أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وديع العبيدي - تفكيك العنف وأدواته.. (27)















المزيد.....


تفكيك العنف وأدواته.. (27)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 15:05
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تفكيك العنف وأدواته.. (27)
تج- وال.. تج- ارة..
(14)
جَوَلان في الأرض..
ما تنفكّ السيرة العبراانية، عن التجوال في الأرض. التجوال سيرة البدوّ، والغجر. وللتجوال أسباب: بدائية، اقتصادية، امنية. والتراث الشفاهي حافل بقصص وسواليف تتعرض لسيرة التجوال، حذر الاستقرار والتشبث في المكان الواحد، والتشابه المقيت. ولهاته الفئة ينتسب العبرانيون الأوائل.
لفط (عبراني/ عبري) مشتق من (عابر/ عبور)، ومختلف في تأويله. (عابر) هو أحد اجداد البشر من بني نوح ابن آدم: (عابر أبو (فالج) ابن شالح ابن ارفكشاد ابن سام ابن نوح/(تك 11: 10- 16)).
(فالج) من (فلج): بمعنى (انفلاج: انقسام: انفصال) الأرض، وعدم كونها بسيطة واحدة. هذا الانقسام/ الانفلاج يقصد به وادي الفرات. والمعتقد أن نقطة: [فالوجه/ فلّوجة] هي رمز لنقطة الانقسام/ الانفلاج، حيث ينحرف مجرى نهر الفرات جنوبا عندها.
والفلّوجة العراقية، مدينة وأثر وتاريخ وأصالة، لذلك كانت من نقاط استهداف المشروع الأميركي بتدميرها ومحو تاريخها وتفتيت اجتماعها السكاني، وهي اليوم في عداد هيروشيما ونكازاكي، منطقة ملوّثة كيمياويا ونوويا، بعض مناطقها ما زالت ممنوعة من التداخل، وبعضها الآخر يشهد استحالات بيولوجية مشوهة بين الحيوانات والبشر، مما يخرج عن السوية البشرية والحيوانية التي فطرها الله.
والثلاثة يقفون وراء ذلك، ويسألون عنها في الدنيا والأخرة: الأميركان والاسرائيليون وحزب المالكي. وليس عشوا، ان تكون (الفلّوجة) أول وكر للمجاهدين الأفغان/(الأفغان العرب)، إذ استقر فيها أبو مصعب الزرقاوي [1966- 2006م]، غب نقلهم من أفغانستان إلى العراق، عبر بوابة ايران، وبرعاية كل من المخابرات الأميركية والايرانية.
ويذكر أن الهجوم والحصار والقصف الامر-مالكي بدأ العام (2004م) عقب انتهاء مدة حكم بريمر [ابريل 2003- ماية 2004م الانتقالية، واستلام جهات عراقية مزوّرة، لعجلة الحكم. ابتدأ القصف والمناوشات بشكل تدريجي، ليشهد ذروته في (2006- 2010م)، لتعقبها موجة الاحتجاجات والتظاهرات السلمية والعصيان المدني في انحاء الأنبار وكركوك وصلاح الدين، التي قمعها المالكي بكلّ وحشيّة وعنصرية، وصولا إلى ظهور شخصية أبي بكر البغدادي ونقل ميدان الصراع شمالا، في منطقة هي امتداد جيوثقافي سكاني، يشمل [الموصل والرمادي] العراقية، وامتداها الجيوبوليتيكي في سوريا.
الفالوجة، فلجت الأرض وأهلها، بالمنظور التوراتي القديم، وفالجة العراق والعروبة والاسلام، في مشروع الاحتلال الأمريكي ودهاقينه.
من الفالوجة عبر ابرام بن تارح مع عائلته، محاذيا الطريق الميسمي المقابل لمجري الفرات إلى (حاران) كنعان/ السورية/(تك 11: 31). ومنها انطلق جنوبا/(يحدّ الأرض- بلغة مساحي الطابو) حتى وادي الأرض، حيث ينفصل عن ابن أخيه (لوط بن هاران بن تارح)، وهذا هو التقسيم السياسي المتجسد، بين شرق الأردن وبين غرب وادي الأردن. [اختار لوط لنفسه كلّ دائرة الاردن، وارتحل شرقا، فانفصل الواحد عن الآخر/(تك 13: 11)]. ولابد لقارئ التوراة أن يلحظ سياق الحديث، وكأن الأرض قفر، خلو من السكان، وهي قلب العالم، وأكثرها استيطانا وتحضرا وزحاما.
تجوّل ابرام في أرض كنعان، ومضى إلى سيناء ونزل في بئر سبع، وتركها إلى مصر/(تك 12: 10- 20)، ومنها عاد الى أرض النقب/(تك 13: 1) وصعد الى ممرا/(تك 18: 1)، ثم عاد إلى النقب/(تك 20: 1) عند ديار أبي مالك: ملك جرار.
في جرار النقب حدث أمران: أولهما: قيام ابراهيم وسارة بطرد هاجر وابنها اسماعيل، حسب أمر إلهه:[اطرد هذه الأمة وابنها. لأن ابن هذه الأمة، لن يرث مع ابني اسحق/(تك 21: 10)]. وسوف تقطن هاجر وابنها في برية فاران/(تك 21: 21) وتتخذ لابنها اسماعيل زوجة من مصر.
وثانيهما: طلب ابيمالك من ابرام : [أحلف لي بالله، انك لا تخونني، ولا تخون نسلي وعقبي. كاللطف الحبّي الذي صنعت اليك، تصنع إليّ، وإلى الأرض التي تغرّبت فيها. فقال ابرام: (أحلف!)/ تك 21: 23- 24]، لكن ابراهيم وعقبه لم يبرّوا بالحلف، وهو مقدس لدى أهل اللأرض يومذاك، كما هو اليوم، في البادية.
هل الاشكناز هم أولاد ابراهيم؟.. أم اليهود من بني ابراهيم.. الجواب في التوراة والانجيل، وبلسان السيد المسيح.
وليس غريبا على السرد التوراتي أن ينسخ الأبن سيرة أبيه، فيقفو اسحق نفس خارطة الطريق البراهمية بين كنعان ومصر، وما هو ينسخه يعقوب ابن اسحاق، وولد يعقوب. لم يألف هؤلاء الاستقرار والقناعة بالموجود. لكنهم يولغون في التجوال والجولان، دون افصاح حقيقي عن المغزى.
المغزى هو (التجارة) المشتقة والمقترنة بـالـ(تجوال). التجوال والتجارة، أمرا مقترنان، انها تجارة التوصيل الفوري. التاجر يأتيك حتى عتبة دارك. وليس ذهابك أنت إلى السوق، للحصول على السلعة. ان تجارة التوصيل/[لييفرونك/ ديليفري] هي ابتداع عبراني، إن لم يكونوا اقتنصوه من سابق.
عندما كانت الحضارة والمدنية والامبراطورية العالمية بين النيل والفرات، كان تجوال العبرانيين، بين النيل والفرات، للتجارة والتطفل والقرصنة، واحتكار كتابة التاريخ، اسوة باحتكار السلعة والبضاعة والتجارة. وفيما يورد التاريخ أن (الأراميين) تسيّدوا حركة التجارة طيلة ألفين عام قبل الميلاد، لا نجد سندا أو رواية، أو كتاب غير مقدس، يتضمن بطولات الآراميين ومظالمهم، اسوة بالمثال العبراني.
ان محورية الجولان والتجارة والتجوال والاقتناص والتطفل العبراني على مدى الزمن، يفند مزاعم السبي البابلي والاشوري، طالما كان العبرانيون ضيوفا وشهودا مجانيين في مركز كل مدنية وامبراطورية، تظهر للوجود، منذ امبراطوريات الكلدانيين والفراعنة قديما، الى الامبراطوريات الرومانية والبيزنطية والاندلسية والعثمانية، وليس انتهاء بالممالك الاوربية والغربية المعاصرة، واحدة واحدة انتهاء بالجيرمان والانجليز والأميركان.
وخلافا لدعاوى الشعب الصغير/(القطيع الصغير)، فقد توزعت جاليات عبرانية كبيرة العدد، جاء مرموزها في المدن العشر وراء النيل/(ما يقابل صحراء الامازيغ اليوم) حيث توجد أكبر جالية يهودية، تمتد من القرن الأفريقي حتى الاطلسي.
وترد مرموزية المدن العشر حول بحيرة طبرية/(جنيسارت) التي كانت مركز كرازة السيد المسيح وتلاميذه. وفي شنعار/(جنوبي بابل) مستوطنات يهودية كبيرة، رفضت الهجرة مع نحميا وعزرا، فضلت البقاء والاندماج في السكان وثقافة المنطقة، التي تعددت عليها وفود الثقافات من كل اتجاه.
ان مناطق التمركزات العبرانية في القارات الثلاثة، يبين ظهور اتجاه تطوري داخل العقلية والطبيعة العبرانية، تميل للاستقرار والاندماج الوطني. وهذا يعني ان مكونات العرب والامازيغ والايرانيين والترك والكرد، تتضمن وتشتمل أصولا عبرانية، توطنت واندمجت، وساهمت في تكوين الثقافة والهوية السكانية الجديدة للمنطقة.
ان حاصل الازاحات العبرانية عبر الزمن، هي موجات محدودة، اندفعت غربا، مع ظهور الامبراطورية الرومانية وما تلاها، من انتقال المركزية الامبراطورية والحضارية إلى المحيط الأوربي. وفي المحيط الأوربي، سوف تتميز موجتان: شرقية وغربية. الشرقية هي المتبقي من أصول شرقية أسيوية : عربية وعثمانية؛ والغربية، اولئك المندفعون في حدود روسيا القيصرة والممالك الأوربية الشرقية والغربية.
يحدثنا الانجيل عن انتشار جماعات عبرانية في شمالي طبرية وجنوبي لبنان وامتدادا مع ساحل المتوسط حتى انطاكية وعموم فضاء الأناضول، سيما شواطئه المتوسطية والايجية، وعبورا نحو شرق أوربا. فانتشار العبرانيين هذا، لم يرتبط باضطهادات أو ملاحقات أو غزوات أو سبي. لأن المضطهَد والمسبي لا يعين في مناصب الدولة العليا، ويتم تقريبه من بلاط الحاكم، ولا يمنح الحرية للتجوال والتجارة في البلاد.
فالانتشار والتجوال وعدم الاستقرار، نابع من طبيعة الشخصية اليهودية، المسكونة بالاضطراب والقلق والخوف/ (غياب السلام الداخلي)، وليس بعوامل محيطية خارجية. وليس من المعقول، ان عوامل الاضطهاد والملاحقة والغزو، تتابعهم من أرض لأرض، ومن بلد لبلد، في الشرق والغرب. ولم لم يحدث هذا مع سواهم.
ولكن هذا من منتجات الطبيعة التجارية للاستعطاف والابتزاز والمبالغة في المظلومية، للتغرير بالناس وسحب البساط من تحت أقدام الأهلين.
حال اليهود أمس هو حال الاميركان اليوم، يغزون ويقصفون بالقنابل ، ثم يتباكون ويشكون تهديد الامن القومي الأميركي.
هل يخشى مالك المعامل النووية والصورايخ العابرة للفضاء من حملة العصي والخناجر؟.. أم تخشى اسرائيل النووية الفاشستية من أطفال الجارة، وتقوم بحملات طوارئ وحرب دولية، جراء حجارة فشخت جبين شرطي اسرائيلي دلّوع، لا تشبع أمنه جيوش الناتو والاتحاد الاوربي، وكل ترسانة الغرب العسكرية والنووية الحديثة.
العالم مجنون، لا يستوعب أسئلة العقل!.
(15)
أثينا الدولة والمملكة، لم تتبين ملامحها قبل أن تنهزم عسكريا. لم يتبلور نظامها السياسي والدمقراطي قبل أن تعترف بعجزها، أن تتجاوز حدودها السياسية عسكريا، بل أنها تجازف بخسارة كل وجودها وكيانها على الخريطة، إن لم تمل للعقل. الميل للعقل كان معناه (تجارة البحر).
الجنود والضباط الأغارقة تحولوا إلى صيادين وقراصنة وتجار شواطئ وموانئ بحرية، ينقلون سلع الخارج إلى الداخل، وينقلون سلع الداخل إلى موانئ الخارج/(تبادل تجاري). ومع السلع والمنتجات المادية، كانت تجارة الرقيق والأفكار والمعتقدات/(حركة الأفراد والأفكار).
حضارة الاغريق كانت فكرية معرفية فلسفية، وهاته ما كانت بغير ارتياد التجارة البحرية والتبادل مع الأمم. والتجارة التبادلية، ما كانت لتحصل وتزدهر، لولا وضع الأسلحة جانبا، ونبذ العنف، والتعلم على حياة السلم والحوار والعلاقات السلمية والندية مع الآخرين.
من هذا المنطلق، بدأ سكان روما في مناجزة الأغريق، والتوسع في تجارة البحر، من اقصى المتوسط حتى اقصى شواطئ البحر الأسود. تجارة روما حجمت تجارة الاغريق، وسرقت الماء من تحت مراكبهم، فنكصت أثينا وقامت مملكة روما الامبراطورية الممتدة شرقا وغربا.
امبراطورية روما ومن ضمنها بيزنطه المسيحية، شهدت تنامي دور فينيسيا التجارة/(أول جمهورية تجارية مستقلة[697- 1797م]). احتلت التجارة قائمة أولوياتها، وبنت جيشا قويا، كانت قطعاته ترافق سفنها التجارية. استندت سياستها الى اتفاقات ومعاهدات وأحلاف، ولم تخضع لولاية أو مبايعة سياسية.
فينيسيا وميلانو وأثينا والاندلس، اعتمدت التجارة بين أسيا وأوربا اكسيرا لوجودها وازدهارها واستمرارها. تلك التجارة اعتمدت (الندّية) والتكافؤ بين الطرفين، البائع والمشتري. لأنك لا تشتري سلعة غير ذات اعتبار وقيمة. وصانع السلعة المعتبرة، هو شخص وثقافة ذات اعتبار، تجد ترجمتها وتمثيلها في السلعة التبادلية القابلة للمنافسة.
دخول البلدانيات الأوربية مجال التجارة العالمية، افتقد مظاهر الشرف والمصداقية والانسانية. وكان أبرز مؤسسي الخبث و الشرّ، هم الانجليز، وباعترافهم. وذلك يوقوفهم على ضفاف الحسد والغيرة ثم الطمع الممثلة في الثقافة والاقتصاد الصيني: البلد الكبير وملايينه الكبيرة، يعيشون بسلام واكتفاء داخل حدودهم، فيما يعجز بضعة الفايكنغ وانجلن عن توفير قوتهم بأيديهم.
وكان أول منجز انجليزي حضاري، هو تمرير (الحشيشة) للفلاح الصيني، مقابل سرقة نبتة الشاي من الصين. ( الحشيشة كانت ممنوعة في الصين، وغير واردة في ثقافتهم الاجتماعية التاوية. ولكن الممنوع في التاوية الوثنية، هو مباح ورائج في الثقافة الأوربية المسيحية والبروتستانتية)، وذلك لتعطيل العقول والأذهان، وتدمير كيان البشرية.
هاته المراجعة البسيطة والسريعة، تلقي ضوء على الفوارق بين البلدان والثقافات والتسلكات، التي تم اسباغ غطاء/ قناع معاكس عليها، منذ احتكار الغرابوة لاليات التاريخ والسياسة والتبادلات العالمية.
لا تنتظر أن يأتي يوم تعيش انجلتره معتمدة على ذاتها مكتفية بنفسها. وهي لم تكن بغير الحشيشة ونهب الهند، ولن تكون. وعندما شعرت بحدود استمرار ابتزازها لأوربا، ووقوعها تحت هيمنة واشنطن والبنك الدولي، أولت قفاها لهم، وعادت لاستحثاث موارد العالم الشرقي الهندي والاسلامي.
من شبّ على شيء، شاب عليه. وعندما ترى الانجليزي الفرد في الشارع، تجده يشحذ ويستعطي.
يتجمع الانجليز حول الأجنبي، لابتزاز عناصر الأخوة والطيبة والنخوة والعطف واللامادية المكونة لثقافته، فيسهل خداعهم أو ابتزازهم أو سرقتهم، وهو يشعر بسعادة الفوز، ولا يشعر بالعار لتاريخ بلده السياسي المبتذل والمنافي للأخلاق.
تحتكر انجلتره كتابة التاريخ لتزوير ماضيها، وفي كتب مؤرخيها، حيث يعدم أن تجد سياسيا أو موظفا حكوميا، طماحه الشهرة والتملق، لا يكتب تاريخا مزورا، يبرر فيه خطايا بلده، بدل أن يعترف ويعتذر كما تدعو أدبيات الكنيسة غير الانجليانية.
أول ما فعله ابليس في حديثه مع حواء، حسب القصة التوراتية التي يتعلمها الأوربيون ومنهم الانجليز، في ثقافتهم العائلية والكنسية، أول ما فعله ابليس هو (الكذب). كذب + تزوير + مبالغة= وهذا ما يفعله الانجليزي تحديدا. أكثر من ورث مآثر اليهودية، وفنون فهلوتها هم الانجليز.
حتى سياسات الحكومة واداؤها الداخلي والخارجي مبني على الكذب والفهلوة والرقاعة. والحكومة الانجليزية، من أوائل الدول، التي قامت بتوزيع اعمالها الحكومية على شركات تتعهد بانجاز خططها، بكل ما يمنكنها من حرية ومراوغة وتزوير.
ولذا تقتصر وظيفة الوزارة على التنظير والتصريحات الاعلامية، بينما وظائفها تدار من قبل شركات خارجية. وبذلك تتبرأ الحكومة من سيئات سياساتها. والقائمون بالتنفيذ، شباب صغار من رومان وبولند، ابرياء من المسؤولية. لهاته الدرجة بلغ الضحك على الناس والقانون والمجتمع الدولي.
ما وجه شرعية حكومة كاذبة؟.. ما وجه شرعية قانون، تستخدم وسائل منافية للاخلاق والقيم في تنفيذه؟.. ان ما يسمى بدول وحكومات وقوانين اليوم، غرضها الابتزاز والاستعباد والسرقة والتسلط.
لقد ماتت الدولة. سقط النظام. فسد القانون.
وكل النظم والسياقات والمفاهيم تعرضت للتزوير والتشويه. الدولة والقانون والشرعية من إرث القرن العشرين. سقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن سقوطا مجردا، لقد أسقط معه كل بينان العالم. وها هو العالم، منجرد فضائحي، لا يستحي من عريه وسقوط ورقة التوت!
(16)
اليهودية الوظيفية..
على مكاتب توريد البضائع وتفريغها، نشأت الحاجة لبوليصات التأمين، وظهرت البوادر الأولى لولادة (عملة نقدية).
وكان لليهود، صلة مباشرة في تلك الفاصلة التاريخية.
اليهود، منذ زمن قديم، يتركزون حيث مصادر الأعمال. علاقة اليهودي بالعمل واحتكاره، ظاهرة جديرة بالدراسة. لم يعمل اليهود بالمعرفة، اكتفوا من الدين بحرفيات السحر والطلاسم. وعلى السطح، تلك الرابطة الحميمية بالعمل المادي والاكتناز.
في الشرق عملوا في التجارة الفردية ثم الجملة لاحقا. لم يعملوا في قطاع الحرف الذي يشغله ايرانيون وباكستانيون وكرد وهنود؛ أو مجال الطب والترجمة والرياضيات والفلك الذي يشغله نصارى ومندائيون. مع انتقالهم إلى أوربا. جمعوا إلى جانب التجارة، جملة الوظائف والاعمال الملحقة بالتجارة، كالادارة والمراقبة والصيرفة والخزن.
بالنتيجة، فأن أول مكاتب/ شركات الصيرفة والتأمين، انطلقت من تحت أيدي يهود ميلانو. واليوم، لا توجد قرية أوربية ليس فيها بنك وشركة تأمين. لا يوجد فرد في الغرب لا يتعامل مباشرة مع البنك والتأمين. وكل منهما يعتمد على العمولة وفائض القيمة.
وكان للعملة والتأمين، دور رئيس في ازدهار عمليات التجارة وعوائدها. وصار من الضرورة ان يكون لكل تاجر مكتبه الصيرفي والبنكي الذي يتولى عنه استلام وتسليم وتصريف البضاعة، وتحويل حاصلها النقدي للتاجر. وحتى اليوم، تتولى شركات التأمين والبنوك، ادارة التجارة والمبادلات الدولية حول العالم.
فاليهود، هم الذي أسسوا الاقتصاد الأوربي، وأول من أسس الثقافة المادية في العقل الأوربي.
ليس في حياة الاوربيين وتاريخهم شيء، ليس أساسه في اليهودية والدور اليهودي التاريخي. سواء في السياسة، التجارة، الاقتصاد، الاجتماع، التقنيات الدينمية، التنظيم المؤسساتي والشبكة المؤسساتية، وصولا للمركزية الغربية، المشتقة، من المركزية العبرانية الكتابية.
اليهود صنعوا أوربا، وأوربا طردتهم وسلمتهم للمحارق، ثم أرسلتهم إلى مكان إشكالي مضطرب، يفتقد الأمن والاستقرار. وكان أولى، ان يكون الوطن القومي ليهود أوربا داخل الجغرافيا الأوربية، وفي بلدانهم الأم: أوكرانيا، بولنده، روسيا. ولكن هدف الانجليز كان نفي اليهود بعيدا، حيث النار لا تنطفئ، والدود لا يموت.
بن غوريون، خلاف وايزمان، كان يستنكف من الانجليز ولا يعتبرهم أهلا للثقة أو المصداقية. لكنه وسواه، بلع السنارة الانجليزية المسمومة. وفاته، وهو البولوني الروسي ان وطنه القومي ينبغي أن يكون في مركز تركز اليهود في الامبراطورية الروسية التي ضمت بولونيا يومها، وبقيت اوكرانيا تحت النزاع.
يقول حكام اسرائيل أن اليهود جزء من الثقافة الأوربية. اسرائيل حضارة أوربية في منطقة اسيوية غير متحضرة. أليس من المفترض والمنطق إذن، أن تقترن الحضارة بالجغرافيا. فتكون دولة اسرائيل، جيو حضارية اوربية، وليس دولة (أوفر سيز) بالتعبير الانجليزي.
لكن بريطانيا خشيت وقوع (ديمقراطياتها)، تحت هيمنة أو تأثير فرنسا أو ألمانيا أو روسيا، أو أي جهة منافسة لها. اعتقدت، لحمق ما، أن دولة اسرائيل، على غرار الهند واستراليا وكندا، ستكون اقليما تحت نفوذ التاج. وما تزال لها ولع، بصناعة البلدان، لتأكيد مركزيتها التاريخية.
وقد سبق التنويه إلى دور اليهود الاشكناز في صناعة رأس المال البريطاني والتأسيس للاقتصاد البريطاني، قبل ولادة أدم سمث [1723- 1790م] وستيوارت ميل [1806- 1873م]. ولكنهم تعرضوا للطرد، بعد انتهاء صلاحيتهم الوظيفية. ومن أصل مليون وربع، فعددهم اليوم، بضعة الاف، معظمهم من الفقراء. بينما هاجر كثير منهم غربا.
وما يصدق على يهود بريطانيا، يصدق على يهود اوربا الأخرين. وهنا نترك ملاحظيتين..
1- أن أهل الشرق لم يستفيدوا من خصائص الشخصية اليهودية وامكاناتها.
2- ان اليهود لم يبذلوا تنازلات في تاريخهم، قبل ظهور أوربا النهضة وما بعدها، ولم يسيق لهم تغيير دياناتهم، بدافع المجاملة وتأمين المعيشة والسلم الاجتماعي، في غير أوربا. ومع ذلك، فكلّ شيء كان بلا طائل. ولم ينقذهم من الطرد والاضطهاد والنفي.
بالنتيجة، ليس حال اليهود اليوم أفضل مما سبق. وفي أوربا نفسها، يعانون من عزلة ووحشية اليمين وحليقي الرؤوس المتطرفين. وشتان، بين تصريحات سياسيين كذبة، وواقع يومي ونفسي، مسكون بالرعب والقلق الوجودي.
(يتبع..)



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك العنف وأدواته.. (26)
- تفكيك العنف وأدواته.. (25)
- تفكيك العنف وأدواته.. (24)
- تفكيك العنف وأدواته.. (23)
- تفكيك العنف وأدواته.. (22)
- تفكيك العنف وأدواته.. (21)
- تفكيك العنف وأدواته.. (20)
- تفكيك العنف وأدواته.. (19)
- تفكيك العنف وأدواته.. (18)
- تفكيك العنف وأدواته.. (17)
- تفكيك العنف وأدواته.. (16)
- تفكيك العنف وأدواته.. (15)
- تفكيك العنف وأدواته.. (14)
- تفكيك العنف وأدواته.. (13)
- تفكيك العنف وأدواته.. (12)
- تفكيك العنف وأدواته.. (11)
- تفكيك العنف وأدواته.. (10)
- تفكيك العنف وأدواته.. (9)
- تفكيك العنف وأدواته.. (8)
- تفكيك العنف وأدواته.. (7)


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وديع العبيدي - تفكيك العنف وأدواته.. (27)