|
يوميات - الألم هو الذى خلقني -
السعيد عبدالغني
شاعر
(Elsaied Abdelghani)
الحوار المتمدن-العدد: 6293 - 2019 / 7 / 17 - 11:31
المحور:
الادب والفن
يوميات 1 أشعلت سيجارتي الخمسين الآن ، الساعة قاربت على الرابعة فجرا ولازلت لا استطيع النوم رغم تناولي المنومات ولا أستطيع الاستيقاظ أيضا ، إنها حالة من البؤس شديدة الإرهاق، عيناي تنغلق وحدها ولكنى كلما ذهبت للسرير امتلأ رأسي بالحديث ولا استطيع التركيز فى عدم تخيل أي شىء او عدم تذكر أي شىء ،أشعر بظمأ شديد للمخدرات وظمأ شديد للكتابة رغم انى كتبت اليوم كثيرا ودخلت أرحام معاني كثيرة لانهائية ، وسودت مع ذلك قدر لا بأس به من باطني ، الجميع نائم في البيت الا انا والا الخفاش الذى حبسته فى قفص بعد أن نصبت له فخا جيدا ، كنت دوما أمسك الفراشات والدبابير من على السماد عندما كنت اذهب مع جدي للأرض الزراعية، احدق فيه الان باجنحة سوداء ، لا أعرف هل هو ذكر أم أنثي ولكنه يحدق في ايضا، أحب دوما العناكب العقارب الثعابين الخفافيش ، أحب رؤيتها ، إنها كائنات لذيذة لا يحبها الناس ولا يشعروا بجماليتها المفزعة، ان كل ما يخيف الناس به جمالية خاصة ، فوق جماليته الطبيعية ، مسكته ومشيت يداي على اجنحته وتركته بعيدا يطير وزفرت آخر نفس فى سيجارتي وتعريت قليلا قليلا وبدأت في الرقص والكتابة على الحائط كلام فوضوي لا يمت لبعضه بصلة ، أحرقت منديلا وتلذذت برؤيته يحترق، احب دوما أن أرى الأشياء وهى تحترق وتتحول لرماد، خير لها من أن تولد وتتكون في هذا العالم اليائس البائس . * يوميات 2 اليوم فعلت أشياء كثيرة بدون رغبة مني فى فعل أى شىء فيها ، فكانت صائتة باردة باهتة ، كتبت بدون رغبة ورأيت لوحات تجريدية بدون رغبة وأكلت بدون شهية .. إلخ ، حشاي حتى توقف عن الشكوى وتوقف عن التذوق ، كل الافكار لها نفس الصيغة العبثية وكل المشاعر لها نفس الصدفوية وكل الاجساد لها نفس الملمس ، حشاي أصبح يتناول أى شىء ككل شىء ، الاشياء القديمة التى كنت أستلذ بها لم أعد أستلذ بها ، المقدسات الحية المتحركة السمينة المعاني أصبحت تائهة ، البيوت الكائنية التى كنت ألوذ بها أصبحت تنبذني ، أصبحت حتى أدرب نفسي على الانتحار بكتم نفسي ، أهلكت نفسي بيداي ولا يوجد بى ندم حيال هذا الأمر ، لقد جلطت المعقول وسيلت اللامعقول ، وهذا يجعلنى بلا خوف من أى شىء ولكن هذه اللامبالاة تترجم كل شىء كاختناق ، أتهيأ طوال الوقت للرحيل من العالم ، فالانتحار فعل نبوي شامل لانقطاع الوحي القصصي بين الوجود وبينى ، كل باطني مكشوف أمامى يتسربل فى كل ناحية على الورقة ، فأنا لم أعد أستولد شيئا سوى محاريب الدنس . كنت جوالا طوال حياتى فى الشوارع ، لم أكن ولازلت لا احب أى التزام بأي شىء ، أخرج لأحدث الناس وأرى زيفهم ونظراتهم لى وأعرف ما يجول به تجاهي ، لم أكن أخاف من التعرف على الناس من كل الثقافات والطبقات رغم أنى كنت منطويا ولكن ليس بى خوف الانطواء من الاخر ، وفى النهاية أذهب إلى بيت خرب فى آخر البلدة ، أدخن ربما سيجارة حشيش وأعود للبيت ولكن المأساة اليوم أن الحشيش قد انقلبت نشوته إلى اكتئاب شديد ، صرخت باسم امرأة . لم أكن أحب أى أحد ولا نفسي حتى ولا الله . نزلت اليوم لبيت عمتى وجلست فى البلكونة التى كانت تجلس فيها جدتي فى الدور الارضي ، البلكونة على الشاعر ، هناك فقط ستار من أغصان شجرة جهنمية التى زرعها منذ عشرين سنة عمى المتوفي بسبب الحرب ، تذكرت جدتى وسيطر ذلك عليّ تماما . * هذه الليلة غريبة ، انى اكتب فيها وانا مستيقظ وانا فى الحلم ، نائما بجوار النافذة المفتوحة على سرير أخي الغائب ، الدفتر بجواري والسجائر الرخيصة ، اكتب لما استيقظ وأحلم انى اكتب كذلك ، ولكن فى الحلم اكتب بلغات كثيرة بجوار بعضها واتفوه بموسيقي كأن لساني جيتار وكمان وناي. . الخ ، لقد زيلت الجدران فى الغرفة بفعل مجهول وانا على السرير اتحرك حركات لاارادية كثيرة ، السماء ملونة بضوء ارجواني والسرير حوله إزهار ولكنها بلا عبير ، اسمع نبض قلبي واسمع أزيز الهويات الضائعة في داخلي ، واقضم على اصابعي قبل كتابة كل جملة ، أرى وجها من بعيد ، ربما هو فى لوحة سابقة رأيتها وربما لا ، لا أهتم ولا اتبين بعيناي الوجه ، فقط ساكنا وعلى وجهي ابتسامة . ادخل فى الحلم ، المجهول الجبري الذى يدخله جميع الناس بعيدا عن المعلوم الواضح لهم طوال الوقت ، وأنا أحب هذه الجبرية جدا وأكره الضوء الذى ضر بالشاعرية كونه جعل الناس تحيا بدون ظلمة لينسوا اللامرئي والمجهول الكائنين فى الوجود . فى الحلم كنت اتنقل بين نيران بكل الألوان ولا احترق ، امشي فقط ولا أري أي شىء فى النار غيري، نيران صافية بدرجة رهيبة ، بعد ذلك ، وجدت مشهديات غريبة ، لا أعلم هل هى مشهديات بداية الكون أو نهايته؟ ، انفجارات مستمرة والدخان والغبار يزحف إلي ويقف أمامي ولا يلمسني، كان أحيانا يتشكل كاشكال فنية واحيانا اشكال تجريدية ، أريد أن أرسم هذه التجربدات الكونية الممسكة بمخيلتي طوال الوقت . * الالم هو الذى خلقني ، هو الذى خلق فلسفتي والنشوة هى التى أضاءت هذه الفلسفة . أحس أنى غائب كليا عن كل شىء حولى وكل أحد ، غائب فى دواخلهم وغائب فى داخلي وأن وحدتى بعيدة عن أى وحدة أخرى حتى ليست فى مداهم ، لا أعرف من أى شىء نهلت هذا الرفض وكفرت بكل ما هو سائد وانحزت للجمالية العنيفة لا الجمالية السلامية وتسربت من القضبان حتى قطع جلدى والذى أفرز ذلك جلوسي مع عائلتي اليوم ، تقريبا من سنة لم أجلس معهم ، الا وتشاجرنا فى النهاية وطُردت ، لا أعرف أى شىء عن اخوتي ، لا ماذا يفعلوا ولا ما وصلوا إليه ، أشارك بطيف جسدي فقط معهم ، لم أتماثل مع أى أحد من أفراد عائلتي البيولوجية ولم أطع أوامرهم ونواهيهم ولم أبقى فى حدودهم فطردت من جنتهم ، لا أشبه أى أحد فيهم فقط وجهى يشبه قليلا والدى ، كل أحد فيهم يظن شيئا بشعا عن هويتى ، إما قذرا وإما مجنونا وإما مريض نفسي وإما زنديق وإما قاسي .. إلخ ، لا أعر ذلك أى اهتمام ولا اهتم له ، علاقتي فقط مع أمى وعمتى ( أمى الثانية ) ، فقط وهى علاقة مادية ، اما العلاقة النفسية ممحوة مع جميع الناس ، فقط توأمى يشاركنى بعض الافكار وبعض المزاح على الطعام ولكنه أيضا يظننى قذرا فبعد قراءة عشر صفحات من القصة القصيرة ، جاء لى وقال " أنت قذر " ، شخصيات عائلتي جيدة وطيبين جدا ولكن فكرهم شديد التخلف والرجعية والحكم والسلطوية المعتمدة على استخدام وجدى البسيط لهم . أصبحت أتوقف عن إبداء رأيي فى أى شىء يتناقشوا فيه ، كأنى عابر سبيل فى البيت أتى للنوم فقط والأكل وباقى الوقت أقضيه فى الشقة الفارغة بجوار شقتنا ، أتشاجر مع ذاتى وأتحدث فى رأسي وأكتب وأرسم على الحوائط وأتمشى وأخيل ، لقد أبعدتنى أفكارى عن كل من حولى وأبعتنى شاعريتي عن كل من يشبهني فكريا أيضا ، فوجدت نفسي فى أقلية ليس بها إلا أنا ، أبغض كل شىء إلا وحدتى وأحمل شناعة عظيمة بعد تخلص العالم مني كإنسان يتخلص من برازه وبوله .
#السعيد_عبدالغني (هاشتاغ)
Elsaied_Abdelghani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة - يا لغواية الانتحار رامبو -
-
قصائد للمخرج أليخاندرو جودوروسكي ترجمة السعيد عبدالغني
-
ترجمات من شعراء فلسفة الزن - كتاب القارب المنجرف أنطولوجيا ش
...
-
قصائد ل فريدريك هولدرين ترجمة: السعيد عبدالغني
-
قصيدة - مخيلتى أيني الالهي ، أنا بها أنا -
-
قصيدة - أى باطل هو قلبكِ فى إيوان السر ؟ -
-
قوة الروح / اللجة المغتربة
-
خذ وحدتى المطلقة فى وحدتك المطلقة
-
قصيدة - ولا دار للمجنون -
-
قصيدة - أنا الراحل الخازن لغربة لانهائية
-
ومضات شعرية 2
-
قصيدة - حنث إضافتكِ فى تعددي-
-
صفات الرؤيا
-
قصيدة - وجه خلاسي تائهة ملامحه -
-
شذرات شعرية لله
-
قصيدة - ما يدعوني إليكِ -
-
قصيدة - لا أشتهي شيئاً ولا يشتهيني شيئا -
-
قصيدة - عجبت لمعانيّ
-
قصيدة - نفس الشاعر : أرض الألوهة المتوترة -
-
قصيدة - كان الله معجزة المخيلة الكبرى -
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|