|
الوطنية السورية في زمن العولمة الأمريكية
عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1545 - 2006 / 5 / 9 - 10:18
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
يتخذ السجال السوري في مسألة الوطنية منحاً عاماً ، يظهر من خلال فصل الوطن عن بقية أصقاع العالم ،فلا العالم موجود ولا نحن نعترف به ،ويدعى – السجال – اكتشاف طريق النجاة عبر الوطنية السورية والوطن القطري والمواطنة والديمقراطية وتخليص مجتمعاتنا من الانحطاط والتدهور والاستبداد والتخلف ،محملاً الاستبداد كل انغلاق البنية الاجتماعية وتخلفها ،بل وعدم دخولها العصر العولمي والقرية الكونية . وبالتالي يصير الاستبداد المصنم ،هوهو مغلق التاريخ ومؤبد ذاته ،وهنا يفعل السحر فعله ،وباعتبار الاستبداد يدعي القومية وهي هو ،فالسجال لا بد أن يركز أفكاره على رفض الاستبداد والقومية معاً والفصل الكلي بين الوطنية والقومية وتبني الوطنية السورية ؟ بعد رفض الأشياء المذكورة يتم تحديد نقطة الانطلاق الجديدة، فهي هي الدولة القطرية – الوطنية، حيث الواقعية تتحدد بالقطرية الوطنية نتاج العقل النقدي المجدد لا الأيديولوجي البغيض ؟ يفترض هذا النوع من السجال أن الانطلاق الجديد يبدأ من المكان الجغرافي ،تحت الأقدام تماماً ،حيث يسكن المثقف ويشتري ،ويتحدث بالهاتف مع أصدقائه بدون فاتورة دولية أو عربية ،وباعتبار القوى العظمى عظمى والأقدار لا تتغير والمجتمعات ثابتة وراكدة واتفاقيات سايكس بيكو ووعد بلفور والدولة الإسرائيلية أمور واقعية وموضوعية كالعولمة أيضاً .. إذن لابد من الاعتراف بها والتخلص من الأوهام وانسجاماً مع هذا الواقع الفولاذي لابد من أن نبني وطنيتنا السورية وألا نتأخر عما يفعله بعض المثقفين والسياسيين في الدول العربية الأخرى ،فالعمل كل العمل والجهد كل الجهد بالتوجه نحو بناء قلعة الوطنية السورية ،وبعد الاهتداء إلى الحل السحري لا ضرورة لاتخاذ أي موقف نقدي اتجاه أية قضية في المنطقة العربية والابتعاد عن تحميل المشروع الاستعماري القديم الجديد إشكاليات التخلف ودوران البنية الاجتماعية وانسداد أفقها في إطار الاستبداد والتخلف والقطرية ووجود الدولة الصهيونية . هذا الاكتشاف المتعلق بالانطلاق من الوطنية السورية، أزعم أنه ليس بجديد بل يعود في أصوله إلى مرحلة الاستقلال بل وقبل ذلك أثناء الاحتلالات الاستعمارية وعبر مخططاتها ،وإن شكل السعي لتجاوز القطرية هو بحد ذاته دليل على عدم تجاوزها وواقعياً فشل كل اتجاهات الوحدة وتطبيقاتها البيروقراطية البرجوازية (الكبيرة والمتوسطة ) التي حاولت ذلك .. وباعتبار المشروع القومي والوطني التحرري لم يتجاوزها ،وجاء على خلفية فشل حكومات بعد الاستقلال ،وإن الواقع قد تغير وتبدل بما فيه آلية تطور المشروع ذاته ، يصير علينا دراسة علاقة تطور السلطات في مجتمعاتنا بهذا المشروع وكيفية مآلاته ؛ هذه الدراسة تؤكد استفادت فئات طبقية معينة من هذه الأفكار وتصفية التيارات السياسية القومية والشيوعية التي تسعى لأجله ،وبالتالي تثبيت النظام القطري عبر الانفتاح على الغرب والمشروع الأميركي في المنطقة انطلاقاً من السبعينيات .ومن هنا لا يمكن تحميل الفكر القومي او الوطني المرتبط بالقومي بصورة اطلاقية مسؤولية فشل تطور المنطقة ولا نظام الاستبداد ذاته وبالتالي فشل مشروع النهضة أو الوطنية يفترض البحث العميق في طبيعة الطبقات وأشكال طبائعها وأسباب تلك الطبيعة وفي ذلك السياق يمكن فهم دورها في إطار التخلف أو نمو التخلف.. فالفكر يفسر الواقع ولكن المصالح الطبقية هي التي تحرك التاريخ وفي حركته يعاد إنتاج الفكر بما يتناسب معه. من مشكلات الوطنية السورية القطرية اعتبار الدين فاعلاً سياسياً وأحياناً اعتبار النظام الطائفي أمر واقعي وتحصيل حاصل ومكر التاريخ وعودة أصيلة إليه ومن الخطأ المعرفي والإيديولوجيات الشمولية عدم تعريف الإنسان بغير دينه وكأن الإنسان لا يفعل شيئاً إلا عبادة وجه ربه ،وإن ذلك الفهم للدين هو من سمات الفكر الديمقراطي – التعددي – الاختلافي ؟؟!!. هذه الفكرة تنسف الأساس الفعلي على المستوى السياسي لنشوء الدولة الحديثة ألا وهي فكرة المواطنة التي تؤكد على مساواة الأفراد أمام القانون حقوقاً وواجبات بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسيته أو ثروته الخ .. وبالتالي هذا الطرح العبثي التأملي لفكرة الوطنية السورية وبناء المواطنة عليها وكذلك الوطن يلغم كل فعل تراكمي عقلاني أو يسعى نحو ذلك ،ويساهم في إكمال الإجهاز على أثار عقلية التحرر ومشاريع النهوض ،وهو يكمل ما يفعله النظام السوري مثلاً من تحالف ضمني وواقعي وعلني مع المؤسسات الدينية الاجتماعية والتعليم الديني الممنهج وتمويله وإعداد كوادره وفتح مبانٍ له وتسخير (سبحان مسخر لنا الأشياء) وسائل الاتصال من تلفزيون وطني وإذاعة وطنية تقدمية ؟ وجامعات ،والتي اعتبرها مؤسسات سياسية طائفية في طور الإمكانية والتجهييز الإيديولوجي ... فالمواطنة الضرورية والمرغوبة، والتي خيار فكري وضرورة واقعية كما أرى هي المواطنة التي تساوي بين أفراد المجتمع كما أشرت.وهذه المواطنة لا تبنى في إطار القطر الواحد كسوريا،لأن القطر السوري الواحد أو غيره هو جزء من عالم يزداد توحداً وتوحشاً في ظل العولمة الأمريكية، مما يفترض بالضرورة خلق تكتلات فوق قطرية تكون أساساً في تحقيق الوطنية واستمرار وجودها ؛ وبالتالي يمكن القول أن الوطنية في زمن العولمة الأمريكية لا تتعارض مع القومية ولا مع الإقليمية ولا مع العولمة الإنسانية البديلة للعولمة الرأسمالية الإمبريالية ولا توجد إلا في إطار نظام ديمقراطي علماني شريطة استبعاد الدور القيادي للبرجوازية عربياً وعالمياً فيها .. وبمعنى آخر لا يمكن بناء دولة المواطنة في وطن صغير ولا تجسيد نظام ديمقراطي في ظل إيديولوجيات طائفية أو انعزالية ،وكذلك تتنافى هذه الدولة المرغوبة مع المشروع الاستعماري الجديد الذي يثبت الطائفية ويفتت الأقطار ويقسم المجتمعات عمودياً ويشوه مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ويتخذها كأيديولوجيات تبريرية من اجل مشاريعه الاستعمارية ويخلق بنى الاستبداد والدمار والحروب الأهلية .
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهمات الماركسيين السوريين في اللحظة الراهنة
-
مفهوم الإنسان عند ماركس
-
مناهضة العولمة حركات اجتماعية أم أحزاب سياسية
-
التيار العلماني في سوريا
-
سوريا بين اتجاهين
-
قراءة في كتاب تجديد العقل النهضوي
-
التيار الوطني الديمقراطي الاجتماعي
-
الديموقراطية لا الليبرالية ،الجدل لا الوضعية
-
الوطن بين السلطة السورية ونخبة الخارج
-
خدام سوريا واللحظة الراهنة
-
شيخ العقل والسياسة السورية
-
علاقة المشروع الاستعماري ببعض أوجه العلاقة السورية اللبنانية
-
سوريا بين أنصار السلطة وأنصار المعارضة
-
علاقة الحوار المتمدن بالمشروع اليساري
-
علاقة المسألة القطرية بالمسألة القومية
-
علاقة الديموقراطية بالوطنية في سوريا
-
أزمات النظام السوري وأخطاء المعارضة الديموقراطية
-
قراءة في كتاب خدعة اليون
-
مأزق النظام السوري أم مأزق الدولة السورية
-
من المستفيد من إعلان دمشق
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|