|
عندما حاولَ الدَّجاجُ الْطيران
سعيد علم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1546 - 2006 / 5 / 10 - 10:37
المحور:
كتابات ساخرة
هي: - قصيدةٌ ، لأنني عندما كتبتُها كنتُ قاصدا الدجاجَ المملحَ المبَهَّرَ المحمرَ والمذبوحَ المشوي على أحدثِ الطرقِ الرقيقةِ العصرية. رغم أن انفلونزا الطيورِ وانتشارها المستمر صدت نفسي عن الأكلِ ، وتركت لي الهذيانَ بكتابةِ الشعر. - فكريةٌ ، لأنني عندما كتبتها كنت أفكرُ بأمرٍ جلل ، ربطته بالدجاج على عجل ولم اكتبها اعتباطا أو استخفافا بالدجاج المسلوق بالخضار المفيد لصحنِ حساءٍ لذيذ أبدا، إلا انه والحق يقال بأن الدجاجَ هو صاحبُ الفكرةِ وله يعودُ الفضلُ بأن نقعَ نحن البشر في ورطة السؤال القديم العسير المحير بلا جواب : هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة ؟ - قصصيةٌ ، لأنني كتبتها بشكل قصصي، ممتع فقط لمن يتلذذ بأكل فخذ الدجاج وقرقشة عظامه. أي فيها كل العناصر القصصية. فهناك أشخاص القصة وبطلها وحبكتها وبدايتها وقاعها وقمتها ونهايتها المأساوية بالطبع. - شعريةٌ ، لأنني كتبتها بأبيات شعرية موزونة على الوزن الحر. وبلغة عربية فصحى تطبيقا للمثل القائل : الفصيح من البيضة يصيح ! مع أنني لا أعتبر نفسي فصيحا فصاحة الديوك ، بل منقنقا نقنقة الدجاج ! عندما حاولَ الدَّجاجُ الْطيران
يَنظرُ الدَّجاجُ باسْتِغْرابٍ إلى السَّطْحِ الْمُمَدَّد ويرى نَفْسَهُ حائراً في سِجنِهِ الْمُؤَبَّد فيُحاولُ جاهداً بِجَناحَيهِ عن واقعهِ أن يَتَمرَّدْ وأَن يطيرَ كَما الطيورُ والعَصافيرُ إلى العَلْياءِ تَطيرُ وتَصْعَد .. ويُحاولُ الدَّجاجُ مِراراً يُحاولُ ويَجْهَد لكنَّهُ في مُحاولاتِه العَديدَةِ يَفْشَل ليسَ لأَنَّهُ جاهِلُ الطَّيرانِ مغَفَّل بل لِوزنهِ الْمُعيِقِ الْمُعَرقِل فَوَزنُهُ منَ الآخَرينَ أَثْقَل وجَناحاهُ على رفعهِ والطيرانِ بهِ لا تَقدِر .. فَيُصْدَمُ في كَيانِهِ ويَتعَقَّد ويُصَابُ في عُنفُوانهِ ويَتَعَرَّض لِمَرَضِ الكآبةِ النَّفسِيِّ الْمُعَقَّد .. ويَدَورُ في مَكانِهِ حول نفسهِ تائِهاً مُعَذَّب من نقطةٍ إلى نقطةٍ على فخذيهِ يَتقَلَِّب ثُم يَحْمِلُ جَسَدَهُ الْمُتْعَبَ الْمُحَطَّم على سَاقَيهِ النَّحيفَتينِ ويَحْلَم فَلَرُبَّما ! فَلَرُبَّما سَيَحصَلُ بعد الْذَّبحِ على أجنحةٍ أفضَل تطيرُ به كالعصافير ومن سَحابةٍ إلى سَحابةٍ يَتنَقَّل .. ويَسْهوْ في حُلُمِهِ اللَّذيذِ وفي النوم يَغْرَق ويُحاولُ من شِدَّةِ الفَرحَةِ أن يُزقْزِق فيَسْمَعُ صِياحَهُ بأُذُنَيهِ حَقائِقَ تَجْرَح تُوقِظُهُ من حُلُمِهِ الْجَميلِ ويَتذَكَّر واقِعَهُ الْمَأساويَّ الْمُعَتَّر .. وَيَسيرُ عندها مُطَأطِئَ الرأسِ إلى الأَسْفَل يَحارُ طَويلاً في أمرهِ ثُمَّ يَسْأل : " لِماذا الطيورُ تَعلو وتَهبُط وأَنا وحيداً مع جَناحَيَّ أَتَخبَّط ؟ لِماذا يا سلطانَ الطيورِ الأَوحد ؟ أَهل أنا في الواقِعِ غبيُّ أَعْبَط ! أَم أَنَّكَ في حقيقتِكَ وهْماً يَتَرَصَّد لا يَستطيعُ أن يَحُلَّ في الأُمورِ ولا يَربُط يا من أُنَقْنِقُ إليكَ طوالَ اليومِ وأتعَبَّد لِماذا لا تُسَاعِدُنِي يا سَندي الْمُمَجَّد كي أَعْلُوَ مع الآخرينَ أَطيرَ وأَلعب في هذا الفَضاءِ الواسِعِ الأَرحَب ! " .. ويقفُ السؤالُ في حلْقِهِ ويَجْمَد فلا أحدٌ يُجيبُ ولا أحدٌ يَسْمع .. ويُحدِّقُ في السَّطحِ السَّاكِنِ حَوالَيه يُحدِّقُ طويلاً ، ويَعفُرُ التُّرابَ غيظاً بِقَدمَيه ثُمَّ يُبعثِرُهُ عالياً بِكِلْتا جَناحَيه فَيتَطايرُ الغبارُ إلى الفَضَاءِ ويَصْعَد وينظرُ باسْتِغرابٍ ودَهشَةٍ وتَعَجُّب كيف أَصبحَ للغُبارِ أَجْنِحةٌ وكما العَصافيرُ يُحَلِّق .. وبعد أن يَهْدَأ الغبارُ والدجاجُ والسَّقْفُ الْمُعَلَّق لا يَستطيعُ بِسُهولَةٍ بعد لِما رأى بأُمِّ عَينَيهِ من عَجائبَ أَن يُصَدِّق .. فيَتلهْى بالْبَحْثِ عن ما يُؤْكَل ويَعفُرُ التُّرابَ ثانيةً بِقَدمَيه عَلَّهُ يَجِدُ في التُّرابِ شَيئاً يُبْلَع ويَبلَعُ يبلَعُ الأَشياءَ خطفاً ويَنْهَم فهو لا يُريدُ بعد اليومِ أَن يَشبَع ويَسْمَنُ من كَثْرَةِ الْبلعِ ويَترهَّل ويتنقَّلُ الْهُوَيْدا على قدَمَيهِ ويَتمَهَّل فَلِمَ السُّرعَةُ ؟ مادامَ السِّجْنُ مُؤبَّد ! ولِمَ التَّسارُعُ ؟ ما دامَ الذَّبحُ هو الْمَصيرُ الْمُؤَكَّد ! ويُمارسُ بعد أَن يَنعَسْ هُنيهَةَ القنوطِ الْمُقَدَّس فَيضِبُّ ثَنايا بُرديهِ حَولَ فَخذَيهِ الْمُمتلِئَتَينِ اللذيذَتين يَخنُقُ الفِكرَ بيديهِ الاثْنَتين يُغْمِضُ العينَينِ ينامُ ويَتْعَس ...
#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمير الكبير وكسرى الصغير
-
ولقد شبع اللبنانيون من لحود حتى التخمة القاتلة
-
الواقعُ العربي الواقفُ كعامود الخيمةِ فوق الرؤوس
-
- يا سامعين الصوت-
-
ولا شيءٌ على الجبينِ مكتوب!
-
هل سنتعرف قريبا على كوبونات بشار ؟
المزيد.....
-
السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|