|
حور العين ما بين العربية و السريانية
رماز هاني كوسه
الحوار المتمدن-العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 22:24
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تشكل عبارة الحور العين موضوعا جدليا في الفقه الإسلامي . التفسير الإسلامي لعبارة الحور العين يستند للغة العربية التي تفسر كلمة حور بأنها العين التي اشتد بياض بياضها و سواد سوادها و اتساع حدقتها و من هنا فسرت عبارة الحور العين بأنها صفة للنساء اللواتي سيتزوجهن المؤمن بالجنة . و لكن بالفترة الأخيرة طرحت تفسيرات أخرى لعبارة الحور العين تنطلق في تفسير اللفظة استنادا إلى اللغة السريانية التي كانت متداولة في سوريا و ما زالت إلى اليوم الحالي ببعض المناطق . و قد طرح هذا التفسير كريستوف لكسنبرغ (و هو اسم مستعار) في كتابه قراءة آرامية سريانية للقرآن . مستندا بتفسيره للكلمة على معناها السرياني و الذي يدل على حبات العنب كما يطرح بكتابه . و بالتالي فالآيات القرآنية التي تذكر عبارة الحور العين حسب لكسنبرغ لا تشير إلى لذة أو نوع من المتع الجنسية في الجنة بقدر ما تشير إلى متعة مادية و هي تناول الفواكه و الطعام اللذيذ . لنطلع على أماكن ورود عبارة الحور العين في القرآن و نقارنها مع التفسير الذي طرحه لكسنبرغ و إن كان يستقيم مع سياق النص القرآني . ذكرت عبارة الحور العين قرآنيا بأربع مواضع .... نبدأ بسورة الدخان و هي مكية انَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) الآية تتحدث عن مكافأة المتقين بتزويجهم من الحور العين و تكمل بالحديث عن الفاكهة . التفسير السرياني لهذه الآية يذهب لان كلمة زوجناهم تكتب بلا تنقيط في المصاحف الأولى(روحىاهم (و التي يمكن قراءتها ب) روحناهم( بمعنى روحنا عنهم أو رفهنا . و الحور العين هي بالسريانية العنب و هو ما يتوافق مع تتمة الآية بالحديث عن الفواكه أكثر من التفسير الإسلامي بأن المقصود بها نساء الجنة . و بأن المقصود بالآية هو الإشارة الى الترفيه عن المتقين في الجنة بتناولهم للأعناب . و التفسير المطروح هنا نراه قريبا من النص التالي و هو من أشعار القديس مار افرام السرياني من القرن الرابع الميلادي و كان يعتبر كترتيلة دينية ,و يرد فيه إشارة الى تمتع المؤمنين بتناول العنب في الجنة ... يقول النص: الذين يهجرون الخمرة في الارض تنتظرهم هناك في الفردوس حقول العنب كلها تأتيهم في قطوف دانية أشعار مار افرام تبدو قريبة من نص قرآني آخر يذكر تناول العنب و التمتع به في الجنة من قبل المؤمنين و هو ما يرد بالآية التالية من سورة الواقعة (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)..... فالتفسير السرياني للحور العين بالإمكان أن نراه مقبولا في الآية الواردة بسورة الواقعة أعلاه اعتمادا على المقارنة مع ترتيلة مار افرام و الآية القرآنية التي تذكر التمتع بالعنب في الجنة المثال التالي هو الذكر الثاني للحور العين من سورة الواقعة و هي سورة مكية وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ{20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ{21} وَحُورٌ عِينٌ{22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ{23}......... وهنا أيضا تتحدث بداية الآية عن الطعام و الشراب و تشبه الحور العين باللؤلؤ المكنون . و حبات العنب اكثر شبها باللؤلؤ من النساء و هنا التفسير السرياني يبدو ملائما لسياق الآية أكثر من النساء . الذكر الثالث للحور العين من سورة الطور و هي مكية ايضا {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ{17} فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{18} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{19} مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ {20}...... أيضا الحديث هنا عن الطعام و الشراب كمتع بالجنة . و تفسير زوجناهم بكلمة روحناهم يخدم المعنى نفسه و يتممه كما ذكرنا سابقا و تفسير الحور العين بالعنب يتماشى ايضا مع سياق النص بشكل جيد. الذكر الرابع للحور العين في سورة الحاقة و هي مدنية ..... حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ{72} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{73} لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{74} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{75}........... هنا النص واضح و يفهم منه بأن الحديث هو عن نساء جالسات بخيامهن... و ذكر ) يطمثهن (يعزز ذلك فكلمة طمث تستخدم للإشارة للعادة الشهرية لدى النساء باللغة العربية. رغم أن هناك اشارة استفهام حول علاقة الطمث بمس الرجال لهن فالأمرين غير مرتبطين . و مع ذلك التفسير الإسلامي هنا قوي و متين بأن الآية تتحدث عن النساء في الجنة و مواصفاتهن و يؤكد ذلك آية سابقة من نفس السورة تقول ) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{56} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{57} كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ{58})...... قاصرات الطرف التي تذكر بالآية هنا أكيد لا يقصد بها حبات العنب نأتي للسريانية للبحث عن معنى طمث .) طمتا ( بالسريانية تحمل معنى التلويث و التلطيخ) قاموس سرياني عربي انجليزي .. لويس كوستاز ( . و التفسير هنا استنادا للسريانية يكون بأن الحديث هو عن حبات العنب أيضا بدليل تشبيهها باللؤلؤ المكنون و أن المقصود بكلمة )لم يطمثهن (هو أبكار ثمار العنب )أول قطفة ( التي لم تدنس بلمس بشر قبل ذلك . و أبكار المحاصيل لها أهمية كبيرة دينيا فالتقدمات و القرابين كانت تقدم منها . و مع ذلك يبقى التفسير استنادا للسريانية بالحالة الرابعة ضعيف مقارنة بالعربية على عكس الأمثلة الأولى التي يبدو بها التفسير السرياني مقبول لغويا و منطقيا . فالجنة هي مصير المؤمنين المتقين رجالا و نساء . فاذا كافأنا الرجال بتزويجهم بنساء مكتملات الجمال فما هي مكافاة النساء المؤمنات . و العدل من أهم صفات الخالق . و التفسير الفقهي الإسلامي هنا يناقض صفة العدل لدى الخالق . أما التفسير السرياني لهذه الآيات فهو بالعكس يتحدث عن الراحة و التمتع بالطعام و الشراب للجميع من رجال و نساء . الحور العين ذكرت أربع مرات . ثلاث منها بآيات مكية لا ترتبط بالنساء أبدا بل ترتبط بالمتع المادية لذلك العصر من طعام و شراب و هو ما يدعم تفسيرها بالعنب حسب السريانية. و المرة الرابعة بآية مدنية تحمل اشارة واضحة بان المقصود منها هو نساء الجنة . و من المعلوم أن الآيات القرآنية المكية تتميز عن المدنية بكثير من الاختلافات من حيث اللغة و التوجه العام . فالآيات المكية كانت أكثر روحانية و بعيدة عن الأمورالدنيوية و المادية . أما الآيات المدنية فكانت نصوصها أكثر دنيوية و تتعلق بتنظيم المجتمع الإسلامي الناشئ و إدارته مدنيا و عسكريا و هو ما يفسر ربما توجه الآيات المدنية باتخاذ طابع أكثر ذكورية و خص الذكور بمكافأة الحور العين بالجنة لهم دونا عن النساء . فالرجال هم من يقع عليهم عبئ شن الحروب و المعارك و التوسع العسكري لبناء الدولة الناشئة و من هنا تكون المكافأة الاخروية من نصيبهم .
#رماز_هاني_كوسه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
game of thrones و أساطير الشرق الأدنى
-
أبناء الآلهة و المعراج للسماء
-
تيس عزازيل ..... و طقوس الفداء و الأضاحي
-
النسيج المقدس..... ما بين العذراء النساجة و انجلينا جولي
-
من تدمر و البتراء .... إلى مكة
-
طقس الاستسرار initiation ...(موت و حياة)
-
العماد و استعمال الماء في طقوس الطهارة الشرقية
-
الاشجار المقدسة
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|