|
عصير الحصرم 74
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 18:29
المحور:
الادب والفن
1 حينَ سافرت إلى باريس للمرة الثانية ( ربيع 2005 )، كان في ذهني زيارة حديقة الرسام الانطباعي الكبير، كلود مونيه. إذ سبقَ وقرأتُ عدة كتب عن الحديقة، وحياة الرسام بشكل عام. مزرعة مونيه، تقع على بعد 55 كيلومتراً من باريس، باتجاه منطقة النورماندي. وقد ركبت ذات صباح القطارَ، المتجه إلى بلدة فيرنون، ومن هناك أخذت الأوتوبيس نحو قرية الرسام، التي تُدعى جيفرني؛ وهيَ أضحت مرتبطة باسمه عند محبي فنه في العالم. كما قلت في مبتدأ المنشور، أنني تعرفت على عالم مونيه قبل زيارتي لجيفرني، حيث مزرعته ومرسمه. تأثراً بما قرأت، كنت قد وضعتُ لمساتِ الرسام على حديقة منزلي الصغيرة، لما كنتُ أقيم في مدينة أوبسالا: الأقواس الحديدية، المتسلق عليها عرائش الورد الجوري؛ الممشى، المفروش بالرمل الأبيض، وتحفّه من الجانبين صفوفُ الأزهار؛ نبات " الكرّاسة " الصينية ذات الألوان المتعددة، التي تكون على شكل مدادة أو خميلة.. وغير ذلك. كان بودي آنذاك الكتابة عن حديقة مونيه، وباريس بشكل عام، ثم إضافة انطباعاتي إلى كتاب أدب رحلات، كان ينمو منذ تلك الفترة. إلا أن التأجيل كان يمنعني من الكتابة في كل مرة. إلى أن جاءت الفرصة، لما جعلتُ بعض أبطال روايتي، " كعبة العماء "، يقومون بزيارة مزرعة مونيه. هنالك، حيث من المفترض أن أحدهم يقيم في قرية قريبة من جيفرني.
2 للمرة الأولى، منذ أحد عشر عاماً، أقيم خارج مراكش القديمة. في هذه المرة، دبروا لنا شقة في عمارة حديثة بحي " المحاميد "، تقع تحت مسكن ابن حميّ الأصغر. هذا الحي، الحديث بدَوره، يبعد نحو عشر دقائق عن المطار الدولي. كذلك يمر الطريق العام بحدائق المنارة، الشهيرة، الشبيهة بغوطة دمشق لناحية كثافة أشجارها المثمرة. في الطرف المقابل لذلك الطريق، يجري العمل على إقامة منتزه على مساحة شاسعة من الأرض سيستفيد منه أهالي أحياء المنارة والمحاميد ومسلم. بسبب بعد المسافة نسبياً إلى مركز المدينة، فإنني صرت أستخدم الحافلة الكبيرة. هذا يوفر لي أيضاً متعة مناظر الطريق، المزيّن بشلالات من عرائش المجنونة بألوانها المتعددة فضلاً عن مساكب الورود والأزهار، المظللة بشجيرات النخيل والحمضيات والزيتون. أحياناً أنزل عند " المنارة مول "، ثم أتمشى عبر شارع محمد السادس في الطريق إلى حي غيليز؛ هناك، حيث ألتقي في المقهى مع أصدقاء الشيشة وكرة القدم.
3 قبل يومين، كنتُ في سيارة الأجرة بالطريق إلى مركز المدينة، لما أوقفنا أحدهم عند مفرق المطار. ولأن لهجته دمشقية، فإنني تعارفت معه ومن ثم أبديت له استعدادي لمساعدته في الوصول إلى بنسيون قد حجز فيه مسبقاً. الرجل ( أصله فلسطيني من ناحية الأب )، يماثلني في العمر تقريباً. كذلك أدهشني أن أعرف أشياء أخرى، تجمع بين شخصيتينا: فإنه كاتب وصحفي، سبق أن ترك الدراسة في الإتحاد السوفييتي ثم التجأ لألمانيا، كما أن لديه ولدين من طليقته وفي سبيله للزواج مجدداً من فتاة مغربية. يومان حافلان، قضيتهما بصحبة هذا الصديق المثقف والإنسان اللطيف الطبع. فبعد عثورنا على البنسيون ( كان للصدفة قريباً من منزل حميّ )، اتجهنا إلى ساحة جامع الفنا لتناول الغداء في مطعم شعبي. بعد ذلك كنا في الطريق إلى حي غيليز، حيث انهينا مشوارنا هناك في مقهى الشيشة بصحبة الأصدقاء المراكشيين. في ساعة متأخرة ليلاً، رأيتنا أمام أحد أكشاك الأطعمة بساحة جامع الفنا. أختار صديقي أكلة ( رأس الخروف )، بينما اكتفيتُ من ناحيتي بشرب الشاي. في اليوم التالي، التقيت معه بمنتصف النهار ثم مضينا إلى محطة سيارات الأجرة في منطقة باب دكالة. شئنا عندئذٍ التمشي عبر أسواق مراكش العريقة، وكانت مزدحمة بالسياح. ودعته عند باب سيارة الأجرة، حيث سيمضي إلى مدينة " الجديدة " كي يلتقي مع خطيبته.
4 انتصف شهر حزيران/ مايو، والطقس ما يزال رائعاً. عند وصولي لمراكش، قبل خمسة عشر يوماً، كان مؤشر الحرارة فوق الأربعين. بعد ذلك بيومين، ونتيجة لمنخفض جوي، اعتدلت درجات الحرارة بشكل دراماتيكي حتى أن المرء يشعر بالبرد مع حلول المساء. ظاهرة أخرى، انتبهت لها في اليوم التالي لوصولي إلى المدينة الحمراء. إذ قلّت بشكل ملفت أعدادُ المتسولين في شوارع المدينة، كما أن حضورهم اختفى تماماً من الأسواق. وهذا ينطبق أيضاً على أمثالهم من السوريين ( أو من يتقمصون صفتهم! )، الذين كانوا يفترشون الأرض مع أولادهم في مدخل شارع البرنس وحول ساحة غيليز الرئيسية. قبل بضعة أيام، أردتُ ملأ كرت الموبايل في محل يُشرف على شارع محمد الخامس في غيليز. وكالعادة، طلبت هناك المساعدة في تسجيل الكرت الجديد. في اليوم التالي وعند مروري عصراً من أمام المحل، لاحظت تزاحم الناس حول طاولة عريضة وضع عليها أنواع غير مألوفة من الحلوى. سألت الشاب نفسه، الذي قدم لي المساعدة في اليوم السابق، عما إذا كانت الحلويات سورية. فأزاحَ جانباً من إحدى العلب، ليظهر عليها كتابة بالخط العريض: " البقلاوة الشامية ". انتقيت عندئذٍ ثلاث قطع من الحلوى، ثم اتجهت لمقهى قريب كي أتناولها مع القهوة.
5 النصب والاحتيال، هما من الظواهر الأكثر سلبية، التي يعاني منها الغريب في مراكش. وسائل الإعلام المحلية، تكلمت مراراً عن هكذا ظاهرة وأنها سببٌ في " تطفيش " السياح. من يعملون بصفة نادل، سواء في المطاعم أو المقاهي، يعتقد غالبيتهم أن لهم الحق في التلاعب بتعريفة الأسعار، وفوق ذلك، بضمان البقشيش ولو عنوةً ! في المقهى، أعتاد الزبائن على منح بقشيش لعامل فحم النرجيلة ( الشيشة )؛ وذلك لأنه دخله الوحيد. أما النادل، وبرغم أن له راتباً شهرياً، فإنه يتحايل من أجل اقتطاع مبالغ إضافية من الزبائن. فتراه يمسك منك الورقة المالية ثم يتجه إلى مكان ما، يختفي فيه لدقائق طويلة أملاً بجعلك تمل وتغادر المقهى دون أن تأخذ البقية. قبل بضعة أيام، كنتُ وأحد الأصدقاء في مقهى شهير بساحة غيليز. لما هممنا بالذهاب، تركنا ورقتين من فئة العشرين درهماً ( حوالي 4 أورو ) للنادل. وإذا به ينبر للقول بلهجة جافة: " الحساب خمسة وسبعون درهماً؛ خمسة وأربعون ثمن العصير وخمسة وعشرون ثمن الشاي ". أي أنه علاوة على النصب السافر، ضمنَ لنفسه البقشيش أيضاً !
6 الزيتون، هو من أجمل أشجار الزينة في مدينة مراكش. ولأنها مدينة حارة الطقس صيفاً، فإن الزيتون ملائمٌ لتظليل شوارعها ودروبها. أمس، ما أن نزلت من الأوتوبيس عند " منارة مول "، إلا ويممت وجهي شطرَ الجانب الظليل من شارع محمد السادس. إلا أن أشجار النخيل، المنتصبة على طول ذلك الجانب، كانت ظلالها قليلة. حتى وصلتُ إلى قصر المؤتمرات، حيث انعطفت نحو شارع يتوسطه شريطٌ أخضر زرعت على حافتيه أشجار الزيتون. مشيت تحت أفياء الأشجار الوارفة، بينما نظري يتمتع بمشاهد الحدائق، الملحقة بالأبنية والفيلات. كوني على موعد مع الشباب في المقهى، لمشاهدة مباراة المغرب مع ناميبيا، فإنني آثرت المكوث في الحديقة ريثما يحين الوقت. هناك في الحديقة، وجدت كرسياً فارغاً في بقعة تزدحم بأشجار الزيتون والحمضيات والنخيل.
7 منارة مسجد الكتبية، تعد واحدة من أكبر مآذن العالم الإسلامي. ساحة المسجد الخارجية، هي المكان المفضل لاجتماع العائلات منذ ساعة غروب الشمس؛ وبالأخص في أيام العطلات. بالنسبة لي، أجد متعتي نهاراً في ارتياد الحزام الأخضر، الذي يحيط بمسجد الكتبية من جهاته الثلاث. الجهة الشمالية من الحزام، هي حديقة كبيرة مسوّرة وذات أبواب متعددة. يخترق الحديقة من شمالها إلى جنوبها مسيل مائي، ينطلق من بحرة مثمنة الشكل ثم يصب في بحرة أكبر حجماً ومستديرة. المسيل، مع نوافيره الكثيرة المتسلسلة، تذكّر المرء بمثيله في قصر الحمراء بغرناطة. الحدائق في مراكش، تغلق قبل الساعة السابعة مساء. قبل بضعة أيام، أدهشني في خلال عودتي عن طريق محاذي لحديقة الكتبية، أن أجدها مفتوحة في ساعة متأخرة ليلاً. وكان السياح آنذاك متواجدين بشكل ملحوظ، وغالبيتهم كانوا يستعملون الحديقة ممراً إلى الحي الشتوي، حيث ينتشر الكثير من الإقامات الفندقية وأوتيلات 5 نجوم.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصير الحصرم 73
-
غرائب اللغات 2
-
عصير الحصرم 72
-
واقع، حلم ثم كابوس
-
الصعلوك
-
مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
-
الحطّاب العجوز
-
تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
-
تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6
-
تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 5
-
تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 4
-
تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 3
-
تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 2
-
تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 1
-
تاجرُ موغادور: الفصل السابع 11
-
تاجرُ موغادور: الفصل السابع 10
-
تاجرُ موغادور: الفصل السابع 9
-
تاجرُ موغادور: الفصل السابع 8
-
تاجرُ موغادور: الفصل السابع 7
-
تاجرُ موغادور: الفصل السابع 6
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|