|
خرافة عروبة الفينيقيين والدجل التاريخي للعروبيين في الجزائر
مصطفى صامت
الحوار المتمدن-العدد: 6287 - 2019 / 7 / 11 - 03:37
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إذا كانت فكرة الاستعمار الفرنسي قائمة على أن فرنسا هي الوريثة الشرعية للحضارة الرومانية في شمال افريقيا فإن الاستعمار العروبي (القومية العربية) قد اقتبسوا فكرتهم هذه وصاغوها على أن العرب هم ورثة الحضارة البونيقية في شمال إفريقيا ، اختلف التوقيت والكيفية إلا ان الغرض واحد وهو تبرير الاستعمار . حينما إصتطدم مشروع القوميين العرب بالتمرد و رفض الذوابان والانصهار ، من لدن الأعراق غير عربية الساكنة في أرضها الأصلية الواقعة تحت خريطة مشورع ما سمي " بالوطن العربي " ،عمل هؤلاء القوميين على بعث أفكار مؤدلجة قصد إخضاع وإستكمال تعريب الشعوب التي تم تعرب جزء منها أو أغبلها بعد أسلمتها ، وقد خرج التيار التعربي في الأونة الأخيرة بالجزائر بفكرة "عروبة الفنيقين " بعد فشل وتراجع فكرتهم السابقة المتعلقة "بفكرة عروبة الأمازيغ" وهذا للبحث عن ملجئ تاريخي للتاير العروبي في الجزائر الذي أحرجه العرب الأقحاح في الخليج الفارسي والحجاز العربي والذين يصفون الشعب الشمال إفريقي بالبربري/الأمازيغي وينكرون له إدعائه للعروبة كلما حدثت بين الشعبين أزمة ديبلوماسية معينة. وهذه أسئلة بسيطة لإختبار منطق وعقل العروبي المفلس الذي تجاوزه الزمن رغم دعم البترودلار له نرجوا من الإجابة عليها بأفكار منطقية موضوعية مماثلة : - إذا كانت الفينيقية عربية كما تدعون فقط لأنها من عائلة اللغات السامية فلما لا تعبرون اليهود عربا وهم ساميون أيضا و بهذا يحق لهم العيش في أرض العرب بدل اعتبارهم غزاة مستعمرين لأرض فلسطين مثلا ؟
- وإذا كان الفينيقيين عرب فقط لأنهم ينتمون الى الساميين مثل العرب واليهود، وأن مجد وحضارة الفينيقيين هو مجد للعرب كذلك ، فهل يعني هذا أن الفراعنة أمازيغ وأن تاريخ ومجد وحضارة المصريين هو تاريخ ومجد الامازيغ كذلك بما أنهم ينتمون الى نفس العائلة اللغوية التي تنتمي اليها الامازيغية وهي الحامية كما يتفق عليه اللسانين ،علما أن الامازيغ حقا ساهموا في صناعة تاريخ مصر عن طريق تزعمهم وقيادتهم لعرش الفراعنة من الاسرة 22 الى غاية الاسرة 26 بتفاق كل العلماء ناهيك عن التواجد الأمازيغي في مصر بفغل هجرة قبائل هوارة وكتامة الأمازغيتين اليها ، كما لا يخفى على أحد الشبه والتأثير الثقافي بين الشعبين وتأكيد علماء اللسانيات أن الأمازيغية والمصرية مشتقتين من لغة أم واحدة ؟
- وإذا كانت العامية الجزائرية فينيقية كما يدعي بعض الهواة وليس المؤرخين (لأن القول بأن الدارجة الجزائرية من الفينيقية هو كلام ايديولوجي مناقض للمعرفة العلمية الموضوعية لكننا هنا نسايره لمناقشة أصحاب الادعاء فقط ) ،فلماذا لا يفهم العرب اللغة العبرية اليوم (حتى الحديثة منها التي أخذت عن العربية الكلاسيكية الكثير من الكلمات فما بالك بالقديمة السابقة لظهور العربية الفصحى) بما أنها أقرب لغة سامية الى الفينيقية ؟ أليس من المفروض أن تكون العبرية هي نفسها الدارجة الجزائرية أو على الأقل مفهومة للجزائريين والعرب بما أن الفينيقية هي دارجتنا الحالية كما يدعى أنصار القومية العربية دون أي إحترام للمنطق و لعقول الناس ؟
- لماذا لا نجد نفس الدارجة الجزائرية اليوم في لبنان (فينيقيا قديما ) ولا حتى تقارب كبير بينهما من حيث اللكنة والنغمة والمصطلحات التي لم تأتي من العربية الكلاسيكية الحديثة وتصريف الافعال والنحو في الكثير من الحالات؟
-لماذا لا نجد نفس اللغة أو الدارجة في المناطق التي استعمرها الفينيقيين مثل قادش (Cadex) في ابيريا وكيتيوم (Kitium) وأماثوس (Amathus) وأيداليون (Idalion) في كل من قبرص وسردينيا ؟
- لماذا لم ينقل لنا أي مؤرخ عربي مسلم أو غيره معاصر لفترة الغزوات الاسلامية لشمال افريقيا بأن العرب الامويين قد عثروا هناك على قوم يتحدثون لغة مفهومة بالنسبة لهم أو على الاقل قريبة أو مشابهة للغتهم ما دامت الدارجة الجزائرية أو المغاربية من بقايا البونيقية أو الفينيقية كما تدعون علما أن مرحلة احتكاك العرب الامويين مع البربر الامازيغ خلال الغزوات العربية قد تم توثيقها في كتاب العبر والمقدمة لابن خلدون وكتاب فتوح البلدان للبلاذري و كتاب البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب لابن عذاري ... وغيرهم بل بالعكس من هذا فقد أكدت هذه الكتب أن سكان شمال افريقيا وكل أمرائهم وحتى بعد أن أسلموا كانوا يتحدثون بلسانهم الامازيغي البربري ( راجع : كتاب الانساب للبيذق صفحة 39 وصفحة 42 و 49 و كتاب العبر لابن خلدون الجزء 07 الخبر عن بنو عبد الواد ...) ؟
وهذا الكلام يؤكده كبار المؤرخين المحدثون كذلك أمثال ستيفان قزال (Stéphane Gsell) الذي يقول : " ولقد وجد الفاتحون المسلمون عند قدومهم طائفتين متميزتين من السكان ، إحداهما تتحدث باللاتنية وكانت مسيحية . والثانية حافظت على لغتها وعاداتها كما حافظت في الغالب على آلهتها الوثنية فالآولون كانوا هم الروماني Romani والآخرون هم البارباري Barbari . وقد حافظ العرب على الاسمين ، بحيث دعوا الأولين باسم الروم Roum ودعوا الآخرين باسم البرابر Braber "(غزال .تاريخ شمال افريقيا القديم ، جزء 5 .ص103-104). نشير هنا إلى أن ما أطلق عليه "الروماني" في كلام غزال، ليس بالضرورة جالية إيطالية إنما يشمل كذلك الأمازيغ المرومنين الذين كانوا في المدن الحضارية وهم أول من سيتعرب لاحقا لأن لغتهم الأم وثقافتهم الأمازيغية ضيعوها منذ مدة بفعل التأثير الحضاري لسياسية الرومنة .
هناك شهادة مهمة للمؤرخ جورج مارسيه في هذا الجانب تدل على إنقراض البونيقية حتى في عاصمتها بقرطاج عند وصول العرب ،حيث قدم لنا أدلة مهمة أكدت أن اللاتينة كانت اللغة المستعملة فيها من طرف سكانها ،المرومنين إثر الاحتلال الروماني ثم البزنطي ، وأن العرب وجدوا سكان قرطاج يستعملون اللاتينية في التدوين منذ وصول العرب الى غاية عهد موسى بن نصير و الخليفة عمر أبن عبد العزيز الذي عزز التعريب في دوانه بإفريقيا (تونس) التي كانت نخبة من الأهالي هم من يسيرونها وهذا نص كلامه : " تحت أيدينا نقود مسكوكة في أفريقية ،على الأرجح في قرطاج، مسطرة باللاتينية وذلك حتى نهاية القرن الأول الهجري، والبعض يحمل اسم الأمير موسى بن نصير بالحروف اللاتينية ، وقطع أخرى مدون عليها صيغة لاتينة تترجم تماما الدعوة " لا إله إلا الله " هذه البقية من اللاتينة التي توافق بصدق فترة الانتقال سوف تنتهي في عهد الخليفة عمر بن عبد الغزيز . سبق أن حاول الخليفة عبد الملك (680- 705 ) تعريب الإدارة وفرض اللغة العربية في جميع المكاتبات الرسمية لكن عمر الورع (717-720 ) أعطى هذا الإصلاح حماس عقيدته وكانت حركته فعالة " ( كتاب بلاد المغرب وعلاقاتها بالمشرق الإسلامي في العصور الوسطى ، جورج مارسيه ، صفحة 47 )
...... للتوسع في الموضع أكثر راجع مقالنا بعنوان " الدوافع السياسية والايديولوجية وراء سعي القوميين العرب لتعريب الفينيقيين والأمازيغ"
#مصطفى_صامت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حراك 22 فيفري بالجزائر ... خلفيات وتحديات
-
لماذا تتربع ولاية تيزي وزو على قائمة الناجحين في شهادة البكا
...
-
أسئلة غير بريئة في فرضية الأصل المشرقي للامازيغ
-
اذا كانت العربية لغة الجنة بعد الممات كما يدعون ويعدون فإن ت
...
-
اذا كانت العربية لغة الجنة بعد الممات كما تدعون وتعدون فإن ت
...
-
ظاهرة الماك (MAK) في الجزائر ليست إرهابا إنما تعبير صارخ ودل
...
-
لمذا تدفع منطقة القبايل الجزائرية ثمن تضحياتها كل مرة ؟
-
مشكلة عثمان سعدي مع رأس السنة الامازيغية .
-
صراخ المدرسة الجزائرية بعد وضع الوزيرة بن غبريت يدها على الج
...
-
الاكاديمية البربرية بباريس والطابور الخامس للعربواسلاميين .
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|