عبدالرحمن حسن الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 16:46
المحور:
كتابات ساخرة
حدثنا شيخ الحالمين قال,تهيأت للنوم في حدود الساعة الواحدة ليلا وكنت في غاية الأعياء ولم تمضي سوى دقائق معدودات على إغماض عيني حتى فززت {عربية فصحى,فز الشخص أي فزع} على أصوات إطلاقات نارية قادمة مباشرة من جهة الشارع الذي تطل عليه نافذة غرفتي ,قفزت ناحية النافذة وما أن أزحت الستارة لأرى ماذا يجري حتى فوجئت بوابل من الرصاص ينهمر على زجاج النافذة ليحيله الى رذاذ ,ألقيت بنفسي على أرضية الغرفة زاحفا نحو الباب,إطلاق النار توقف وجائت أصوات تشبه صراخ المخمور ,واصلت زحفي الى غرفة الأستقبال ودون أن أضيئ النور أتجهت الى النافذة وبحذر شديد رفعت طارف الستارة فرأيت رجلا وسيم الهيأة أسمر اللون يقف في النافذة المقابلة لشقتي يحمل بيده مسدسا يولول بكلمات غير مفهومة تارة يلتفت خلفه, ثم يلطم رأسه وخده بيده وتارة أخرى ينظر بأتجاه شقتي ويصرخ ثم ينتحب باكيا رافعا مسدسه متوعدا .تعوذت من الشيطان وقلت في نفسي مالذي يريده مني هذا المجنون وتذكرت إني صادفته مرة فى الشارع وأخرى في المترو مع أبنته الصغيرة وكان ينظر لي بشكل غريب ولم أعر له وقتها أي إهتمام ولكن أن تصل المسألة أن يريد قتلي فهذه وألله مسألة عجيبة.وبينما كنت أراقب حركات الرجل وهو يتجول في شقته ويصرخ وقد أنار كل غرفها جاء من بعيد صوت زعيق سيارة الشرطة لتتوقف أمام بوابة العمارة وينزل منها عددا من الشرطة يتجهون راكضين لداخل البناية التي أضيئت كل أنوار شققها ثم لتأتي سيارة شرطة أخرى, وما إن رأى الرجل وصول الشرطة فتح لهم الباب دون أية مقاومة ,ثم رأيت رجال الشرطة يتجولون في أنحاء الشقة وهم يحدثون الرجل بعد أن سلمهم سلاحه وهو في حالة أنهيار تام .بعد دقائق جائت سيارة إسعاف وتوجه رجالها لداخل الشقة أيضا ليخرجوا فيما بعد ومعهم إمرأة ترتعد فرقا وبصحبتها طفلة تبكي وتصرخ أبي أنا أحبك يا أبي..أرجوك لاتقتل أمي.... وليتجهوا بهن الى سيارة الإسعاف التي سارعت بالمغادرة يسبقها صوت بوقها الذي مزق سكون الليل ,بعد ذلك بدقائق خرج رجال الشرطة ومعهم الرجل موثوق اليدين وهو ينظر تجاه نافذتي ويصرخ سأقتلك لن تفلت مني سأقتلك.. سأقتلك,أركبوه في السيارة الأولى وغادروا المكان في حين أن السيارة الثانية ضلت متوقفة وبجانبها رجال الشرطة ومعهم ضابط كان يتطلع تجاه نافذة غرفتي ويسجل ملاحظاته ثم أني لما إطمأنيت من زوال الخطر أضئت النور فلمحني الضابط فرفع يده بالتحية الرسمية المعهودة ,وأفهمني بالأشارة ما إذا كان بالأمكان الحديث معي ولما كنت أنا نفسي أريد فهم ما جرى أشرت له بالتفضل عندي .دخل الضابط وأطمأن أني لم أصب فرويت له ماجرى وأريته الشباك والزجاج المتناثر,قال أن هذا الرجل حاول قتل زوجته وإبنته الصغيرة وحاول قتلك أيضا, ولولا أن زوجته أخذت أبنتها وأختبأت في إحدى الغرف وأغلقت الباب بالمفتاح لأصبحوا في خبر كان .فصرخت ولكني لا أعرفه وليس لي به أي علاقة ,قال التحقيق سيوضح كل الملابسات,هو يتهمك بأنك سبب المأساة التي جعلته في تلك الحالة الهستيرية,قلت عجيب وكيف أكون السبب وليس لي علاقة بهذه العائلة لامن قريب ولا من بعيد قال يبدو أن هنالك سر أو أمر ما وكل ما نرجوه منك هو أن تأتي لدائرتنا إذا أمكن غدا صباحا في العاشرة لتسجيل أفادتك وهذا كارتي وفيه العنوان,تعال مباشرة لمكتبي,الى اللقاء.لم أنم ليلتها , ماذا يجري وماذا يخبئ لي القدر من مقالب؟في العاشرة تماما كنت عندهم وسجلت إفادتي كما ذكرتها للضابط ليلتها ,فقط زدت عليها أني صادفت الرجل من قبل مع أبنته مرتين وكانت نظراته لي غريبة وفيها نوع من العدائية.بعد إكمال المحضر قال الضابط متلكئا وبصوت خافت, الرجل يتهمك بأنك عشيق زوجته.قلت ماذا؟أنا عشيق زوجته,ماهذه الفرية؟قال هل تريد أن تطلع على إفادته؟قلت ياحبذا.قرأت الإفادة وفوجئت بما فيها من إتهامات ,فالرجل قال فيها أنه يشك بأن أكون أنا أبو الطفلة لا هو. قلت للظابط وأنا أتبسم يبدو لي أن هذا الأنسان مجنون أو أنه يتعاطى بعض المخدرات فليس في كلامه أي شيئ معقول وكل مايقوله من دون أي دليل مجرد تصورات فأنا لم أرى زوجته سوى مرات معدودة وهي تغلق نافذتها وآخرها البارحة مع طفلتها وهي متجهة لسيارة الأسعاف. وقف رجل الشرطة وهو يتهيأ لتوديعي قائلا أشكرك على مجيئك وسنتخذ كل الأجراآت المناسبة ونتصل بك لاحقا.قلت ولكن ماذا لو نفذ هذا المجنون تهديده بقتلي وكيف يجب أن أتصرف إزاء ذلك ؟قال المتهم مازال محتجزا عندنا قيد التحقيق ولن نطلق سراحه في الوقت الحاضر لأن في ذلك خطر ليس عليك فقط وإنما على زوجته وطفلته أيضا.قلت هو إذن محتجز عندكم هنا؟قال نعم ...لماذا؟ قلت كنت أود ان اعرف لماذا يتهمني بأني عشيق زوجته.قال هل فعلا تود رؤيته؟قلت نعم..نظرني نظرة فاحصة ثم أنه لما رأى تصميمي قال حسنا ولكن أرجوك ألا تنفعل مهما تهجم عليك بالقول قلت أعدك.ضغط الضابط على زر أمامه فدخل أحد الحراس فأمره بأن يحضر المتهم موثق اليدين ومخفورا برجلين من الحرس. بعد دقيقة أو أثنتين أدخل رجال الشرطة الرجل الذي ما أن رآني حتى صرخ بأعلى صوته انت السبب في تعاستي ,بسببك كنت سأقتل طفلتي وزوجتي..قلت له أرجوك أن تهدأ وأن تنظر لي جيدا هل تعرفني ؟ فلعلك متوهم بالشخص؟ قال كيف أكون متوهما وقد رأيتك مرات عديدة فانت من يسكن أمام شقتنا .قلت نعم ولكن ليس لي أية علاقة بزوجتك ولا أعرفها قال أتنكر أنك على مدار عامين أغويتها حتى أصبحت طوع إشارتك ؟ قلت عن ماذا تتحدث وكيف أغويتها وأنا لا أعرفها؟ ما هذا الهراء؟ قال أتنكر أنك جعلتها تخضع لسفاهاتك حتى وصل بها الأمر أنها كانت ترقص وتتخلع وأنت ترقبها كل ليلة من خلف نافذتك,لقد رأيتك مرات عديدة أتنكر ذلك؟فأجبته محتدا لا... لا.... لاشك أنك تتعاطى شيئا ما فكل أقوالك مردودة وليس فيها شيئ من الحقيقة...وهنا تدخل الضابط فتوجه بالكلام للرجل قائلا ولكن هل رأيت هذا السيد مرة برفقة زوجتك أو عثرت على رسائل منه لها أو أي دليل مادي يثبت علاقته بها؟ قال لا.قال الضابط فكيف إذن تتهمه بأن يكون عشيقا لزوجتك ويصل بك الأمر لحد محاولة قتلها وأبنتها وأيضا أطلاقك النار على هذا السيد؟ قال ولكن وعلى مدار سنتين رأيته يتلصص وينظر الى نافذة زوجتي كل ليلة من خلف الستائر بعد أن يطفئ نور غرفته ثم يقفز للغرفة الثانية ويطفئ النور ويفتح الستارة ويبصبص من زاوية ثانية ,سنتين وانا أراقبه وأراقب حركات زوجتي وكيف كانت تنسل لغرفتها وتشعل نورا خافتا وتبدأ بنمرتها الخليعة وما أن تراني قد أقبلت تتظاهر بأغلاق نافذتها.بعد إن سمعت ما قاله الرجل بدأت أتبسم رغما عني ثم قلت له أهذا كل ماتتهمني به قال نعم وانت تتبسم ولاتخجل من أفعالك ؟قلت ولماذا أخجل وبدأت أقهقه والكل مستغرب مني وأنا كلما رأيت وجوههم وإستغرابهم زدت قهقهة الأمر الذي أستفز الضابط فصرخ..كفاية كفى لا أرى موجبا يستدعي الضحك من هذه المأساة قلت نعم يمكنك تسميتها مأساة ولكنها في النهاية ولحسن الحظ مأساة كوميدية ,قال عفوا لم أفهم, قلت وانا أواصل ضحكي أخرجوا أولا هذا الرجل المسكين الذي يستشيط غضبا وهياجا كلما رآني أضحك فقد يرتكب حماقة مثل تلك التي تسبب فيها لمجرد رؤيتي خلف النافذة وأنا أشرح لك كل شيئ بالتفصيل يا حضرة السيد المأمور .بإشارة من الضابط أخرج رجال الشرطة الرجل ثم إلتفت إلي...تفضل .قلت أريد أن أعرف أولا هل زوجة هذا المجنون لازالت هنا فأنا عندما دخلت مكتبك رأيتها في المكتب المجاور جالسة أمام شرطيا يضرب على الآلة الكاتبة فإذا ما زالت هنا فإني أصر على مقابلتها لتكتمل الصورة أمامي وأتمكن حينها من شرح القضيىة فهل تسمح بذلك؟ ,قال لابأس فأنتظرني إذن هنا في مكتبي وسأعود بعد قليل .طال أنتظاري فقررت الخروج فوقفت وأتجهت للباب فإذا بالضابط يدخل ومعه زوجة الرجل فقدمني لها وقدمها لي وقال تفضلوا بالجلوس .نظرتني المرأة بنظرة فاحصة ومن أعلى لأسفل وهي تجاهد بيدها لأخفاء إبتسامة طافحة على وجهها السمين والمستدير كباقي جرمها الذي يشبه كرة السلة, حين بادرها الضابط قائلا سيدتي لقد قلت في أفادتك أن هذا السيد كان يغازلك ويتلصص عليك فهل تأكدين ذلك أمامه قالت وهي تغمزني بعينها نعم وهل يستطيع نكران ذلك؟ قلت ,سيدتي هذا إتهام خطير, ولا أعرف مالذي تعنيه ..ولكن أجيبيني صراحة هل تعرفنا ببعضنا من قبل وهل هنالك علاقة تربطنا ؟قالت لا طبعا..ولكنك كنت تحاول أن تستدرجني وتغويني إعترف.قال الضابط أنت إذن تعترفين بأنه لم تكن هنالك بينكم علاقة ؟ قالت نعم,قال ولكن زوجك يقول العكس وأنه تحقق من ذلك من خلال مراقبته لك وأنت تستعرضين وتقومين,آسف للعبارة, بخلع ملابسك أمام هذا السيد لأغراءه ؟,ضحكت المرأة كاشفة عن أسنان بيضاء مدببة تشبه أسنان التماسيح , وقالت في الحقيقة كنت أفعل ذلك لأزيد من غيرة زوجي لأذكي حبه لي بعد البرود الذي أصابه ناحيتي بعد ولادة طفلتنا الوحيدة.هنا لم أعد أستطيع تمالك نفسي فوقفت واجبتها بعصبية ..هكذا وبكل برود تستخدميني كطعم من أجل إثارة زوجك؟ألا تخجلين من نفسك؟قالت وأنت ألا تخجل من نفسك وأنت تتلصص علي من نافذتك؟ قال الضابط مهدءاً ,سيدتي هل تتهمين هذا السيد بشيئ آخر ؟ قالت لا قال يمكنك إذاً من العودة لدارك وسنعلمك بما ستتمخض عنه الأجراآت الرسمية.خرجت المرأة وهي ترمقني بنظرة فيها مزيجا من العطف والتشفي .توجه لي الضابط وقال ..ها..أنا الآن كلي آذان صاغية لك لفهم هذا اللغز المحير.قلت أعرف مسبقا ياحظرة الضابط أنك ستستغرب الأمر ولكن المسألة بالحقيقة تتعلق بقاطني الشقة التي فوقي وهم ثلاثة شبان في مقتبل العمر.فقال الضابط مقاطعا تريد أن تقول أن الرجل توهم وأنهم هم من كانوا يعاكسون زوجته لا أنت؟أجبت باسما كلا ..لا أقصد ذلك وإنما أردت أن أقول أنه وبسبب الضوضاء التي يحدثونها بإستدعائهم أصدقائهم وصديقاتهم وأصوات أعقاب أحذيتهم وخصوصا الفتيات رواحا ومجيئا...هنا قاطعني الضابط مرة ثانية ..ولكن ما علاقة ذلك بما جرى؟أرجوك أن تحدثني عن الدافع لما حصل وليس عن قرقعات الكعوب العالية.قلت صبرك وسترى الرابط..إعلم أن هذا الأزعاج وهذه الضوضاء المتقطعة خلال أمسيات الأسبوع والتي تمتد أحيانا للثانية بعد منتصف الليل تجعل الأنسان يفقد طعم النوم فيصبح عصبي المزاج حاقد على شبيبة هذا الزمان وعدم مراعاتهم الأصول وأنانيتهم بعدم أحترامهم لحقوق الجيرة فكم من مرة نبهتهم للأمر من دون أي جدوى,فطيلة عامين كنت أحاول أن أرصد تصرفاتهم عندما يتجاوزون الحدود ويدعون عددا كبيرامن أصدقائهم وتطول السهرة ومعها الضوضاء خصوصا بعد ان تفعل الخمرة فعلها في رؤوسهم مما يضطرني للصعود وطرق بابهم وتنبيههم وتوبيخهم وأحيانا تهديدهم بالأتصال بالشرطة ,التي لطالما أتصلت بها ويكون الجواب ليس لدينا سيارة جاهزة أو أنهم يعدوني بالمجيئ حالا ويخلفون وعودهم .قال الضابط متضايقا أنا ولحد اللحظة لم أرى أية علاقة بالموضوع.قلت العلاقة هي أني لقلة نومي ونرفزتى أصبحت مهووسا بمعرفة مايدور في الشقة التي فوقي, كنت بحاجة لرؤية ما يدور عيانا حتى أعرف كيف سأتصرف معهم ولقد لاحظت بالصدفة مرة أن زجاج نافذة شقة هذه العائلة المقابلة لي يعكس صورة الشقة التي فوقي ليلا ويمكنني من رؤية مايدور فيها ,وهي شقة بنافذتين كشقتي بالضبط والصورة لاتظهر الا نافذة واحدة من زاوية نظر إحدى غرفتي شقتي فقد كنت مضطرا لتغيير زاوية النظر والأنتقال من نافذة لأخرى .هكذا كنت أراقبهم من خلال تلك الواسطة دون أن أنتبه بأن زوج هذه المرأة قد راقب نشاطي وفسره مع الأسف على النحو الذي أوصله لحد منطق الجريمة ,خصوصا بعد أن أججت فيه زوجته الخبيثة مشاعر الغيرة مني وهي تظن أني كنت أترصدها هي بالذات ,...هذه هي الحكاية ومن البداية وهي تفسر كل ملابسات وأسرار القضية ,هنا أنفجر الضابط ضاحكا وقال يالها من حكاية ولا حتى في الأحلام فقام مودعا وهو يقول ضاحكا أذهب يارجل تصحبك اللعنة ولا تنسى في المرة القادمة أن تعلمني تلفونيا متى ما فعلوها هؤلاء الأوباش الثلاثة وأرقوك ثانية. قلت بنفسي هازئا وهل تستطيع ذلك وقد تفشى الأمر وتحولت البيوت والشقق السكنية الى علب ومواخير ليلية فوداعا للنوم والأحلام الهنية.
#عبدالرحمن_حسن_الصباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟