|
عمالة ال الخطابي للمستعمر الاسباني ثم تحالفهم مع الالمان
محمد مقنع
الحوار المتمدن-العدد: 6289 - 2019 / 7 / 13 - 10:05
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
محمد بن عبد الكريم الخطابي ابن قاضي وزعيم قبيلة كانت تحت امرة المحزن، فتحول ولاؤها بدخول الاستعمار الاسباني، الى أصحاب السلطة الجدد للحفاظ على مصالحها، حيث عمل عبد الكريم الخطابي على تسهيل سيطرة الاسبان على المنطقة واستغلال ثرواتها، حث ابناء قبيلته على عدم التعرض لهم بدعوى عدم قدرتهم على محاربتهم، وتشجيع نشوب حروب بين قبائل الريف الأخرى لإضعافها، وقد استمر في مساعيه تلك لمدة طويلة تحت إشراف العسكريين الاسبان. ونظير خدماته التي اثارت حفيظة بني قومه الذين احرقوا منزله ثلاث مرات وقتلوا بعض اقاربه (مما اضطره الى الاحتماء بأصدقائه في الحسيمة الذين رحلوه فيما بعد مع اسرته الى تطوان للحفاظ على روحه):
1- وظفوا ابنه محمد كمترجم في مكتب الاستخبارات، ثم قاضيا للقضاة في محكمة الأمور الوطنية بمليلية، وصحافيا في جريدة (El Telegrama del Rif)، الجريدة التي داوم على كتابة مقال أسبوعي فيها يدافع فيه عن المصالح الاسبانية، يدعوا المغاربة الى التعاون معها، ويحرض الريفيين ضد محمد أمزيان، المقاوم الذي سيشارك فيما بعد قريبه، محمد امزيان (او كما يعرف في الأوساط الاسبانية ب Mohammed ben Mizzian)، الى جانب الجيش الاسباني في دحر حركة محمد ابن عبد الكريم الخطابي، ثم انتفاضة الريف سنة 1959 بعدما اصبح قائدا للجيش المغربي (خانوا أنفسهم والبلد ثم يتهمون الشرفاء بالخيان) . 2- أرسلوا ابنه الاخر، امحمد لمدريد من اجل دراسة الهندسة المعدنية. 3- خصصوا له معاشا شهريا قدره 300 بسيطة، ووشحوه بوسام إيزابيلا الكاثوليكية من درجة فارس (Caballeros de la Orden de Isabel la Católica - 1912)، الصليب الأبيض للاستحقاق العسكري (Cruz de primera clase del mérito militar con distintivo blanco - 1913)، ثم الصليب الأحمر (Cruz de segunda clase del mérito militar con distintivo rojo - 1913)، وميدالية إفريقيا (Medalla de África - 1913).
وأمام تراجع شعبيته ومكانته القبلية، قامت الحكومة الإسبانية بتعيين شخصين آخرين للعب دور الوساطة والاتصال بأعيان قبائل الريف، وهما الحاج محمد شدي الأجديري وأحمد بورجيلة، قبل ان تعتقل ابنه محمد سنة 1915، بإيعاز من الفرنسيين الذين اتهموه بالتخابر مع القنصل الألماني Wzechlin. وامام هذه التطورات، تخلى محمد بن عبد الكريم عن الاسبان الذين حرموه من المعاش منذ اعتقال ابنه، ولم يردوا على طلبه للحصول على الجنسية الاسبانية الذي تقدم في سنة 1915، وبدا يعمل بوجه مكشوف مع المخابرات الألمانية التي كانت توزع الأموال مقابل القيام بعمليات مسلحة ضد الوجود الفرنسي بالمغرب، الامر الذي دفع السلطات الاسبانية الى تسميمه في أغسطس 1920. وبعد ان قضى ابنه محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة في السجن، أفرج عنه بعد ان ادعى خلال التحقيق معه بعد محاولته الهروب من السجن بانه لم يكن ينوي الفرار وانما الانتحار بسبب الظلم الذي تعرض له، وعاد لعمله كقاضي في مليلية، لكنة قرر الرجوع الى اجدير خوفا من تسليمه للسلطات الفرنسية، ثم حمل السلاح ضد الاسبان سنة 1921، بعد ان جزع من ظهور ضباط استخبارات اسبان في مناطق بني ورياغل.
وعكس ما يروج له، محمد بن عبد الكريم الخطابي لم يقم بثورة ضد الاسبان، وانما كان يعمل تحت اشراف الالمان الذين كانوا يريدون الانتقام من الفرنسيين جراء اقصائهم من موطئ قدم في المغرب. فالرجل عند إعلانه عن جمهوريته وإقرار دستورها، لم يكن يعرف حتى معنى دولة او كيف يقود حربا، بل كان يتصرف بناء على توجيهات ألمانيا التي كانت لها أطماع اقتصادية في المنطقة (استغلال المعادن وخاصة مناجم الحديد في الزغنغن)، لهذا زودته بالمال، الخبراء العسكريين، معلومات استخباراتية، معدات عسكرية متطورة (سيارات، مدرعات، أسلحة خفيفة الخ)، وأجهزة اتصال لم تكن تتوفر حتى لخصومه الاسبان والفرنسيين، مكنته من ربط الاتصال برجاله، لدرجة ان خطط وتحركات الفرنسيين كانت تصل له بالتفصيل.
عملت المانيا على استقطاب شخصيات تتمتع بنفوذ كبير وقادرة على تعبأة قبائل المنطقة، فوقع اختيارها على عائلة الخطابي التي كانت تسعى الى قطع علاقتها مع الاسبان. وبالفعل زار بتاريخ نوفمبر 1914، ضابط تركي عبد الكريم الاب بأجدير، وعرض عليه المساعدة الألمانية مقابل تنفيذ اعمال مسلحة ضد الفرنسيين، ثم زاره المندوب الألماني فرنسيسكو فارل، اتيا من مليلية بتوجيه من ابنه محمد. وافق محمد بن عبد الكريم الخطابي على المقترحات الألمانية مشترطا ان يساعدوه، بداية على تسليح واعداد القبائل الريفية لمواجهة الزحف الاسباني المحتمل، ويكشف عن ذلك في مذكراته التي دونها الصحفي الفرنسي روجيه ماتيو꞉ "صدر أمر السلطات الاسبانية بحبسي نزولا منهم عند رغبة المارشال ليوطي بسبب العلاقات التي كانت تجمعني برجل يدعى فرانسيسكو فارل،… أما علاقتي مع فرانسيسكو الألماني الأصل فتتلخص في أنه عرض علي القيام بحركة ثورية ضد فرنسا، مقابل الحصول على كل المال اللازم والذخائر التي أحتاجها… وهو ما حملني على أن أطلب منه أن يساعدني على إنشاء فرقة مؤلفة من أربعة آلاف مقاتل تحمي الريف من كل اعتداء بينما أكون أنا أناوش الجنود الفرنسيين في مراكش".
اثارت تحركات الخطابي حفيظة اسبانيا، فسارعت الى مطالبته بتصريح علني لمصلحتها وبتعهده بالتوقف عن العمل مع الالمان، كما الغت رخصة كانت تجيز لابنه محمد العودة الى اجدير للمشاركة في احتفالات عيد الفطر. بتاريخ 24 غشت 1915، تلقى القائد العام لمليلية لويس ايزبورو موندخار (Luis Aizpuru y Mondéjar) امرا بإلقاء القبض على عبد الكريم، فلجا هذا الأخير الى المراوغة مع العمل على إيجاد مخرج لابنيه محمد وامحمد.
في 6 سبتمبر 1915، رفع الجنرال فرانسيسكو غوميز-خوردانا سوسا (Francisco Gómez-Jordana Sousa)، المندوب السامي الاسباني في تطوان، تقريرا الى مدريد امر فيه بإقالة محمد بن عبد الكريم الخطابي من وظائفه، وباعتقاله بتهمة الخيانة العظمى لانحيازه الى الحلف الألماني التركي وانخراطه في خذمة دعايتهما في شمال المغرب، فدام اعتقاله زهاء 12 شهرا الى غاية غشت 1916.
كما يجب ان لا نغفل الدور الذي لعبته عائلة مانسمان الالمانية (Mannesmann)، التي كانت تعمل في مجالات التجارة الزراعة والتعدين، وقدرت ثروتها في المغرب مع بداية القرن العشرين بثمن (1/8) ممتلكات السلطنة العلوية. اذ عملت على تكوين دولة تشمل منطقة مناجم الحديد بازغنغن لإضفاء الشرعية على اعمالها في المنطقة، خصوصا بعد ان أصدرت الحكومة المغربية مرسوما يمنع الشركة من استغلال المعدن سنة 1914. وقد قدمت هذه العائلة الكثير من اجل نيل ثقة ساكنة وزعامات الريف، عبر تجهيز المنطقة بشبكة من خطوط الاتصال الهاتفي المتطور ومجموعة من الخدمات، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعته في ليبيا، التي عملت فيها على تأطير المجاهدين وامدادهم بالعتاد مقابل استفادتها من استغلال المعادن.
#محمد_مقنع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احد عشر قرنا (711 - 1850) من استعباد البيض الاوروبيين في شما
...
-
كفى تخريفا يا بقايا الغلمان والعبيد، فالمور كانوا سود واشداء
...
-
عمالة البربر لفرنسا واسبانيا
-
زواوة꞉ قرون من العمالة والارتزاق
-
العبودية لم تكن مرتبطة بالسود
-
الفصل العنصري في دول شمال افريقيا
-
حركة مازيكوم لاسترجاع حقوق السود التاريخية في شمال افريقيا
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|