|
3 الأستعداد السياسي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6273 - 2019 / 6 / 27 - 23:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
3 ـ الأستعداد السياسي
كانت نظرة محمد السياسية النابعة من دعوته الى التوحيد ، نظرة شمولية لم تخطر في بال أي عضو من أعضاء الملأ المكي ، أو أي رئيس من رؤساء القبائل . في هذه الرؤية السياسية : لم يعد للأرض مالك من البشر ، وانتفت شرعية امتلاكها من قبل القبائل والحواضر والقرى وسكنة المدن ، وصارت مكاناً واحداً ، يعود لمالك واحد هو الله ، خالقه وخالق ما فوقه من سماوات : ( ولله ملك السماوات والأرض والى الله المصير .النور : 42 ) وبعودة هذه الملكية الى الله ، صارت الأرض مكاناً واحداً واسعاً : أوسع من مكان القبيلة ( الحمى شبه المقدس ) الذي كانت تدعي ملكيته ، واكبر من أمكنة القبائل الأخرى ، وأشمل من المدن المعروفة ، ومن حدود المناذرة والغساسنة وما وراءهما من امبراطوريات . انه المكان الأصلي الذي لم تكن ثمة حدود تبعثره وتجزئه لحظة اكتمال خلقه ، وجاء على شاكلة خالقه الذي لا يمكن حده : ( فمن حده فقد جزأه ومن جزأه فقد ثناه ) " انظر نهج البلاغة ودراسة العقاد عنه " . وبهذا التحول في النظرة الى ملكية الأرض ، لم تكتف القبائل بالتخلي عن ملكيتها بل أصبحت مستعدة للهجرة الى خارج العربيا للدفاع عن ملكية الله للأرض وتحريرها من الحدود التي وضعها بنو البشر لها . وقد باشر النبي محمد بتطبيق هذا الوعي بعد الهجرة في ما سمي : بالغزوات والسريا التي امتدحت حركة خيولها الكثير من الآيات القرآنية ، ثم في الحروب والمعارك الكبيرة الفاصلة ( بدر ، أحد ، الخندق ) . وبحركة الخيول هذه التي أباح فرسانها لأنفسهم تجاوز حدود القبائل ومن ثم حدود المدن والأمبراطوريات ، تكوّن وعي سياسي تتدامج فيه الرؤية السياسية برؤية دينية عالمية تنطلق من الأرض صعوداً الى السماوات السبع التي خلقها الله في ستة ايام وكان عرشه على الماء ( الآية 6 من سورة هود ) وبتحرر هذا الوعي من النظرة الضيقة القديمة التي كانت تربط الشرف والمروءة والفروسية بالدفاع عن ملكية مكان القبيلة الصغير ، صار الكون الذي لا حدود له ، بمرئيه ومحسوسه ، وبما ورائه من عالم الغيب ، داخلاً في صميم المعتقد الديني : ككون شوهته وعطلت جماله أفعال الشيطان على الأرض ، والمطلوب العمل على استعادة توازن الكون وجماله . من هذا الهدف الكوني انطلق العمل السياسي الأسلامي باتخاذ قرار الفتوحات أو ( فتوح البلدان ) بتعبير البلاذري . وهذا الهدف الكوني الساعي الى استعادة توازن الكون وجماله ، باستعادة وحدة الأرض عن طريق الفتوحات ، لا يمكن تفسيره بشهوة البدو الجارفة للحصول على الغنائم وحدها ، وغض النظر عن البعد الروحي للدعوة المحمدية ، وما أثارته من حماس في الدفاع عن يثرب المدينة منذ معركة بدر الكبرى وحتى معركة الخندق التي لم تبدأ استراتيجية الهجوم الا بعدها . لا فصل في هذه الرؤية بين الديني والسياسي . الدين يمنح العمل السياسي استراتيجية العمل ، والسياسة تمنح الدين الأمل باستعادة وحدة الأرض عن طريق الجهاد أو الفتوحات . فالعمل السياسي الأسلامي نابع من الرؤية الدينية القائلة بأن للسماوات والأرضين مالك واحد هو الله ، وبالتالي فأن توحيدها عن طريق الحرب المقدسة ( أي السياسة ) يعني تحريراً لساكنها ( الأنسان ) من أوهامه وضلالاته بغض النظر عن اثنيته ولونه ، بالأضافة الى استعادة بكارتها واصالتها الأولى لحظة خلقها الله مع السماوات في ستة أيام ثم استوى على العرش ( ألآية : 54 من سورة الأعراف ) لقد انفتح المكان في هذه النظرة على ما يليه من الأمكنة وصار متحركاً ، تطويه حوافر خيول المؤمنين القادرين على الجهاد من أجل استعادة وحدة مكان الله تحت راية : الله أكبر . هذا هو المعنى الأصلي للجهاد : استرجاع حق الله في ملكية الأرض ، من أجل هداية ساكنيها . فمن غير تحرير الأرض من سلطان الدول والأمبراطوريات عليها ، لا يمكن هداية البشر الذين يعيشون فوقها . ولا استعادة لحق الله ، حتى بعد الأستيلاء عليها عنوة أو صلحاً تحت ظلال السيوف عن طريق الجهاد ، من غير ان يبدأ كادحوها وحارثوها أي ملاكها القدماء بالأيمان بان الأرض التي يفلحونها هي أرض الله ، وانه من الضروري لهم كبشر في طريقهم الى الفوز بالجنة يوم الحساب : ان ينتظروا قرار التصرف بها الذي سيصدر عن حكومة الله في الارض ، الموجودة في يثرب / المدينة . تمت عملية توحيد أرض الله ( أو ما استطاعت جيوشهم احتلاله من أرض الله ) بطريقتين : طريقة الصلح من غير حرب ، وطريقة فتحها عنوة أي بالقوة . ولكي تستمر جيوش الله بالغزو وتحرير الأراضي التي لم يتم تحريرها بعد ، لا بد من وضع ضريبة على انتاج الأرض ( الخراج ) وضريبة راس ( الجزية ) على اصحاب الديانات التي رفض اعضاؤها الدخول في ديانة المجاهدين ، وضرائب كثيرة أخرى على الماشية وعلى ما يضم جوف الأرض من معادن ( كتاب الخراج وكذلك كتاب الأموال ) . جرى ذلك بعد الهجرة الى يثرب / المدينة التي تحول فيها المؤمنون الى امة واحدة : " انهم أمة واحدة من دون الناس " ، كما ورد ذلك في صحيفة المدينة التي كتبها الرسول ، امة ذات كيان واحد منفصل عما سواه من التجمعات السكانية كاليهود والمشركين ، بما بدأ القرآن يبثه بين ظهرانيها من أحكام وتشريعات واجبة التطبيق ، تحول من خلالها المؤمنون بالرسالة المحمدية الى مقاتلين وحماة لأرض الله الواسعة ، يملأ وعي الغالبية منهم شعور صادق بكبرياء تمثيلهم لله على هذه الأرض ، ويصدحون نتيجة لذلك : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : ( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم آلمفلحون . آل عمران : 104 ) وفلسفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقع في الصميم من شريعة الدعوة المحمدية . ومثلما ينطبق هذا المبدأ على يثرب / المدينة ، يجب بالضرورة ان يكون متحركاً لتشمل أحكامه كل الأراضي المسكونة ، لكي تكون أرض الله بكل جهاتها ميداناً لطرد المنكر عنها واحلالها بالصالح من الأعمال . * ................................................................................................................ • للاستزادة يمكن العودة الى الطبري ، والى فنوح البلدان للبلاذري ، والى المغازي للواقدي ، والى تلميذه وراويته ابن سعد وكتابه الطبقات . ومن الكتب الحديثة : يمكن العودة الى الجزء الثالث من ثلاثية الدكتور هشام جعيط عن سيرة محمد " محمد في المدينة " .
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
2 الأستعداد البياني أو الموهبة الأدبية
-
حيرة المسلم بين الرؤيتين الدينية والبرلمانية
-
هوامش سياسية
-
فنجان ثالث من قهوة الصباح
-
قهوة صباحية
-
اشرف الخمايسي في رواية : جو العظيم
-
محنة رءيس الوزراء العراقي الجديد
-
ظاهرة يوسف زيدان
-
تنبوء ولي العهد السعودي
-
ثقافة تزداد تحجراً
-
جمال خاشقجي
-
قتل النساء
-
رءيس مجلس النواب الجديد : محمد الحلبوسي
-
تاكل حزب الدعوة
-
لا زعامة للثورة البصرية
-
ساسة من نوع آكلي لحوم البشر
-
مخجل هذا الذي يجري في العراق
-
ذاكرة ما بعد الموت
-
سواعد لاهثة
-
تابع الى 3 - 3 من مقالنا : حدود سلطة المظاهرات
المزيد.....
-
الرسوم الجمركية.. ترامب يعلن تطورًا جديدًا بعد اتصال مع رئيس
...
-
الشرع يتحدث لـ-تلفزيون سوريا- عن معركة إسقاط النظام: خطط لها
...
-
ترامب يفرض رسوماً جمركية إضافية.. فمن الدول المتأثرة وكيف رد
...
-
أحمد الشرع يبدأ أولى زياراته الخارجية إلى السعودية ويؤدي منا
...
-
تبون يتحدث عن شرطه الوحيد للتطبيع مع إسرائيل، ما هو؟
-
نور عريضة تتحدث لترندينغ عن حملتها مع هيفاء وهبي ضد التحرش ا
...
-
-مخاطرة بأمننا-.. شولتس يهاجم المحافظين بسبب تشديد الهجرة
-
حكومة غزة: الاحتلال الإسرائيلي يماطل في تنفيذ البروتوكول الإ
...
-
رئيس الوزراء الكرواتي يعلق على فكرة ترامب حول فرض رسوم على ا
...
-
على خلفية تصريحات ترامب.. غرينلاند تخطط لتشديد قيود التبرعات
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|