|
في ذكرى انقلاب 30 يونيو 1989
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 6296 - 2019 / 7 / 20 - 11:10
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
مضت ثلاثون عاما علي انقلاب 30 يونيو المشؤوم الذي دبرته الجبهة الإسلامية ، وكان كارثة بحق حلت بالبلاد وشعب السودان، جاء الانقلاب ضد نظام ديمقراطي منتخب، وبعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية بعد حوار طويل وشاق مع الحركة الشعبية إلي اتفاق لحل مشكلة الجنوب " اتفاق الميرغني – قرنق" لوقف الحرب والسلام في إطار وحدة البلاد، وعقد المؤتمر الدستوري . لكن الانقلاب قطع الطريق أمام ذلك ، واشعل نيران الحرب الجهادية في الجنوب التي أدت إلي استشهاد حوالي مليون ونزوح 4 مليون مواطن جنوبي ، وكانت النتيجة النهائية كارثة فصل الجنوب. كما اتسعب الحرب لتشمل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ، ودارفور، مما أدي لأكبر مأساة انسانية. ومارس النظام أقصي درجات المراوغة في الحوار ونقض العهود والمواثيق ، والاتفاقات مع الحركات والأحزاب، التي كانت يمكن أن تفضي لحلول لأزمة البلاد ، مما أعاد إنتاج الحرب والأزمة بطريقة أعنف من السابق. كما صادر النظام الحقوق والحريات الأساسية ، ومارس أبشع أساليب الاقصاء من تشريد حوالي 400 ألف من الخدمة المدنية والنظامية ، واعتقال وتعذيب الالاف ، واتخاذ سياسة التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن السلع الأساسية ، والتعليم والصحة، والخصخصة وتشريد العاملين ، مما أدي لافقار 95 % من شعب السودان، ونهب ممتلكات الدولة : سكة حديد ، نقل نهري ، خطوط جوية وبحرية ، ومؤسسات وشركات رابحة، وتم بيعها بأثمان بخسة لمحاسيب الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية. وتمت مصادرة حرية الأحزاب والعمل النقابي ، وتزوير الانتخابات العامة والنقابية ، وتكوين تنظيمات فوقية علي حساب الدولة، والتفريط في سيادة البلاد " احتلال حلايب – شلاتين – الفشقة". وجد الانقلاب مقاومة كبيرة بدأت باضراب الأطباء في ديسمبر 1989 ، واضرابات العمال وانتفاضات الطلاب والمدن ، والحركات المسلحة ، ومقاومة المزارعين ومتضرري نهب الأراضي والسدود، وتأجير الموانئ ، كما حدث في الميناء الجنوبي لبورتسودان ، وتأجير ميناء سواكن ، واستشهاد أبناء البجا وكجبار والطلاب في الهبات الجماهيرية ضد النظام ، وارتكب النظام مجازر مثل : اعدام مجدي وجرجس بسبب حيازتهم دولارات !!، ومجزرة شهداء 28 رمضان ، ومجزرة العيلفون، واستهداف طلاب دارفور..الخ ، وهبة سبتمبر 2013 التي هزت أركان النظام ، ويناير 2018 ، حتي تم تتويج ذلك التراكم بثورة ديسمبر 2018 التي انفجرت في 13 ديسمبر من الدمازين ، وبشكل أعمق في 19 ديسمبر في عطبرة ، وارتفع سقف المطالب من استنكار للزيادات في الأسعار إلي اسقاط النظام ، كما رفع تجمع المهنيين سقف مطالبه من زياد الأجور إلي اسقاط النظام في مذكرة 25 ديسمبر2018 للقصر، وبعد ذلك تكونت " قوى الحرية والتغيير" ، التي قادت المعركة والمظاهرات بجداول محددة ، ورغم القمع الذي أدي لاستشهاد أكثر من 60 مواطنا وجرح أكثر من 500 ، واعتقال الالاف ، الا أن المقاومة استمرت بقوة حتى موكب 6 أبريل الذي أفضي للاعتصام في محيط القيادة العامة في العاصمة والحاميات العسكرية في الأقاليم ، وانحياز أقسام من الجيش للثورة ، مما أدى لانقلاب "اللجنة الأمنية" للنظام في 11 أبريل الذي أزاح البشير ، وجاء الفريق ابنعوف الذي رفضه الثوار ، وبعده جاء المجلس العسكري بقيادة الفريق البرهان ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي". جاء الانقلاب ليقطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها وامتدادا للنظام الفاسد ، وأبقي علي رموز النظام ا الفاسد في الوزارات والهيئات الدبلوماسية والقضائية والنائب العام والقوات النظامية والإعلام ، كما تم الإبقاء علي كتائب الظل ، ومليشيات النظام السابقة ، ومليشيات الدعم السريع ، وجهاز الأمن بدلا من إعادة هيكلته ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وإلغاء قانون الأمن وكل القوانين المقيدة للحريات. كما أبقي علي وجود السودان في محور " السعودية – الإمارات – مصر" ، ووجود القوات السودانية في اليمن ، في تدخل في اشؤونها الداخلية ، بدلا من حل المشكلة سلميا في إطار الأمم المتحدة ، وبعيدا عن التدخلات الخارجية. كما أبقي الانقلاب علي مصالح الرأسمالية الطفيلية ونشاطها المدمر في السوق ، من تصدير للذهب ورفع قيمة الدولار ، والتهريب ، واستمرت أزمات الوقود والخبز ، وشح السيولة ، والصرف الكبير علي الأمن والدفاع ، كما يتضح من انتشار قوات الدعم السريع في الشوارع ، وانعدام الأمن مثل: حالات النهب وحلاقة شعر الشباب، والقتل في الأحياء من أفراد قوات الدعم السريع، وانقطاع خدمات الماء والكهرباء ، وشح الجازولين الذي يهدد الموسم الزراعي، وعدم الاستعداد للموسم الدراسي من خلال انعدام الأمن وعدم تأهيل المدارس وتصدعها ، وارتفاع نستلزمات المدارس من حقائب وملابس وكراسات وادوات مدرسية ، وكتب، والنقص في الكتب والمعلمين والمعدات ، وعدم تصفية رموز النظام الفاسد من وزارة التربية والتعليم ، واستمرار ما يسمى النشاط الطلابي الذي يقمع النشاط المستقل للطلاب السياسي والثقافي والأكاديمي ..الخ. واختزال محاكمة البشير في حيازته لدولارات!!، في حين انه مطلوب للجنائية الدولية ، وجرائم هائلة ارتكبها بعد الانقلاب، ومنع قوات الأمن تفتيش منزل " قوش" بعد قرار النائب العام ، وإعفاء النائب العام نفسه بعد نفيه مشاركته في الاجتماع الذي قرر فض الاعتصام. واصل الانقلاب العسكري سياسة النظام السابق في المراوغة ونقض العهود والمواثيق ، والتعنت للحصول علي أغلبية ورئاسة في المجلس السيادي ، ورفض مبادرة الوسيط الاثيوبي ، ونفي حتى الوصول لاتفاق مع" قوى الحرية والتغيير" حول مجلس الوزراء ونسبة ال 67 % لقوى التغيير في المجلس التشريعي ، وطلب تقليصها إلي 50 % ، وتقليص الفترة الانتقالية لمدة عام ، والدعوة لتكوين حكومة ، وانتخابات عامة خلال 9 شهور ..الخ ، وغير ذلك من المراوغة والتصريحات المتضاربة لقادة المجلس ، مما يعكس أن المجلس العسكري ما هو الا استمرار لنظام المؤتمر الوطني السابق، ومنهجة في المراوغة والخداع ، ونقض العهود المواثيق الذي لا يساعد في خروج البلاد من الأزمة ، والانطلاق نحو تحول دييمقراطي يكفل الحقوق والحريات الأساسية ، وحرية تكوين الأحزاب والنقابات والتجمع السلمي ، وتصفية المليشيات وإعادة هيكلة جهاز الأمن ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها ، وإلغاء قانون الأمن والقوانين المقيدة للحريات ، وقانون ديمقراطي للانتخابات ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، وسياسة خارجية بعيدة عن المحاور وتضمن السيادة الوطنية ، ووقف الحرب ، والحل العادل لقضايا المناطق المهمشة ، مما يفتح الطريق لنجاح الفترة الانتقالية ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهايتها. لكن المجلس والعسكري واصل في القمع والمحاولات المستمرة لفض الاعتصام كما في محاولات الأثنين 13 مايو الدامي بشارع الجامعة ، واستشهاد 8 من المواطنين ، وأحداث شارع النيل، وحتي مجزرة 3 يونيو التي استشهد فيها أكثر من 128 مواطن وجرح أكثر من 500 ، وماحدث من جرائم الحرق للمعتصمين وهم نبام وصيام!! ، ورمى الجثث في النيل، وحالات الاغتصاب ، مما أعاد جرائم دارفور ، تلك الجريمة ضد الانسانية التي أودت بقادة المجلس العسكري للمحكمة الجنائية ، ودخل عامل جديد للتتشبث بالسلطة خوفا من الجنائية ، إضافة للمصالح الطبقية التي تعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية ، واستمرار المجلس العسكري في سياسة القمع والارهاب ، كما في اجراءات الفصل والنقل والجزاءات التعسفية للعاملين بعد الاضراب العام والعصيان المدني، والقمع الوحشي للمظاهرات السلمية بالهراوت والسياط والغاز المسيل للدموع ، واطلاق الرصاص في الهواء ، ومنع الندوات في الأحياء والأندية التي دعت لها " قوى الحرية والتغيير" واشتراط التصديق من : الشرطة والأمن والدعم السريع!!. كل تلك الممارسات للنظام الفاسد من قمع ومصادرة للحريات ، والحشود الزائفة من إدارات الأهلية التي لا تعبر عن قبائلها ، كما أعلنت الكثير من القبائل ، وحشود اتحاد المرأة ، ورموز المؤتمر الوطني والإسلامويين، وأحزاب الحوار ، وتيار نصرة الشريعة ، وارجاع رموز نقابات النظام السابق ، والصرف المالي الضخم علي تلك الحشود ، والادعاء بالتفويض الشعبي المفقود ، علما بأن تلك الأساليب من أدوات قمع وحشود زائفة لم تنقذ البشير، وذهب لمزبلة التاريخ . اصبح واضحا ، بعد تجربة أكثر من شهرين علي انقلاب المجلس العسكري وممارساته ، لابديل غير مواصلة التصعيد والاستفادة من التجربة السابقة ، وتقوية التحالفات القاعدية ولجان المقاومة ، ومواصلة المظاهرات والندوات والوقفات الاحتجاجية ، والاضرابات، ومواصلة محاصرة النظام من السودانيين في الخارج، وتحسين أوضاع الجماهير المعيشية وتوفير الخدمات ، وانتزاع لجان الحكم المحلي ، وانتزاع النقابات ،وانتخاب لجانها التمهيدية، والتحضير الجيّد لانتخابات الاتحادات المهنية لاسقاط رموز النظام البائد والفاسد، والمطالبة بلجنة تقصي مستقلة في مجزرة فض الاعتصام ، وارجاع خدمة الانترنت ، وابعاد المليشيات خارج المدن ، واطلاق سراح المعتقلين ، وارجاع المفصولين ووقف الاجراءات التعسفية من نقل وجزاءات للذين شاركوا في الاضراب العام والعصيان المدني ، باعتبار ذلك حق تكفله المواثيق الدولية، ووقف الانتهاكات والقمع الوحشي للمظاهرات، ومصادرة الحريات ومنع الندوات ، ووقف مداهمة البيوت من قوات الدعم السريع ، وحالات النهب في الأحياء للمواطنين من القوات المتفلتة ، التي اطلقها انقلاب المجلس العسكري من عقالها ، مما ينفي حديثه ، بأنه الضامن للأمن!! . في ذكرى 30 يونيو فلنعمل علي أوسع مشاركة في موكب 30 تعبيرا عن الذكري المشؤومة لانقلاب 30 يونيو وجرائمه ، وامتداده في المجلس العسكري الراهن والمطالبة رحيله ، واستنكارا لمجزرة 3 يونيو ، وتخليدا لذكرى الشهداء ، ونشر اسماءهم ، ومشاركة أسرهم ، وتعبيرا عن مواصلة التراكم النضالي الجاري حتي الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي يطيح بالانقلاب العسكري ، وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي. المجد والخلود للشهداء .. عاجل الشفاء للجرحي ..
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم التجديد عند حمزة الملك طمبل
-
وداعا المناضل يوسف حسين
-
لا بديل غير التصعيد لاسقاط النظام
-
نجاح الاضراب خطوة مهمة لاسقاط الانقلاب العسكري
-
الحكم المدني الديمقراطي ضمان وحدة وسيادة البلاد
-
الثورة تسير نحو انتزاع الحكم المدني
-
مخاطر تهدد الوطن والثورة
-
ضمانات نجاح الاتفاق وتقدم الثورة
-
انقلاب القصر يكشف عن طبيعته الديكتاتورية
-
لا بديل غير الحكم المدني
-
في ذكرى أول مايو : دور العمال في ثورة ديسمبر 2018
-
منعطف خطير في مسار الثورة
-
مواصلة الثورة حتي تحقق أهدافها.
-
انقلاب 11 أبريل وُلد ميتا..
-
ارادة الشعب لا غالب لها
-
ثورة ديسمبر وتجليات استعادة الوطن
-
هل كانت انتفاضة مارس - أبريل 1985 حدثا عفويا؟
-
العمال يعطون دفعة قوية للثورة
-
الوحدة والتلاحم ضد مؤامرات اجهاض الثورة
-
يذهب الزبد جفاءا ويبقي ما ينفع الشعب وثورته
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|