|
قارئ في حضرة الأستاذ أحمد خالص الشعلان
سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي
الحوار المتمدن-العدد: 6290 - 2019 / 7 / 14 - 14:47
المحور:
الادب والفن
عندما يجلس المرء بهدوء ليقراء رواية تاريخية ام إجتماعية ام غير ذلك، ينتابه شعور السباحة فوق أمواج السحاب وبين أضواء تلك النجوم، ويكون القارئ في عناق فكري وروحي مستمر مع ما خطه الكاتب بالنور بين السطور، وحتى إذا أتم القراءة ونهض، وجد نفسه مشدودا بالشوق لكتاب أخر يحمله علي جناح “الهدهد” إلي عالم جديد يبدوا فيه الإنسان كسائح في بلدان الإبداع، ويمر عقله وشعوره بثقافات المجتمعات ليرى الأشياء بعين الكاتب ويفسر ما يراه بعقل مفتوح، وكثيرا ما يغادر المرء مع القراءة إلي خارج غلاف عالمه المرئي والمحسوس الذي يضج بعدة مشكلات يومية لا تنتهي، فالقراءة تنقل الإنسان إلي عالم غير مألوف ولكن العقل يدركه حين يقطع تذكرة الإطلاع علي الكتب المشحونة بالإستنارة، وفي كلتا تلك الرحلتين يبحث عقل القارئ عن التشويق والإثارة والمعرفة، وأعتقد هذا بالضبط ما شعرت به وأنا أجلس ذات يوم علي مقهى “السلام” في مدينة الإسكندرية “جوهرة الطبيعة” الخلابة والمتميزة بتنوع الجنسيات فيها، فالكل يحج إلي الإسكندرية ويقبل خدود أمواج البحر ويستمتع بالحياة هناك، وجلست بكل هدوء لأتتبع ما هو خلف سطور رواية “ثلاثية بعقوبة – بعقوبيون” للصديق الرائع الأستاذ أحمد خالص الشعلان، وهو واحد من أعلام الأدب العراقي الراقي، ورواية “ثلاثية بعقوبة – بعقوبيون” كانت أعظم قلادة أهداني إياها صديقي أحمد ذو القلم الرصين والكلمة النبيلة ورائد الأدب الروائي الشفيف، فرغم المساحة العمرية الشاسعة بيني وإياه إلا انه أصبح من أقرب الأصدقاء المميزين عندي، وذلك لأنه من جيل نبيل مد جسور الفكر بينه والأجيال الجديدة ليعبر عبره جميع الناس نحو عالم الإستنارة، وبحكمته ككاتب ظل يحاور عقول الأجيال بقلمه الذي أبدع حين سطر مقالاته ورواياته وملاحظاته اليومية بحبر سحري فريد من نوعه، وإبتسم الحظ حين عرفته، وكنت أشعر بمسرة كبيرة وأنا أطالع تلك الرواية العظيمة، وكقارئ لم يحتسي من “قهوة” المعرفة إلا قليلا، لمست حرير التحرر الفكري وصفاء الروح وأنا أرافق الأستاذ خالص الشعلان في رحلة بعيدة المدى وتغنت لنا فيها أم كلثوم ذات الصوت العذب بأجمل ما لديها من أغنيات، وتجولنا سويا في شوارع مدينة بعقوبة العريقة بحضارتها القديمة، وتلك كانت عملية مثيرة جدا لإقتران الأرواح وتلاقح الأفكار بين كاتب وقارئ، فمن السهل التحدث عن خالص الشعلان كصديق متواضع، لكن من الصعوبة إيجاد كلمات معبرة تفي بالمطلوب عند التحدث عنه كروائي برز علي المسرح الأدبي وكأكاديمي من تراز كبير، وهذه مغامرة قارئ خضتها، آمل أن أنجح فيها. فعندما تناثرت الأنباء عن نشر الأستاذة الروائي خالص الشعلان شعلته المضيئة “خماسية السخط” كنت من المتشوقين للإطلاع عليها، وطلبت من الأستاذ شعلان أن يمدني بنسخ منها، وبمنتهى النبل وطيبة خاطر وروح إنسان يحلم بعالم جديد يقوده جيل وائد رحب بطلب كارئه بنسخة إلكترونية، وكانت هدية بمثابة وسام شرف، تسلمتها وغمرت القلب بسعادة لا توصف، فبتلك الخماسية الذهبية سأسبح مجددا علي خضم محيط القراءة، وسأعتلي سفينة الفكر مع الرفيق الأستاذ خالص الشعلان في رحلة جديدة أحمل فيها رسائل المحبة والسلام من “النيل الأزرق إلي نهر دجلة” وتظل عين الخرطوم ترمق شقيقتها بغداد بنظرات مليئة بالأسرار، فاليوم كل الضفاف تجادل، وتلك العواصم تنطق جهرا بألسنة الأدباء والقراء لتفتح نقاشات جادة عن “خماسية السخط” والقلم الذي خط بنور الفكر هذا الإبداع، وكانت تلك إضافة كبيرة لسجلات الحركة الأدبية العراقية المعاصرة، كيف لا تمتد خيوط الأشعة الفكرية لتنير أرجاء الكوكب والكاتب البعقوبوي الرائع أحمد خالص الشعلان قد أحكم نسج “خماسية السخط” بكلمات وعبارات ومشاهد مؤثرة جدا تجذب أبصار وقلوب وعقول القراءة، هذا العالم الجميل شكلته أقلام وأفكار عدد من الأدباء والفلاسفة الأفذاذ، وبصماتهم ما زالت تشع كالأنجم فوق خارطة كوكب الأرض، فقد إكتشفوا علوم ومعارف عديدة ومتنوعة منذ مئات السنين وهي باقية ما بقى العالم والإنسان، وإبتكروا الفنون والأدب وتلك كنوز رفيعة القيمة، وقدموا بعقولهم كل ما من شأنه الإرتقاء بوعي وحس البشرية لإدراك معنى الحياة والطبيعة وتطوير العالم بالعلم والمعرفة، فاستحقوا المحبة والوفاء والتقدير الذي لا تحده حدود.
الأستاذ أحمد الشعلان قدم سلسلة روائية فريدة من نوعها، ومزج فيها ألوان سماوية زاهية عكست روعة التشويق والإثارة مع فكر نير يجذب العقل ببساطة، وهذا الأمر يفتح آفاق واسعة لذهن القارئ_المتلقي ليذهب مع شخوص الرواية في رحلة خيالية، فالسرد الرائع للأحداث خطاب لعقل إنسان اليوم، ورويدا رويدا يبعث قارئ الرواية إلي حيث يريد أستاذ الشعلان “الإستنارة” بجاذبية “ثلاثية بعقوبة – بعقوبيون، وخماسية السخط” وكانت أعظم أعمال روائية كتبت في العصر الحديث، ففي حياتي لم أستمتع قط بقراءة الروايات إلا مع عدد معين من الكتاب المميزين، وطالما هناك أعمدة فكر حرة فان العالم سيكون بخير، وسأسبح اليوم وغدا وبعده في بحور “خماسية السخط” لأحمد الشعلان، وأحلم بالسلام مع “مسيح دارفور” لبركة ساكن، وأتفكر في الحياة وعيني علي “طائر الشؤم” لفرانسيس دينق، فهؤلاء من أروع الروائيين الذين مروا علي التاريخ الحديث، وقد كتبوا وأجادوا وجعلوا العالم يبدوا برواياتهم كمدرسة يتعلم الإنسان فيها أنبل القيم، فهم ليسوا ممن يسردون “الحكاوي” من أجل أن يترفه القارئ فقط بل هم يعلمون الناس كيف يعيشون في حياتهم بشكل أفضل ويجلعونهم يساهمون في تطوير العالم بفكر نوراني حديث ومتجدد، وتعتبر هذه ثورة مفاهيمية كبرى، وربما هذا هو الخيط “الأزرق” الذي يجعلهم من أرفع الروائيين الماصريين، وتلك وجهت نظري كقارئ بسيط، وقد يوافقني الرأي عدد من القراء عندما يتلمسون مدى العمق الفكري والروحي الكامن خلف سطور تلك الروايات، وأرى أن الكاتب الذي يحرك فكر وشعور الإنسان بقلمه ليبصر الكون والحياة بشكل آخر ومختلف تماما عن الصور النمطية القديمة سيكون هو الكاتب الأخلد في عقول وقلوب الناس، فالقراءة تكشف للمرء سر الطبيعة الكونية وتعرفه بحضارات الشعوب وتخصب العقل بالعلوم والمعارف الجديدة، لذلك لا بد من أن يمتلك الكاتب أدوات عالية الجودة ومتجددة علي الدوام لمخاطبة عقول ومشاعر القراء، وكانت تلك ميزة الأستاذ أحمد الشعلان وأقرانه ممن إطلعت علي كتاباتهم وأحببتهم فيها، فقد إستخدموا أجود الأدوات التي كتب بها الأدباء علي إمتداد التاريخ، لذلك أدقنوا ما كتبوه، وقد أحبهم كل من تعرف عليهم وعرف رصانة أقلامهم، فشكرا جزيلا للأستاذ والصديق خالص الشعلان، والشكر موصول لكل من ساهم في إنارة الكون، مع خالص التقدير الإمتنان.
14 يوليو - 2019م
#سعد_محمد_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مليونية أربعينية شهداء القيادة العامة والأحداث السياسية
-
المملكة السعودية - إعتقال الناشط السياسي التشادي محمد أرديمي
-
رحيل الجمهوري الجسور مجذوب
-
قضايا السلام الشامل
-
أم الشهيد هزاع حارسة لوحة كفاح جيل ثورة الحرية والتغيير
-
ملحمة الأحد والرد علي المبادرة الآفروأثيوبية
-
إستعراض موجز لخطاب الرفيق القائد مالك عقار رئيس الحركة الشعب
...
-
مبادرات - الرئيس سلفاكير ميار ديت ورئيس الوزراء أبي أحمد لحل
...
-
رأي شخصي - حول إستقالة صلاح جلال عضوا المكتب التنفيذي وأمين
...
-
وفاة الفنانة السودانية مريم أمو
-
قصيدة - اللون الأزرق
-
كولمبيا - بطاقات الموت المجان لثوار السودان
-
أراهن علي الحوار بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري
-
المجلس العسكري الدكتاتوري ينفي قيادة الحركة الشعبية إلي جنوب
...
-
الحركة الشعبية بولاية سنار تدين إعتقال قيادتها السياسية
-
إعتقال قيادات الحركة الشعبية
-
الرفيق ياسر عرمان قائد السجن والميدان
-
الأستاذ/ مصطفى منيغ - الخرطوم ستهزم المجلس العسكري وتخلع حجا
...
-
الحركة الشعبية: مجموعة البيانات الرسمية الأولى حول إعتقال ال
...
-
إعتقال الرفيق القائد ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|