|
سياحة لأيران على عهد الشاه محمد رضا بهلوي
عبدالرحمن حسن الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 6266 - 2019 / 6 / 20 - 01:44
المحور:
كتابات ساخرة
حدثنا أبي الورد السيبندي عن دلف المكوجي عن الشيخ عبدالرحمن الحالم قال قال كنت قد عملت سياحة لأيران على عهد الشاه محمد رضا بهلوي وهو في عز أيامه فزرت طهران فيما زرت وكنت حينها في أول عهدي بالشباب فأقمت في فندقاً أنيقاً لطيفاً في وسط العاصمة, وما أن وضعت حقيبتي قررت النزول لإستكشاف المدينة. كان الطقس ربيعاً والشمس ضاحكة وكان لاله زار وهو إسم الشارع الطويل حيث نزلي مكتضاً بالمارة والسيارات والمحلات والمغازات بأنواعها، وباعة الرصيف والجوالون ينتشرون في كل مكان وروائح الطبيخ الشهية تداعب أنفي يميناً وشمالاً فلقد كان الوقت ظهراً فجذب نظري كثرة الباعة والتجار الذين كانوا يأكلون في محلاتهم وعلى الرصيف وإنتبهت أن لديهم أدوات يستخدمونها في أكلهم لانستخدمها نحن وهي عبارة عن مدرخة وحلة صغيرة تارة من البلور وأخرى من الخشب يطحنون بها ما يأكلون وخاصة الحمص أو البازليا وكأنهم غير قادرين على مضغ ما سيلتهموه أو ان أفواههم خلقت من دون أسنان، ومما إسترعى إنتباهي أيضا كثرة حبهم للجلوكبابي بالجيم المعجمة وهي قطعة لحم تطرق بالساطور جيداً فتصبح مستطيلة ثم تشوى وتقدم على طبق مليئاً بالرز المنفوش لخفته بحسن طهيه وفوقها قطعة فواحة من الزبدة وقليلا من نتف الكرفس.أكثر الناس هنا كما عندنا يتناولون الشاي بعد الأكل مباشرة ولكن الفارق، وخصوصاً عند كبارالسن منهم، أنهم يضعون قطعة السكر في فمهم ونحن نضعها في الإستكان أو قدح الشاي ويسمون تلك الطريقة بالدشلمة وهم بذلك يختصرون عملية إذابة السكر بالملعقة...وإستوقف إنتباهي بالأخص وأنا أتفرج على المغازات صورة ببرواز مذهب ثقيل لشاه إيران وبرفقته زوجته الشاهبانو وكلاهما جالساُ على عرشه ويضع التاج على رأسه وينظر في المجهول، ولكن تلك الصورة كان يحفها من كل جوانبها ومن أعلاها أنواع وأشكال الأحذية الرجالية الأنيقة ذلك أنها كانت قد وضعت في ~جام خانة~ او فترينة محل لبيع الأحذية..!، ولا أظن بأن صاحب المحل كان قد فعل ذلك متعمداً الأسائة .. وألله عليم بذات الصدور، فقلت في نفسي لو كان قد تجرأ وفعلها أحدهم في العراق حتى لمرافق مرافق الرئيس لتم شنقه مبروزاً بباب وزارة الدفاع في باب المعظم.أعجبني لمعان تلك الأحذية فتدحرج نظري لحذائي فوجدته مغبراً من كثرة المشي والتجوال يومها. وما هي سوى خطوتين ووجدت نفسي أمام محل إسكافي تنيره الأضواء فيه مصطبة جلوس عالية تزينها من خلفها أنواع الرسوم الفارسية وتحفها من الجنبين المساند النحاسية والصناع تحتها جلوس أمام زبائنهم وصوت غناء شعبي يصدح من مذياع قديم ورائحة تبغ مخلوطة برائحة جلد سوق الخفافين , وبغفلة برهة رأيت رجلاً بديناً لعله صاحب الحانوت يسحبني من يدي وهو يقول بصوت خفيض وإبتسامة يستحيل فك رموزها بفرمان آغا..بفرمان..بفرمان تفضل يا سيدي تفضل تفضل فوجدتني جالساَ على المصطبة أمامه وكل الأنظار مسلطة عليّ فأحسست بشيئ من النشوة وقلت في نفسي لعل مظهري الأنيق ومنظر آلة التصوير معي ولكنة سلامي وأجنبيتي أبهرتهم! وما أحسست إلا وصاحبي السمين يطرق بأصابعه على ظهر حذائي ويقول كلاماً لا أفهمه فقلت ربما يسألني عن ما أريده من خدمة فأجبت بالأشارة وأكدت بالكلام آغا صبغ .. صبغ ...فضحك وضحك الآخرون معه فقال بالي أغا مفهوم أي بلى فهمت مرادك ..ثم إسترسل بكلام لا أفهمه وإنتهى بقوله مستفهماً خوبيه؟ أي جيد؟ بصيغة السؤال أي هل أنت موافق؟فدهشت وكررت عليه كلامي الأول آغا فقط صبغ.. صبغ فقال من فهمدي آغا مفهوم ولكن.. أي أنا فهمتك ولكن....ولم أفهم باقي كلامه ،فلما رأى حيرتي أشار الى حذائي وأخذ قدمي اليمنى ولواها حتى كدت أفقد توازني وهو يشير لتحت الحذاء وأنا لا أستطيع النظر، فما هي إلا وحركة خلع فيها كلا الحذائين من قدماي ووضع نعليهما في وجهي وهو يكاد يصرخ وهو يشرح لي الأمر... ففهمت بعد جهد جهيد أنه يقترح علي ظرورة إجراء إصلاحات سريعة على هذا الحذاء مشيرا تارة لكعبه وأخرى لنعله وأنا لا أرى أي عيب فيهما ذلك إني إشتريته ليومين فقط قبل مجيئي لطهران، ثم قام وجاء بنعل جديد وكعب جديد كانا معلقان بجانب صورة كبيرة مبروزة للشاه ممتطيا حصانا وأفهمني بأنه سيستبدلهما لي فأصريت بأن النعل والكعب ليس بهما أي ظرر فلا داعي لذلك وقررت الخروج من الحانوت فتدخل الحضور وبدأوا يحدثوني بكلام فهمت منه بأن عملية تبديل النعل والكعب سوف لن تستغرق وقتاً, وكأني كنت معترضا على الوقت آغا استعجالي..عجالت,,وأن حذائي سيكون بعدها خيلي قشانك أي سيكون جميلا جدا وسيواجه كل أنواع الصعاب في المستقبل دون تردد ...وفجأة أثار مسامعي شيئا يتمزق فأدرت رأسي وإذا بالأسكافي ماسكاً بكلاب ضخم يقلع به نعلي حذائي بعد أن كان قد إقتلع الكعبين بهدوء أثناء إنشغالي مع الزبائن فكدت أصرخ به حنقاً أو أبكي لوعة على حذائي البغدادي الأصيل وإذا بالأسكافي يربت على ساقي مطمئنا ويضع أمامي صندلاً هرءاً كبير الحجم وقبيح المنظر ربما كان يعود لأحد الدراويش الجوالين وأفهمني بأن حذائي سيكون جاهزاً غداً في مثل هذه الساعة ! فأسلمت أمري لله وعدت أدراجي لغرفتي ممتطيا صهوة صندلي اللعين وأعين الناس من حولي أحسها صفعات سخرية على ظهري. فلما كان الغد ذهبت لآخذ حذائي فطالبني ذلك الأسكافي المجرم بأجره فإذا هو ضعف ثمن حذائي فلما خاصمته على ذلك أخرج شيئاً يشبه الخرخاشة التي يلهو بها الأطفال ذات إطار مربع مرصوف فيها العديد من الخرز تحرك يمنة ويسرة مشبوك كل صف منها بميل يمر في وسطها يستخدمونها للحساب ثم بدأ الرجل يمرر يده على الخرزات ويصرخ ويعدد ساعات العمل ويطرح ويجمع كل ما وضع من مواد وخبرة في حذائي المسكين ليريني بعدها كتابة بأن ما يطلبه من أجر موافق لحسابه ، فلما رأى بأني لا أوافقه الرأي وأرفض نقده سلبني الصندل الهرئ ودخل حانوته وأغلق الباب من الداخل فوقفت حائراً حافياً هذه المرة على الرصيف..., فتذكرت محل الأحذية القريب وبأسرع من الريح وجدتني في داخل المحل وصاحب المحل يستقبلني جذلا دون تعليق لأنه كان متأكدا وأنا في تلك المحنة من شرائي أحد أحذيته فإخترت حذاءا فاخراً من بين ما عرض عليّ وفوجئت بأن ثمنه لم يكن ليتعدى نصف ثمن حذائي القديم ففرحت وقلت في نفسي الحمد لله أني لم أدفع ما طلبه مني ذلك الأسكافي الكافر وقبل أن أودع صاحب المحل سألني من أي بلد قدمت فقلت له من بغداد فنظر الى ملابسي النظيفة والثمينة وهيئتي الأنيقة نظرة طويلة ثم ضرب الكف بالكف وقال بعربية مكسرة مخلوطة بالفارسية فلوس داري ولكن جرا عقل نيس أي عندكم فلوس ولكن لماذا لاتملكون العقل, لأنه حسبني قد جئته من بغداد حافيا لأشتري حذاءه أو يقصد اننا نعرف كيف نلبس ولكننا لا نجيد صناعة الأحذية, ومؤكد أنه سيذيع الخبر ويقول بأن عراقيا أتاه ماشيا من بغداد لطهران حافيا لا لشيئ سوى لشراء زوجا من أحذيته المشهورة دوليا.خرجت ومررت من أمام حانوت الاسكافي مرة أخرى فوجدته مفتوحاً أضواءه تتلألأ وصوت مذياعه يصدح وفوجئت بحذائي معروضاً في فترينته الصغيرة أنيقاً مصبوغاً لامعا وبنفس كعبيه ونعليه الأصليين وموضوع عليه سعراً يبلغ ضعف سعره الأصلي ومكتوب تحته حذاء إنكليزي أصلي.
#عبدالرحمن_حسن_الصباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في السعادة والسعدان
-
خصومة قديمة
-
في الأفق يلوح طوفان جارف؟
-
أخطاء شائعة وملاحظات على هامش الحضارة السومرية
-
في نشأة الموسيقى وعلاقتها باللغة [نظرية في أصل النغمات الرئي
...
-
كركوك أسم سومري
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|