|
جيل التسعينيات الشعري العماني بين امتداد الرؤى ، و خصوصية التجربة
فاطمة الشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1543 - 2006 / 5 / 7 - 12:18
المحور:
الادب والفن
(1-4) إن محاولة الوقوف على حافة الكتابة عن جيل التسعينيات الشعري العماني ، يجعلك في مأمن تام من دوار يسقطك في فخ العبثية أو التكرار ، لأنها محاولة ظامئة لـلملمة أطراف مشهد متنامي في حضوره من جهة، ومتغافل عنه نقديا من جهة أخرى . إن الكتابة عن هذا الجيل هي محاولة بكر بالضرورة لم يتم كشف حجبها وفك ارتباطاتها المسكوت عنها ( إلا من بعض الكتابات الخارجية التي استهدفت بعض الشعراء ، على خارطة المشهد الشعري في إطار التنظير الهامشي لهذا المشهد ) لتقديمه للقارئ ليتعرف كلية المشهد بشكل عام ، دون قراءة تستهدف تلمس رؤاه وطبيعته الخاصة . لقد أثرى جيل التسعينيات المشهد الشعري العماني المعاصر في العقد الأخير من القرن الفائت بزخم حضوره الشعري الممتد الأطر ، وتشكيلاته الفنية المكتظة بأسماء تشكله بجدارة وحيوية : كــ ( طالب المعمري – إبراهيم المعمري - سيف الرمضاني – هلال الحجري – عاصم السعيدي – علي المخمري - أحمد الهاشمي - يحي الناعبي - أحمد الرحبي ، عامر الرحبي ، يحيى اللزامي – زاهر السالمي - عبدالله البلوشي - بدر الشيباني –فاطمة الشيدي - محمد بن عبد الكريم الشحي –– ناصر البدري – هلال الشيذاني- عبدالله محروس - صالح الفهدي - ابراهيم الحجري - نورة البادي -هاشمية الموسوي - عبدالله الكلباني – إسحاق الهلالي – زهران القاسمي- أحمد العبري - حسن المطروشي – سعيد المكتومي – عامر العيسري - بدرية الوهيبي - حصة البادي - ذكريات الخابوري– نسرين البوسعيدي - عبدالله المعمري -خميس بن قلم الهنائي - سميرة الخروصي -علي الرواحي- خالد العريمي..الخ ) (2-4) يتكأ الشعر العماني على ماض شعري عريق ، وموروث عتيد يتميز بالكلاسيكية شكلا ومضمونا ، - يؤرخ له العمانيون بقرون قبل الإسلام - وبقى هذا الموروث ممتدا في طغيان حضوره حتى السبعينيات من القرن الفائت ،مما شكل خصوصية عامة للمشهد الشعري العماني ، إلا أن جيل التسعينيات بالإضافة إلى هذا الموروث العظيم ،كان يتنازع تكوينه الفني ، استناده بقوة على تجربة حديثة مغايرة تماما ، وهي تجربة جيل الثمانينات الذي شهد انفلاتا صاخبا من عباءة ذلك الماضي ، وتمرد عليه تمردا حقيقيا (مع احترام للإرث الثقافي والحضاري والفخر به ،واعتماده كمرجعية ثقافية ومكانية ) . ففي حين قضى الشاعر العماني ردحا من الزمن في عزلة حالكة كانت كفيلة بإقصاء تجاربه وتعتيم عطاءاته الفنية ، إلا أنه وبعد زمن ليس بقليل من العزلة والانصراف للداخل في قراءة المكتوب ، والمنجز الشعري ، جاءت مرحلة الانفتاح على استحياء، وكمحاولات فردية تحاول الانتصار للذات وللمكان ، كما تحاول الالتصاق الفني بالجديد لتكتسب من مهاراته وفنياته، عبر الوسائل والطرق المتاحة (كالقراءة والسفر والصداقات الشعرية ،والاحتكاكات المباشرة ، وغير المباشرة "الإلكترونية " مع المنجز الشعري العربي والعالمي ) لاستيفاء شروط الشاعرية المحدثة ، وتشرب مذاهبها وأفكارها . وهذا ماحققه جيل الثمانينات الذي حرر انطلاقا من قبضة تلك العزلة ، بسبب خروج الكثير من شعرائه ،خارج الحيز المكاني طلبا للعلم أو العمل ، مما هيأ له الاتحاد مع الجديد ، والاطلاع الواعي على مخرجات الثقافة العربية والعالمية ، وهضم عناصرها ، والاتحاد بمخرجاتها الفنية ، والذي بدوره أسفر عن قصيدة جديدة ناضجة فنيا . وبذلك مهد جيل الثمانينات أرضية جيدة وجديدة للجيل التسعيني ( جيل جامعة السلطان قابوس كما يمكننا أن نسميه نظرا لتفتح أغلب تجاربه في الجامعة ) ، هذا الجيل الذي بدأ يوقع حضوره في المشهد الشعري، الخاص والعام ، مع بداية التسعينيات من القرن الفائت، مراهنا على ذاته لاحداث سبق الحلول ، في الشعرية الجديدة ، مستفيدا من ماضيه القريب والبعيد , مازجا بين مختلف التجارب والأشكال الشعرية الماضوية ، والحداثوية ليجئ مختلفا إلا مع ذاته . لقد تهيأت لهذا الجيل أرضية صلبة من التعددية الثقافية ، والانفتاح الذي ليس آخره المشهد الإلكتروني الذي غيّر جغرافية المشهد الشعري العربي الشعري الجديد من الورق إلى الضوء والورق معا . ( 3-4) إن المتتبع لنتاج أغلب جيل التسعينين يجده أفرز نصا مغايرا ، في رؤاه، ولغته خارجا من عباءة جده الخليل بن أحمد العماني، سيما في مرحلة متقدمة من تجربة هذا الجيل ، لأن بعض شعرائه مارس كتابة الشعر الخليلي في بداياته ، كما جاء نصه ممتزجا في تأسيسه الفكري والفني ، لكونه استقى روافده الشعرية من منابع ماضوية وحداثوية معا . لذا نجد أن معظم شعراء هذا الجيل انطلقت تجاربهم محاكية لتجارب سابقة في الشعر العربي، بشكله البعيد والقريب ، واسترفدوا رؤاهم وخصائصهم الفنية ، من بوتقة التراث الشعري العماني (بحكم المجتمع الممتد السلالات الشعرية ، ووفقا لطبيعة التعلم الأولي ، والتكون البدئي الثقافي ) . إلا إنهم ما لبثوا أن انطلقوا خارج مناطق الداخل مكانيا ، وكتابيا ليبنون ذواتهم الشعرية الخاصة بفرادة من جهة ، وائتلاف مع الآخر الجديد ( عربيا وعالميا ) من جهة أخرى . لقد خرج هذا الجيل على الشكل الظاهر لنمط الكتابة الشعرية القديمة . بحيث استنجز بوفرة الوعي واللغة والصورة نصا حقيقيا مائزا ، مقتفيا أثر بعض التجارب الشعرية العمانية المميزة في الجيل الثمانيني ، والتجارب الأصيلة في الشعري العربي ، بالإضافة إلى اطلاعه على المنجز الجديد في خارطة المشهد الشعري العالمي ، معتنيا بالأسلوبية ، المتسمة بالصنعة الشعرية الدقيقة ، والزخرفة الفنية بذهنية عالية وو وعي شعري خاص . لذا فإن النصوص الشعرية لهذا الجيل تقدم ذاتها نصوصا مختلفة ، مع المتلقي العادي ، فهي لاتشبهه ، بل و قد تثير قلقه ورعبه ، لأنها نسجت بشكل يستنفر لغة الداخل ، ويرفض أن يجاهر بلغة الخارج ، معتمدة التكنيك الفني المحدث في صناعة النص ، وعدم استرفاده من الذاكرة الشفهية القريبة أو التداعي الحر ( الإلهام ) كما استلذ البعض هذا الحضور الهش زمنا طويلا ، كما شكلت الطبيعة والمكان والواقع ( العماني) المتنوع جمالا وقسوة ، رافدا حقيقيا لذلك النص . (4-4) لقد جاء نص جيل التسعينيات متباينا في تجاربه من حيث الشكل الفني ، والقالب الهيكلي لشعريته ، وفي بعض المعاني والمضامين ، إلا أنه ومع ذلك الاختلاف الشكلي في قوالب النص ، ومع وجود ضروب الاختلاف الطبيعية بين شاعر وشاعر ، إلا هناك تقارب واضح وجلي في الخصائص الفنية ، التي تميز هذا النص الشعري ، ولعل ذلك يرجع لتشابه المكونات المعرفية و الثقافية لجيل كامل . وهنا يمكننا أن نضع بعض الخصائص الفنية المشتركة لنص الجيل التسعيني ، بمستويه النثري والموزون ،لنجده يتسم بعدة خصائص منها : تفاوت الالتزام بالوزن والقافية : فشعراء هذا الجيل يختلفون فيما بينهم ، من حيث التزامهم بنمط القصيدة المجرسة (العمودية / التفعيلة )، أو النثرية ، فمن شعرائه من كتب القصيدة العمودية (مستحضرا روح جده الخليل بن أحمد ) ومنهم من بدأ منها ، ثم انطلق خارجها ، حيث كتب قصيدة التفعيلة ، وقصيدة النثر ، ومنهم من راوح في استخدامها هي وقصيدة التفعيلة، ومنهم من جمع الأشكال الثلاثة . حيث اهتم أصحاب النص المجرس أو المموسق ، بتطعيم نصوصهم بالموسيقى كقوة شعرية، وقدرة خاصة ، تهم الشاعر والمتلقي معا، كما اهتموا بأن يصل هذا النص لأوسع شريحة من المتلقين ،لذا نجد في هذا الجيل الكثير من الشعراء الذين التزموا النص المموسق في أغلب نصوصهم مثل : سيف الرمضاني، وعاصم السعيدي ، وهلال الحجري في بعض نصوصه ، وحسن المطروشي ومحمد عبد الكريم الشحي ، وغيرهم . فمثلا هنا نلمح الموسيقى المنسابة في نص سيف الرمضاني، والتزامه بالبحور الخليلية ، حيث يقول : قالتْ: سئمتكَ، حوِّلْ ناظريْكَ إلى ** أُخرى سِوَايَ تحبُّ الشعرَ والشُّعَرَا لقدْ مَلَلْتُ كلامًا لَسْتُ أفهمُهُ ** وليْس عنديَ ما أجلو به السُّورا لنْ أعتني بكتابٍ سَوْف ترسلُهُ ** لنْ أشتهي الليلَ بعدَ اليومِ والسَّهَرا فامنعْ نشيدكَ أنْ ينساب أغنيةً ** تهزُّ أوتار قلبي إنْ سَرَتْ سَحَرا قالتْ كلامًا كثيرًا لسْتُ أذكرُهُ ** ويومها قد تَرَكْتُ الدارَ مُنكسِرا أشكو إلى القلبِ قلبي فهْو لي حَكَمٌ ** يُبدي الحُلولَ، وخصْمٌ يورث الكَدَرا وكذلك نجد هذا الافتتان بالموسيقى ، والعروض في شعر محمد عبدالكريم الشحي ، حيث يقول : حرية بحتوف النسغ والنصب .. نغفو ومن موتها المائي لم نؤب ما يممتك محارات الصهيل فهل .. ينثال بعثك منداحا من الحجب قل للتي اتسخت بالشمس سرتها .. رشي الرباب بطفل اللحن واغتربي قل للمصابة بالوعد افتلي وطنا .. من الغيوم بلون السرمد الرحب جري التخوم وحلف النخل ثم قفي .. على ذراع دمي المحروق وانتسبي بينما مال الكثير من شعراء هذا الجيل لنص النثر ، ميالين بذلك لزعزعة القالب الشكلاني القديم، بقصدية شعرية للخروج من هيكل الإرث الشكلي، للشعر العربي مركزين على اللغة ، و حشد الصور والدلالات الرمزية البعيدة ، التي تعبر عن هموم الشاعر وانشغالاته ، كما تخاطب نخب المتلقين، في لغة خارجة عن مستوى العام ،وبعد تام عن الجرس والموسيقى ، ومن أبرز شعراء قصيدة النثر في هذا الجيل ، طالب المعمري ، إبراهيم المعمري ،عبدالله البلوشي ، اسحاق الهلالي ، عبدالله الكلباني ، يحيى الناعبي والكثيرين غيرهم . يقول طالب المعمري في نص محلق خارج الرتم والموسيقى ، معتنيا بالطاقة الداخلية للنص وهي اللغة والصورة ، كمعيار لجودة النص فقط : وحده يتأمل الأشياء باحثا عن موسيقى لأرخبيلات الاستشفاء ضاحكا من اللاجدوى يرفع قبَّعة المساء عبدالله يعصر الوقت حيث الأصدقاء معجون الصبَّاح وكذلك يفعل عبدالله البلوشي، إذ يحعل اللغة هي أداة الشعر ، وعلامة فنيته الحقيقية ، وقدرته المنوط بها فتنة المتلقي ، حيث يقول : أصمت عندها لاأرى في اصطفائك الطليق إلا صورتي الباكية أنت ترنيمة الصحراء سوف آتيك هنا في البقعة العذبة حاملا يباب الروح
التعبير عن الذات بفجائعية عالية : أكثر أغلب شعراء هذا الجيل من استحضار الذات بهمومها الخاصة ، وإعلاء قيمة الألم الخاص ، وطرحه كثيمة شعرية تتصدر أغلب النصوص ، كما تفنن أغلبهم في كتابة الذات بعواطفها المشمولة بالحب والحنين والألم ، والغربة والوجع ، والفرح والحب ، إلى غير ذلك من مشاعر خاصة تعترى الكائن في رحلته الممتدة حتى النفس الأخير . يقول عامر الرحبي ، منطلقا من ذاته في توحد جمعي مع المتلقين، مشاركا إياهم وحدة الذات والوجع والطفولة والحلم، كمفصل للنص يرتكز عليه في دلالاته الرمزية والنصية ، التي تستدعي بنية لغوية مختارة ، مشحونة بالحنين والماضي والذكريات ، ومجاهرة بالداخل موظفة الـ ( نحن) في بث رسائل الذات والتقرب لها : حين تباركنا الخطوات بهتافاتها ويتجاهلنا الآخرون ، مذ كنا أطفالا نلعب في زاوية الممرات وأزقة الحواري ، نلبسها الشتاء القادم من ذلك الحلم المرسوم في أعيننا والهواء يقذفنا نحو السراديب المظلمة نحن أشباه عراة في هذا الليل وتقول بدرية الوهيبي في استحضار لسحر الحلم البعيد ، ورسم دقيق لتحليق الذات في عوالم موغلة في الوجع والحلم معا ، وبلغة تشد إليها صورا متتابعة للتعبير عن ذات ترسم عوالمها الخاصة من أقصى مكان في المخيلة ، موظفة ضمير ( المتكلم ) المباشر في تراكيبها الممتدة لفضح بؤرة النص الداخلية الخاصة ، وتسليط بقعة الضوء على مركز ثقله وتبئيره ، وهو (الأنا) : وكنتُ أشدُ الرحالُ على هودجِ ،تغفو السماءُ على كفِّ ساحر وتدنو الشواهينُ حتى تصيبَ رؤوسَ الجبالِ بدوختِها ثم تدنو الرياحُ لتزرعَ في هدأةِ الطيرِ أعشاشَها لقد كانت الأرضُ في راحةِ الغيمِ تفاحةً وكنت هناك أصلي على شرفة الإنتظارِ لعل الجراحَ تعودُ لأوكارِها فأغدو لأزرعَ فوق الرذاذِ قبورا بلا ساعةٍ أو يدين الاهتمام بالواقع ، والتماس مع القضايا القومية الكبرى: فالشاعر يتناول هموم الإنسان الـ ( هو / آخر ) في عبوره الحي ، كما يجنح إلى قضايا المجتمع المتأصلة والطارئة ، في طرح عميق ، ورؤية واضحة، مشغولة برمزية فنية وعمق تارة، أو بغنائية ساذجة تارة أخرى معتمدة الطوباوية والتغني بالمجد الغابر ، لذا كثرت في أشعار هذا الجيل قضايا الحب ، و الفقر ، والفقد، والألم ، كما شاع في أشعارهم استخدام المفردات الحياتية القريبة حيث اقتناص الصورة من المشهد الحسي والقريب في توحد غير مائز في طرح قيم المعاناة الخاصة والعامة ، في نص مكشوف وبين تارة ، ومعمى باللفظ تارة أخرى في اختزال لأعلى درجات الألم ، كما أهتم البعض بطرح قضايا الأمة ، وأهدافها وأوجاعها وفضح أعدائها ، مع تسييس نسبي للقصيدة ، وجعلها في مستوى المتلقي من حيث الطرح والفكرة ، ومخاطبة الشعور والمستوى المعرفي ، مع الاهتمام بالزخرف والبيان الجمالي . يقول عاصم السعيدي ، متناولا قضية الغربة والألم والفقد المبكر ، متحدا مع الوجع في علائقية خاصة ، منطلقة من الذات وإلى الذات ، معبرة عن فكرة الغربة الحقيقية ، والمتخيلة ، لينسج نصه على منوال " الأنت " المخاطب ليصعد من وتيرة الألم الحسي ، حين يلقي بظلال الخطاب على المتلقي ليصبح هو المتشكل بالوجع . قد كنتَ طفلاً.. عندما سرقوكَ من أحضان أُمّكْ ورموكَ في سجن بعيدْ لم تبكِ شيئاً، لم تودّع صمتَ لعبتكَ الصغيرةِ.. لم تعانق ظلّ صاحبكَ الوحيدْ وما لمحتَ دموعَ أمكْ.. كنتَ طفلاً مثقلاً بالطفل فيكْ ورحلتَ عنها.. مثلَ نهرٍ من جليدْ ورحلتُ فيكَ على مشيئة غربةٍ، أو موجةٍ لا تنتهي.. إلا لتبدأ من جديدْ ... قد كنتَ طفلاً عندما قتلوكَ لا تدري لماذا جئتَ، أو ماذا تريد ْ. في حين تستحضر حصة البادي ، مفردات قومية كالـ" جسر " لتشكل نصها الخاص ، متحدة مع القضية الفلسطينية ، مستحضرة ثيماتها الخاصة " مدائنَ من قصبْ " في لغة درويشية ماثلة بذات الوجع العروبي القومي، على قدر كبير من الاتساق مع الأيدلوجيا السائدة حول ذات الموقف ، ولغة مشحونة بالدلالات الحميمة ،حيث تقول: في الروحِ يغفو الجسرُ يا مَن تعبرون إلى مدائنَ من قصبْ في الروحِ نورسةٌ تنامْ تعبى تهدهدُ دربَنا المجدولَ أعمارًا من الذكرى وعمرًا من عتبْ في الروحِ نورسةٌ تنامْ تلهو بأوراقِ المسافةِ والترقبِ والكلامْ دربُ الغوايةِ مُذْ بدأنا كان سيدُها الكلامْ في الروحِ نورسةٌ تنامْ تلهو بلعبةِ حزننا الغافي على وجعٍ بألوانِ البدايةِ في توجسها على حلم ارتواءْ..
التفاوت في الفنية والغوص في الدلالات والاستعارات والتشبيهات ، وكثافة اللغة الشعرية: ففي حين يجنح البعض لجعل نصه خفيفا، قريبا من المتلقي العام ، يميل أغلب شعراء هذا الجيل لخلق نص كثيف من حيث البلاغة ، متشح بالرمزية ، معززين ذلك بغموض الفكرة ، والابتعاد عن المستهلك من الألفاظ والمعاني ، والاعتناء بالغاية الجمالية للنص ، والهدف الإمتاعي للغة القلقة المكثفة ، والبناء الذهني المتصاعد الوعي . فالنص غالبا ما يأتي مستحضرا من مناطق جديدة ووعرة في اللاوعي ، مشربا بفرح طفولي، وذكريات قريبة، أو مضمخا بروائح الفقد والأسى القار في مكامن الروح، هادفا لكسر التكوين المألتف للنصوص القديمة ، خارجا عليها . وقد يتمحور النص حول قضايا ذاتية أو عامة ، منطلقا من الداخل ليخاطب متلقي متحفز بوعي لقراءة نص مغاير ، محدث الصيغة ، جديد التآلف بين عناصره وتراكيبه المرصوفة بحرفية خاصة ، وحس فني عميق ، وامتلاك بيّن لعناصر الشعرية الجديدة . يقول يحي الناعبي ، مجسدا خصوصية الدلالات ، ودهشة البناء اللغوي القائم على تقريب عناصر اللغة المنتزعة من مناطق متفاوتة ، وهندسة النص بشكل خاص من خلال التقريب بين المتخيل والواقعي : لا شيء سوى جريان من أحلام يتلمسها المكفوفون وصيادون يعبثون برائحة الشيخوخة المكنونة تحت شجرة ملتهبة الجرح. لا شيء سوى وصية المرآة لهذا الوجه بعينيه المندلقتين وشلال المطارق يهوي بجنازات آلامه في الصباح لا شيء سوى ضجر يرتعش كعصفور ويصنع فخا لمصير يتوعده. ويقول ابراهيم المعمري في تكثيف دلالي متصاعد إلى أقصى حدود الصوغ الشعري ، في اقتراف للمزج بين الحي والجامد في تراكيب تختزل الدهشة ، وترسم الحقيقي في خط مواز للبعيد في سبك صنعوي نصي مائز : تتكسر المسافات بين قباب المتاهة ورغوة الليل الطرقات المرصوفة بالجدران وسهم الإشارة الحمراء اللامع كجمرة ملتهبة طتخت دخان الخطوة ومرايا الأيام تقلبات الروح الشرسة مندفعة بسكرة المشتعل كشرارات البرق على طول المسافة
التناص : اهتم شعراء التسعينيات بالتناص القرآني والشعري ، وهم مع كل التمرد الشكلي على القديم ، إلا أن التشبع الموضوعي بدلالاته الدينية والتاريخية تظهر واضحة جلية في الكثير من أشعارهم ، وبذلك يؤكدون اعتمادهم الموروث اللغوي كجزء من ثقافتهم الشعرية ، واتصالهم المباشر والحقيقي بالتراث الشعري والنصي القديم . يقول حسن المطروشي مستحضرا الكثير من الدلالات والرموز التي يستجلبها من مناطق متباينة ، وحقب مختلفة في التاريخ العربي ، ليشكل بها نصا معتمدا التكوين الرمزي في حالاته القصوى ، خالعا تلك الرمزية على الذات وعلى اللغة الشاعرة التي يكتب بها : وماتلفظه البطحاء من أحشائها الحبلى : مطايا الزير أشعار الصعاليك مُدى الحجاج أقداح امرئ القيس خطى داحس والغبراء فوانيس لكهان وأسلاب جبتها آخر الغارات للسطو وفصل من ترانيم الشتات
شيوع ثيمات مثل : "الحزن" ، و" الغربة" ، و "الموت" ، و"الصمت" ، و "الجسد" ،و "المكان" ، و"المرأة" : إن المتتبع لمعظم النتاج الشعري التسعيني يلمح ، شيوع ثيمات ( الحزن، والغربة ،والموت ،والصمت ،والجسد، والمكان ،والمرأة ) بشكل ملفت في شعر هذا الجيل ، مما يشكل ظاهرة سيميلوجية ، من حيث عدد ورود هذه الثيمات ، وأهميتها ، وأسباب حضورها.. وتحقيق الغرض الشعري الخاص من ورود هذه الثيمات ، والرسائل المبثوثة من خلال تلك النصوص . يقول هلال الحجري معبرا عن الضياع ، والعبثية واللاجدوى ، منطلقا من الفلسفة العدمية في بعدها الأعمق لكائن متخبط في حياة موجعة ، معادلا بذلك ثيمة الحزن كاشفا عن حالات الغربة التي تتلبس الكائن وترسم ملامح النص المتوهج بانطفاء عناصر الضوء خارجه ، مولدا بذلك التأثير الأعمق في نقس المتلقي المشارك بالضرورة للحالة : مساء الزمان الذي قُدَّ من صرح بلقيس (تحسبه لجة) مساء الخرافات - لاشيء غير الخرافات- نبتدئ الحب منها ونختتم القبلة الآخرة.... مساء الزمان الذي قد مضى .... مساء الزمان الذي لن يجيء... مساء: بحجم الخيانات في (ألف ليلة).... بحجم المسافة.... بين سويّ يُعِدُّ الثقاب ليحرق قريته... وآخر يغرقها في الفساد... بحجم الصهيل الذي لعقته.... طبول الدراويش... في قرية الملح والشائعات... بحجم الوصايا التي مزقتها... يد الطفل.... راعشة في السماء.... بحجم اللغات التي في فمي.... وتقول نسرين البوسعيدي مستحضرة الألم ، والوجع المتكاثر الذي يتوالد من رحم الغيب ، ويشكل مشيمة مفترضة داخل الكائن الشعري ، يرفعه بذلك نحو النص الأبلغ دلالاليا ولغويا ، مقتفية تقنيات السرد النثري لتوصل للمتلقي ذروة الألم المتخلص من أي إيقاع يهدف لتغيير نمطية المشهد الداخلي المشبع بالحرقة . تمد السماء ذراعيها لتعانق وجعا يطفو في الدماء تتهدج مسافات الذاكرة على سرير الليل ليس بيني وبينك سوى شتاء أخير ليس بيننا سوى حزن اغتسلت اطرافه في زرقة اللون ويوم سقطت عن الربيع صفصافة الروح ارتجفت ودائعي تأوي اليها حمى الانتظار أما على المخمري ، فيشكل نصه وفق ثيمة " الجسد " عابرا بذلك حدود الخطوط الحمراء ، التي تشكل دائرة الممنوع في الثقافة العربية ، متماديا في توصيف الرغبة وانثيالاتها ، وتشكيلها في بناء متصاعد الحس الأيروسي في مشهدية حية للمألوف من تداخل النسيج النصي بالجسد . أُنثاكِ تسلكُ تعرجات أوديتي فتتدفقُ المياه ناحتةً تضاريسَ كونيةً في نوافذ زرقاء تتهيأ أمامي وهي تدمدمُ بوسائد جديرة بالعاصفة • طَرَقاتُكِ، تُديرُ رَأس الكوكب طَرقاتُكِ في سقوفِ الجسد كإرثٍ فائضٍ من النمل تنقعين الأرضَ، في شهوةٍ دكناء • في الأعالي لكِ خوذة محاربين أساطير من سلالة الرغبات
في حين نلمح المكان بكل تفاصيله وخصوصياته يشكل الثيمة الأكثر طغايانا، وحضورا متقنا للوصف في نصوص زهران القاسمي ، الذي أتقن استحضار المكان ( العماني ) للنص ليجعله محور النص و ليشكل منه علامة فنية ، ويلزم المتلقي بصحبة ذلك المكان ، وإقامة علاقة خاصة معه نتيجة هيمنته على النص . ومن ذلك قوله : يصعد أبي قمة الجبل الذي يحتضننا ومنظاره العجيب يسافر للتخوم السحيقة .. يخبرنا بعدها أن الجبل الفلاني قد التحف بشال المطر وأن الوادي الفلاني سيصل سيله بعد كذا ساعة من الآن عندها تبدأ الأهزوجة الجميلة .. نكدس أشياءنا تحت شجرة الأمبا ونتشكل قطارا بشريا يحمل المتاع إلى أمكنة آمنة تأتي الوديان هادرة ومخيفة بينما يستحضر اسحاق الهلالي المرأة ، من خلال المكان ، فيقيم في المرأة ( المكان) خالعا ظلها عليه ، ليجعلها وهو في تبادل رمزي للحضور وللغياب ، موظفا ثيمة (المرأة ) توظيفا قائما على نظم نصي مختلف ، لايركن للعادي ، وهو يشهرها كتميمة ضد القحط والجفاف ليتبرأ من خلالها من توحده ومن حيرته الممتدة ، ويضاعف من تأثيرها الطري على الروح ليصبغ على المكان كل طراوتها وظلها الشفيف . حيث يقول : نخلة في القرية جالستني ألقت بظلها عليّ كنت كمن يتفيَّأ في صحراء شاسعة وفلج يعانقني كحبيبة أغيب فيه كضياء أحيانا لاأجد روحي حيث ألتقطها بعد عناء طويل تائهة هناك إحالات وإشارات : 1- التعريف يشمل الشعراء الذين نشروا نصوصهم مابين (1990-1999) . 2- أسماء الشعراء ليست حصرية، بل من خلال نشر نتاجاتهم سواء كمطبوعات أو من خلال الصحف والمجلات . http://www.omania.net/avb/archive/index.php/t-135452.html - 36k 3- http://www.omania.net/avb/archive/index.php/t-135452.html - 36k4- 5- من يأمن اليابسة . دار الجديد .1996.ص51 6- فصول الأبدية . الرؤيا للنشر .مسقط . 1996.ص13 7-سحب تمر ببطء . الانتشار العربي بيروت . 2001.ص58 http://www.arabiancreativity.com/rose-spirit.htm 8- http://www.albabtainpoeticprize.org/poetDetails.aspx?ptId=2 معجم البابطين الشعري 88 -9 http://www.madeenah.net/vb/showthread.php?t=9490 -10 مجلة نزوى – العدد الأربعون - 11 12- بهو الشمس . مؤسسة عمان للنشر . مسقط . 2001. ص72 13- مجلة نزوى . العدد الخامس والأربعون ي 14 - مجلة نزوى - العدد الحادي والأربعون http://www.alwatan.com/graphics/2002/01jan/1.1/heads/ot12.htm- -15 16- مجلة الطليعة / العدد 1686/ 13يوليو 2005 17- مجلة نزوى . العددالخامس والأربعون 18- سيجارة على سطح البيت . دار الجديد1998ص29
#فاطمة_الشيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتمالات جائزة حتما !!!
-
زنبق الماء - إثم اليباس
-
صدى الزرقة
-
قراءة في رواية -سعار- ل بثينة العيسى
-
الخواء هذا اللعين الذي يدفع كائناته للعطب
-
هكذا يبدأ الكلام !
-
عطـش الــكلام
-
بقع على جسد الليل
-
ردى
-
دوائر
-
شهوة الضوء.. شرك الفتنة
-
علامة تعجب! : حول قضية المرأة أيضا
-
على أطراف الغربة
-
الهند : جواب وحيد لأسئلة كثيرة
-
كائنات الموسيقى
-
قناطر العبور
-
ملائكة النرد / كائنات القيح
-
فواصل الوهم
-
تيــــــــــــــــه
-
الحرب والسلام
المزيد.....
-
والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم
-
دبي تحتضن مهرجان السينما الروسية
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|