|
قانون التداولية والمطلق المحال....
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 03:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من يقرأ سيرورة التاريخ ويتمعن جيدا بدروس الماضي عليه أن يفهم حقيقة واحدة كثيرا ما رددها أباءنا وأجدادنا ببساطة ( لو دامت لغيرك ما وصلت إلك )، فمن ملك هلك ولو بعد حين ومن تغلب اليوم بفعل ما يملك من أسباب سيكون في يوم أخر ضحية أسباب أخرى فيغلب على أمره، ولم يشهد التاريخ بطوله وعرضة ثباتا لحال ولا خلودا لقوة مهما أوتيت من أسباب أو تمتعت بقدر من المقبولية، التاريخ أيضا يحدثنا أن القوة بجوهرها كائن حي مثله مثل بقية الكائنات التي تتطور وترتقي فتبلغ من القدرة التي يمكنها أن تفعل ما تريد بلا منازع عندها تبدأ بالانحدار وصولا للتلاشي والاضمحلال وكأنها لم تك يوما تلك التي بمقدورها أن تغير ما تشاء كيف تشاء. إذا التداولية الوجودية كقانون حتمي سمة من سمات الكون الوجودي ولا ثبات في الحياة إلا للقيم التي تدفع الوجود للحركة والتجدد فهي وحدها التي توائم وتماهي قانون البقاء للأصلح، فمهما أمتلكت قوى الجمود والدعوة للتحجر من قوة وتظن أنها قادرة على الثبات ومواجهة التطور ومقارعة أسباب التغير الزمني ستجد نفسها في لحظة حرجة تاريخيا أنها أمام أستحقاقات حركة الزمن الحتمية وأقلها التلاشي والاندثار، هنا أنا لا أتشاءم ولا أتفاءل من غير أسباب واقعية سواء من الواقع الحالي أو من التجربة الكونية تأريخيا، بل أدعو الجميع للمسارعة في استقطاب لحظة المكاشفة والمصارحة قبل أن يسرقنا الزمن فنجد أنفسنا في متاهة الضياع والبحث عن مبررات الفشل وهي أمامنا بكل وضوح، وقبل أن نفقد الفرص المتوالية التي توفرها الرؤية المعمقة والأصيلة والواقعية من حولنا وفينا. قد يكون هذا الكلام جزء من ما كتبه الكثيرون من قبلي ومنهم من أعتمد الدراسة والتحليل العلمي لحركة الوجود ومنهم من قادته دراسة التجارب البشرية من أن وعي الإنسان قيمة الزمن والتدوين ومراقبة فعل الإنسان ككائن معرفي يستخلص من تجربته دروسا وقوانين وأحكام يعتمدها في بناء الحياة ليعيش متماهيا مع واقعه ومع ما يمكن أن يوفر له قوة بقاء تجعله قابل للحركة والاستجابة للتحديات الوجودية، لكن الجديد في الأمر أنني أسوق هذا الكلام في مناسبة يعتقدها البعض أن في وجودنا الذاتي مصادر قوة كامنة ومكنونة يمكننا في أي لحظة أن نستخرجها للتوظيف وبذلك نضمن أن بقاءنا قابل بذاته للبقاء الطويل بأعتبارنا نملك ما لا يملكه غيرنا من وعد فوقي بأننا الأفضل وجودا والأكثر قدرة على التوافق مع جعلية الزمن والوجود فوقيا وغيبيا. لا أشك لحظة أن هذا الكون المتناهي في دقة ضبطه ومحكوميته الأبدية للقانون الوجودي الأول والشامل والكلي والمطلق لا يتعارض مع فرصة الإنسان أن يكون كائنا أبديا فيه طالما أنه يعي ذلك القانون ويساير ، إنه الآن وبهذا الوصف يقدم على انتحار أكيد، إنتحار بالتصادم مع قوة لا يمكنها أن تحابي وجوده لأنه مؤمن بقيم أو محددات إيمانية فسرها أو سخرها أو ظن أنها ممكنة أن تحمية من قوة الحركة الزمنية الوجودية، حركة الزمن هذه حركية تتقدم للأمام لا يمكنها وبالمحال أن تقف ثابتة للحظة واحدة وإلا تحطم الوجود كليا من خلال اضطراب قوة القانون المسير (مطلقا وكاملا لا يقبل الاستثناء). هنا من الواجب أن نفكر في حقيقة تكاد تكون هي الثابت الوحيد في عالم متحرك لا مستقر ولا متوقف عن الجريان للأمام، وهذه مفارقة أن يكون هناك ما يمكن وصفه بالثابت ونحن ننفي بذات الوقت قدرة الأشياء على الصمود بمواقعها ثابتة، هذه الحقيقية التي أسميها مطلقة وثابتة هي أن لا وجود لثابت في خط متحرك، بمعنى أن التداولية الوجودية تقول في قانونها العام الكلي ((أنها تنفي حدوث الثابت أو المطلق وجودا لأن في ذات كل شيء حركة وإن كنا لا ندركها ترتبط جدليا بالحركة الوجودية الشمولية الأعم ولأن الداخل الذاتي هو سر وأساس بقاء الوجود خارجا متحركا بدون توقف))، إذن ما نثبته هنا لا ننفيه لأنه يثبت الثابت وينفي قدرتنا على الاستثناء مطلقا وكاملا. وأيضا يمكننا القول أن التداولية الوجودية تعني أن لكل لحظة تاريخية مقاسة زمكانيا بالوجود حكم خاص لكنه متسق كليا مع قانون كلي وهي من ضمن دائرة المنحى اللا متوقف والذي لا يمكنه أن يصل لنهاية لا أفتراضا ولا حقيقة، فاللحظة الماضية تدوال مكانها اللحظة القادمة حتما وهذه الأخيرة محكومة أيضا أنها ستتخلى بالتأكيد بعد بلوغها الزمكان اللحظة القادمة بعدها، في أفق لا مكان فيه للنهايات لأنه أصلا بدأ من غير نقطة ثابتة يمكن تحديدها لتأشير خط السير، وكل ما ندركه ونعرفه عن البدايات هو مجرد أفتراض قياسي أعتباطي لا حقيقة له حتى نعرف متى بدأ المكان وكيف ولد الزمان وهذه الحالية أشبه بالبحث عن مفهوم عدمي لواقع وجودي محض. نستخلص من كل ذلك أن القانون المطلق والثابت الذي نؤمن به أن لا مطلق في الوجود، وأن ما يزعم من أنها ثوابت وإن أمتلكت القدرة على تغرير العقل البشري بهذه الثوابت ما هي إلا نسبيات لا يمكن حتى إثباتها بمعزل عن قصور العقل في إدراك هذا المحال المنطقي المطلق، وعليه فما بني على المنطق المطلق يبقى ثابتا كمفهوم متحرك لا كوجود ولا يمكننا لا جدلا ولا فعلا إثبات عكسه أو مخالفته، طالما أن جزء من وجود متحرك ذاتيا داخليا وموضوعيا خارجيا بفعل قانونه الأول الذي بدأت منه الحركة أزليا أبديا على أفتراض أننا نحدد بداية وجودية معقولة كقياس أولي وإن كان ذلك قابلا لإثبات العكس أو إثبات ما غيره.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية التوافقية الإشكالية والمشكلة
-
((وجعلنا في التراب كل شيء))
-
القراءة الإشكالية وإشكاليات القراءة في النص الديني
-
الفكر التنويري بين العودة المشروطة وبين التخلي عن نقطة البدا
...
-
بين الإلحاد واللا دينية مشتركات ومفاهيم مغلوطة
-
الشعور الديني او مظهرية الدين في الذات الإنسانية
-
ليس كل الشعر كلمات
-
الإعلام العربي ومشكلة الوظيفة وإشكاليات السلطة
-
الديمقراطية الواهمة ..... الديمقراطية الإسلامية....
-
الجذور الدينية للفلسفة المادية
-
الإنسان بين العقلانية التأريخية وصدام المادية التأريخية
-
العملية السياقتصادية في العراق إشكايات مزمنة وفكر مأزوم
-
الأسطورة والرواية التاريخية والنص الديني _ قراءة ثانية لرواي
...
-
أسئلة بدون جواب شجاع.....
-
غرائب اللا معقول في الواقع العراقي... من الفاعل ومن المفعول؟
...
-
الحداثة بين المتنور الديني والمتدين التقليدي
-
إشكالية الديمقراطية ووهن العقل العربي الحلقة الثانية
-
إشكالية الديمقراطية ووهن العقل العربي الحلقة الاولى
-
غرائب اللا معقول في الواقع العراقي... من الفاعل ومن المفعول؟
...
-
بين جحيم النص و نار العقل؟
المزيد.....
-
عملية مشتركة.. -سرايا القدس- تعرض مشاهد من قصف مقر قيادة وحد
...
-
عاجل: نيابة أمن الدولة العليا تستدعي حسام بهجت مدير المبادرة
...
-
نصائح مجدي يعقوب لصحة القلب
-
ناجون من حادث غرق قارب سياحي مصري يتهمون السلطات بالتغطية عل
...
-
الطيران الإسرائيلي يستهدف رتلا لإدارة العمليات العسكرية في ا
...
-
الحلم السويدي بات أصعب.. ستوكهولم تفرض شروطا جديدة للحصول عل
...
-
سفير إيران في روسيا: تحالف طهران مع موسكو وبكين يشكل تحديا خ
...
-
الناتو يقرر نشر سفن وطائرات ومسيّرات في بحر البلطيق، ما الهد
...
-
وفاة راكب خلال رحلة على متن طائرة فرنسية والسلطات الأميركية
...
-
قناة إسرائيلية تتحدث عن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|