أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر بيبو البابيري - نكوص 180 درجة














المزيد.....

نكوص 180 درجة


عامر بيبو البابيري

الحوار المتمدن-العدد: 1545 - 2006 / 5 / 9 - 10:03
المحور: الادب والفن
    


أزقة قاحلة. طرقات معبئة بالصمت. جدران تشوهت تحت رحمة السماء ولونها الأصفر أعلن مرارا موت الحياة. رائحة العفن التي عانقت المكان أبدا والتي كان يتلذذ (بعطرها) في زمن طفولته الغائرة في بحار العبث، باتت اليوم تهزأ بأنفاسه التي تاهت كصاحبها عن ماضيها الغريب. وقف أمام منزل عتيق نالت منه التصدعات ونسجت على جدرانه تاريخ مأساة عائلة محقتها أياد الشر و حولتها لذكرى بائسة انطوت تحت صفحات من الم هائل. تذكر تلك الأيام التي ضاعت بما حملته من هم و متاهة مبكرة.. جوعه القديم الذي تعود عليه والذي كان كثيرا ما حاول مشاغلته بالعبث بمحيطه بغير أن يعلم انه جزء من العبث نفسه. ثيابه الممزقة التي تفضح مؤخرته دون أن يشعر بخجل يذكر. ثورته المعتوهة على رفاقه الأطفال واستيلائه على الحلوى التي كانوا يبتاعونها في وقت لم يكن يملك ما يمكن شراء شيئا منها. نوافذ البيوت التي كانت تنهار أمام رغباته الهستيرية. برازه الذي كان يرسم به بعض حروف اسمه و الذي طال كل جدران (الحارة). مشاكساته الدائمة أمام نساء ضاقوا ذرعا بوجوده الفوضوي بينهم وهو يقهقه بأعلى صوته كأنه كابوس لن ينتهي.
لم تكن أعوامه الأربعون التي قضاها بعيدا عن مكانه هذا كافية لانتزاع غصاته التي غادر شيئا منها حينما انتشلته (منظمة إنسانية) و أحيت في نفسه لمحة صادقة للحياة ورسمت له طرقات معبئة بآمال متجددة في أحضان بلاد طالما كانت توصف بالاستبداد و كل معاني الانحطاط، في وقت لم يكن يعلم سبب إن بعض أو معظم الكرام (البدائيين) يغرسون أفكارهم المريضة هذه في نفوس الصغار الذين كانوا بعمره ويباركونها في غباء الآباء المساكين. لقد جاء من خلف اقاصي البحار آملا بان يجد ما فقده في تلك السنين. لم تغنه الأموال الطائلة التي جمعها ولا النساء الشقراوات اللواتي كان يحصل عليهن بسهولة ويسر. حاول مرارا رمي ذكرياته بعيدا عن واقعه المثير و أن يغتنم سعادته (المفترضة) لأبعد ما يكون، غير أن حلمه الوحيد و ملاذه الأخير لم يكن غير بيته العتيق و زوجة تمحو وحشة لياليه المنتظرة و طفل يكمل رغبته بإحياء عالمه المفقود و الحنان الذي تاق إليه والذي لم يعلم شيئا عنه منذ أن فقد عائلته وهو بعمر الزهور.
لم تنل منه الوجوه الكئيبة التي التقاها، ولا شيخوختها التي رفرفت راياتها وهي في مقتبل العمر، ولم يثنه اختفاء الابتسامات و رموز العفوية التي كانت أول ما بحث عنها قبل أن يعلم أنها اندثرت على أيدي الطغاة. لقد عاد بأحلامه و أهدافه التي تصور أنها ثابتة بثبات الحياة و التي لن يسمح بان يقف شيئاً في طريقها.. كان المنزل الذي دخله قد نالت منه كل عناكب الكون، و سقوفه السوداء تهذي في غمرة وحدتها هول الفاجعة. كانت إرادته العمياء التي عانقته منذ ذلك اليوم الذي قرر فيه بان يصبح من الأغنياء قد أصبحت خير رفيق له، و لم تمر بضعة أيام حتى استحالت تلك الأنقاض لمنزل من أبهى ما يكون عندما أصر بجنون على أن يبقى قريبا من ماضيه رغم كل المحاولات البائسة التي أطلقها أصدقائه والذين أرادوا تغيير شتى تفاصيل حياته، غير انه لم يقبل بأي شيء سوى المرأة التي اختاروها له و التي أصبحت زوجته فيما بعد..
انقضى عامه الأول في اليوم الذي مزقت فيه أولى صرخات طفله غشاء العدم الذي عاشه بعد أن كان غائبا عن ماهية الوجود أو جدواه. إلا إن الأيام التالية كانت أشبه بحيوان مفترس انتظره منذ أمد بعيد ليبتلع كل أمنياته الغبية بعد أن أصرت جهات أمنية حقيرة على وصمه بعميل خائن ينوي الانتقام لأهله الذين عارضوا النظام و عليه فقد حكم عليه مع زوجته بالإعدام بعد أن تركوا الطفل (رأفة بعمره).
بعد ثلاثين عاما تأكد ذلك الرضيع من سطحية الأحلام التي حملها والده بعد أن وضع أقدامه على مشارف الشهرة وملذة الاستقرار على أكتاف سلطة فاسقة في الوقت الذي أزاح عن كاهله تلك العواطف التي كانت الشعلة الأولى لابادة من سبقوه.



#عامر_بيبو_البابيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تزاوج الاضداد
- عودة النبي
- سنابل فارغة
- نزوة أبدية
- الأنثى بين الواقع و الافتراض
- من وحي طرزان


المزيد.....




- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر بيبو البابيري - نكوص 180 درجة