية التي أعطاها أصحاب هذه الكتابات من المفكرين الغربيين لعصر ما بعد الحداثة. في سنة 1992 كتب فوكو ياما نهاية التاريخ وهو من الكتابات التي لاقت رواجا ولكنها تعتبر جزءا من فكر صاعد بالغرب آنذاك ليجد له امتدادا في الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي مع بداية القرن 21 . إن مثل هذه الكتابات والأفكار تعتبر الأساس الأيديولوجي الذي كان ضرورة ملحة من أجل التأطير الإيديولوجي للنظام العالمي الجديد ولعالم ما بعد الحداثة. وإذا عدنا إلى المنطقة العربية وبالتحديد إلى الفكر والثقافة العربيين نجد أن مثل هذه الإرهاصات والأفكار وجدت لها صدى في مختلف مناحي الحياة في الوطن العربي ولعل المتتبع والمتأمل للأحداث سيلاحظ أن بعض وسائل الإعلام تبنت خطابا مغايرا، أهم سماته حذف كلمة عرب حين الحديث عن الصراع الحالي واستبدالها بكلمة مسلمين. وهو منعطف خطير يستهدف تغيير المواجهة بين العرب والصهاينة، واستبدالها بمواجهة الحضارة المسيحية والإسلامية أو مع غيرها من الحضارات الإنسانية الأخرى ، والغريب أن هناك مفكرين أمريكيين يشتغلون على مسألة حوار الحضارات ويجهلون أو يتجاهلون أننا أمة عربية ولا ينفكون ينعتوننا بأننا شعورا ناطقة بالعربية. من هنا يمكن القول أن العولمة أو الأمركة قد نجحت في أولى خطواتها المتمثلة في التأصيل الفكري لعصر ما بعد الحداثة حيث غدت الرأسمالية العالمية الجديدة التي تقود الصراع باسم المسيحية ضد الحضارات الأخرى في الظاهر، وفي الخفاء تحاول توسيع دائرة نفوذها الراسمالي للسيطرة على موارد الاقتصاد العالمي، وهي السيطرة التي لن تكون ناجحة دون استغلال الوسائل الضاغطة الأخرى، ولعل أهمها في قرننا الحالي الوسائل الإعلامية والمعلوماتية وأيضا الترويج الفكري لها من خلال كتابات وأفكار تمجد التفوق الغربي في مواجهة التخلف العربي. لقد تحول الصراع من صراع بين الفقراء والمسحوقين والمظلومين وبين الراسماليين أو المستعمرين الجدد المسيطرين على كل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية باسم العولمة إلى صراع الحضارات القائم على الإقليمية والتعصب العرقي أو الديني. في ظل هذه الأوضاع يغدو دور المثقف العربي متعاظما وحيويا وخطيرا في نفس الآن...وهو دور سيحاسب عليه من قبل التاريخ إن هو تنصل من مسؤولياته أو تواطأ ضد إرادة الشعوب في المنطقة العربية واتجاه شعوب الجنوب عامة.
ما هو الدور الذي يضطلع به المثقف العربي؟
بداية يجب الوعي بأننا نعيش مرحلة تاريخية انتقالية خطيرة. وباعتبار المثقف طليعة المجتمع فإن الظرفية تحتم عليه أن لا ينزلق وراء التفسيرات والتقسيمات والنظريات التي توصف بأنها فكر ما بعد الحداثة، لأن مثل هذه النظريات لا تعني سوى التأصيل والتأطير لمرحلة العولمة والتي تقودها الرأسمالية العالمية والإمبريالي الجديدة، هذه النظريات التي تقسم العالم إلى قسمين والصراع إلى صراعين : عالم الشمال الرأسمالي المسيطر وعالم الجنوب المتخلف فريسة النهب والاحتلال من طرف العالم الأول. وصراع بين حضارتين حضارة الراسمالية المالية ويقودها العالم المسيحي الغربي وحضارات أخرى مناقضة وتقودها الحضارة الاسلامية خصوصا في المنطقة العربية. إن على المثقف العربي ان لا يقع في مثل هذا الفخ، فهو تقسيم وتنظير يراد من وراءه تغييب حقيقة تاريخية وواقعية وهي أن أي صراع أو أية حروب تقوم على الصراعات و الخلافات ذات البعد الاقتصادي والجيوسياسي منذ بداية التاريخ إلى الآن، ونحن مازلنا داخل التاريخ وليس كما يدعي منظرو النظام العالمي الجديد ومنظرو العولمة من اننا نعيش مرحلة ما بعد الحداثة ونهاية التاريخ.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا نريد حتى الآن أو ما هو المطلوب من النخب العربية وفي طليعتها المثقفين؟
إن دور المثقف الآن هو تحديد المفاهيم والنظريات التي تؤطر عالم اليوم وان لا يقف مكتوف الأيدي معصوب البصيرة أمام ما يجري من أحداث متلاحقة تتسم بالمزيد من الالم والبشاعة خصوصا ضد الشعوب العربية. على المثقف أن يحدد هل المطلوب تأصيل الصراع مع الآخر، أو الدخول في حوار متسامح. لعل بداية الحل هي خلخلة المفاهيم القديمة والأفكار المسبقة، وإعادة طرح أسئلة جديدة تتناسب وما يجري ويحدث من تطورات في الواقع بدل الخوض في نقاشات والبحث عن أجوبة لأسئلة تجاوزها العصر.
فهل المطلوب الآن حوار متسامح مع الآخر المهيمن أم حوار مع كل القوى الحية المناهضة للهيمنة و الاستعمار الجديد في كل المواقع وكل انحاء المعمور من اجل مواجهة الخطر الذي يتهددنا جميعا بفعل الراسمالية العالمية الجديدة؟
فإدا كان المثقفون العرب ينقسمون الآن إلى نوعين: نوع اختار الارتماء في أحضان الامبريالية الجديدة وأصبح بوقا للترويج لفكر عصر ما بعد الحداثة ولعصر النظام العالمي الجديد. وآخر واجه هذه الهيمنة بالتقوقع على الذات وتأصيل فكر سلفي اصولي يتسم في أحيان كثيرة بالتعصب والتطرف، فإنه اصبح من الضروري ان تتواجد على الساحة الثقافية العربية أصوات ثالثة مناهضة للتيارين، رغم وجود بعض المحاولات القليلة والتي عليها أن ترفع بصوتها عاليا وتضطلع بدورها التحسيسي اتجاه شعوبها من اجل الوقوف في وجه هذين التيارين الذان يناهضان إرادة الشعوب في تحقيق العدالة والمساواة.
فمهما تغيرت الموازين واختلفت المواقع، فإن صيرورة التاريخ لا تتوقف. من هنا ضرورة الوعي بأن اية مواجهة للآخر أو حوار معه يجب أن يبدأ بمواجهة مع الذات وبحوار داخلي أهم سماته النقد الذاتي. هذا النقد الذي لا يجنح إلى تعذيب الذات وإهانة للنفس وهو ما يريده اعداء الحرية والسلام والحوار المتسامح، إنه نقد وحوار صريح واقعي، عقلاني، وموضوعي الهدف منه معرفة متبصرة لتوالي الاحداث وعدم الانصياع وراء الصور والخطابات الاعلامية دون تحليل وفهم للواقع المحيط وللتطورات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم.
يجب أن نكف جميعا عن عن أن نكون مجرد مستهلكين لخطابات فجة مسمومة ومغرضة. على كل مثقف عربي ان يعيد الثقة بنفسه وبقدراته وأن يعي بأن المستقبل هو لإرادة الشعوب، وأن معانقة القضايا الانسانية في شموليتها ومواجهة قوى الراسمالية العالمية لا يمكن أن تنجح إلا بإبداعات تمثل نضالات الشعوب عبر العالم التي لا تخبو أبدا والتي تراها على امتداد الخارطة العالمية ضد أخطبوط العولمة الذي يزحف نحونا جميعا، حارقا في طريقه الاخضر واليابس. هذه هي المواجهة الحقيقية ةهذه هي النضالات الحقيقية التي اصبحت تفرضها المرحلة التاريخية لمواجهة كل أشكال الهيمنة والتنميط وكذا لمواجهة كل أشكال التقوقع والتعصب والتطرف.
إذا كنا نريد فتح حوار فيجب أن يكون مع كل القوى المحبة والمؤمنة بقيم الحرية والسلام والعدل دون تمييز بين شعوب الأرض باختلاف الثقافات والعقائد والحضارات. ولعلنا جميعا لا يمكننا أن نغفل كل المظاهرات التي تقوم في مختلف بقاع العالم بما فيها العالم الغربي وخصوصا أوربا ضد الامبريالية الجديدة وضد انتشار اسلحة الدمار الشامل، لأي أنها ضد العولمة بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا.
خاتمة:
الحوار مع الآخر لا يمكن أن يكون ناجحا ومثمرا إلا إذا نحن حققنا حوارا ذاتيا شفافا حرا وصريحا مع محيطنا في خطوة أولى نحو خلخلة المفاهيم وإعادة بناء أسئلة إشكالية تفرضها المرحلة وهي اسئلة لا يمكن إبداعها ولا بناءها إلا بالانطلاق من الواقع المعاش ومعانقة الاشكاليات والقضايا المعاشة على أرض الواقع وأيضا من خلال استلهام المعطيات والمفاهيم المستجدة في مرحلتنا الراهنة والتي تنعت بمرحلة العولمة أو بمرحلة ما بعد الحداثة وهو تمثل واستلهام لن يتحقق إلا بالفهم الجيد وباستغلال نفس الوسائل التي خدمت ولازالت تخدم الرأسمالية العالمية لبلوغ أهدافها، وأعني بها المعلوميات والإعلام، فالإعلام في منطقتنا العربية ما زال يوظف لشيئين، نشر ثقافة سطحية وانتاجات فنية هابطة ومائعة، أونشر فكر متزمت متطرف وكلاهما يخدم مصالح الراسمالية العالمية ويجعل مجتمعاتنا العربية تنقسم إلى اتجاهين متناقضين تحكمهما الصراعات والحروب الكلامية والمسلحة وهو ما يقدم فرصة سانحة للآخر لإحكام السيطرة على مقوماتنا وقدراتنا أو ما تبقى من قدراتنا ليصبح أي حديث عن توحيد المواقف والجهود أو حتى اجتماع لعقد قمة عربية والخروج بموقف موحد أمرا صعبا إن لم تقل مستحــــــــــــــيلا.
#فاطمة_واياو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع المدني المغربي ودوره في التنمية
-
الثقافة العربية: إبداع أم اجترار للعقم
-
المجتمع المدني المغربي: بين الرؤية التنموية ودعم حقوق الإنسا
...
-
العولمة الرأسمالية والتمويلات الدولية: دورها في تشكيل خارطة
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|