|
براعة الاسنهلال في رواية - مصل الجمال -
صفاء الصالحي
(Safaa Alsalhi)
الحوار المتمدن-العدد: 6285 - 2019 / 7 / 9 - 01:25
المحور:
الادب والفن
اولت الدراسات السردية الحديثة باالسنوات الاخيرة اهمية كبيرة لدراسة العتبات النصية ، ودلالاتها ووظائفها في النص الروائي ، لاسيما عتبة الاستهلال ، بأعتبارهامفتاح الرواية وأول خيوط نسيجها السردي ، وفرصة الإلتقاء الاول قبل الاندماج بين النص والمتلقي ، كما انه يشكل العنصر الاهم في بناء النص ، لذلك شكل الاستهلال هاجس عانى منه حتى كبار الروائيين في العلم عند شروعهم بكتابة رواية جديدة . وعن أهمية الاستهلال بالرواية يقول ماركيز " المشكلة الرئيسية تكمن في البداية ، الجملة الاولى في الرواية او القصة تحددان امتداد النص ، ونطاقه ، ونبرته ، وإيقاعه ، وأسلوبه ، وأصعب ما في الرواية الفقرة الاولى ، ما أن تتقن ذلك حتى تسير الامور بانسيابية وسهولة ، في الفقرة الاولى تحل كل المشاكل التي تواجهك في كتابة الرواية ، لقد بحثت عن الجملة الاولى المناسبة لرواية خريف البطريرك طوال ثلاث اشهر ،ولكن عندما وجدتها أدركت كيف تكون الرواية بأسرها() .
بلعبة سردية فنية مغايرة للسرود التقليدية ، وبقالب طبع عليه البعد الغرائبي والواقعي ، وعلى شكل مقاطع مرقمة تنتهي بالمقطع ( 28) منثورة على 184 صفحة بلسان سارد دائم الحضور ، يقدم الروائي عبد الزهر علي منجزه الروائي السادس بالعنوان الموسوم " مصل الجمال اولاد الكلب " ، والصادر عن دار لارسا للطباعة والنشر . الرواية تصور صراع بين طائفتان من البشر يحاول كل منهما ان يصرع الاخر ، طائفة تحمل الجينات الانسانية تشترك بمعاني نبيلة تشتعل فيهم جذوة الخير والحب والجمال والخير متمثلين في الرواية بشخصيات ( الراوي ، المهبول ، ثائر ، حسنة ، وكل من يشترك معهم بالمعاني النبيلة ) ، وطائفة أخرى مستكلبة تشتعل فيهم جذوة الطمع والقبح والخراب متمثلين في الرواية بشخصية( جلاب وكل من يهم في تخريب معالم الجمال والحب والخير ) ، تتسع دائرة الصراع في متن النص فيستولي جلاب على بعض الاراضي من خلال تقربه من النافذين الجدد في البلد ، ويصبح بعد بيعه هذه الاراضي من الأغنياء ، ويتكاثر نسله وما عاد يتوانى في محطات أنحطاطه ، لينشب مخالبه في اجساد ألآخرين ، وينتهي الصراع الى صنع مصل هو خليط من الثقافة والادب والوعي والتعاون الذي يكافح الآفات التي جاءت بها الطائفة المستكلبة وتحميهم من شراسة المستكلبين ( في دورق كبير جمع ثائر قصاصات الشعر وجمل النثر ، وقطع اشرطة الغناء ، واجزاء من لوحات فنية ، ثم اضاف اليها اوراق من شجرة السدر ، وازهار الحديقة العامة ، وسكب عليها ماء فاتر مذاباً فيه عسل النحل ، ثم قام بتسخين المواد كلها على نار هادئة .. بعدها بأ بتقطير المحلول الناتج منه ، حصل على مصل ذو لون بنفسجي لقد غطى لون الأحبار على لون العسل ، اسماه مصل الجمال ص173 ) ، تتجلى في البنية السردية تفاصيل فنطازية غرائبية مبنية على بؤر أشارية تتعدد فيها الدلالات والمعاني والرموز ، مزجت بين العالم الواقعي المحسوس بعالم آخر من انتاج الخيال ، لايقتصر على الوعي والفائدة والتعرف على حياة المتجاوزين القاطنين بالعشوائيات الجغرافية وإنما فيها من متعة المحاكاة التهكمية التي تتبنى ثيمة ذات طبيغة سياسية ، وكثيراً ما يتسلل السرد الغرائبي الى بعض البنيات السردية الاخرى ويلتحم معها محركاً الاحداث واضعاً اياها في بوتقة الحدث الفانتزي الغرائبي . في نقطة اللقاء الاول بين الكاتب والمتلقي يمسك الكاتب بتلابيب القارئ ويثير سلطته التأويلية ، وينقله من صورة مرئية بشعرية خاصة الى عالم الرواية التخيلي بكل ابعاده ، بأفتتاح الرواية بأستهلال نثري بارع يحاكي بتهكم الانسان المستكلب بتقديمه " الكلب الرمادي " الرمز الدال الى نمط معين من الانسان الكلب وبالتحديد الى الشخصية المحورية المستكلبة في الرواية " جلاب " الذي سيشكل لاحقاً بؤرة مركزية في الرواية ترتبط بها الاحداث ( وقد تناثرت السحب ، وتوقف المطر ، بدأ شعاع الشمس ينسل خجولاً الى الطرقات الموحلة ، في هذا الوقت عينه كان يركض بمفرده وحيداً بلونه الرمادي ، مر وقت طويل وهو يخوض في البرك والطين تتعثر قوائمه باغصان الأشجار الساقطة في الوحل .. ص5 ) . ثم يستمر نمط الاستهلال ويمتد بسعته ليشمل فصلاً كاملاً من الرواية ليؤسس الى متن حكائي للرواية ، مشحون بكثافة رمزية ، تلعب فيه الاشارات والرموز دورها للوصول الى دلالاتها العميقة في النص . وبالاضافة الى الاشارة الى الشخصية المحورية في الرواية تضمن الاستهلال مجموعة من المكونات تمثل بتقديم صور عن فضاء الرواية ، من خلالتعين الفضاء الزمني للرواية بعد التغير عام 2003 والاحتلال الامريكي وتداعياته المختلفة على الواقع من خلال الاشارة الى الواضحة ( حيث رأى رجالها يغادرون مواقعهم ، تاركين اسلحتهم ومعداتهم في اماكنهم ، يهربون وهم متخفون بين الادغال والاحراش ..ص5 ) ، ومن خلال الاشارة الجغرافية الى المكان ( أخذ من الحفرة العميقة التي احدثتها الحفارة عند بناء مشفى لمعوقين الحرب ملاذ له .. ص7 ) حد الفضاء الجغرافي للرواية كما فصلها لاحقاً في المقطع الثالث من النص ( ومن هيكل المشفى المتروك والذي كان مخصصاً بعد اكماله لمعالجة معوقي حرب الثمانيننات ، يقع على تقاطع الطريق بين الاعلام وحي الشرطة والمعالف في بغداد ..ص26 ) ، كما تجلى في الاستهلال تصوير رمزي لبعض الحيوانات كالقرود تقبلت اجتياح المزرعة المرموزة للعراق ، والكلاب التي رأت ان المائدة مدت وعليهم تقاسمها ، فكانت بمثابة تمهيداً لأحداث رئيسية تم تفصيلها ضمن اللاحق من الفصول . لقد حقق الاستهلال في رواية " مصل الجمال اولاد الكلب " وظيفة جذب انتباه القارئ الى عالم النص من خلال الكلمات المشحونة بالإيحاء والاسلوب المتميز الذي أحال المتلقي الى مدارات التأويل والتحليل والكشف ، وحقق ايضاً وظيفة التلميح لمضمون الرواية ، وقدم فكرة عن الشخصيات والأحداث في الرواية فكان بمثابة البداية البارعة التي كان لها الدور الحاسم في اثارة انتباه القارئ وتحفيزه لمواصلة التفاعل مع النص .
1
#صفاء_الصالحي (هاشتاغ)
Safaa_Alsalhi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوس قزح
-
قصة قصيرة جداً
-
الوصف الانتقائي في رواية - النبيذة -
-
بذور دار سطور في سندانة خانقين
-
( تروبيكالية رواية ليلة سقوط جلولاء )
-
رسالة من الدراج الطواف حسن البحري
-
فايروس-إدمان الإنترنت - هوس يعكر صفو الحياة
-
فايروس - الطلاق - ينخر في جسد المجتمع
-
((الجنس الالكتروني-السايبر سكس- مغامرات خطيرة تهدد استقرار ا
...
-
رحلة مع ال - Google - تحسين گرمياني
-
هل تشد رواية -خاتون بغداد - أنظار صناع الدراما ؟
-
(الكتاب لا يختفي ولكن القراء هم الذين يختفون)
-
البرامج التلفزيونية مابين سخف الفكرة والرسالة والهدف
-
الأمية الحضارية عند العرب
-
السم اللذيذ بالمجمل تحت المجهر
-
من دروس الحياة .. الأب كنزٌ والأبن أمانة
-
جيل الطيبين
-
الطفولة .... احلام تبعثرها الحروب
-
تضارع نشوة السكر بالخمر ونشوة السكر بالخيال
-
الدبلجة عقول اجنبية الفكر عربية اللسان -ما بين الواقع والخيا
...
المزيد.....
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
-
تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر
...
-
المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
-
عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو
...
-
الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|