أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد المعبود - كمْ تستطيع الأخلاقُ أن تصمدَ دون سلطةِ الخوف؟















المزيد.....


كمْ تستطيع الأخلاقُ أن تصمدَ دون سلطةِ الخوف؟


محمد عبد المعبود
(Mohamed Abdel-maboud)


الحوار المتمدن-العدد: 6293 - 2019 / 7 / 17 - 23:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ربما واتتك تلك اللحظة التي تساءلت فيها: لماذا تكمن الفضيلة في أن ألتزم بالأخلاق وتبرز الرذيلة في تجنبي الأخلاق؟ لماذا تعد تلك الفضيلة فضيلة وتلك الرذيلة رذيلة؟ وما الذي يجعلني ملزم الضمير بأن أفعل الخير وأنبذ الشر؟
وربما تساءلت كذلك: هل ما يجعلنا نلتزم بالأخلاق هو إدراكنا الضمني بأن هنالك من يرقبنا ويحسب خطواتنا؟ فهل نلتزم بالأخلاق لمجرد أننا نخشى العواقب؟

وهذا بدوره يطرح سؤالا أهم: هل نحن بطبيعتنا مجبولون على فعل الخير؟ أم أنه كما اعتقد سقراط: فإننا اختلقنا هذه الإشكالية، ثم أدركنا أن التزامنا وإلزامنا بالأخلاق يجلب النفع لنا ولمن هم حولنا؟

أمنية التخفي

في تحفته الفريدة بين تراث الفلسفة الغربية، الجمهورية، يفترض أفلاطون وجود خاتم يمكن صاحبه من الاختفاء، ثم يعثر عليه مصادفة راعي ماشية يدعى جيجس لتنقلب حياته البسيطة وحياة مجتمعه رأسا على عقب، فيقترف الكثير من التعديات الأخلاقية براحة بال تامة، لأنه حسب منطقه قد ضمن غياب الرقيب وأمن تماما من العواقب. حتى أن حبكة القصة ودلالاتها الرمزية تكررت بصور متنوعة في ثقافات مختلفة، قديما وحديثا. كخوذة هاديس وخوذة تارنهيلم وشملة كاسيفيلانو - في الميثولوجيا اليونانية والجرمانية والبريتانية على الترتيب - والتي منحت أصحابها قدرات فوق بشرية أحيانا لكي يوظفوها معظم الوقت في الظفر بأعدائهم. وكذلك في التراث البوذي القديم، حين منح موغالان وهو أحد حواري سيدارثا البوذا، القدرة على الاختفاء ليستطيع بها الفرار من قتلته. حتى أن لنا قرب عهد بدلالات مماثلة، كفكرة "الطاقية" بالفيلم العربي الكلاسيكي "سر طاقية الإخفاء" المستلهم بشكل كبير من الرواية والفيلم الأمريكي "الرجل الخفي". وكفكرة الخاتم المخادع في رواية وفيلم" سيد الخواتم".

والأمثل من ذلك في أدبيات العشق والغزل، التي يرجو العشاق فيها غفوة الأعين عنهم، ويتلمسون أستار الليل ليظفروا باللقاء، الذي هو متاح فقط إن كانوا في حكم الخفاء. فهذا امرئ القيس سليل ملك كندة وآخر ملوكها يتلمس الخفاء بالليل لينال مراده، كما يصرح بنفسه:
تَجَاوَزْتُ أحْرَاساً إِلَيْهَا وَمَعْشَراً .:. عَلَّي حِرَاصاً لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِي
إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ .:. تَعَرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ..
فربما لو ظفر بخاتم جيجس، لما تكبد كل هذا العناء. واللافت هنا أن الخفاء هو متمنى كل إنسان يخشى الأعين ويتقي العواقب، فإن تواجد إنسان لا يعبأ بالرقبة أصلا فهو في غنى عن خاتم جيجس وتحينات امرئ القيس. وكم يحمل القول المعروف "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" الكثير من الدلالات في هذا الشأن.

والسؤال الآكد هنا، والذي ينبغي أن تفكر فيه مليا مع نفسك: لو أن ذلك الخاتم أو تلك الخوذة أو الشملة تواجد ليك، وقد أصبحت خفيا تماما عن الأعين، هل ستحسن التصرف الأخلاقي عندها مثلما تفعل الآن؟ أم سيحملك ذلك الخفاء على التحرر من قيود منظومتك الأخلاقية، حتى تستبيح أفعالا كالأذى والسلب والاعتداء، لأنك تضمن تماما نجاتك من العقاب؟
وقبل أن تجيب أود أن أسأل كذلك: لماذا نكذب دائما في إجابة هذا السؤال؟


التاريخ والنسبية

حسب ما يرى هيرودوت، المؤرخ اليوناني الكبير، فإن الظروف هي التي تصنع منظومة الإنسان وليس الإنسان من يصنعها. وأننا حين ندرس تواريخ الأمم وثقافاتها نكتشف بمنتهى الدهشة: أنه تقريبا ما من سلوك أخلاقي محبوب أو غير أخلاقي مذموم بعرفنا، إلا وستجد حضارة إنسانية أخرى ترفضه تماما أو تقبله وتوصي به. ومن هنا يحاج أن الأخلاق في صورتها المجملة هي أمر نسبي محكوم بالمكان وبالزمن. وعلى ذلك، فلا يمكن بحال من الأحوال أن نبرز انفسنا خارج التاريخ حين ندعي بيقين حصرى: أن هذا السلوك هو "الصواب" الذي لا مرية فيه، والآخر هو "الخطأ" الذي لا ريبة فيه، لأننا كذلك يربطنا بهذه القناعة الأخلاقية ميلادنا وتنشأتنا ووجودنا المكاني والزماني.

وينبغي التنبيه هنا على فارق دقيق يلتبس فيه الكثيرون من المهتمين بدراسة الأخلاق، وهو الفرق بين القيم المجردة والسلوكيات الفعلية. فدراسات الأنثروبولوجيا المتأخرة تشير إلى عدد من القيم الأخلاقية المشتركة بين البشر، على اختلاف أماكنهم وتاريخهم ومستوى رقيهم وتحضرهم، كالشجاعة والحب والصداقة والإخلاص، وتلك القيم وإن كانت تشترك جملتها بين الأمم، فإن السلوكيات التي تندرج تحت كل قيمة منها يتفاوت قبولها وردها من ثقافة لأخرى. كقيمة الزواج مثلا: فإنها تشترك بين مجتمع (أ) ومجتمع (ب) ومجتمع (ج)، سوى أن مجتمع (أ) لا يقبل أن يكون للرجل أكثر من زوجة في آن واحد، بخلاف مجتمع (ب) فإنه لا يرفض ذلك بل يوصي به، وأما مجتمع (ج) فإنه يقبل كذلك أن يكون للمرأة أكثر من زوج في آن واحد.

القانون والأخلاق

وربما لهذه النسبية المتضاربة يميل الكثير منا إلى اعتماد المرجعية الدينية كمصدر أخلاقي مطلق. سوى أن الكثير من السلوكيات الأخلاقية اليومية يتضارب أيضا قبولها وردها بين أديان البشرية الكبرى، ناهيك عن فرق ومذاهب الدين الواحد. فضلا أن أحكام الدين في قرارتها تريد أن تمثل القانون الإلهي، وهنالك فارق جليل بين القانون والأخلاق. فإنك تجد مجتمعا قانونيا فيه المحتاج والطامع والفاسد، ولا يقوى أحدهم على السرقة أو القتل أو الغبن لأنه يخشى الغرامة والإعدام والسجن، فيتسم كل واحد منهم بالصلاح الظاهري حتى تحين فرصة الخفاء التي يحقق كل فيها مأربه. وعلى النقيض من ذلك، فالأخلاق لا تستمد شرعيتها من الخوف. بينما يقوم جوهر النظريات الأخلاقية على فكرة الإلزام، عندما تواتيك تلك اللحظة التي تفعل فيها سلوكا معينا أو تختار قرارا محددا، لا لأن ما يمنعك أو يدفعك هو الخوف، بل لأنك تدرك في قرارة نفسك أن ذلك هو ما يجب أن تفعله، لسبب كذا وكذا وكذا.

والشئ المؤكد من كل ذلك، أنه مهما حويت بجعبتك من جمل مفيدة عن الصواب والخطأ والواجب والممنوع، فإن الحياة ستستمر في مقابلتك بالإشكالات والمعضلات والتحديات الأخلاقية، التي لا يكفيك عندها مجرد التقليد لتشريع قانون أو اجتهاد حكيم أو رأي فقيه. وربما يكون هذا موضوعا آخر لحديث يطول.

والسؤال الأخير هنا: لو أن ذلك الخاتم أو تلك الخوذة أو الشملة تواجدوا ليك، لكن وظيفتهم هذه المرة كانت خادعة، فبدلا من إخفاءك عن الأعين جعلوك ظاهرا للأعين أكثر وأكثر، فهل ستكون تصرفاتك الأخلاقية عندها لا تختلف كثيرا؟ أم ستكون أكثر التزاما بالأخلاق منك الآن؟



#محمد_عبد_المعبود (هاشتاغ)       Mohamed_Abdel-maboud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كمْ تستطيع الأخلاقُ أن تصمدَ دون سلطةِ الخوف؟


المزيد.....




- ترامب يطلب من المحكمة العليا الأمريكية تأخير حظر TikTok
- طائرة مدنية تقل مئات الركاب.. مسؤول أممي تواجد في مطار صنعاء ...
- سوريا..القوات المسلحة للقيادة الجديدة تشتبك مع قوات قسد في ...
- روايات عن أشباح تحوم حول المقر الرسمي لإقامة رئيس الوزراء ال ...
- الجيش النيجيري يقتل 10 مدنيين عن طريق الخطأ
- زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب سواحل جزر الكوريل الجنوبية الروسية ...
- البرلمان العربي: حرق الجيش الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان شما ...
- مقاطع فيديو -صادمة-.. سجين يموت تحت الضرب المبرح من حراس الس ...
- مصادر طبية: كوادر في مستشفى كمال عدوان استشهدوا حرقا
- الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي بمناطق عدة في جميع أنح ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد المعبود - كمْ تستطيع الأخلاقُ أن تصمدَ دون سلطةِ الخوف؟