|
لمحة حول تجريبية العصر الكلاسيكي
عصام الخدير
الحوار المتمدن-العدد: 6275 - 2019 / 6 / 29 - 04:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من بين المحاولات التي حاولت الإجابة عن إشكالية المعرفة في مطلع العصر الحديث كانت محاولة المدرسة الأنجليزية التجريبية الكلاسيكية، والتي كانت خصما عنيدا لعقلانية المذهب الديكارتي un Dur Rival.. انطلق جون لوك الفيلسوف التجريبي الشهير (1632- 1704) من تساؤلات أساسية تمثلت في : ما هي المعرفة الإنسانية..؟ ما هي حدودها..؟ وما هي آليات اشتغالها.. ؟ لقد توفرت لجون لوك معرفة علمية أغنى بكثير من تلك التي توفرت مثلا لرونيه ديكارت، ولقد قام بدءا بانتقاد فرضية الأفكار الفطرية التي تحدث عنها ديكارت. فاعتبرها أفكارا لا تقدم أي مبرر لوجود الإنسان.. فمسالة فطرية الأفكار لا أساس لها من الصحة في تصور جون لوك، إن كل ما يوجد في أذهاننا هو آت من التجربة و الحس عبر الاحساسات الأولية أو ما يسميه بالأفكار البسيطة simplex ideam ( برودة.. ملوحة.. سخونة.. رطوبة.. دفىء.. إلخ ) ثم تليها الأفكار المركبة Compositis ideam التي هي تأليف لتلك الأفكار البسيطة الأولى.. والأفكار البسيطة نفسها لها مصدران إثنان: 1)- اولا أفكار الحس كانطباعات حسية أولية. 2)- ثم أفكار انعكاس الفكر على ذاته تحديدا ملكة الذاكرة mémoire/ memoriae بينما الأفكار المركبة فهي صنفان كذلك : 1)- تأليف لأفكار بسيطة أولية. 2)- أفكار العلاقة مثل علاقة البنوة أو الاخوة أو التمازج.. بمعنى علاقة بين شيئين أو طرفين أو عنصرين.. لقد حاول جون لوك حذف كل ما هو خيالي، فالافكار يجب أن يكون لها مقابل مطابق في الواقع التجريبي.. وهذا التصور التجريبي لم يكن ليمنع جون لوك من الإيمان بوجود الله فحسب لوك من لا يؤمن بالله لا يفهم قوانين الطبيعة، لأن وراء الطبيعة التي تبدو خاما أو غفل يوجد نظام، و الله هو النظام، و يستدل جون لوك على وجود الله بدليل سماه دليل العرضية Acontingentia Monti.. فالإنسان كائن عرضي، و هو ككائن بهذا المستوى العرضي يحتاج إلى كائن خالق أسمى هو الله الذي ليس كائنا عرضيا.. بل كائنا ضروريا. لم يكن دافيد هيوم بأقل تجريبية من جون لوك بل كان امتدادا وتطويرا لهاته النزعة في العصر الكلاسيكي الحديث، لقد تأثر دافيد هيوم ( 1711-1776) بالنيوتونية التي عايشها وعاصرها، فهو بدوره يتحدث عن حدود العقل ويتساءل عن إشكالية المعرفة.. ينطلق دافيد هيوم من إسحاق نيوتن وقوانينه الفيزيائية المبهرة وكذا من فلسفة جون لوك، غير أنه ينتقد لوك إذ يراه لم يفسر لنا العلاقة القائمة بين الأفكار و الأشياء، ولا كيف تتحول وتنقلب الأفكار البسيطة (الموجودات/ الأشياء) إلى أفكار مركبة (الأفكار/ التصورات).. يعتقد دافيد هيوم في هذ الأمر أن العلاقة القائمة بين الأفكار البسيطة و تلك المركبة على الشكل التالي : فالإنسان يتلقى انطباعات حسية من العالم الحسي des impressions.. impressiones.. تقل درجة وضوحها و حدتها في فكر المتلقي فتصبح بذلك الفكرة انطباعا باهتا، ولا توجد فكرة إلا ولها انطباع حتى الأفكار العلمية و الفلسفية بل و حتى الدينية، غير أن دافيد هيوم يتحدث كذلك عن نوع خاص من الأفكار بدون انطباعات ( مثلا تدرج لون معين من المستوى الداكن إلى المستوى الخفيف، فالذهن يستطيع إدراك الفارق من خلال هذا التدرج في المستوى اللوني ولو لم يسبق له ملاحظة اللون الغائب تجريبيا ). كما لا يفوتنا أن نشير أن دافيد هيوم كان أكبر ناقد لمبدأ السببية في عصره، و الإشكالية التي طرحها دافيد هيوم لا تزال قائمة إلى اليوم حسب دراسة في الموضوع للابستيمولوجي المعاصر كارل بوبر Karl Popper.. علما أنه في هذه الدراسة يتحدث عن هيوم كمنهجي لا كمذهبي. ودائما في علاقة الأفكار البسيطة بالأفكار المركبة يقترح دافيد هيوم ما أسماه بقوانين التركيب السببي ( التشابه resemblance - التماس continuité - السببية causalité ).. إن مبدأ السببية هذا حاول دافيد هيوم أن يبرهن أنه لا مشروعية له، وفي كلك رد ضمني على مذهب الفرصية أو المصادفة l occasionisme /potestatem الذي سبق لمالبرانش أن نادى به.. فمثلا عندما يصطدم جسمان أو عندما تحرق النار الخشب أو يطفئ الماء النار.. فهذا لا يعني أن تلك العناصر أو المواد تمتلك قوة أو قدرة أو فاعلية ذاتية لتفعل باستقلالية.. إن الله يأخذها فرصة ليتدخل ليقوم بحرق الخشب أو إطفاء النار و بالتالي فالعلة هنا هي الله وليس النار أو الماء.. ، وهو مبدأ قديم في الواقع على الأقل سبق للمفكر الإسلامي أبي حامد الغزالي أن أشار إليه في كتاباته. أما بالنسبة لدافيد هيوم فإن مبدأ السببية مرتبط بالعادة والتكرار، فلاننا اعتدنا رؤية الأشياء تتكرر أمامنا اعتقدنا أنها مبادئ ثابتة.. وعندما ننقل المسألة إلى المستوى الإنساني من المستوى الطبيعي تصبح مسألة الحرية الإنسانية وهم كبير وهنا يلتقي دافيد هيوم بشكل أو بآخر مع باروخ سبينوزا في مسألة اعتباطية فكرة الحرية تلك.. وإن كان هذا الأمر الأخير ليس هو موضوع مقالتنا هاته.
#عصام_الخدير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيير بورديو و إعادة الإنتاج
-
مفهوم العدالة بين أفلاطون وارسطو
-
مبادئ التطرف
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|